أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟















المزيد.....

ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1149 - 2005 / 3 / 27 - 13:58
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يأتي الانسحاب السوري من لبنان استجابة لضغوط دولية لا قبل لدمشق بمواجهتها او تحملها. وباتخاذ قرار الانسحاب تجنبت سوريا فخا، وأضعفت إحكام طوق عزلة محتملة كان يهدد بخنقها. والتنفيذ الأمين للانسحاب قد يوقف نزيف الأصدقاء الذي تسبب به الخَرَق الفاضح لسياستها في الشهور الأخيرة، وقد يخفف من تلاحم الخصوم حولها وضدها.
سحب القوات والمخابرات السورية من لبنان هو الشيء الصحيح، قبل الضغط الدولي وبصرف النظر عنه. واستمراره بعد الموعد الذي نص عليه اتفاق الطائف، أي بعد انتهاء عمره السياسي، ثم بالخصوص بعد أيار 2000، حوّله عامل إفساد في لبنان، وعنصر تنفير للبنانيين، ومنبع تجديد لشباب آليات الهيمنة وسياسة القوة في سوريا ذاتها. الانسحاب السوري من لبنان مكسب لبناني، وكان يمكن أن يكون مكسبا لسوريا ايضا.
لم يكن. فشروط الانسحاب السوري الراهنة تجرده من اي مكسب محتمل. فقد تقرر تحت ضغط دولي كثيف. وجاء والحكم السوري يترك نفسه يستسلم للمرارة، ويتصرف بصورة تراجعية وقهقرية أمام الضغوط الدولية. لكن، في الأساس، ما جعل الانسحاب من لبنان خسارة مؤكدة لسوريا، بدل أن يكون مكسبا محتملا، هو عجز الحكم السوري عن وضع قرار الانسحاب من لبنان في سياق إعادة بناء العلاقة السورية اللبنانية على اساس من الاستقلال والعدالة والنفع المتبادل، ما كان من شأنه تمكينه من استعادة زمام المبادرة، والمشاركة مع الفاعلين الدوليين والإقليميين الآخرين في المبادرات والترتيبات السياسية والأمنية الخاصة برسم مستقبل لبنان وسوريا والمنطقة. وبدوره يمد هذا العجز جذوره في عجز أعمق عن بلورة ومفهوم للمصلحة الوطنية السورية وتأهيل الهياكل والأفكار والطاقات البشرية التي تترجمه سياسيا وتطبقه واقعيا. إن منبع أنانية السياسة السورية ليس تمسكها بالمصلحة الوطنية السورية بل افتقارها إلى مفهوم عقلاني للمصلحة الوطنية. ولو وجد المفهوم لكانت العلاقة السورية اللبنانية غير ما هي الآن، ولكانت سوريا انسحبت عام 1992 أو عام 2000.
لماذا المفهوم المؤسس لكل سياسة غير موجود في سوريا؟ القصة طويلة، وتتداخل فيها عناصر تاريخية واجتماعية وجيوسياسية وإيديولوجية، وتطل مباشرة على بنى توزيع السلطة والثرورة والشرعية في الديار السورية. هذه البنى لا تتنتج سياسة عقلانية.
والخلاصة أن الانسحاب السوري من لبنان، في الشروط الواقعية الراهنة، بمثابة خسارة لأنه جاء ترجمة لسياسة لا تستطيع ان تكسب، سياسة تنذر بأن يكون الخروج القسري من لبنان خسارة إضافية في سلسلة خسائر لا تبدو موشكة على الانتهاء. يعتبر العالم كله، وتعتبر سوريا ذاتها، ان الانسحاب من لبنان خسارة (بدليل اتهامها اللبنانيين بالجحود) لكن لا أحد يتناول الهياكل السياسية والفكرية السورية التي لا تنتج غير الخسران والإخفاقات. والحال سنخسر كل شيء إن لم تتغيير هذه الهياكل. لقد اضحى تغييرها ضرورة حيوية للبقاء وليس محض مطلب سياسي او إيديولوجي لنخب مثقفة محدودة الحجم والفاعلية.
منذ احتلال العراق، السياسة السورية هي سياسة تكيف سلبي او تراجع تدريجي أمام ضغوط دولية متزايدة. هذه سياسة خطيرة وقصيرة النظر، والاستمرار فيها يدمر البلاد. وقبل كل شيء يلغي الحاجة إلى السياسيين. إذ الخضوع لإملاءات القوي لا يحتاج من المؤهلات إلى ما يفوق ما تحوزه منها إدارة مدرسة ابتدائية، إذا تذكرنا قول قائل قبل عام فقط من اليوم. وهي سياسة تعكس فقر الخيال وضعف الإرادة ونقص الكفاءة السياسية في أوساط نخبة السلطة أكثر من اي شيء آخر. يمكن للمرء أن يراهن ان المحاكمة الضمنية التي تجريها هذه النخبة تسير، تقريبا، كالتالي: الضغوط الخارجية قوية جدا (وهذا صحيح)، ونحن لا نستطيع تحديها ومواجهتها بالقوة (وهذا صحيح ايضا)، ولذلك سنقول إن هذا غير عادل، لكن ما العمل، إننا مضطرون للتنازل؛ وهذا عين الخطأ وعين سوء السياسة، وهو أيضا استسلام مقنع.
تشير هذه المحاكمة إلى ائتسار نخبة السلطة السورية لسياسة القوة التي لطالما مارستها في الداخل السوري وحيال الجوار العربي الأضعف، والتي لا تعرف من السياسة غير الخضوع أو الإخضاع، غير التنمر على الضعيف أو الاستكانة أمام القوي. وبهذا فهي نقيض السياسة العقلانية من حيث أنها تضيق مروحة خيارات الفاعلين بدل أن توسعها. والواقع أن ما سميناه التكيف السلبي ليس غير شكل سياسة القوة حين تكون بلا قوة، حيث تنقلب فورا إلى ضعف لا سياسي، اي انجراف وتسليم.
اليوم بات خروج سوريا من المأزق الذي حشرتها فيه هذه السياسة الفاشلة التي تكثر تناقضاتها وأعطابها هو ذاته خروج سوريا من هذه السياسة وعليها. أول ما يلزم تحويل على مستوى الرؤية: العالم ليس عادلا، لكننا جزء منه وهو جزء منا، والتاريخ ليس مؤامرة، وإن كان ثمة كثير من المؤامرات في التاريخ. فلنبدأ بتحمل المسؤولية عن واقعنا دون تذمر ودون عقد. الشيء الثاني هو استكمال الانسحاب من لبنان بنفس رضية والكف عن مجاملة الذات حول جحود بعض اللبنانيين ونكرانهم للجميل. قد يكون ثمة كارهون لبنانيون لسوريا، لكن أكثرية اللبنانيين الساحقة تكره الهيمنة السورية غير الجميلة على بلدهم وليس سوريا ذاتها. ثالثا، والأهم، هو البدء بتغيير نظام السياسة والسلطة من أجل سوريا قطعا للطريق على تغيير سوريا من أجل النظام. أعني بتغيير النظام بناء تفاهم وطني سوري واسع القاعدة والانتهاء من نظام الحزب الواحد والتوجه نحو انتخابات حرة وتعددية على مختلف المستويات، البلدية والنقابية والبرلمانية والرئاسية، مرورا بإقصاء حقيقي وملموس لكبار الفاسدين المعروفين، وصولا إلى إعادة النظر بهيكل توزيع الثورة والسلطة في البلد.
البدوة الأصح هي تلك التي تخلق فائضا معنويا من التفاهم والثقة بين السوريين وبينهم وبين دولتهم، والتي تنزع أكبر قدر ممكن من الضغائن المتراكمة. ومعرفة هذه ليس أمرا صعبا: إنها تبدأ بمعالجة الملموسات التي تترك اثرا إيجابيا فوريا: الطي "الكامل والفوري" للملفات الإنسانية الموروثة من الماضي (سجناء، مفقودون، منفيون، مجردون من الحقوق المدنية ومحرومون من الجنسية...إلخ). ليس هذا أهم شيء لكنه البداية الأنسب. أما الأهم فهو أن يجد الناس فرصهم في العيش تتحسن وخوفهم من المستقبل يقل. هذا غير ممكن دون دولة قوية تجاه المصالح الخاصة التي تنخرها وتنهبها، دولة قادرة على القمع الفعال لمحتليها من الخواص. الدولة القوية هي القوية حيال الأقوياء وليس حيال الضعفاء.
أما مبدأ التفكير التغييري فهو الرد على المطالب والشكاوي الملموسة للسوريين الملموسين، والطلاق مع التفكير المرواغ والاستبدادي الذي يتعامل بالمجردات الكبرى: شعب، أمة، وطن، داخل، خارج..إلخ. فالشعب السوري هو السوريون المنثورون في الشوارع والبيوت، في المدن والأرياف. ولا رسالة خالدة تسمو على أن يعيش هؤلاء بكرامة. والوطن لا يكون بخير حين لا يكون السوريون كذلك. ولن يكون لسوريا داخل إن لم يكن الـ18 مليونا من سكان البلاد داخلين فيه. وأخيرا، تتلخص الرؤية الموجهة للتغيير في إقرار مبدأ المساواة بين السوريين دون تمييز. لذلك مؤتمر حزب البعث القادم ليس صالحا لتدشين التغيير من اجل سوريا. ما قد يلائم هو مؤتمر وطني للسوريين وليس "مؤتمرا قطريا" للبعثيين.
سوريا على مفترق طرق. والخفوت المحتمل لموجة الضغوط المطالبة بالانسحاب من لبنان ليس أكثر من فرصة لاختيار الاتجاه المناسب. يمكن للانسحاب ان يكون خطوة تراجع إضافية نحو الفوضى. ويمكن أن تفتح الفوضى الطريق نحو نظام مكفول بـ 17 ايار سوري. وقد يكون هذا ثمن "تمديد" سوري تطلبه موجة الضغوط القادمة، المحتومة.
هل هناك ممكن مختلف يصنعه السوريون لأنفسهم؟ هذا ما يتلجلج المرء في الكلام عليه. أيا يكن، نعيش حقبة تاريخية بالفعل.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على شرف حالة الطوارئ: حفلة لصيد -الخونة- بين قصر العدل وساحة ...
- نحو تملك عالمي للحداثة والتغيير تأملات حول شيوعية القرن العش ...
- نقاش حول الدين والثقافة وحرية الاعتقاد
- تسييس العلاقة السورية اللبنانية
- ما بعد الحقبة السورية: تحديات الوطنية اللبنانية الجديدة
- أمام الأزمة وجهاً لوجه
- من يقتل رفيق الحريري؟
- الإعلام الفضيحة: ماذا فعلت جريدة -تشرين- بالحوار مع الأسير ا ...
- السجناء السوريون في إسرائيل أو موقع الجولان في الوعي السوري ...
- دولة مؤسسات أم دولة أجهزة؟
- في ذكرى انتفاضة الجولان: الشجاعة وحدها لا تكفي!
- موجتان لنزع العقيدية في الثقافة السياسية السورية
- نظام اللاسياسة: العنف الطليق والعقيدة المطلقة
- ضد الحرية وليس ضد -الحرة-
- عشر أطروحات حول السلطة والندرة
- موقع الثقافة في مشروع الإسلاميين السوريين
- من يهين سوريا؟
- اصول تناقضات السياسة الخارجية السورية
- تعاقد سوري لتقاسم تبعات سلام مفروض
- لبنان المستقبل لا يبنيه لبنانيو الماضي!


المزيد.....




- -انتهاك صارخ للعمل الإنساني-.. تشييع 7 مُسعفين لبنانيين قضوا ...
- لماذا كان تسوس الأسنان -نادرا- بين البشر قبل آلاف السنوات؟
- ملك بريطانيا يغيب عن قداس خميس العهد، ويدعو لمد -يد الصداقة- ...
- أجريت لمدة 85 عاما - دراسة لهارفارد تكشف أهم أسباب الحياة ال ...
- سائحة إنجليزية تعود إلى مصر تقديرا لسائق حنطور أثار إعجابها ...
- مصر.. 5 حرائق ضخمة في مارس فهل ثمة رابط بينها؟.. جدل في مو ...
- مليار وجبة تُهدر يوميا في أنحاء العالم فأي الدول تكافح هذه ا ...
- علاء مبارك يهاجم كوشنر:- فاكر مصر أرض أبوه-
- إصابات في اقتحام قوات الاحتلال بلدات بالضفة الغربية
- مصافي عدن.. تعطيل متعمد لصالح مافيا المشتقات النفطية


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟