أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مؤيد عبد الستار - ذكريات في رحاب السيد المسيح عليه السلام















المزيد.....

ذكريات في رحاب السيد المسيح عليه السلام


مؤيد عبد الستار

الحوار المتمدن-العدد: 1147 - 2005 / 3 / 25 - 15:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مدينتنا الصغيرة الكوت من اعمال محافظة واسط لم نكن على علاقة وطيدة مع المسيحيين ، لعدم وجود جالية كبيرة مؤثرة منهم ، كان للصائبة المندائيين حضورا ملموسا ، منهم جيران اعزاء واصدقاء كرام.
وما ان انتقلنا الى بغداد بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة ، وحللنا في مسكن في قلب بغداد ، في منطقة حافظ القاضي، حتى عرفنا العديد من الاسر السيحية المقيمة ببغداد منذ امد بعيد ، وكنا نراهم يخفون الى الكنيسة القريبة من الشورجة، وهي من اقدم الكنائس، في الاعياد وايام الاحاد وهم يرفلون بازياء زاهية جميلة ، وكم كنا نتمنى الذهاب معهم الى كنائسهم حيث تتعالى اصوات التراتيل المقدسة الساحرة ، والموسيقى الآسرة ، والابخرة والعطور المنعشة.
ما ان لبثنا ببغداد بضع سنوات حتى توطدت لنا علاقات متشعبة مع الاسر المسيحية ، من خلال المدرسة ومن خلال المحلة التي كانت تغص بالمسيحيين، لاسيما بعد نزوح عدد كبير من الاسر المسيحية من الموصل وتلكيف بسبب الاحداث المؤسفة التي حدثت عقب ثورة الشواف وغيرها من الفتن والاضطرابات.
جمعتنا مع العديد من الاسر المسيحية علاقات جميلة تميزت بروح التعاضد والتآزر والتسامح، وكانت العديد من الاسر تعمل بجد ومثابرة من اجل لقمة العيش بسبب تدني مستوى المعيشة لدى الكثير من الاسر المهاجرة والتي تعيش في الاحياء الشعبية ، واشتهرت العديد من الاسر ببيع الكبة الموصلية والباسطرمة الشهية.
ومن بين من اذكرهم قس الابرشية الذي كان يمر في منطقتنا بعد قداس يوم الاحد ، وكان بملابسه المميزة ، ومسوح الرهبان يجتذب خطواتنا الصغيرة نحوه ، فكنا نسرع مع اترابنا المسيحيين لنحييه باحترام واجلال ، فيمسح بيده الرحيمة على رؤوسنا ، فكان ذلك مدعاة فخر كبير لنا ، اذ كنا ننال بركات الكنيسة .
وعلى عكس الراهب الرحيم، كان لمدرسنا المسيحي عبد الاحد دنو ، مدرس اللغة الانجليزية في متوسطة الرشيد ببغداد رهبة كبيرة في قلوبنا، فقد كان حريصا على تعليمنا اللغة الانجليزية بالعنف والواجبات الصعبة ، ولايتوانى عن استعمال القوة معنا نحن الطلاب الصغار، فكان عصبي المزاج سريع الانفعال ، لذلك كان مثار رعب لنا ونحن في الصفوف الاولى من المدرسة المتوسطة ، ولكنه كان يتحفنا بمادة دسمة تؤهلنا لاجتياز امتحان البكالوريا في المستقبل .
ومن بين الاصدقاء الذين اذكرهم بخير ابراهيم رمو ، وكان موظفا في كهرباء الدورة ، كان يجهد في تعليمي الحروف الارامية التي كان يعرفها، فقد بينت له رغبتي في تعلم السريانية ، لانها لغة عراقية قديمة تساعدني في الاطلاع على حضارة بلادي ، الا ان الظروف السياسية والرقابة التي فرضها النظام البعثي كانت تحد من تحقيق رغبات الناس .
اما بار كاردينيا في شارع ابي نؤاس و الذي كنا من رواده سنوات السبيعنات، فكان يضم من بين عماله النادل الشهم شمعون ، كان كريما ورفيقا لنا في سهراتنا الشبابية في بار الكادحين ، وياحبذا لو يرسم بعض الاخوة من رواد كاردنيا تلك الامسيات التي كانت تغص بالكتاب والفنانين المتمردين على النظام .
ومن بين العاملين في المطاعم ، اذكر النادل جورج ، الذي كان يعمل في مطعم شريف وحداد ، كان بنظاراته الطبية ، وصدريته البيضاء ، يقدم الشراب و الطعام للرواد وهو يعرف بالضبط ماذا يرغبون ، دون ان يخطأ بطلبات اي زبون من زبائنه ، كان في شريف وحداد وكانه طبيب يتبختر في فردوس الجلاس من اصحاب الكؤوس والموائد العامرة ، ويقدم بيديه الكريمتين الكباب اللذيذ الذي كان مشهورا به.
اما الطلاب المسيحيين في الاعدادية المركزية ، فقد كان بينهم العديد من الاخوة الذين اجتهدوا حتى وصلوا الى اعلى درجات العلم ، وكان من بين الاساتذة الذين درسونا في الاعدادية المركزية الاستاذ متي ، أحد اعلام الانجليزية ببغداد.
وهنا في السويد التقيت القس الاب يوسف سعيد، وهو الشاعر الذي يتجول بملابسه الجليلة ، يقرأ الاشعار الصوفية في المحافل والاندية ، ويرتل الاناشيد والدعوات لرعايا الكنيسة .آمل ان يمد الله في عمره ويعطيه الصحة كي يقوى على نشر رسالة المسيح السمحاء .
كنا في طور مراهقتنا الاولى ، نتلمس الطريق الى الحبيبة، ولشد ما كانت دهشتنا كبيرة حين بزغ في محلتنا وجه الفتاة اليانعة المسيحية سميرة ، واذا بصوت ناظم الغزالي يترنم :
سمراء من قوم عيسى من اباح لها قتل امرء مسلم
وكأنه يوم ذاك كان لسان حالنا ، نحن الاطفال الذين عبروا حاجز المراهقة بسرية تامة.
وما ان عصفت رياح العلم والسياسة في عقولنا حتى تعرفنا على الاب الكبير لويس شيخو وكتاباته الشهيرة ، مع زميله العلامة مصطفى جواد صاحب قل ولا تقل. ولم تتركنا السياسة بعيدا عن التأمل بصورة المسيحي الشهيد يوسف سلمان ( فهد ) ، وهو يرسف بالاغلال سجينا، ولطالما كنت اتساءل مع نفسي ، لماذا اعدم هذا الرجل الوديع ، الذي لايدل محياه على أية قسوة او شر او عدوانية ، وتذكرت صفاته وصلابته من خلال ما حدثنا به بعض الاقارب والمعارف الذين سجنوا معه في سجن الكوت الشهير ، وكان من بينهم بائع أعرج يدعى (عجيرش )، طالما كان يردد وهو يدفع عربته في شوارع المدينة :
وصانا فهد من مات ... دولتنا اشتراكية عرب واكراد.
ازدادت اواصر الصداقة بيننا نحن المسلمين وزملائنا المسيحيين فاصبحنا نلتقي في مناطقهم المعروفة مثل البتاويين ومنطقة الاورفلية في شارع السعدون ، وبستان الخس وغيرها من مناطق بغداد ، وكانت نظافتهم وترتيب بيوتهم وحسن كلامهم واخلاقهم السمحة تزرع الثقة والطمأنينة وتقرب الناس منهم ، فكانت اعيادهم وعلى الاخص عيد ميلاد السيد المسيح وعيد رأس السنة مناسبة للاحتفال المشترك معهم ، في نواديهم وبيوتهم ومناطقهم ، وكانت اعيادهم تصبح اشبه بالعيد العام لاهل بغداد، ولكن مع مجئ الجراد البعثي ، اصبح الاعتداء عليهم وعلى احتفالاتهم منهجا يتبعه ازلام النظام البعثي ، ينفسون حقدهم على ابناء العراق الافاضل لكونهم لايرتضون الدخول في حزبهم الفاشي ولا ان يكونوا مسمارا في ماكنة العذاب البعثية ، وفضل العديد منهم السفر والهجرة خارج العراق ، وقد عرفت اصدقاء اضطروا الى السفر الى اليونان ، وقاسوا هناك الكثير ، كي يحصلوا على لجوء في احدى الدول التي تخلصهم من سلطات البعث الفاشي في العراق.
اتمنى ان تنتهي اعمال اعنف في وطني ليعود ابناء الرافدين جميعا من مسيحيين ومسلمين ويزيديين وكرد واشور وسريان وكلدان الى وطنهم ، كي يعود العراق مثلما كان مشعلا يحمل لواء الحضارة والسلام .
وفي هذه المناسبة ، مناسبة عيد الفصح، ادعو لاخوتي المسيحيين في العراق والعالم ، بالخير والسلام ، وان يجنبهم الله كل مكروه . ولله المحبة وفي الارض السلام.



#مؤيد_عبد_الستار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤتمرات القمة العربية ... في ميزان الفشل والنجاح
- استحقاقات مستعجلة للمرأة العراقية بمناسبة يوم المرأة العالمي
- الكرد الفيليون .... نحو مشاركة ايجابية اوسع في الانتخابات ال ...
- نتائج الانتخابات: مبروك للعراقيين .... مبروك للفائزين
- من اغتال رفيق الحريري
- الشعب العراقي مدعوالى تأييد ترشيح المناضل جلال الطالباني لمن ...
- أصابع بلون البنفسج .... دبكات كردية
- النخبُ الاول من أجل الانتخابات
- تضامن الكورد في الانتخابات دليل على وعيهم السياسي لتحقيق أما ...
- لماذا خرجت قناة الجزيرة عن طورها
- لماذا لاتنتخب بعض المحافظات العراقية
- تطوير ثقافة الاكراد الفيلية مساهمة في تطوير الثقافة العراقية
- لا دفاعا عن ايران..... ولا زغرا بالشعلان
- آفاق استخدام اللغة الانجليزية في كردستان
- الانتخابات والدول المجاورة للعراق
- شهادة حب لكردستان
- السياسة بين الجد والهزل : دردشة مع القشطيني في حله وترحاله
- اقتراح بشان الانتخابات
- امرأة من ورق
- رحيل الابطال في الايام العصيبة


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مؤيد عبد الستار - ذكريات في رحاب السيد المسيح عليه السلام