أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - قاسم حسين صالح - العشائر العراقية..قراءة في ازدواجية المواقف















المزيد.....

العشائر العراقية..قراءة في ازدواجية المواقف


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 3980 - 2013 / 1 / 22 - 15:58
المحور: المجتمع المدني
    



معروف عن العراق انه مجتمع عشائري يبلغ عديدها الآلاف تضم كل عشيرة منها بين ثلاثة آلاف الى سبعين الف فردا. ومع ان العشائر العراقية كانت قامت بثورات وتمردات ضد سلطات الحكم العثماني،الا ان ابرز دور لها هو اشتراكها في ثورة العشرين،الى جانب رجال الدين الذين رفعوا شعار (اخراج الكافر الأجنبي من البلاد) بوجه القوات البريطانية التي دخلت العراق عن طريق البصرة عام 1917.ويحسب للعشائر العراقية أنها اسهمت من خلال هذه الثورة في تعميق الحس الوطني ومناهضة السيطرة الأجنبية ،وأضعاف الروح الطائفية التي جعلت بغداد ىساحة احتراب طائفي في فترة الحكم العثماني والصراع التركي- الفارسي في السيطرة على العراق وصل فيه الحال الى الاعتداء على اضرحة الرموز الدينية للطائفتين السنية والشيعية.وأنها " العشائر" شاركت في الاجهاز على مشروع الحاكم البريطاني في العراق الكولونيل (ولسن).اذ يذكر حسن العلوي ان أعظم انجاز لثورة العشرين هو افشال مشروع (ولسن) المتمثل بعدم الاعتراف بدولة عراقية او حكم عراقي ،والسعي الى تهنيد العراق بتهجير الالوف من الهنود اليه،او جعله مهجرا لليهود.
ومنذ ذلك التاريخ تعزز موقع شيوخ العشائر في العراق ،الى عام 1959 الذي وجهت فيه ثورة 14 تموز ضربة كبيرة لشيوخ العشائر وملاّك الأراضي بأن جردتهم ليس فقط من حيازتهم لأراضي واسعة ،بل ومن عبوديتهم لملايين الفلاحين وسلطتهم الاعتبارية والعرفية بالغاء نظام دعاوى العشائر .
والواقع ان عشائر وسط وجنوب العراق تختلف عن عشائر المنطقة الغربية،في ان الأولى تتحكم بها قيم المرجعية الدينية فيما تتحكم القيم البدوية في الثانية لاسيما تلك التي تسكن في سهول الشمال الغربي من العراق.غير ان كلا الفريقين تجمعهما "العصبية القبلية" بوصفها الوسيلة التي تلزم الجميع بحماية كيان العشيرة لقاء تأمين حاجات افرادها لاسيما حاجة الانسان الى الشعور بالأمان،التي تجسدت بشكل واضح في عام 2003.فحين سقطت الدولة في نيسان التي كانت تمثل خيمة الأمان،وتعطّل القانون وصارت السلطة لمن هو الأقوى في الشارع ،برزت لدى الفرد العراقي سيكولوجيا الحاجة الى "الاحتماء" فكانت العشيرة هي ملاذه الأول.
ان التاريخ يحدثنا ان شيوخ العشائر كانوا يقفون مع الأقوى.ففي التقرير الذي اعدته دائرة الاستخبارات البريطانية في العراق عن مشايخ ولاية بغداد سنة 1917،يذكر مترجمه الدكتور عبد الجليل الطاهر أن بعض شيوخ العشائر كانوا متعاونين مع الانكليز ،وأنهم كانوا يحصلون منهم على الرشوات،وأن الانجليز استعملوا أساليب الاغراء وتلويث الضمائر واستطاعوا شراء ذمم بعض شيوخ العشائر.
ويذكر (ولسن ) أن الأنجليز استطاعوا أن يرشوا شيخ آل فتلة( علوان الحاج سعدون) بألف باوند،وقدموا مبلغا لا يقل عن ألفي باوند الى آل شبل بواسطة الخزاعل ليمنعوا تسليح العشائر التابعة لهم ويبقوا هادئين..وحصل آخرون على مبالغ ضخمة.وهنالك تفسير لطيف يذكره الدكتور كاظم حبيب في كتابه (لمحات عن عراق القرن العشرين) بأن شيوخ العشائر لا يحسبون ما يقدم لهم على أنه رشوة ،بل بسبب قوتهم واضطرار الآخرين على تقديم ذلك لهم رغبة في التزلف لهم او تخلصا من شرورهم.ومع ان هذا التفسير ينسجم وطبيعة الشخصية البدوية،فانه تبرير لأزدواجية المواقف ولسلوك غير مقبول وطنيا واخلاقيا.
والحقيقة،كما نرى،أن الانجليز هم الذين أدخلوا شيوخ العشائر الى ميدان السياسة. ففي التقرير الذي اعدته "المس بيل" ورفعته الى الحكومة البريطانية عام 1923 ، اشارت فيه الى ان اصلح طبقة لحكم العراق هم شيوخ العشائر.ولهذا اشرك رؤساء العشائر منذ بداية الحكم الملكي في المجالس النيابية المتعاقبة بعدد كبير قد يزيد على ثلث اعضاء المجالس المذكورة.وكانوا يأتمرون بأمر الأنجليز الذين منحوهم اراض واسعة .وكان الحكم الملكي هو العصر الذهبي لشيوخ العشائر،ففيه صاروا أصحاب ثراء فاحش وجاه عظيم واعتبار اجتماعي كبير وسلطة يستعان بها في ادارة البلاد وضرب المعارضة السياسية.وكان دورهم في البرلمان مثار سخرية الناس واطلاق النكات عليهم،من قبيل التصويت داخل البرلمان على قرار برفع الأيدي،وكان احدهم نائما في المجلس ولما ايقضوه رفع يده وقال"موافج..يعني موافق" دون ان يعرف ما هي القصة!.
ان النظام السياسي في العراق تعامل مع شيوخ العشائر بمعيار قوة هذه العشائر في دعم حكومة السلطة.مثال ذلك ان النظام السابق شجع على استيطان عشيرة الجنابيين في الشريط الواقع جنوب بغداد لتكون حائلا بين بغداد والمدن الشيعية في الجنوب.ويذكر الدكتور علي عبد الأمير علاّوي في كتابه (احتلال العراق) أن رؤساء الأفخاذ العشائرية الجنابية منحوا اراض زراعية خصبة في اللطيفية واليوسفية والمحمودية .ويشير التقرير الخاص من المعهد الامريكي للسلام ،نيسان 2005 الى ان هذه المنطقة هي التي صارت تعرف فيما بعد بـ"مثلث الموت".فيما كانت سلطة النظام السابق تنظر بعين الريبة الى عشائر الدليم لأن عددا من ضباط الدليم كانوا قد اشتركوا في محاولات كبيرة للأطاحة بنظام صدام،اخطرها المحاولة التي قام بها اللواء الطيار محمد مظلوم عام 1995.
وبالمقابل عمد صدام الى تشكيل ما اطلق عليه (شيوخ أم المعارك)..كان كثيرون منهم رؤساء عشائر شيعية اشترى ذممهم بدفع هدايا مالية ومسدسات وامتيازات اخرى،لقاء قيامهم بالسيطرة على أفراد عشائرهم وان يكونوا عيونا للسلطة في مناطقهم،واستجاب عدد منهم طمعا بـ(التكريم) أو دفعا لشرّ طاغية لا يرحم.ومثل هذا حدث ايضا في النظام الديمقراطي اذ التقى رئيس مجلس الوزراء (نوري المالكي) بعدد من الشيوخ ولكن بقصد كسب أصوات اتباعهم في الانتخابات وتأيدهم لشخصه.ويذكر لي احد شيوخ الناصرية انه قبيل انتخابات 2010 زاره ممثلان عن حزبين شيعين في السلطة طلبا منه ان يمنحاه اصوات افراد عشيرته،ولأنه لا يريد أن "يزّعل "احدهما فانه اخبرهما بأنه سيجعل أصوات جماعته مناصفة بينهما!
ولأول مرّة في تاريخ الحكومات العراقية يكون سوء ادارة الحكومة لشؤون الناس والبلاد سببا في بعث الروح الوطنية وخفض العداء الطائفي بين شيوخ عشائر في الطائفتين السنّية والشيعية.فبعد اندلاع التظاهرات في الأنبار في الأسبوع الأخير من عام 2012 ،وانتقالها من ثم الى الموصل وسامراء ومدن عراقية اخرى،وظهور شيوخ عشائر سنّية تشكو ظلم الحكومة وتؤيد مطالب جماهير انتظمت في تظاهرات عفوية لم تستجب لها الحكومة بل سخر منها رئيسها بوصفها (فقاعات)،عقد في البصرة بعد اربعة اسابيع من اندلاع تلك المظاهرات،وتحديدا في 19/1/2013 ،مجلسا ضم شيوخ عشائر من البصرة وميسان وذي قار بأغلبية شيعية ،اعلنوا فيه تضامنهم مع المطالب الشرعية للمتظاهرين في المدن ذات الأغلبية السنية.وفي اليوم نفسه اقام شيوخ عشائر مجلس عزاء في مدينة النجف لشيخ عشائر الجبور (محمد طاهر العبد ربه)الذي اغتيل في الموصل وعدّوه رمزا من الرموز الوطنية.
بالمقابل ،نظمت وزارة الداخلية في اليوم نفسه مؤتمرا موسعا لرؤساء عشائر من الطائفتين.ومع انه دعا الى تشكيل لجنة من رؤساء العشائر لتوحيد مطالب المتظاهرين،الا أن الهدف الرئيس له هو خطب ودّ شيوخ عشائر ليكونوا مع الحكومة. ويشير تقرير لــ(المدى برس) الى ان وزارة الداخلية وزعت (امس السبت 19/1/2013)، استمارات خاصة بحيازة وحمل السلاح لأكثـر من 150 من شيوخ العشائر بينهم زعماء قبليون من الأنبار، ودعتهم إلى التدخل لوقف التظاهرات. وهذا حال كل الحكومات العراقية..انها تستميل اليها شيوخ العشائر حين تشعر بخطر يتهددها،وأنها تجزل العطاء لمن يتعاون معها،وأن عددا من الشيوخ يستجيبون لذلك حتى لو كانوا يعلمون أن الحكومة على باطل.ومع ان محاولات من هذا القبيل كان يمكن ان تحقق نجاحا للحكومة،غير ان التعويل عليها يعدّ نوعا من المبالغة ،لأنه ما عاد بمقدور شيخ على تهدئة جموع تطالب بحقوقها ورفع الظلم عنها،وصارت تتكاثر (جمعه ورا جمعه).
ان من خصائص شخصية شيخ العشيرة ان الحمية على وطنه لا تأخذه قدر ما تأخذه الغيرة على الشرف،بمعنى أنه يغلّب قيمه العصبية ومصالح عشيرته على مصلحة الوطن.ولك ان تتذكر ما حدث في بلدة هيت حيث عمد الجنود الامريكان الى تفتيش المنازل بطريقة تسيء الى القيم العشائرية الخاصة بموضوع الشرف،وادى ذلك الى اندلاع ما يشبه التمرد في البلدة ،لاسيما في اوساط الشباب، بحسب ما نشرته جريدة الواشنطن بوست في 30 أيار 2003.
ومن خصائصها ايضا ان شخصية شيخ العشيرة ميالة الى التباهي بما تملك من ثروة وممتلكات وخيول وابقار واغنام..ونساء ايضا!.وقد توفرت الفرصة لعدد من الشيوخ ان يجمعوا بين رئاسة العشيرة والعمل كرجال أعمال حتى أثروا من التهريب ومن التحايل على نظام العقوبات في تسعينيات القرن الماضي.ويذكر علي علاوي في كتابه(احتلال العراق) أن بعض رؤساء العشائر اندفعوا للتعاون مع سلطة الائتلاف الموقته لأسباب مالية صرف.
وللدكتور على الوردي رأي ان من طبيعة العشائريين ان اتفاقهم موقت وتنازعهم دائم،فاذا اتيح لهم ان يتفقوا على امر ما ،وينالوا فيه انتصارا ،فسرعان ما يختلفون فيه ويتنازعون بعد نيل الانتصار..وان هذه هي عادة العشائر في كل زمان ومكان ولا يمكن ان يتخلوا عنها الا اذا تخلوا عن عصبيتهم القبلية.
لقد كان هذا الرأي صحيحا حين كانت الحكومات العراقية تأتي عبر ثورات او انقلابات عسكرية،لكن يفترض ان يحصل تغيير في الزمن الديمقراطي،لأن القيم العشائرية والقيم الديمقراطية ضدان لا يلتقيان.
ومع ان ما حصل في الأسبوع الثالث من كانون الثاني 2013 من تقارب بين شيوخ عشائر من الطائفتين،يؤشر الى انها الخطوة الأولى باتجاه اشاعة روح المواطنة ،الا ان ازدواجية مواقف شيوخ العشائر تبقى يحكمها عاملا التودد للسلطة والحصول على منافع وسلطة وجاه،والعصبية القبيلة التي تكون هي الأقوى في اوقات الأزمات،ما لم تحتضن هذا التقارب الجديد القوى الوطنية والديمقراطية وأجهزتها الأعلامية ومؤسساتها الثقافية باتجاه اقامة الدولة المدنية وانهاء تاريخ عشر سنوات (ديمقرطية)من النكبات والخيبات وصناعة الأزمات.



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكومة تريد..اسقاط الشعب!
- الطلاق.. صار يوازي الارهاب!
- ايها السياسيّون..كلكّم أحول عقل!
- من عام النكد الى عام الرهان على العراقيين
- سيكولوجيا الكذب
- الصعاليك
- رسالة الأقليم الى العرب المقيمين فيه
- يستر الله..المسألة معكوسة!
- ثقافة نفسية(74):نصائح للمعلمين والمعلمات..مع التحية
- نظرية عراقية
- ثقافة نفسية(73):رثاء الذات
- عفيفة اسكندر..الصورة الأخرى
- الانتحار..يأسا
- العرب ..ماضيون
- الجنسيون المثليون في العراق
- اشكاليات في الدين والسلطة.ثانيا:السلطة(4-4)
- اشكاليات في السلطة والدين.ثانيا:السلطة (3-4)
- اشكاليات في الدين والسلطة.ثانيا:السلطة (2-4)
- ثقافة نفسية(2):الرومانسية والعشق..حالات مرضية
- سيكولوجيا الحب (1):رسالة من امرأة مثقفة وجدت نصف الحب!


المزيد.....




- الأمم المتحدة تدعو القوات الإسرائيلية للتوقف عن المشاركة في ...
- التحالف الوطني للعمل الأهلي يطلق قافلة تحوي 2400 طن مساعدات ...
- منظمة حقوقية: إسرائيل تعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني من غزة من ...
- مفوضية اللاجئين: ندعم حق النازحين السوريين بالعودة بحرية لوط ...
- المنتدى العراقي لحقوق الإنسان يجدد إدانة جرائم الأنفال وكل ت ...
- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين
- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟
- شربوا -التنر- بدل المياه.. هكذا يتعامل الاحتلال مع المعتقلين ...
- عام من الاقتتال.. كيف قاد جنرالان متناحران السودان إلى حافة ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - قاسم حسين صالح - العشائر العراقية..قراءة في ازدواجية المواقف