أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - عزمي بشارة و التدخل الأجنبي: كارثة المثقفين العرب.















المزيد.....


عزمي بشارة و التدخل الأجنبي: كارثة المثقفين العرب.


بيرم ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 3980 - 2013 / 1 / 22 - 00:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




عندما يبرر انسان عربي التدخل الأجنبي في وطنه فهي مهزلة . وعندما يكون ذلك العربي مثقفا تصبح مصيبة. وعندما يكون فلسطينيا و مثقفا و "عروبيا ديموقراطيا" فتلك الكارثة بأم عينها ، مع الأسف.
كنت قد نشرت منذ أيام ، في "الحوار المتمدن" مقالا قصيرا بعنوان : "الدكتور عزمي بشارة: رسالة عتاب شخصية" و علق أحد أصدقائي الشخصيين عليه في فايسبوك كاتبا " لا ينفع العتاب في ما أفسده النفط..." و رأيت أن ذلك قد يكون حكما قاسيا على مفكر كبير مثل الدكتور عزمي و لا أزال أتمنى أن يكون موقفي هو الأسلم خاصة و أنني أتذكر دائما قول محمود درويش ذات يوم " هنالك مواطن في الشعوب عصية على الموت أبدا" و أعتبر أن بعض المثقفين يجسدون جزءا من تلك المواطئ العصية.
و لكن، و حتى نبتعد عن الشخصنة و عن العتاب و الحزن و ما ينتجانه من انشاء أسود، لنحاول التعامل مع المسألة بأكثر ما يمكن من تجرد العقل رغم صعوبة ذلك .

كتب الدكتور عزمي بشارة في صفحته الرسمية على فايسبوك يوم الأحد 20/01/2013 مقالا بعنوان " ملاحظات حول التدخل الأجنبي " هذا نصه :


1. وقع في النهاية تدخل عسكري أجنبي ولكن في مالي وضد الإسلاميين، وليس في سوريا التي يتهم نظامها الإسلاميين بالعمالة لأميركا.

2. الأمر الذي يراه البعض ملفتا، وأعتبره أقل من عادي، هو أن من وقف ضد التدخل العسكري في ليبيا ضد القذافي، ملأ فمه ماء حول التدخل العسكري في مالي، بل وأيده. نقول أن هذا أمر غير ملفت وأقل من عادي لأن المواقف من التدخل الأجنبي ما كانت يوما مبدئية، بل كانت دائما تحدد بموجب المصلحة، وذلك منذ التدخل الأميركي في كوريا وفيتنام، والتدخل الروسي في تشيكوسلوفاكيا وأفغانستان، ثم الأميركي في أفغانستان والعراق. والقوى التي تعارض مثل هذا التدخل، أو تختلقه لكي تعارضة على الرغم من أنه غير مطروح في سورية، سبق أن أيدت تدخلا استعماريا في العراق صمتا أو علنا، وأيدته علنا في أفغانستان... وهي الآن تدعي معارضة تدخل أجنبي عسكري غير قائم في سورية.

3. لقد لعب الغرب عموما لعبة مزدوجة قذرة مع الثورة السورية إذ تشدق بتأييدها لكي يخترقها من دون أن يدعمها فعليا. فماذا يضيره أن يكون له وكلاء محسوبين عليه من دون أن يدعم الثورة السورية؟! وكان النقاش داخل المعارضة السورية حول التدخل الأجنبي نقاشا عقيما مثل نقاشات عقيمة أخرى ناجمة عن قلة الخبرة السياسية والمناكفات التي لا تنتهي.

4. إن القوة الأساسية التي يستند إليها حاليا لنظام الاسد هو دعم محور دولي، والأهم من ذلك صمت محور آخر، يتيح له أن يستخدم العنف من دون سقف، سوى سقف السلاح الكيماوي. وهو سقف وهمي، لأن القوة التدميرية لما استخدمه ضد مدن سورية المأهولة حتى الآن تتفوق على أي سلاح كيماوي. وما من شك لدينا أن الخوف الإسرائيلي من المستقبل غير الواضح بعد مرحلة استقرار، وحذر الإدارة الأميركية من اي تدخل جديد في المنطقة بعد العراق هي من عناصر الصمت الدولي على عملية هدم سورية. ونقول أن هذه قوة النظام الأساسية حاليا، لأنه لم تطلق يد نظام في استخدام العنف ضد شعبه منذ ثورة الاتصالات كما أطلقت يد النظام السوري. ولأنه لو حددت القوى الدولية سقف استخدامه للعنف، ولو بحظر جوي، لانفض عنه حتى ما تبقى حوله من عصبيات طائفية.

5. هذا لا يعني أنه يمكن للدول التي أعلنت موقفا داعيا لتنحي الأسد أن تتراجع عن موقفها هذا بسبب هذا العنف. فالعنف المستخدم يقوض اي شرعية سياسية دولية أو إقليمية لهذا النظام، فضلا عن شرعيته عند الشعب السوري التي هلكت تماما، ولا يمكن إحياؤها.

6. إن هذا الاستخدام للعنف سوف يستنفذ قريبا، ليس بفضل اشمئزاز العالم منه، ولكن بفضل صمود الشعب السوري وتضحياته، وبطولته الأسطورية، وبفضل توليده المستمر لقوى تقاتل النظام. وإن مطلب الشعب السوري بإيجاد الطرق لحمايته من القصف الجوي هو مطلب شرعي.

7. إن انتصار الشعب السوري يتم في ظل تواطئ دولي، وبدعم فقط من دول عربية (وللدقة دولة أو اثنتين)، وهو بالكاد يتجاوز الحد الأدنى المطلوب للصمود، حتى في الإغاثة الإنسانية لشعب منكوب فعلا. وسوف نتذكر ذلك حين تميل الكفة وتبدأ الدول بالانضمام لقطف ثمار نضال وطني وتضحيات وطنية من ألفها إلى يائها." ( انتهى النص)



لنترك جانبا اعتبارات العتاب و الرجاء و التمني و لنر محتوى النص بكل تجرد ممكن و نقطة بنقطة.
في الظاهر يبدو النص ذكيا كالعادة و متماسكا و لكننا نعتبر انه قمة في المغالطة العقلية و السياسية على حد السواء.


1- يقول الدكتور: "وقع في النهاية تدخل عسكري أجنبي ولكن في مالي وضد الإسلاميين، وليس في سوريا التي يتهم نظامها الإسلاميين بالعمالة لأميركا"



يبدأ الدكتور عزمي مقاله، ظاهريا ، بمجرد اقرار واقع و تسجيل حادثة. الا أن الأمر ليس كذلك فعلا لأن هذه الجملة تخفي ما يلي:
أولا: ان اعتبار "التدخل العسكري الأجنبي" تدخلا عسكريا اجنبيا فقط في حال اعلانه رسميا من قبل دولة – فرنسا- أو مجموعة من الدول يخفي ارادة تمرير موقف مفاده ان التدخل العسكري الأجنبي غير المتبنى وغير المعلن رسميا لا يدخل ضمن طائلة "التدخل العسكري الأجنبي" و الحال ان هذا مغالطة لا غير.
ثانيا:الاقرار بأن التدخل العسكري الأجنبي وقع " في مالي و ضد الاسلاميين" هو مغالطة ليس لأن هنالك خطأ في البلد –مالي- بل في التعميم المتعلق بعبارة "الاسلاميين". ان التدخل وقع في مالي ضد صنف من الاسلاميين المرتبطين بالتيار السلفي الجهادي القريب من القاعدة تحديدا و ليس ضد عموم "الاسلاميين".
ثالثا: ان عبارة "و لكن في مالي" تقف عند حد تحديد البلد و لكنها تتناسى أمرا مهما ، على الأقل من الناحية الشكلية، وهو ان حكومة مالي الرسمية – و لن نقول الشرعية- هي من طلب التدخل . و ان هذا المعطى الشكلي ، ولكن المهم، لا بد من عدم تجاهله على الأقل.
رابعا: أما عبارة " و ليس في سوريا التي يتهم نظامها الاسلاميين بالعمالة لأمريكا" فهي أيضا مغالطة لأن النظام السوري- الرديء- لا يعتبر كل الاسلاميين عملاء لأمريكا بدليل تحالفه مع حزب الله و ايران و ايوائه لحماس – سابقا- و للجهاد الاسلامي مثلا.
خامسا: كما ان هذه الجملة تترك جانبا مسألة سيادة الدول على أراضيها بقطع النظر عن طبيعة نظام الحكم فيها الذي هو شأن شعبي داخلي و الا فسيفتح الباب على مصراعيه لكل أشكال "التدخل العسكري الأجنبي". و طالما أن التدخل الأجنبي "غير المعلن" في سوريا هو مع المعارضة المسلحة ، وليس الشعبية الديمقراطية و السلمية، ضد نظام البلد الفاسد و لكن المستقل الذي يمارس الدور السيادي – الرديء- في سوريا فان الأمر يختلف عن مالي صاحبة العلاقة التبعية الوطيدة بفرنسا الاستعمارية.

2- يكتب الدكتور:" الأمر الذي يراه البعض ملفتا، وأعتبره أقل من عادي، هو أن من وقف ضد التدخل العسكري في ليبيا ضد القذافي، ملأ فمه ماء حول التدخل العسكري في مالي، بل وأيده. نقول أن هذا أمر غير ملفت وأقل من عادي لأن المواقف من التدخل الأجنبي ما كانت يوما مبدئية، بل كانت دائما تحدد بموجب المصلحة، وذلك منذ التدخل الأميركي في كوريا وفيتنام، والتدخل الروسي في تشيكوسلوفاكيا وأفغانستان، ثم الأميركي في أفغانستان والعراق. والقوى التي تعارض مثل هذا التدخل، أو تختلقه لكي تعارضة على الرغم من أنه غير مطروح في سورية، سبق أن أيدت تدخلا استعماريا في العراق صمتا أو علنا، وأيدته علنا في أفغانستان... وهي الآن تدعي معارضة تدخل أجنبي عسكري غير قائم في سورية."

ان هذه الفقرة الثانية حافلة هي الأخرى بالمغالطات التالية:
أولا: اهمال ذكر من كان ضد التدخل العسكري في ليبيا و هم الآن أيضا ضد التدخل في مالي ، و هنا نقصد بعض القوى السياسية القومية و اليسارية وغيرها و لا نعني الدول.
ثانيا: تناسي موقف بعض ( وليس كل) القوميين والاسلاميين وغيرهم - من أصدقاء الدكتور الشخصيين في تونس مثلا- الذين يساندون التدخل في مالي و كانوا مساندين أيضا للتدخل في ليبيا.
ثالثا:اعتباران المواقف من مسألة التدخل العسكري الأجنبي " ما كانت يوما مبدئية ، بل كانت دائما تحدد بموجب المصلحة "الى درجة اضفاء شرعية على مثل هذه المواقف.و ان المعارضة التي يقوم بها الدكتور بين "المبدئية" و "المصلحة" هي معارضة خطيرة جدا في السياسة على الدول و لكن خاصة على "الثورات". ان السياسة الدولية كانت تعتبر رفض التدخل العسكري الأجنبي من المبادئ الأساسية في الديبلوماسية حتى لو كان التطبيق يختلف. و لكن التخلي عن هذا المبدأ حتى في صيغته النظرية هو كارثة من كوارث العولمة المغلفة "بنشر الديمقراطية" و بدأت خاصة مع يوغسلافيا و بروز ما يسمى "حق التدخل الانساني " الذي كان يغطي سياسة التدخل العسكرية ، رغم كل سيئات الأنظمة التي تم التدخل ضدها و التي على شعوبها التخلص منها بقواها الذاتية المستقلة أساسا.
رابعا: ان الحديث عن " اختلاق" تدخل في سوريا "غير مطروح" و القول بتدخل "أجنبي عسكري غير قائم في سورية" كان سيكون صحيحا لو اقتصرنا على " تدخل رسمي معلن" من قبل دولة أو دول أو حلف الناتو أو مجلس الأمن. و لكن الدكتور يتناسى التدخل العسكري غير المعلن و غير الرسمي و هو موجود في سوريا و باعترافه هو كما سنرى لاحقا.

3- كتب الدكتور : " لقد لعب الغرب عموما لعبة مزدوجة قذرة مع الثورة السورية إذ تشدق بتأييدها لكي يخترقها من دون أن يدعمها فعليا. فماذا يضيره أن يكون له وكلاء محسوبين عليه من دون أن يدعم الثورة السورية؟! وكان النقاش داخل المعارضة السورية حول التدخل الأجنبي نقاشا عقيما مثل نقاشات عقيمة أخرى ناجمة عن قلة الخبرة السياسية والمناكفات التي لا تنتهي."
ان هذه الفقرة كارثية بأتم معنى الكلمة للسببين التاليين:
أولا:ظاهريا ينتقد الدكتور الغرب الذي لعب "لعبة مزدوجة قذرة مع الثورة السورية إذ تشدق بتأييدها لكي يخترقها من دون أن يدعمها فعليا..." و لكن : ألا يعتبر هذا دعوة للغرب كيف يكف عن قذارته و يساند "الثورة السورية" بالتدخل "ليدعمها فعليا"؟
أليست هذه دعوة للتدخل "الفعلي" –أي الرسمي المعلن- (نحن نعتقد ان التدخل غير الرسمي موجود فعلا) في سوريا؟ وهل هذه هي "العروبة الديمقراطية"؟
ثانيا: ان القول " وكان النقاش داخل المعارضة السورية حول التدخل الأجنبي نقاشا عقيما مثل نقاشات عقيمة أخرى ناجمة عن قلة الخبرة السياسية والمناكفات التي لا تنتهي." هو قول خطير جدا. و بقطع النظر عن صحة القول بوجود "قلة الخبرة السياسية" فهل النقاش حول التدخل الأجنبي هو فعلا نقاش عقيم ؟
و لو كان الأمر كذلك فلم نشر الدكتور أصلا هذا المقال –مثلا- الذي يناقش "التدخل الأجنبي" تحديدا ؟
أم انه يسمح لنفسه ( وهو صاحب المعرفة و كثير التجربة) بما يمنعه عن السوريين أنفسهم و الذين يصفهم " بقلة التجربة " و الميل "الى المناكفات التي لا تنتهي"؟
أليس من المشروع للسوريين النقاش في هذا؟ ألم تقل يا دكتور ان المسألة ترتبط "بالمصلحة" ؟ فهل ليس من حق السوريين النقاش حول مصلحة الثورة السورية من عدمها ؟ أم انك تريدهم القبول بمبدئك القابل –مبدئيا – للتدخل الأجنبي و الاكتفاء بالنقاش البراغماتي حول تصريف المصالح و تقسيم الغنائم الناتجة عن التدخل "المقبول مبدئيا" ؟

4- كتب الدكتور:" إن القوة الأساسية التي يستند إليها حاليا نظام الاسد هو دعم محور دولي، والأهم من ذلك صمت محور آخر، يتيح له أن يستخدم العنف من دون سقف، سوى سقف السلاح الكيماوي. وهو سقف وهمي، لأن القوة التدميرية لما استخدمه ضد مدن سورية المأهولة حتى الآن تتفوق على أي سلاح كيماوي. وما من شك لدينا أن الخوف الإسرائيلي من المستقبل غير الواضح بعد مرحلة استقرار، وحذر الإدارة الأميركية من اي تدخل جديد في المنطقة بعد العراق هي من عناصر الصمت الدولي على عملية هدم سورية. ونقول أن هذه قوة النظام الأساسية حاليا، لأنه لم تطلق يد نظام في استخدام العنف ضد شعبه منذ ثورة الاتصالات كما أطلقت يد النظام السوري. ولأنه لو حددت القوى الدولية سقف استخدامه للعنف، ولو بحظر جوي، لانفض عنه حتى ما تبقى حوله من عصبيات طائفية."
هنا مصيبتان على الأقل:
أولا :يقدم الدكتور عزمي قراءة موجهة جدا للوضع في سوريا مفادها ان النظام السوري لا يوجد حوله داخليا الا بقايا "عصبيات طائفية" (آخر الفقرة) و ان قوته الحقيقية هي في استناده الى "محور دولي" من ناحية و " صمت محور آخر" من ناحية ثانية. اننا لا ندعي معرفة الوضع الداخلي الدقيق في سوريا و لكن الاكتفاء بالحديث عما تبقى من " عصبيات طائفية" يوحي انه في الجهة المقابلة في "الثورة السورية" لا توجد عصبية طائفية بل "وحدة شعبية ديمقراطية". هنا يمكن القول ان التوصيف غير صحيح و منحاز على الأقل. ان النظام السوري ليس أكثر طائفية من بعض – وليس كل- ثوار سوريا.
من ناحية أخرى ان الاعتراف بوجود سند "محوردولي " للنظام في مقابل " صمت محور آخر" هو من باب التعمية. ان "المحور الآخر " يصور هنا و كأنه "يصمت "عن النظام ولا يساند "الثورة" أيضا و لكن هذا ليس صحيحا حتى لو كانت المساندة مرهونة بالمصالح و التوازنات الدولية و غيرها. لا يوجد صمت بل "سند خفي" نسبيا- بمعنى عدم التدخل العسكري الرسمي المعلن- بمقياس موازين القوى الداخلية و الدولية لا غير .
ثانيا: بعد الحديث عن "سقف العنف" الكيمياوي – وظاهره صحيح عموما و لكنه لم يربط بسقف السلاح المستعمل من قبل فصائل "الثورة" و لذلك فهو مشكوك فيه - يقول الدكتور " وما من شك لدينا أن الخوف الإسرائيلي من المستقبل غير الواضح بعد مرحلة استقرار، وحذر الإدارة الأميركية من اي تدخل جديد في المنطقة بعد العراق هي من عناصر الصمت الدولي على عملية هدم سورية." فهل هي عملية تحليلية فقط أم هي دعوة – موضوعية غير واعية ربما- اسرائيل لعدم الخوف و امريكا لعدم الحذربما ان النظام لم يبق له في الداخل الا بقايا "عصبيات طائفية"؟
هل هي دعوة للاجهاز الفوري على النظام عبر "التدخل العسكري " من خلال خلق منطقة لحظر الطيران كما تم في ليبيا؟
هذا ما يفهم من عبارة " ... لم تطلق يد نظام في استخدام العنف ضد شعبه منذ ثورة الاتصالات كما أطلقت يد النظام السوري. ولأنه لو حددت القوى الدولية سقف استخدامه للعنف، ولو بحظر جوي، لانفض عنه حتى ما تبقى حوله من عصبيات طائفية."

5- كتب الدكتور بعد ذلك : " هذا لا يعني أنه يمكن للدول التي أعلنت موقفا داعيا لتنحي الأسد أن تتراجع عن موقفها هذا بسبب هذا العنف. فالعنف المستخدم يقوض اي شرعية سياسية دولية أو إقليمية لهذا النظام، فضلا عن شرعيته عند الشعب السوري التي هلكت تماما، ولا يمكن إحياؤها. "

فهل هذه مطالبة للدول "المعتدلة" التي اكتفت بمطلب "تنحي الأسد" الى الالتحاق بالدول المتحمسة للتدخل العسكري الأجنبي و ذلك بمحاولة اقناعها بأن نظام الأسد بكامله ، وليس الرئيس الأسد فقط، فقد "أي شرعية سياسية دولية أو اقليمية"، "فضلا عن شرعيته عند الشعب السوري".
أليست هذه دعوة الى تجنب الاعتدال و اعتماد أقصى درجات التطرف الدولي في التعامل مع المسألة السورية؟
بل هي كذلك و البوابة هي الواردة في الفقرة التالية:

6- " إن هذا الاستخدام للعنف سوف يستنفذ قريبا، ليس بفضل اشمئزاز العالم منه، ولكن بفضل صمود الشعب السوري وتضحياته، وبطولته الأسطورية، وبفضل توليده المستمر لقوى تقاتل النظام. وإن مطلب الشعب السوري بإيجاد الطرق لحمايته من القصف الجوي هو مطلب شرعي."

البوابة اذن هي مطلب "الحماية من القصف الجوي" أي بعبارة أخرى فعل ما تم في ليبيا من خلال احداث منطقة حظر طيران تمكن من الانتصار البري على النظام بعد "دعم الثورة السورية" بالسلاح الخفيف فقط و اعتماد الطيران الغربي لقصف الثكنات و المقرات الرسمية السورية و بذلك يدمر سلاح الطيران السوري – كما دمر العراقي و الليبي- ، لصالح الشعب السوري طبعا و ليس لصالح أية قوة اقليمية تماما.


7- يختم الدكتور كاتبا:" إن انتصار الشعب السوري يتم في ظل تواطئ دولي، وبدعم فقط من دول عربية (وللدقة دولة أو اثنتين)، وهو بالكاد يتجاوز الحد الأدنى المطلوب للصمود، حتى في الإغاثة الإنسانية لشعب منكوب فعلا. وسوف نتذكر ذلك حين تميل الكفة وتبدأ الدول بالانضمام لقطف ثمار نضال وطني وتضحيات وطنية من ألفها إلى يائها."

يبدو لي أن الدكتور ،في هذه الفقرة السابعة، يتذمر من الوضع في سوريا الذي يتمنى أن يؤول حتما الى انهيار النظام السوري . و لكن يبدو كالمتشكك في الأمر و خاصة المتحسر فقط على" تواطئ دولي" خذل " دعم دول عربية ( وللدقة دولة أو اثنتين)..." ستجدان نفسيهما على الهامش " حين تميل الكفة وتبدأ الدول بالانضمام لقطف ثمار نضال وطني وتضحيات وطنية من ألفها إلى يائها."

من "يدعم الشعب السوري" هما طبعا قطر و السعودية أساسا. و الدكتور لا يريدنا أن نتساءل الأمر التالي: هل قطر و السعودية تدعمان الثورة السورية "مبدئيا" أم من باب "المصلحة"؟
هل تدعمان من باب الاستقلالية أم بايعاز أو "تواطئ" غير عربي؟
هل هما دولتان غير طائفيتين أم أنهما أكثر الدول طائفية في المنطقة؟
هل هما مع استقلال سوريا و وحدة الشعب السوري أم هما ضد الأسد لأنه علوي متحالف مع حزب الله وايران الشيعيين؟
هل هما دولتان ديمقراطيتان أم أنهما مشيختان ملكيتان بهما نظام ملكي مطلق هو من أسوأ أنظمة المنطقة حيث لا دستور و لا فصل سلط ولا انتخابات و لا أحزاب و لا جمعيات و لا حرية مرأة و لا اعلام و لاهم يحزنون؟
و هل هما تبحثان أيضا عن المشاركة في " قطف ثمار نضال وطني و تضحيات وطنية من ألفها الى يائها" كما فعلتا في تونس و ليبيا و مصر حيث العقود المبرمة مع الأشقاء القطريين (و السعوديين) سخية جدا. أم انهما تساندان الشعب السوري حبا في العروبة و في الله فقط؟

هي سبع فقرات عجاف اذن يا دكتور فنرجو المعذرة.

لقد كنت تناضل في اسرائيل ضمن حزب وطني ديمقراطي سلمي و دخلت الكنيست الاسرائلي نائبا و انك تدعو هنالك الى الحل الجنوب- افريقي عبر تكوين حركة حقوق مدنية مشتركة و حل الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة،ألخ. و اننا لا نريد نقاش هذا الآن مع اننا لسنا من أنصار "رمي اليهود في البحر" أيضا.
لكن بالله عليك، أليس من حق السوريين أن يطبقوا ما تفكر فيه لأسرائيل؟
هل العلاقة بين السوريين تتطلب حربا أهلية و تدخلا دوليا مسلحا بينما الوضع في الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي يتطلب حركة حقوق مدنية سلمية و دولة ديمقراطية للجميع تضم المستوطن و صاحب الأرض السليبة؟

خاتمة:

كتب أحد المثقفين العرب الفلسطينيين الكبار ( لن أذكر اسمه لعدم ربطه بأطروحات الدكتور عزمي بشارة ) منذ أيام في فايسبوك:

" الغضب على بشار لا يعني الرضا عن هذه المعارضة. أم أن لدى البعض صعوبة عندما تتطلب القضايا تفكيراً مركّباً؟ إسرائيل والغرب والسعودية وأشباهها والميني حريري ومجرمو 14 آذار والتكفيريون وفقهاء التلفزيون ومرضى الطائفية وبعض زعماء هذه المعارضة ذاتها يستحقون ركناً سيّء الرائحة في جهنم الأرض وهم أعداء كما عهدناهم أنت وأنا ووقائع التاريخ. لكن لا يمكنني، بسبب هذه الدول والجماعات المجرمة أن اؤيد رئيساً جاء ب"كوميديا" التوريث ولا يريد مغادرة المشهد إلا ب"مأساة" والجثث فيها تبعث الرجفة في الأرض والسماء وفي قلب متعب كما في قلبك وقلبي، والمتعَب مثلنا يا صديقي لا يمكن أن يقف في صف الدكتاتور. أومن أنه لا يمكن وأكتب أنه لا يمكن.".

فكتبت له ، لأنه صديق افتراضي، اسمح لي أن أعارضك يا أستاذي بنفس عباراتك :

"الغضب على هذه المعارضة لا يعني الرضا عن بشار. أم أن لدى البعض صعوبة عندما تتطلب القضايا تفكيراً مركّباً؟ ( بشار) جاء ب"كوميديا" التوريث ولا يريد مغادرة المشهد إلا ب"مأساة" والجثث فيها تبعث الرجفة في الأرض والسماء وفي قلب متعب كما في قلبك وقلبي. لكن لا يمكنني بسبب هذا الرئيس المجرم أن أؤيد إسرائيل والغرب والسعودية وأشباهها والميني حريري ومجرمو 14 آذار والتكفيريون وفقهاء التلفزيون ومرضى الطائفية وبعض زعماء هذه المعارضة ذاتها يستحقون ركناً سيّء الرائحة في جهنم الأرض وهم أعداء كما عهدناهم أنت وأنا ووقائع التاريخ. والمتعَب مثلنا يا صديقي لا يمكن أن يقف (لا) في صف الدكتاتور (و لا في صف هؤلاء). أومن أنه لا يمكن وأكتب أنه لا يمكن."

و لكنني أضيف اليوم بمرارة : اذا لم يستطع السوريون العودة الى النضال الجماهيري السلمي أو اذا لم يفلحوا في حل وسط يمثل تسوية تاريخية يقبلونها جميعا و اذا كان لا بد من موقف مع هذا الطرف أو ذاك لا محالة فسأكون مع بشار الأسد ليس حبا فيه بل شماتة في أعدائه و من باب " ستون سنة من حكم ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان" ( خوفا على الشعب السوري من استمرار الحرب الأهلية و تفتيت سوريا)، و من باب نصرة " المستبد الوطني المستنير "على " المستبد الظلامي المستجير "بالخارج.

أنا مجبر على هذا مكرها لا مخيرا لأنني لا أريد أن أكون " كالمستجير من الرمضاء بالنار".



#بيرم_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الى الدكتورعزمي بشارة : رسالة عتاب شخصية.
- من أجل حزب اشتراكي موحد و جديد في تونس: (مشروع للنقاش حول وح ...
- تعقيب على الرسالة الرابعة الموجهة الى الجبهة الشعبية: الى ال ...
- الجبهة الشعبية التونسية بين -اليمين الديني- و- اليمين الليبي ...
- الوصايا العشر اليسارية الجديدة : مديح الانتهازية الثورية .
- الرفيق بشير الحامدي : -حول مواصلة تنفيذ المهام الثورية و دور ...
- الرفيق بشير الحامدي بين -وعي الهزيمة - و -هزيمة الوعي-.
- تونس والاضراب العام : حتى لا تضيع البوصلة.
- تونس : برقية عاجلة الى أعضاء حركة النهضة الاسلامية التونسية.
- رسالة من قلب سليانة ...الى العاقين من الأبناء.
- أخطاء الديمقراطيين القاتلة في الثورة التونسية: تقييم يساري د ...
- تونس بين الانتقال الديمقراطي و الانتقام -الديمقراطي-: نداء ع ...
- تونس : الجبهة الشعبية و الطفولية اليسارية .( رسالة ثالثة).
- رسالة الى التونسيين : قراءة في خطاب رئيس الجمهورية يوم 23 أك ...
- من -المنتدى الاجتماعي- الى -التنظيم الاشتراكي الديمقراطي الا ...
- الحركة الاسلامية حركة وطنية محافظة : نحو مقاربة علمية و سياس ...
- تونس ( عاجل ، خطير و للتوزيع على أوسع نطاق ) : تسريب...أمنية ...
- تونس بين حزبي النهضة و- نداء تونس- : هل تكون المواجهة ؟
- الجبهة الشعبية التونسية: أسئلة مصيرية. (رسالة ثانية )
- مع علم الانسان التاريخي وضد المادية التاريخية : نحو منظور عل ...


المزيد.....




- مدير CIA يعلق على رفض -حماس- لمقترح اتفاق وقف إطلاق النار
- تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 60 %
- بايدن يتابع مسلسل زلات لسانه.. -لأن هذه هي أمريكا-!
- السفير الروسي ورئيس مجلس النواب الليبي يبحثان آخر المستجدات ...
- سي إن إن: تشاد تهدد واشنطن بفسخ الاتفاقية العسكرية معها
- سوريا تتحسب لرد إسرائيلي على أراضيها
- صحيفة: ضغط أمريكي على نتنياهو لقبول إقامة دولة فلسطينية مقاب ...
- استخباراتي أمريكي سابق: ستولتنبرغ ينافق بزعمه أن روسيا تشكل ...
- تصوير جوي يظهر اجتياح الفيضانات مقاطعة كورغان الروسية
- بعد الاتحاد الأوروبي.. عقوبات أمريكية بريطانية على إيران بسب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - عزمي بشارة و التدخل الأجنبي: كارثة المثقفين العرب.