أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الإله بوحمالة - تخلف جهل.. وحضارة جهالة














المزيد.....

تخلف جهل.. وحضارة جهالة


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 1148 - 2005 / 3 / 26 - 01:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الحضارة الغربية، بشقيها الأمريكي والأوربي لم تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم علمي وتكنولوجي وعمراني.. هكذا طفرة واحدة بين عشية وضحاها، بل إنها تدرجت مع التاريخ صعودا وهبوطا، قوة وضعفا، بحيث لامست في مسيرتها قعر الظلام والهمجية قرونا طوالا وتخبطت في الوحل والدماء، قبل أن تهتدي بجهدها وجهد ما ورثته من حضارات عملاقة سبقتها إلى طريق الشمس والعلم والأنوار، وقبل أن تتوضح أمامها دروب الحرية والانعتاق وحقوق الإنسان والحيوان وكل المبادئ السامية الأخرى، وتقطع في ذلك هذه الأشواط القليلة مقارنة مع تاريخ ممتد بطوله وعرضه من السبات والتخلف وقانون الغاب وسفك الدماء.
وهي الحضارة التي، إن نظرنا إليها من آخر سنوات عمرها نجد أنها فقط قبيل عقود قليلة، فجرت أضخم الحروب الوحشية وأبشعها على الإطلاق، الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهي التي تكالبت على العالم في سباق استعماري محموم لم تكن له في حقيقة الأمر أية تغطية أخلاقية أو مبررات مبدئية أو إنسانية مقنعة اللهم إلا الجشع والطمع واستعباد العالم والتهالك على خيراته وثرواته.
هذه الحضارة جاءت مرة أخرى تفرض على العالم بوحي من جنون عظمتها وسطوتها وقوة تدميرها قيما مستحدثة نابعة من وثنية المال والمصالح المادية البورصوية، وتسوقه إلى نمط حياتها المعلبة اللاهثة وعلاقاتها الاجتماعية المسوخية، وكأن الشخصية الغربية الأوربية بأبعادها الثقافية والقيمية هي المطلق المسطح الخالي من النتوءات والشوائب، أو هي النموذج الصحيح الوحيد الممكن الذي يجب أن يسود العالم ويهيمن على زمامه في القرن الواحد والعشرين هذا.
وهي حين فعلت ذلك في الماضي كما تفعله في الحاضر وتتكبد في سبيله أحيانا خسائر مهولة، على فرض أن نيتها خير، لم تفعله لأجل سواد عيون أناس لا زالوا يهيمون خلف قطعان الإبل والماعز في السهول والوديان والبراري والصحارى، هنا أو هناك في قارات التخلف والفقر والجوع المعروفة في العالم. ولا من أجل من لا يزال يحتمي بالكهوف والمغاور وبيوت القش والطين ويتدفأ بحرق البعر، بل من أجل ذلك الإنسان الأوربي والأمريكي السوبر وحده لا غير. من أجل رفاهيته ورخائه ونعومة عيشه، وضمانا لتفوقه وسيادته، وحفاظا على المؤشر البياني الذي يرسم شكل حياته دوما في وضع التصاعد المضطرد.
نحن، في الحقيقة، بالنسبة لهم مجرد سوق رائجة نهمة مستلبة ببريق السلع المادية والفكرية، ومجال غير مشبع لتصريف الفائض من منتوجاتهم. وأرضنا بالنسبة لهم مناجم زاخرة بمعادن وثروات وكنوز لا صاحب لها، وحتى إن كان لها صاحب فهو في نظرهم غبي مغفل ومتخلف لا يقدِّرُ قيمتها وبالتالي لا يستحقها. ثم إننا نحن وأرضنا وبحرنا وسماؤنا معا بالنسبة لهم ولغطرستهم حلبة للصراع وساحة للقتال ومكبا للنفايات وحقل تجارب واسع يختبرون فيه سموم أسلحتهم وكل مفردات الفتك والفناء التي يصنعونها ويصدرونها لنا، بحيث لا مجال لأن يقوموا بذلك في عقر دارهم أو بين بعضهم البعض.
إنني أريد أن أقول في هذه الكلمة بخلاصة شديدة إن حضارة كانت هذه بعض العناوين الكبيرة في تاريخها، وتلك بعض القيم التي تتنطع لها، لا يحق لها أن تقود العالم ولا أن تسوده بقوة السيف أو تقدم نفسها كمثال أو تدعي لنفسها أفضلية ووصاية على الآخرين مهما كان تخلفهم ودرجة بدائيتهم، لأن الفرق بينها وبينهم أن تخلفهم تخلف جهل وأمية بينما تخلفها هي تخلف جهالة ووحشية، والنوع الأخير أشنع. أما إذا كان هاجسها المادة والمال واحتكار الثروات كما يفترض أن يكون، فحري بها أن تعلن نفسها حضارة تجارة وسوق وبيع وشراء لا حضارة قرصنة واغتصاب وإبادة، وأن تترك للآخرين مجال التمتع بحرية التقييم والانتقاء أو المنافسة وتقديم البديل الأجود أو المغاير.
أما إذا كنت مخطئا أو غير منصف في تقدير الرسالة النورانية التي تحملها هذه الحضارة وتبشر بها، فإنني أطالبها، بحق المتخلف الجاهل، أن تترك لنا، على الأقل، حق معافرة تخلفنا، الذي كانت هي من أسبابه الرئيسية، بما ملكت أيدينا بدون قفز على التاريخ ولا حرق للمراحل ولا عمليات قيصرية تولد كائنات شائهة، لأن هذا هو السبيل الأصح للبناء من أسفل وعلى أساس صلب ومتين، إذ أن أمة متقدمة بالطفرة أمة متقدمة شكلا لا مضمونا، لأنها أمة استهلاك وتبعية لا أمة إنتاج وعلم وإبداع.



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الإله بوحمالة - تخلف جهل.. وحضارة جهالة