أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - فى الدين (7) المسيحية














المزيد.....

فى الدين (7) المسيحية


داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 3979 - 2013 / 1 / 21 - 16:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




يعتقد عامة المسيحييين أن مجموعة العقائد التى يدينون بها اتباعا لتعاليم الكنيسة – أو على الأقل ما هو مشترك بين تعاليم مختلف الكنائس – يشكـّل كـُلا متكاملا يتفق مع ما قال به المسيح، أو على الأقل ما آمن به تلاميذ المسيح الأوائل. لكن هذا بعيد عن الحقيقة، فالعقيدة المسيحية – حتى ما يمثل القلب الصلد الذى تجتمع عليه كل الطوائف – قد تشكـّل على مراحل على امتداد عقود وأجيال بعد رحيل المسيح.
وُلِد يشوع (يسوع، عيسى) فى نحو العام السادس قبل التاريخ الذى حُدّد خطأ لبدء التقويم الميلادى، ولا بدّ أنه نشأ كما ينشأ الطفل اليهودى، وقرأ التوراة، واستمع لدروس الدين فى المعبد، لكنه حين نضجت مداركه وجد بونا شاسعا بين ما استوعبه عقله وحِسّه من الدين وما وجد عليه الناس من حوله. وإذا كان قد وجد بسطاء الناس يقصرون كثيرا عن المثاليات الأخلاقية والروحانية كحالهم دائما، فإنه وجد أكثر الناس بعدا عن روح الدين هم رجال الدين ومعلـّموه، الذين انقسموا بين فريسيين يتشبّثون بالشكليات ويتشدّدون فيها ويهدرون الجوهر، وصدّوقيين ينكرون البعث ووجود الروح. وفى إطار التراث النبوى اليهودى لم يكن غريبا أن يشعر بأنـّه مدعوّ لأن يبشّر بين الناس بما أوْحَى إليه عقله وضميره بأنه المفهوم الحقّ للدين.
لم يخطر ببال يسوع إذن أن يدعو لدين جديد وإنما أراد الدعوة لأن يحيا الناس وفق ما يزعمون أنهم يؤمنون به. وحتى حين لخـّص الدين كله فى "أن تحب الرب إلهك وأن تحب قريبك كنفسك" فإن هذا لم يكن قوله هو ولا هو زعم أنه قوله هو بل إنه كان يستشهد بنص من التوراة. ولا يسمح الحيّز المتاح هنا لأن أتوسع فى الحديث عن تعاليم المسيح، وهى على أى حال ميسورة المنال فى إنجيل متى وإنجيل لوقا. وحين كان يسوع يشير إلى الله فيقول "أبى الذى فى السماء" لم يكن يريد أن يزعم لنفسه صلة خاصّة بالإله، فهو كان يخاطب الناس فيقول "إن أباكم الذى فى السماء يعلم ما تحتاجون"، وهو قال لتلاميذه: "إذا صليتم فقولوا: أبانا الذى فى السموات ...". فهو فى كل ذلك إنما أراد القول بأن خير فهم للعلاقة بين الله والناس نجده فى صورة الحب والمودّة والرعاية والإجلال التى تتمثـّل فى الأبوّة والبنوّة.
كلمة المسيح فى التراث اليهودى لها معنى عامّ ومعنى خاصّ. المعنى العام يتـّفق مع الأصل اللغوى للكلمة، فكلمة المسيح تطلق على شخص الملك أو الكاهن الممسوح بالزيت المقدّس، وتطلق حتى على الأشياء التى تـُمسح بالزيت المقدّس. أما فى معناها الخاصّ فإنها تشير إلى مسيح بعينه تقول النبوّات أنه سيأتى فيخلـّص اليهود من أعدائهم ويقيم لهم مملكتهم الدائمة. لم تتجاوز كلمة المسيح فى التراث اليهودى أبدا هذين المعنيين المحدّدين، إنما كان بولس الطرسوسى هو من أعطى الكلمة معنى ومضمونا جديدين ابتدعهما ابتداعا، وصار هذا المعنى الذى ابتدعه بولس هو محور المسيحية المؤسسية.
كان بولس يهوديّا يحمل الجنسية الرومانية، وهو لم يكن من تلاميذ المسيح بل إنه لم يكن قد التقى بالمسيح فى حياته أبدا. وبعد موت المسيح، وبعد أن تجمّع عدد من تلاميذ المسيح وقرّروا أن يواصلوا رسالته وينشروا تعاليمه، ورأى كهنة اليهود أن فى ذلك خروجا على سلطانهم، كان بولس واحدا ممن نشطوا فى ملاحقة أولئك التلاميذ ومن تبعهم، لكنه تعرّض لتجربة نفسيّة عجيبة تحوّل بعدها من اضطهاد أتباع المسيح إلى داعية لدين جديد. وكان ما دعا إليه بولس دينا جديدا بحقّ، قام على فكرة أن يسوع هو المسيح، لكنه مسيح بمفهوم مبتدع ليس له أصل فى اليهودية، مفهوم مؤدّاه أن المسيح جاء بقصد أن يُقتل ويموت فيكون موته فداء للبشر من خطيئتهم التى ورثوها عن أبيهم آدم، والتى ما كان يمكن أن يمحوها إلا دم المسيح، لكنْ يبقى هذا الفداء وهذا الخلاص للبشر مشروطا بالإيمان بالمسيح بهذا المفهوم. هكذا يمكننا أن نعتبر أن بولس الطرسوسى كان هو المؤسس الأول للمسيحية التى أخذت تتشكـّل منذ نشط بولس فى نشر دعوته. وتـُعَدّ رسائل بولس التى كان يرسلها لأتباعه، والتى يتضمّنها كتاب المسيحية المقدّس، من العُمُد الرئيسية لكل الكنائس المسيحية.
يمكن أن نقول إن المؤسس الثانى للمسيحية فى صورتها الراهنة هو يوحنا كاتب الإنجيل الرابع. كانت أناجيل متى ومرقس ولوقا قد كـُتبت متأثرة بتعاليم بولس، كما كـُتبت أناجيل أخرى عديدة لم تعتمدها الكنيسة. ثم جاء إنجيل يوحنا الذى اقتبس من الفلسفة اليونانية فكرة الـ "لوجوس" (الكلمة، الفكر، العقل)، فافتتح إنجيله بالعبارة المذهلة: "فى البدء كان الكلمة، والكلمة كان مع الله، والكلمة كان الله"، ثم جعل المسيح هو الكلمة، ثم جعل المسيح الكلمة هو ابن الله. ولو أخذنا كل هذا على أنه رموز فلسفية أو تصوّفية فإننى، متحدّثا عن نفسى، أقول إننى أجد فى هذا ينبوعا لا يغيض من المعانى الميتافيزيقة. الغريب أن الكنيسة تبنّت هذا الإنجيل، وبعبقرية تنظيرية فذّة لحَمته مع عقيدة بولس لتشكـّل بذلك الأساس الأول للثيولوچيا المسيحية، التى شارك فى إقامة صرحها بعد ذلك العديد من المفكّرين، بصورة رئيسية فى القرون الأربعة أو الخمسة من بدء التقويم الميلادى. وهذه هى المسيحية التى يظن عامة المسيحيين أنه جاء بها يسوع الناصرى.
ملحوظة: ليس فى المسيحية شىء يقابل المفهوم الإسلامى للإنجيل الذى "أنْزِل على عيسى". الأناجيل فى المسيحية كتب ألفها كثيرون، تروى أعمال وأقوال المسيح، وظهر منها العشرات فى القرن الأول بعد المسيح، واعتمدت الكنيسة أربعة منها، واندثر معظم الباقى، ويُكتشف بعضها من حين لآخر. كلمة الإنجيل يونانية الأصل، وتستخدم أحيانا للدلالة على الأناجيل الأربعة المعتمدة مجتمعة، وأحيانا للدلالة على "العهد الجديد" (القسم الثانى من "الكتاب المقدّس") الذى يضمّ إلى جانب الأناجيل الأربعة كتاب "أعمال الرسل" ثم رسائل بولس وآخرين من أتباع المسيح ثم سِفر "الرؤيا".
مدينة السادس من أكتوبر، مصر، 21 يناير 2013



#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فى الدين (6) اليهودية
- فى الدين (5) البوذية
- فى الدين (4) الهندوكية
- فى الدين (3) زرادشت
- فى الدين (2) نشأة الدين
- فى الدين (1) كلمة تمهيدية
- الهزل والجد فى أمر تعريب التعليم والعلوم
- عبثية التفاهم مع الإسلام السياسى
- ما العمل؟
- حين نتنازل عن عقولنا
- خطر خلط المفاهيم
- السبيل لتحرير العقل العربى
- مواد الحريات فى الدستور المقترح
- مشكلة الدين
- نقد الدين ضرورة حضارية
- كيف نتحرر من أوهامنا؟
- هوامش على -لغتنا والحياة- ل عائشة عبد الرحمن -بنت الشاطئ-
- أخلاط هواجس
- ما شأن الله بالدستور؟
- القيم والدين


المزيد.....




- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - فى الدين (7) المسيحية