أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ايليا أرومي كوكو - الذكري المنسية لأحداث ميدان مصطفي محمود بوسط القاهرة ( ميدان المهندسين )















المزيد.....

الذكري المنسية لأحداث ميدان مصطفي محمود بوسط القاهرة ( ميدان المهندسين )


ايليا أرومي كوكو

الحوار المتمدن-العدد: 3982 - 2013 / 1 / 24 - 22:18
المحور: المجتمع المدني
    



قبل ثمان أعوام و في الليلة من الليالي الشتائية القارصة البرودة .. و قتها لم يكن عالمنا قد شهد التغير المناخي بصورته الحالية .. هذا التغير في المناخ الذي جعل شتاءهذا العام حاراً نسبياً .. التاريخ هو الاسبوع الاخير من ديسمبر 2005م .. و المكان هو حديقة مصطفي محمود او بالاحري ميدان المهندسين بقلب القاهرة كما يحلو لبعض الاخوة المصريين تسميته .. ففي هذا الميدان الاغر اعتصم الاف عدة من اللاجئيين السودانيين .. و هؤلاء اللاجئيين هم من الذين هاجروا السودان هرباً من اتون الحرب الاهلية التي دارت رحاها بجنوب السودان و النيل الازرق و جبال النوبة اولاً .. و قد لحقت بهم ولايات دارفور فيما بعد عندما زحفت نيران الحرب التي أغمضت للتو في الجنوب لتشتعل في دارفور الكبري .. و لسنا هنا بصدد حروب السودان الاهلية منها او القبلية فلحروب السودان الكثيرة و الممتدة لاكثر من نصف قرن قصصها و حكاياتها المريعة و الرهيبة التي تقشعر لسماعها الابدان ..
اما قصة فض اعتصام اللاجئين السودانيين بميدان المهندسين بالقاهرة .. فهي قصة الانسان الذي تطارده التعاسة و تلاحقه بطش الانسان في كل مكان .. انها حكاية الشقاوة و بئس المصير التي تتربص بالمرء عندما يظن و غالف بأنه قد أضحي قاب قوسين او ادني من بر الامان و الطمأنينة .. لقد فر السودانيين من بلدهم عندما ضاق بهم سبل العيش و الحياة او البقاء علي قيدها .. فر السودانيين من وطنهم عندما احسوا بأن هذاالوطن الكبيرالقاره قد بات لا يسعهم .. عندما ادرك السودانيين بأن هذا السودان مسقط رأسهم أرض الاجداد و الاباء الذي يقدر مساحته بالمليون ميل مربع قد صار سجناً صغيراً ضيقاً يحرس جلاد شديد ذوبأس جبار ..
نزح السودانيين اولاً من كل اطراف السودان التي استعرت اركانها الاربعة بالحروب .. فروا و هربوا الي الخرطوم و بعض مدن الشمال الكبيرة و الصغيرة معاً .. و لكن الخرطوم هي الاخري و معها سائر المدن السودانية التي تتوفر بها بعض من سبل الحياة لفظتهم الي اطرافها البعيدة .. قذفتهم المدن الأمنة الي معسكرات البؤس و الشقاء و التشرد فكان حالهم كمن استجار من الرمضاء بالنار ىوق يكوزن العكس صحيحاً احياناً.. كانت المعسكرات تضيق الخناق علي قاطنيها في معاشهم اليومي فلا هم احياء بكرامة و لاهم اموات بعزة .. و كانت نظرات الاستعلاء و الاذدراء بصورها الكثيرة تقطع أوصال نازحي تلك الخيام من المعذبين في الارض .. و الذين لم تدوس بطون اقدامهم معسكرات النزوح سيصعب عليهم فهم و ادراك قدر و كم و حجم المعاناة النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي يجابهها ويحياها هؤلاء في كل لحظة و ساعه و يوم ...
فروا من قراهم و بلدانهم الصغيرة و من كل بقعة من بقاع او طرف من الاطراف المسحوقة بالحروب في السودان المترامي .. هربوا من اصوات الرصاص و الدانات و انفجارات الالغام الي معسكرات النزوح في المدن لم التي ترحب بهم .. تلك المدن التي ضخت و اشتكت و كشرت في وجوههم بل و احتقرتهم .. فأختاروا طلب حق اللجوء و الهجرة الي كل دول العالم التي ظنوا و أن بعد الظن أثم .. ظن التعساء الاشقياء بأن المهاجر و الملاجيء ستكون أكثر لطفاً و رحمة و بركة و غناً من أرض الوطن ... طلبوا المستحيل الذي لم يدركوه في وطنهم سعوا وراء السراب في المنافي القريبة و البعيدة فوصلوا الي أقاصي الكرة الارضية ليزاحموا الاسكيمو في مأويهم الجليدة ..
و كانت لمصر المأمنة القدح المعلي في ايواء السودانيين و اسقبالهم و احتضانهم .. اذ و فرت مصر بعض سبل العيش لكل السودانين علي حد سواء .. وجاحد كل من ينكر فضل مصر علي السودانيين في أي وقت من الاوقات .. الا أن مصر كانت في حسبان الكثيرين الذين قصدوها هي المحطة الاولي فقط لرحلتهم الطويلة .. تلك الرحلة التي تمنوا في احلام يقظتهم ان تكون علي بساط ريح تحط بهم الي ما وراء البحار .. و كانت الطموحات كبيرة كانت الاماني جميلة .. تلك الاحلام الوردية لم يفكر اصحابها في أي لحظة بأن تكون مستحيلة ابداً .. لسعداء الحظ فقط كانت قاهرة المعز نقطة عبور سريع الي لندن و باريس و انتاريو او الي سيدني و نيويورك و أسلو ... او الي اخر تلك المدائن العالمية الكبيرة البهيجة المترفة حيث الحرية و الديمقراطية و العيش الكريم كما الحياة فيها عزيزة .. ولبعضهم من اصحاب الحظوظ التعيسة فقد كانت أم الدنيا هي الحضن الدافيء الحنون و ان أبوا .. فليس كل ما يتمناه المرء سيدركه هكذا سريعاً او في لمحة البصر كما قد تخيل البعض منهم ..
وفرت مصر الملجأ الأمن كما كانت المفوضيات و المنظمات الانسانية الاوربية سخية كريمة تعطي باليمين و بالشمال ايضاً .. و بتوقيع سلام السودان بكينيا الشهير بأتفاقية نيفاشا للسلام .. أعتقد الاوربيين و الامريكان بأنهم قد تمكنوا بمعجزة من السماء أن يحققوا حلم كل السودانيين في الداخل و الخارج .. اعتقدوا بأن ما تحقق من توقيع لاتفاقية السلام كفيل بجعل السودانين الفارين من وطنهم يهرولون صوب السودان ..كفء المانحين ايديهم عن ارسال العون الي السودانيين المرابطين في مصر انتظاراً لاادوارهم في طابور الرحيل الطويل الي حيث النهايات السعيدة دائماً .. توقفت التأشيرات الي كل من أروبا و استراليا و الي كندا وأمريكا ..و ضاقت الحكومة المصريةى بالسودانيين صاروا بلا راجع منهم تنتظرها .. كما ضاق نفوس السودانين بمصر التي طالبتهم بالعودة الي السودان .. و بين شد الحكومة المصرية وجذب اللاجئيين السودانين من الذين قلت خياراتهم و تلاشت أمالهم او تبخرت احلامهم .. لم تبق المنظمات الانسانية و مفوضية اللاجئين و الحكومة المصرية للسودانين ولو خياراً واحداً يتكئون عليه .. و كان الكرت الوحيد بيدهم و خيار العودة الي السودان الذي صار ينعم بالسلام و الاستقرار .. السودان الموعود بالتنمية و الازدهار و الرفاهية .. كان علي السودانيين بالقاهرة العودة الي وطنهم الذي صار دولة منتجة للنفط و البترول .. هذ السائل الاسود الذي تسيل له لعاب كل الدول الكبري مثل ماليزيا و سنغافورا و الصين و امريكا و هلمجرا ..
و كان العودة الي السودان بالنسبة الي اللاجئيين بمصر هو بمثابة العودة الي العذاب و الشقاء او القفز الي المجهول .. كان السودان و لا يزال حتي الان في نظر بعض من ابنائه الذين اكتوا بنيران بعض اخوتهم في الوطن .. او الذين تعذبوا بسياط الجلادين و ذاقوا و شربوا الحنظل المر بكؤوس الظلم و بأيدي الظالمين .. فالعود الي هذا السودان و الدواخل مملؤة بهذه الكم الهائل من المرارت هو بمثابة العودة الطوعية الي القهر و الذل او العودة الي الموت الهلاك و الفناء.. و بهذا فلا استغراب في ان يعتصم اللاجئين السودانيين بفناء مصطفي لمدة تقارب السته اشهر .. هذه المدة كانت كافية جداً لكل الاطراف بغية الوصول الي الحلول المرضية التي تقنع المعتصمين بفض اعتصامهم .. و لكن هيهات فالمنظمات الانسانية و مفوضية اللاجئين لم تجهد نفسها و لو بالنذر القليل لتلافي المشكلة .. و كانت الحكومة المصرية تحاول بكل جهدها الدفع الي الامام و فض الاعتصام و اخلاء المكان من المعتصمين مهما كلفها الامر.. اما لحكومة السودانين فقد تعاملت مع الحدث بترفع واذدراء كبر النفس .. تعاملت الحكومة السودانية مع الحدث الجلل كما لو ان هؤلاء السودانيين هم سودانيو جزر الواق واق .. فأعتبرتهم من منتسبي الحركة الشعبية طلما هم من الجنوب و جبال النوبة او من دارفور .. مع العلم بأن الحركة الشعبية هي شريكة في حكومة الوحدة الوطنية التي يفترض منها العمل لجعل وحدة السودان وحدة جاذبة لكل السودانيين .. او يفترض منها العمل لجعل السودان وطناً جاذاباً لكل الفارين الهاربين منه .. ..
تشبث اللاجئين بحديقة المهندسين حتي النهاية .. و اختارت الحكومة المصرية اسواء الخيارات لفض الاعتصام .. وكانت المأسأة الانسانية بوسط القاهرة في تلك ليلة التي تضامن فيها البرد مع الحكومة المصرية ضد اللاجئين السودانيين .. و بحسب أهل الارصاد الجوي فقد كانت تلك الليلة واحدة من ابرد ليالي الشتاء التي مرت علي مصر و السودان في العقدين الاخيرين .. اختارت مصر وسيلتها القاسية جداً لضرب المعتصمين .. و كانت خراطيم المياة البارده هي السياط التي أتت علي رؤوس و ظهور الاطفال و النساء و الكهول من اللاجئين السودانيين الجوعي ..قتلت مصر الشقيقة بنيها بقسوة لم تكن تخطر علي بال انسان .. ووقفت الخرطوم متفرجة شامته كما لو ان المعتصمين شجر و حجر دعك عن كونهم بشر ينتمون لوطن يحمل اسم السودان ..
أما قصة اختيار اللاجئين السودانيين فيما بعد طريقاً ثالثاً للهروب الي اسرائيل و تفضيلهم الموت علي الاسلاكها الشائكة المكهربة علي العودة الي وطنهم السودان .. أن يختار السوداني الذي يحمل جواز وطنه عبارة كل دول العالم ما عدا اسرائيل .. فتلك حكاية نفضل ان يقصها لنا عجوزاً سودانياً نجا من الموت المحقق في تلك الليلة السوداء .. ذلك لان تجربة صب ماء بارد علي رأس انسان و الدوس عليه بعشرات من اقدام المفزوعين الراكضين.. هي في الواقع و الخيال تجربة قاسية جداً يصعب روايتها او تخيلها ...



#ايليا_أرومي_كوكو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فايز الشيخ السليك في كتابه الزلزال : العقل السوداني ذاكرة مث ...
- إريك ريفز : إستضافة ألمانيا لمؤتمر يدعم نظام الابادة الجماعي ...
- تبت يد المستحيل جليله خميس كوكو الجبل المئة تنتصر للحق
- دعوات دولية لأنهاء الابادة الجماعية و المأساة الانسانية في ج ...
- مسؤول أممي سابق يتم -تطهير عرقي- في المناطق الجنوبية من السو ...
- البشرى مكى : ايليا كوكو جميل بالمحبة و السلام
- طوبي لصمود شعب النوبة لانهم بني السودان الابرار يدعون ...!
- السودان و زوبعة تحريم المسلمين من تهنئة أخوتهم المسيحين في ا ...
- مخاطر و تداعيات الحمى الصفراء ( الوقاية و العلاج )
- فيلم وثائقى :اوقفوا الابادة الجماعية فى جبال النوبة
- عبدالعزيز بركة ساكن روائي اسوداني أتمني أن أقرأ مؤلفة (الجنق ...
- مو يان الفائز بجائزة نوبل للاداب : وصفت رواياتي البشر بالمعن ...
- الام الناشطة مارثا كالو رائدة المرأة تصاب بقصف الانتينوف هيب ...
- الحكم الذاتي والرقابة الدولية لوقف اطلاق النار بجنوب كردفان ...
- أسباب فشل د / كمال عبيد و سفر قطاع الشمال لأمريكا
- أسباب فشل د كمال عبيد و سفر قطاع الشمال لأمريكا
- دانيال كودي لم يكن قساً و هذا محض افك و افتراء علي القسوس و ...
- الرسالة الثانية لشعب جبال النوبة الي سيادة الرئيس عمر حسن اح ...
- من روائع جبران : ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب
- من روائع الكلام ( كلمات توزن بماء الذهب ) : اشكر حسّادك


المزيد.....




- سفير فرنسا في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء فوري للحرب على غزة
- شكري: مصر تدعم الأونروا بشكل كامل
- تقرير يدق ناقوس الخطر: غزة تعاني نقصا بالأغذية يتخطى المجاعة ...
- الأمم المتحدة تدين اعتقال مراسل الجزيرة والاعتداء عليه في غز ...
- نادي الأسير يحذّر من عمليات تعذيب ممنهجة لقتل قيادات الحركة ...
- الجيش الإسرائيلي: مقتل 20 مسلحا واعتقال 200 آخرين خلال مداهم ...
- وفد إسرائيلي يصل الدوحة لبدء مباحثات تبادل الأسرى
- إسرائيل تمنع مفوض الأونروا من دخول غزة
- برنامج الأغذية العالمي: إذا لم ندخل شمال غزة سيموت آلاف الأط ...
- تقرير أممي يحذر: المجاعة أصبحت وشيكة في شمال غزة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ايليا أرومي كوكو - الذكري المنسية لأحداث ميدان مصطفي محمود بوسط القاهرة ( ميدان المهندسين )