أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - العاصفة والجعة -قصة طويلة















المزيد.....

العاصفة والجعة -قصة طويلة


خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 3978 - 2013 / 1 / 20 - 00:34
المحور: الادب والفن
    


العاصفة والجعة- قصة طويلة
********************
فجأة هبت رياح عاتية ، تصاحبها أمطار شبه طوفانية ، لم يتدارك الباعة الذين يفترشون سلعهم فوق الأرض جمع بضائعهم ، التي تطايرت في الهواء كالقش ، أقمشة وتبابين تتطاير في الهواء وجوارب تلتحق بها ، كأنها مدعوة الى حفلة رقص في السماء ثم يتراءى في الهواء حالات الاعصار القوي وهو يتلاعب باللحافات الصغيرة وبالقبعات الشتوية ، يطوح بها ذات اليمين وذات الشمال .كرنفال الرياح لا بد له من طقوسه الجميلة .
كان يوما شاقا ، لكنه بالنسبة الي كان أكثر اثارة ودهشة ، جمعت صناديق الفواكه ، من تفاح وموز وبرتقال ، وركنتها في مخبأ القيسارية كالعادة . وصممت على متابعة مشهد أحوال باعة الملابس ، وهم يجرون وراء سلعهم المتطايرة ، كان مشهدا معبرا ونادرا ، فهذا يتعقب تبانا أزرقا يبحث في السماء عن زبونة ما ، والآخر يتابع بعينيه لحافا ما زال يرتقي علو السماء ، والآخرون ينتشلون من الماء الملوث ما قذفته الرياح من أشياء ، والكل متذمر . لكن تحت سقف الحوانيت والدكاكين والمنازل المحيطة بالسوق العشوائي ، كان هناك جمهور يتفرج على المنظر المثير ، بعضهم يضحك وقليلون من يتأسفون لهؤلا ء الشباب وهم يستقبلون زخات الأمطار العاصفة ، وقد تبللوا عن آخرهم .
فكرت في الذهاب الى المدينة واحتساء بعض الجعة في حانة ما ، ورأيتها فرصة مناسبة لتغيير جو العواصف بجو الموسيقى والمشروب الروحي .
سرعان ما استقرت في أعماقي عاصفة الشرب ، ففي مثل هذا الطقس الملبد وفي مثل هذا الجو الفوضوي ، لايمكن للشاعر الا أن يكرع من كأس العاصفة ، بعد أن يشحن ذاته بمتاهة الوجود .
كالعادة لا أذهب الا وحيدا ، دخلت الحان وطلبت جعة طبيعية ، حدجت بأم عيني جاري مصطفى ، ذلك الفتى المهذب والهادئ ، وسرعان ما تلاقت عينانا عبر المرآة ، لكنني قلبت نظري الى التلفزة ، وتركته يكمل متعته ، دون أن تزعجه عيناي .
في ظرف نصف ساعة كنت قد كرعت أربع قنينات ، تداعت صور العاصفة في ذهني وابتسمت ، يبدو أن العاصفة اليوم قد تلبستني ، وحين يتلبسك شيئ مهما كان لا بد وأن تحاول استئناسه ، حتى ولو كان خنجرا .
أثناء ابتسامتي رمقت وجها غير غريب عني ، فتشت في سرداب ذاكرتي عن اسم هذا الشخص ، وتأكدت أن ذاكرة الانسان أأمن بنك للمعلومات ، وأرشيفها من أكثر الأرشيفات احتفاظا بالمذكرات ، انه عبد القادر ، رغم انتفاخه بعض الشيئ ، فهو ما يزال يحتفظ بطريقة لباسه منذ تعرفت عليه قبل أكثر من عشرين سنة . عشرون سنت مضت منذ أن تعرفت على هذا الشخص هنا ، وكأن الأمر لا يتعلق الا بيوم او يومين ، الزمن بقي ثابتا ، لكننا تغيرنا ، أنا وهو تحولت فينا أشياء كثيرة ، الزمن لا يمضي كما تعلمنا ، والدليل هو هذه اللحظة التي جعلتني أرى رجلا لم أره منذ عشرين سنة ، يجلس في الكونتوار ، يرتدي على رأسه تلك القبة العبرية السوداء ، كأنه لم يغيرها ، وكأنها لاتزال هي نفس القبعة القديمة ، قميص أحمر فوقه معطف أسود ، وسروال من نوع الطركَال ، ونفس الحذاء ذي الكعب الطويل . لم يتغير شيئ اذن . اين ذهبت تلك السنون العشرين ؟ .ربما كانت مختبئة في زاوية ما من هذا البار ، تراقبنا هي أيضا .
رسمت صورته في ذهني وأشحت عيني عنه كي لا يراني ، وحتى وان رآني ، لا أريد أن يدرك أني أتطلع اليه ، أو أني قد تعرفت عليه .فهو من المخبرين الفاشلين ، الذين يصطادون في الحانات طريدتهم ، ويقدمون المعلومات الأولية عمن يقابلونهم هنا ، بعد أن يستدرجوهم بطريقتهم البالية نحو مواضيع قد تكون الاستخبارات تشتغل عليها . فالاستخبارات عندنا في المغرب ، ككل الدول القمعية يوجد لديها ملفات جاهزة ، تنتظر اسما من الأسماء ليحمل ثقلها ، اما اعتقالا أو قتلا أو نفيا أو مطاردة عبثية ، حيث أينما وليت رجليك الا وانتصبت وراءك وأمامك وجوه مشبوهة .
بعد انتهائي من الجعة الرابعة ، قمت بأداء ما بذمتي ، وانصرفت الى حالي ، عند الباب استقبلتني رياح العاصفة ، لكنها هنا لم تجد ما تعبث به ، وككل الكائنات المطبوعة بالعبث ، لابد لها من العبث بنفسها ، فالعبث عادة ككل العادات ، وأصعب الأمراض التي لم يناقشها علماء النفس العرب هو مرض العادة . هل قلت علماء نفس عرب ؟ أظنني سكرت فعلا .
اشتريت درهمين من الفول السوداني ، وخطر ببالي أن أتم متعتي بحان آخر ، فالهواء البارد الذي يتلاطم بوجهي انتزع ما علق بذهني من نشوة البيرة ، ولا بد من الحفاظ على هذه النشوة اليوم . فليست كل أيامي انتشاء . وفي بلادي محظوظ من يحس بلحظة انتشاء حسي ، كأنني كنت أصطاد هذه اللحظة منذ زمن طويل ، والآن حصلت عليها ، ولا يمكن التفريط فيها ، الانتشاء ترف لا نستطيعه نحن المسحوقون الا خارج دوام الحياة التعيسة .
كانت الوجوه التي مسحتها عبر نظرة خاطفة في الحان الثاني ، وجوها مختلفة ، وجوه رجال تجاوز سنهم الخمسين سنة ، ووجوه شابة ، وأربع فتيات ، قررت الجلوس في الكونتوار ، طلبت جعتي الطبيعية ، وتهيأت لحالة أخرى ، فهنا لا أعرف اي شخص ، وأنا حر من أي ملاحظة سلبية ، فسواء كان هنا بعض المخبرين أو لم يكونوا فأنا لن اطارد الساحرات ، ولن أبحث عن التماسيح والعفاريت وهي عبارات حفظتها يا حسرة من وزير سابق ومن رئيس الحكومة الحالي ، وكأنهما قادمين من ساحة الفنا ليحكما المغرب هههههههههه. على أي ،كل تمساح هو أدرى بجلده ، وكل عفريت أدرى بلونه .
أحسست بخفة طازجة وأنا أدور في ذهني تلك الفكرة ، لأول مرة أنتصر على وسواس المخابرات ورجالها الأغبياء ، كرعت الأولى والثانية والثالثة بنهم وبلذة ، أغاني هذا البار لا تعجبني اطلاقا ، أغاني هابطة سفلية مقززة ، لا تمث لفن الغناء بصلة ، لاأعرف لماذا هي وحدها الرائجة ، ليس في الحانات فقط ، بل حتى عند بائعي الأسطوانات والسي دي ، وفي التلفزيون المغربي وفي الراديو . هناك نية مبيتة لتفقير المغاربة فنيا وجماليا ، وهذا ما لن يتنازع فيه أي صاحب ذوق سليم . لكن من أنا لأحدد مواصفات الذوق الجميل ؟ ، لن أحمل نفسي عناء البحث عن معايير الجمال ، فالذباب يجتمع بكثرة على الغائط .
انتبهت لحركات عبد الكريم ، الذي استطلعت اسمه من نادل البار ، هو رجل في النصف الثاني من عقده الرابع ، قصير القامة ، ضعيف البنية ، بوجه مجعد ، كأنه يحمل طبقات جلدية ، طبقة فوق طبقة ، وبشارب قصير .
حين وقف أمام الكونتوار بدأ يأتي بحركات عشوائية ، ويتحدث مع نفسه ، الرجل الأصلع ذو العينين البارزتين تضايق من أسلوب عبد الكريم في السكر ، حمل قنينته بيده وانتقل الى مكان آخر . لم ينتبه عبد الكريم الى ما صنعه ، ولم يكترث بفراغ المكان المجاور له ، واستمر في حركاته ، الى أن قدم اليه حارس البار ، تحدث اليه في أذنيه ، لكنه صرخ في وجهه وبحركة بهلوانية لا يصنعها الا هو كما أظن قال له :لا أسمعك ، فانفجرت ضحكا .
ضحكتي هاته لم أضحكها منذ زمن بعيد ، انتابني شعور كان قد فارقني منذ مدة ، فقررت أن أقدم له قنينة على حسابي ، بعدما ابعدوه الى مكان آخر ، حاول أن يتحدث الى أحدهم ، لكن هذا الأخير تنصل منه بلباقة ، دون أن يبدي له أي اهتمام بما يقوله ، فانتقل الى طاولة فارغة ، وأخذ يهذي كعادته . كأنه هو نفسه فراغا انتصب رجلا قصيرا أمام زبائن من الفراغ . وأنا واحد منهم طبعا .
كان عدد القنينات قد تجاوز العشرة ، لكنني أحسست كأني لم أشرب الا واحدة ، حاولت فهم الأمر ، لكنني قررت أن لا أجهد ذهني في أشياء أعرفها جيدا .



#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اطار عام لقصيدة ما
- ورطة فرنسا ...مالي أو الكنز الدفين
- دعاء التماسيح
- مزامير صامتة
- خايف ومش خايف
- أمطار الجحيم -18- رواية
- الديمقراطية الانسانية -3-
- النوم صحوالروح في روحها
- الديمقراطية الانسانية -2-
- استسلام لا بد منه
- الديمقراطية الانسانية
- خطاب الانهزام ملامحا ولغة
- طين جا.........طين جا
- النظام المغربي وواقع السياسة
- عصر الشعوب مرة أخرى
- السنة الماضية _1_
- البرلماني والمواطن وحقوق الانسان
- نقاش مع وزير الخارجية الروسي
- الشعرية المبكرة -شارل بودلير-2-
- الدولة الانشائية


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - العاصفة والجعة -قصة طويلة