أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سعيدي المولودي - ضد هدر - الكرامة الأصيلة- لسكان جبال الأطلس















المزيد.....

ضد هدر - الكرامة الأصيلة- لسكان جبال الأطلس


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 3985 - 2013 / 1 / 27 - 00:17
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


ضد هدر "الكرامة الأصيلة" لسكان جبال الأطلس
منذ أسابيع قليلة، تطوقنا الآليات الإعلامية، من كل الأشتات، بسحائب عارضة من التصفيق والتهليل الملغوم للمبادرات المريبة الموجهة لسكان أعالي جبال الأطلس باسم التضامن والعمل الخيري والإنساني، بحيث يتراءى وكأن هؤلاء السكان يقعون خارج إيقاعات المغرب الديموقراطي الحداثي حتى العظم، وأنهم أغراب جاؤوا من كواكب أخرى ضاق بهم ذرع المكان والزمان، وتكبو صيحاتهم في مهاوي النسيان، أو أبناء سبيل تائهون يتوسلون الطرقات ودفء المرافيء والملاءات المستوردة، ويتسولون ماء الرمق على حافات انتظار عريق لقوافل مدججة بضمادات الإخاء المسلحة وزيت العناقات المستديمة وقوالب الصدقات الجارية والمتجمدة.
و للوهلة الأولى قد تبدو هذه المبادرات وما يتخللها أفعالا إنسانية فريدة تشق طريقها إلى عطر عهد جديد ينزع عن هذه الأرض طحالبها الموحشة، ويفتح هوة الطوباويات التي تبني جسور وأواصر التآزر والتضامن بين فئات الشعب، بين السادة رجالات البلاد الأشداء الناهبين خيراتها الطارفة والتالدة، والأراذل رجال البلاد الآخرين الغارقين في مستنقعات البؤس والحرمان يتضورون الجوع وتذهب صيحاتهم في الوادي العميق، وتنطلي عليهم خديعات الديموقراطية الجائحة وصناديق الاقتراع الجارفة، ليكون حظهم بعضا من فتات ما راكمته أنياب الليبراليات المتوحشة في بريتهم وما اكتنزته من الفضة والذهب وعرق تاريخهم القريب والبعيد. غير أن الأمر أبعد من هذا، فالسياسة تأكل التاريخ برغبتها، وتروي ظمأها من نهم يريد امتلاك كل شيء، وتتقدم بثقلها لترسيخ تقاليد وقيم ثقافية واجتماعية بدائية تعود بنا القهقرى، لتجعل المشهد أكثر قابلية للرثاء، وتنهض بمهمات التكريس المبيت للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة التي ترتكز على التمييز والتفاوت الطبقي والاجتماعي الصارخ الذي يجعل من المغرب مغربين:
أولهما مغرب في أعلى عليين، لا يتعب من حرقة الاشتهاء،ولا أحد يموت من البرد فيه، مخبأ في وكر السماوات العتيدة، لا خوف عليه ولا هو يحزن، يتهجى احتمالات الأعراق وينثر ضياءه في اتجاه الأيادي المتشابكة الموصدة على هياج النقمة ورذاذ الأسواق والطرقات وغسل الأموال والحانات النابضة بالحياة، والمعابد المؤجرة والبورصات التي تبيض ذهبا وتجعل الرفاه أكثر يسرا وأقرب إلى حبق الوريد، مغرب العملات الصعبة وليالي المبيت الساحرة والمآدب السحيقة، تلتاع الزهور منه في كل جرح، وينهال النحيب على مرماه بعيدا.. مغرب يمد سوطه للعتمات والطلقات ويعرف من أين تؤكل الكتف، وإلى أين ترحل الجذور وكيف تكون قبضة الدولار،وكيف ينساب الريع لسقف الكبرياء، ملفوف بدخان الانتخابات المزيفة وعواء السماسرة والمضاربين، وخوار كل الانتهازيين الهمازين المشائين بكمائن المصالح والنزوات المتألقة، ينفث دفقه في تمثيليات موصدة وهويات تواصل خبطها في العماء..
وثانيهما مغرب في أسفل سافلين ينزف حتى الموت بؤسه، ويرحل في صمته اللا متناهي، يشرب الشاي امتداد الليل والنهار ويدلف لحتفه المكسو برعشة الأرض، ينام أهله في وحشة الذباب مفترشين العراء الضاري، وتحترق الجموع في لياليه المقفرة، وتتساقط في رعبه السلالات مثلما عناقيد الخريف، يكتم دويه ويحتمي بشراسة القهر، ويحيا وسط الفراغ مترعا بتعاسته كأنما يتقدم للجحيم، مغرب المعتقلات السرية والمقابر الجماعية والظلال المنسية في عتمة الرماد وطقوس الجنازات الطائشة، والحثالات والرهبة التي لا تنام، والثورات والانقلابات الموؤودة، والأغاني الساقطة والأقدام الحافية وأطفال الشوارع الموبوئين والكلاب الضالة والرجال الكادحين إلى تاريخهم كدحا، يتجرعون مرارتهم ويواصلون نوبات الخسران...
وبين المغربين تحاول الاختيارات السياسية السائدة أن تجعل من المغرب الأول رمزا للشهامة والمحبة والوئام والرأفة، تتولى أياديه الداكنة إغراق المغرب الثاني في علف الصدقات والهدايا والعطايا الكثيف. ولأن الدولة والحكومة معا تمجدان العلو والسمو والتسلط العاتي فإنهما يخضعان هذه الممارسة لسياط المن والأذى، بما يحمله ذلك من دلالات جلية وخفية تصب كلها في دوامة الاستشعار بمراسم الاستعباد الإذلال والإهانة وهدر الكرامة الأصيلة في نفوس المواطنين أصحاب الحاجات.
وطقس هذه الأعمال الخيرية لا يمكن إدراك مغزاه خارج السياق السياسي الذي انخرطت فيه بلادنا منذ ما يزيد عن العام، وهو سياق يضع ضمن أولوياته الدفاع المستميت عن الوضع بكل خصوصياته والمحافظة على آثاره وانعكاساته لدحر أية محاولات تستهدفه أو ترفع شعارات تغييره أو إسقاطه، كما تجترها هتافات الثورات العشوائية العمياء التي تتدحرج في أكثر من بلد عربي، وقطع الطريق أمام مشروعية المطالبة بتحقيق نظام سياسي ديموقراطي يكفل حقوق المواطنين بدون تمييز ويسعى لإنجاز وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية تنتشل البلاد من براثن البطالة المستشرية والفقر الذي يتوغل زاحفا لابتلاع شرائح وفئات واسعة من الطبقات الاجتماعية، وهو ما حرض على أن أسلوب توزيع الصدقات والمن بها هو سلاح موضوعي مناسب للتهدئة وإعادة الطمأنينة إلى النفوس، والتمويه الماكر على الاختلالات البنيوية التي يعاني منها المغرب على كافة الأصعدة.
وتحويل الدولة والحكومة إلى مجرد وكيل للأعمال الخيرية يتولى توزيع الصدقات ويسوق الأرزاق المشبوهة للفقراء وأبناء الجبال المنبوذين والأرامل و"الهجالات" المتناثرين والمتناثرات كالفطر في الشعاب والممرات والضواحي المهجورة، هو مؤشر قوي يحيل إلى آليات تكريس النظرة الدونية للمواطنين واعتبارهم مجرد قطيع ومجرد متسولين يقفون على أعتاب باب الدولة والحكومة يستجدونها ويلتمسون أفضالها وفتاتها، وما عافت سباعها، ولا يتغيأ في النهاية إلا توطين القناعات السياسية التي تضع هدفا لها إعفاء الدولة والحكومة من مسؤوليتهما السياسية والاجتماعية والحضارية.
ولدلك يبدو عمليا أن الحكومة بدل أن تمنح أو تتصدق على فقرائها بألف سمكة أو ألف ملاءة أو ألف قالب سكر أو ألف درهم أو دينار كل شهر، عليها أن تعلمهم الصيد والرماية والسباحة وركوب الأخطار، وأن تنهض بدورها كاملا من أجل تهييئة وتوفير الظروف والشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الضرورية لتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي الشامل، بما يضمن كرامتهم الأصيلة وحقهم في العيش الكريم، والتحرر من الجوع والسلامة والصحة وتأمين الخدمات والانتفاع والتصرف في الموارد الطبيعية والاقتصادية للبلاد، وتلبية حاجاتهم في كل المجالات وتمتيعهم بحقوقهم الاقتصادية الاجتماعية والثقافية و المدنية والسياسية .
سعيدي المولودي



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وزارة التعليم العالي و- الأسواق المدرجات-
- -أصدقاء السوء-
- - تجديد النخالات-
- -أمريكا تجني ثمار ما زرعت-
- - النفط قائدا ومناضلا-
- وزارة التعليم العالي: التلويح بمحاربة الفساد باليمنى، و-التش ...
- وزارة التعليم العالي تخلف وعد -مراسيمها-
- صناعة -السيبة- في كلية الآداب بمكناس
- - العملاء ورثة الأنبياء-
- في مديح - الفيتو-
- -دعاء الاستوزار-
- الحملة والشعارات الانتخابية
- - تنزيل الدستور وما يليه-
- - إن ينصركم الناتو فلا غالب لكم-
- في نقد حصيلة الحوار الاجتماعي: الأساتذة الباحثون والقبض على ...
- -الرافد العبري-
- انتخابات برج القوس
- الانتماء المغاربي لسعدي يوسف ( قراءة في نصوص الشمال الإفريقي ...
- -الضحالة المغربية-
- أحقاد -هيلاري-


المزيد.....




- قدمت نصائح وإرشادات للمسافرين.. -فلاي دبي-: إلغاء وتأخير بعض ...
- -شرطة الموضة-.. من يضع القواعد بشأن ما يُسمح بإرتدائه على مت ...
- رئيسي لبوتين: إيران لا تسعى للتصعيد في الشرق الأوسط
- إسرائيل.. إصابات جراء سقوط مسيّرتين أطلقتا من لبنان (فيديو + ...
- إسرائيل تغلق الطريق رقم 10 على الحدود المصرية
- 4 أسباب تستدعي تحذير الرجال من تناول الفياغرا دون الحاجة إلي ...
- لواء روسي: الحرب الإلكترونية الروسية تعتمد الذكاء الاصطناعي ...
- -سنتكوم-: تفجير مطار كابل عام 2021 استحال تفاديه
- الأمن الروسي يعتقل مشبوها خطط بتوجيه من كييف لأعمال تخريبية ...
- أوكرانيا تتسبب بنقص أنظمة الدفاع الجوي في الغرب


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سعيدي المولودي - ضد هدر - الكرامة الأصيلة- لسكان جبال الأطلس