أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - أنا أحس














المزيد.....

أنا أحس


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 19:37
المحور: الادب والفن
    


(صور من القرية)

"حبيبي؟"
"نعم؟"
"هل سألت نفسك يوما كيف نقول بلغتنا الشركسية: أنا أحسّ؟؟"
وجّه إليّ زوجي نظرة استغراب فيها شيء من الغيظ، كأنه يقول دون أن يلفظ: ما هذا السؤال السخيف؟ ثم سرعان ما عاد بنظره الى التلفاز.
كنا جالسين في غرفة الجلوس، وقد هدأ البيت أخيرا من صخب الأولاد بعد أن لجأوا الى النوم. رد زوجي بشيء من الفتور: "لا."
سألته: "أليس غريبا حقا أننا لا نعرف هذه الكلمة ولا نستخدمها في حياتنا؟"
دارت عيناه وهو يرد: "لا."
"أنت لست جادا، كالعادة. لماذا لا تفكر معي قليلا؟"
"بماذا أفكر؟"
"في الأيام الماضية فكرت طويلا، ونبشت في ذهني كثيرا ولم أجد كلمة أعرفها بلغتنا مقابلة لكلمة: أحسّ، إحساس. كيف كبرنا ونحن لا نعرف كيف نقول: أنا أحسّ؟! ولا نسأل بعضنا: ماذا تحسّ؟ كيف تربينا، وما زلنا نربي أولادنا، دون أن نستخدم هذه الكلمة ولا نعلّمهم كيف يعبّرون عن أحاسيسهم؟ أليس ذلك مزعجا حقا؟"
فكّر قليلا بكلامي، ثم وجدته يقول بلهجة باردة: "لا."
"طبعا، يا رجل. وماذا يهمك؟ لست بحاجة الى هذه الكلمة على الإطلاق."
"الشركس طوال حياتهم كانوا شجعان وأقوى من استخدام مثل هذه الكلمات."
"أتظن أن ذلك هو السبب؟"
"لا أدري ما هو السبب. أنا عامل بسيط في مصنع، كما تعلمين، وبالكاد أقرأ الجرائد أو أسمع الأخبار. فإن أردت التوغل في هذا الموضوع عليك أن تسألي أحدا غيري."
"معك حق. أنت أصلا لا تكترث بالأمر."
قررت أن أسأل هذا السؤال مدير مدرسة قريتنا التي أدرّس فيها، والمعروف باهتمامه بتاريخنا ولغتنا وثقافتنا الشركسية. سألته: "كيف نقول بلغتنا الشركسية: أنا أحسّ؟"
فوجدته يقطب وجهه أمام سؤالي الذي لم يخطر على باله قط، هكذا بدا لي، وفكر طويلا. أخيرا رد: "سأبحث عنها في كتبي وأعود إليك بالإجابة الدقيقة غدا."
وفي اليوم التالي، جاء إليّ من الصباح الباكر بالإجابة الدقيقة، الشافية، وقال لي كلمات لم أسمع بها من قبل!
سألته: "أليس غريبا حقا أننا لا نعرف ولا نستخدم هذه الكلمات في حياتنا اليومية؟"
فاتّخذ وجهه هيئة الجدية البالغة وأخذ يشرح لي: "هذا الأمر هو نتيجة صراعنا كأقلية بين مكونات هويتنا والبيئة المحيطة بنا. هناك صراع دائر بين لغة الأقلية ولغة البيئة المحيطة بها في مسألة تقبّل مصطلحات البيئة، وللأسف، غالبا، الأقلية هي المغلوبة، هي التي تُخنع، تذوب وتفقد مكونات هويتها. عدم استخدامنا كلمات معينة، مثلنا ومثل الأقليات الشركسية الأخرى في البلدان الأخرى، هو نتيجة ذلك الصراع. لاحظي أن الكلمات الأولى التي تتنازل عنها الأقلية هي الكلمات المجردة التي تعبّر عن الأحاسيس والتجارب، أي الكلمات غير العملية وغير الملموسة. هذه نتيجة لتأثّرنا كأقلية بالبيئة المحيطة بنا، كما أننا نحن الشركس لدينا سمة الكبت أو ضبط النفس ("حينابة"*، "وجِتة"**) التي تُربينا على عدم استخدام هذه المصطلحات التي تعبّر عن الأحاسيس والتجارب."
"أليست هذه خسارة حقا أن نتنازل عن هذه الكلمات المهمة في حياتنا؟"
"صحيح."
"اذا كانت لغتنا الأم ناقصة، أي أننا نعرفها بشكل ناقص بسبب كوننا أقلية، فلماذا نصر على الحفاظ عليها؟ ما أهمية ذلك؟"
"إذا فقدنا لغتنا سنفقد كل شيء. سنفقد هويتنا."
"وهل اللغة هي التي تحدد الهوية؟ هناك العديد من الأقليات في العالم التي فقدت لغتها الأم ولكنها في ذات الوقت تحافظ على هويتها وخصوصيتها كجماعة عرقية مختلفة. فهل اللغة هي المكون الأساسي الذي يحدد الهوية العرقية؟"
"هي مكون أساسي بالطبع."
"ولكن، أتظن أنه سيكون بمقدورنا الحفاظ عليها حتى بعد أربعين أو خمسين عاما من الآن؟ أصلا لغتنا الشركسية المتداولة بيننا الآن ضعيفة، مخلوطة باللغات الأخرى، ناقصة وليست كافية للتعبير عن كل أفكارنا ومشاعرنا ورغباتنا."
"حالنا أفضل من حال العديد من الجاليات الشركسية الأخرى في الدول الأخرى."
"صحيح. ذلك أن دولة اسرائيل تشجعنا، ونحن نرحب بذلك طبعا، على الإحتفاظ بلغتنا وعاداتنا وتقاليدنا تمييزا لنا عن العرب والمسلمين في هذه البلاد. أصلا نحن منذ البداية هكذا أردنا."
"طبعا، ذلك حتى نحمي أنفسنا من الاندماج والانصهار والاندثار."
"وما الحل اذن؟"
"الحل أن نكون معا، أي نعود الى وطننا، القفقاس."
"أنت تعلم أن ذلك لن يحدث. نحن الآن نعيش في واقع جديد فرض علينا قسرا ويجب أن نتأقلم في بيئتنا الجديدة، ويزعجني أنني لا أستطيع التعبير عن أحاسيسي بلغتي الأم وعشت طوال هذه السنوات دون أن أقول في حياتي بلغتي الأم: أنا أحسّ، ولا أستطيع أن أعلّم أولادي كيف يقولون: أنا أحسّ، ولا أستطيع أن أسألهم: ماذا تحسّ؟ وكيف تحسّ؟ ولماذا تحسّ؟ ومصطلحات أخرى مثلها لا أعرفها ولا أستخدمها في حياتي لأنني، ببساطة، لا أعرفها."
هزّ برأسه موافقا... ولم يجب بشيء.

كفر كما
12.1.13

..................................
* حينابة- عيب
** وجِتة- استحياء



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديقة مفتقدة
- دراجة نارية صغيرة
- ليلة خائبة
- جدي
- الحب والعاصفة 23
- كلمات حب في القمامة
- رحلتي الى باريس
- تساؤلات بريئة- الجزء الثاني
- الحب والعاصفة 22
- أنانية أنا
- ابتسامة الصباح
- الحب والعاصفة 21
- قوة التأثير على الناس البسطاء
- الحب والعاصفة 20
- عائدون الى الروضة
- الحياة حسب ايفا ايلوز- سيد قشوع
- الحب والعاصفة 19
- أنا والفئران جيران
- الحب والعاصفة 18
- ذكرى


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - أنا أحس