أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - لون الدم















المزيد.....

لون الدم


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1148 - 2005 / 3 / 26 - 13:24
المحور: الادب والفن
    


تروى في دولة من دول أميركا اللاتينية هذه القصة الشهيرة و التي نشرتها الجريدة الرسمية لتلك الدولة. مفاد القصة أن جنرالاً من جنرالات الحرب الأهلية هناك بعد انتصاره على الجماعة المعادية فرض عليهم توقيع اتفاق صلح بشروطه و بشروط جماعته في قبو منزله بتلك الضاحية البعيدة في أطراف المدينة. هناك, و في الساعة الحادية عشر مساء, تم التوقيع على بنود الاتفاقية و التي كان من ضمنها ضرورة تسجيل الجنرال المنتصر بنفسه لأحداث هذا الانتصار العظيم على جدران القبو الذي وقعت فيه الاتفاقية في نفس يوم توقيعها, تمهيداً لتحويل القبو إلى متحف فيما بعد.
بعد أن شرب الجميع نخب الصلح تناول الجنرال المنتصر قلماً أحمر اللون و بدأ في تسجيل أحداث انتصاره على الحائط "في هذا اليوم, السابع من يوليو...", لم يكمل الكتابة لأن الحبر كان قد نفد لحظتها. طلب الجنرال من معاونيه أن يمدوه بقلم آخر فأعطاه واحد قلماً أسود اللون تملى فيه الجنرال ملياً ثم رفضه قائلاً أن تسجيل تلك اللحظات التاريخية بلونين مختلفين سيفتح الباب أمام أعداء الوطن للتشكيك في إنجاز هذا التسجيل في يوم واحد و على يد شخص واحد. فكر ثم قال أن الحل الأمثل الآن هو أن ينزل شخص ما من معاونيه إلى أقرب محل تجاري ليشتري قلماً أحمر حتى يكملوا تسجيل هذا الانتصار العظيم. إرتدى واحد منهم معطفه و تأهب للنزول فعلاً غير أن واحداً آخر قد تنحنح بهدوء و قال برصانة أن ثمة عقبة خطيرة تمنع هذا. قال أن الوصول إلى أقرب محل تجاري و أقرب منطقة مأهولة بيشكل عام و الرجوع منها سيستغرق وقتاً لا يقل عن الساعتين. سأله الجنرال عن معنى هذا فقال أنه بما أن الساعة الآن الحادية عشر و الربع فبعد ساعتين سيكون اليوم هو الثامن من يوليو و بما أن المكتوب على الحائط "في هذا اليوم, السابع من يوليو" فسيكون ثم تناقض بين تاريخ تسجيل الأحداث الفعلي و التاريخ المدون و يكون الحل عندئذ واحداً من اثنين, إما مسح العبارة و كتابة عبارة أخرى بدلاً منها "بالأمس, السابع من يوليو" مما يخل ببند الاتفاق الذي ينص على تسجيل أحداث الانتصار في نفس يوم توقيع الاتفاق, و إما مواصلة الكتابة على أساس أن أحداً لن يدرك أن الفقرات كتبت بعد التاريخ المذكور بيوم, أي في الثامن من يوليو و ليس في السابع منه كما هو مبين في العبارة الافتتاحية, بمعنى آخر يبدأ عهدهم المقدس بتزييف التاريخ و خداع الناس. بصق الجنرال على الأرض و قال عبارة بذيئة عن الأشياء التافهة التي تعرقل سير الأحداث العظيمة.
بعد عشر دقائق من التفكير و النظرات المتبادلة بين الجنرال و معاونيه تناول الجنرال مدفعه الرشاش و أطلق النار على الجنرال المعادي. عندما سقط هذا مضرجاً في دمائه أخذ الجنرال المنتصر عصا رفيعة و غمسها في دمه و بدأ يواصل الكتابة بها على الحائط. بعد رسم خط أو خطين ظهرت مشكلة أخرى, لم تكن درجة لون دم الجنرال القتيل هي نفس درجة لون القلم الذي تمت الكتابة به سابقاً. إرتبك الجنرال ثم نظر إلى معاوني الجنرال القتيل, الذين كانوا يرتجفون الآن من الرعب, و بدأ يحصدهم واحداً بعد الآخر بمدفعه الرشاش حتى يستخلص منهم لون الدم المطلوب. و لم تكن ثمة فائدة, لم يكن دم أي واحد منهم بنفس درجة الأحمر المسجل به على الحائط. بعد مقتلهم جميعاً و اكتشاف الجنرال أن كل هذا قد ذهب هباء زفر في ضيق و قال أنه لا يعرف الآن ماذا يفعل.
ربما يكون الجنرال قد عرف بعد ذلك, إذ أن استعاد مدفعه الرشاش إلى قبضته و حصد كل معاونيه هو في ثوان, حتى يأمن الهجوم المضاد, ثم بدأ يغمس العصا الصغيرة في دمهم واحداً بعد الآخر. كم كانت فرحة الجنرال عظيمة عندما اكتشف أن درجة لون واحد منههم تطابق بالضبط درجة لون القلم الأحمر المكتوب به على الحائط. أخذ الجنرال يسجل باستفاضة انتصار الحرية و الديموقراطية و حقوق الإنسان, و غروب شمس الفاشية و الدكتاتورية و سفك الدماء غلى الأبد.
أثارت القصة فور نشرها ردود فعل نارية من قبل جماعات بسارية و يمينية و ليبرالية و محافظة على حد سواء و من بلدان متقدمة و متخلفة و على مدى ثلاثة أشهر كانت كل الإذاعات تطالب باعتقال هذا الجنرال الدموي المجنون و محاكمته كمجرم حرب يقود بلاده إلى الهاوية.
كان الغضب عميقاً في كل العالم. و في كل العالم لم يتوقف أحد ليسأل عدة أسئلة بسيطة
1) ألم يكن تسجيل لحظات الانتصار على جدران قبو البيت من بنود اتفاقية الصلح؟, و على هذا فالجنرال لا يعد أكثر من منفذ لاتفاقية تسري عليه كما تسري على أي فرد من أفراد الشعب, و يعد عدم تنفيذ بنودها من قبيل استغلال السلطة و النفوذ لتعطيل اتفاقية تحفظ السلام في الشعب.
2) هل كان لدى الجنرال أي حل آخر و لم يقم به؟ لعلكم تلاحظون أن الأمر كان يدور هكذا
I. لم يكن القلم شفافاً بحيث يعرف الجنرال أن الحبر الذي فيه على وشك النفاد.
II. كانت الكتابة بلونين على الحائط, فضلاً عن سذاجتها, ستفتح كل الأبواب للتشكيك في إنجاز الكتابة على يد نفس الشخص في وقت واحد, كما هو مذكور, مما سيفتح الباب كذلك لاتهام السلطة بسرقة المنجزات السابقة عليها و نسبتها لها و هو ما لم يحدث, و لن تجدي كذلك تأكيدات كل من حضروا اللحظة على أن الكتابة كلها قد تمت بالفعل في الساعة الحادية عشر على يد الجنرال المنتصر.
III. أمر الجنرال بالفعل بنزول معاونه لشراء قلم جديد لولا الاعتراض الذي ذكره المعاون الآخر, كما أن كلاً من الحلين الذين ذكرهما المعاون كان يجب رفضهما لأسباب أخلاقية. أولاً: كان يجب احترام بنود الاتفاق لأقصى درجة و تسجيل أحداث النصر في نفس اليوم كما نص الاتفاق. ثانياً: لم يكن مسموحاً بأي حال من الأحوال خداع الشعب و إيهامه بأن التسجيل قد تم في اليوم السابع من يوليو بينما هو قد تم في الواقع في اليوم الثامن.
IV. كان موقع بيت الجنرال في هذه الضاحية النائية, و بالتالي عدم وجود أي محل تجاري قريب لشراء القلم المطلوب, لهدف استتراتيجي و هو حمايته من القتال الذي كان يدور دائماً في وسط المدينة. لم يكن أحد يعرف أنه يسكن في هذا البيت و كذلك لم يكن منطقياً أن ينقل سكنه إلى قلب القتال حيث يصبح هدفاً سهلاً للعدو مما يؤثر على معركة جماعته كلها.
V. كان الميعاد الذي اختير لتوقيع الاتفاقية "الساعة الحادية عشر مساء", و هو السبب الرئيسي في كل تلك الربكة بالطبع, من اختيار الجنرال المعادي, أي أنه لم يكن بأي حال من الأحوال مرتبطاً بجنرالنا المنتصر.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاورات في الترجمة
- حوار مع الكاتب المصري عزت القمحاوي
- في رواية احمد شافعي الأولى -رحلة سوسو- الحكاية سلم يتفتت كلم ...
- مبارك و دريدا و عمرو بن العاص.. ما الذي حدث في -حدث- تعديل ا ...
- التباس
- الضفة الأخرى.. الرقص على إيقاعات العزلة
- أغنية جديدة لعبد الوهاب. 2
- هيفاء وهبي.. حالة نموذجية بعيني مستشرق ما قبل هوليوودي
- أغنية جديدة لعبد الوهاب..1
- شوكولاتة
- ميلودراما انتهت بانتصار الضوء: ملك الفضائح و المسخرة
- موسم صيد الشيوعيين في معرض القاهرة للكتاب
- و المزيد من النظرات
- المزيد من العيون
- الفخامة المدوية لأم كلثوم.. عبد الحليم الإله الشهيد
- دمشق
- الرحابنة يصدعون عالمنا
- ليس هناك شخص اسمه احمد زكي
- اللحم و الأفكار
- بوابات لمناقشة تلمودية بين الربي عقيفا و الربي يشماعئيل


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - لون الدم