مناع النبواني
الحوار المتمدن-العدد: 1146 - 2005 / 3 / 24 - 12:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اعذروني إذ أكرر كلمتيّ ـ الوطن والمواطن ـ حيث لا تخلو مقالة كتبتها، أو مداخلة قدمتها، من هاتين الكلمتين ـ الوطن والمواطن.
إن تكراري لهاتين الكلمتين، وبالمعنى الذي قدمته سابقاً وسأبقى أقدمه حاضراً ومستقبلاً.
إن هذا التكرار ليس ناتجاً عن عجز في الكتابة أو القول، ولا عن جهل بالسياسة أو الحوار. ولكنني أرى ضرورة التركيز على هاتين الكلمتين / المفهومين ـ وتثبيتهما في الذهن العربي الذي أصبح بفعل الضغوطات من جميع الجوانب قديمها وحديثها، خالياً منهما، وعلى جميع المستويات: السياسية والاجتماعية والاقتصادية و…و… وإذا ما صادف أن تم استعمالهما أو استعمال إحديهما, فهو من قبيل تزيين الكلام، وكسب الود، والدجل والتضليل.
خاصة إذا جاء هذا الاستعمال من قبل فئات أو أحزاب شمولية أحادية الاتجاه والتوجه.
لقد تم استبدال كلمة الوطن باسم البلد أو القطر.
واستبدلت كلمة المواطن/المواطنين بكلمة الشعب/الجماهير، ليس إيماناً بالبلد/القطر، ولا رعاية وتطبيقاً لمصالح الشعب/الجماهير، وإنما من أجل استثارة العواطف الوطنية الكامنة في اللاشعور، واستثمارها في التصفيق والتطبيل، والدعاء بالنصر وطول العمر.
لقد لفت انتباهي وحفزني على كتابة هذا المقال ما يلي:
قرأت بياناً سياسياً صادراً عن جهة سياسية معينة، وقد استهل البيان بملاحظة ورد فيها ما يلي: ((يمثل البيان التالي 4 قوى ... وهي الحزب الشيوعي السوري /المكتب السياسي(رياض الترك). الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي(حسن عبد العظيم). حزب العمال الثوري(عبد الحفيظ الحافظ)، حركة الاشتراكيين العرب(أبو عياش).
حسبت أننا تجاوزنا ضيق الأفق السياسي/الحزبي.
حسبت أننا ارتقينا إلى المستوى السياسي الحضاري الديمقراطي.
توقعت أننا مشينا الخطوة الأولى على طريق ـ الوطن والمواطن ـ.
لكنني فوجئت. فما زلنا نراوح في الزمان والمكان نفسه منذ آلاف السنين، وحتى هذه اللحظة. ما زلنا نختصر الفكر بفرد/شخص، والوجود بفرد / شخص , حتى الفكر الديني السماوي والأرضي اختصرناه بفرد/ شخص فنقول : شريعة موسى , ودين عيسى , ودين محمد , ودين بوذا 00و000و000
لقد انتقلت هذه العدوى إلينا , وكم افتخرنا بها وبالانتماء إليها . ومن المؤسف تماما أن هذا الاختصار مقصورا على الشرق فقط وخاصة الدول المتخلفة / ونحن منها / . أما في الغرب ـأوروبا الغربية تحديدا ـ فلم أجد تسمية لزمن أو لفكر باسم فولتير أومونتسكيو أو جان جاك روسو . وإنما تجد أينما ذهبت وكيفما توجهت أو قرأت تسمية ((عصر النهضة ـ عصر التنوير )) . وهكذا تقف صفة الفكر ويقف احترام الفكر شامخا ساخرا بكل ما دونه من تسميات .
فما بالنا نحن في الشرق عامة وفي الوطن العربي خاصة نتبارى عداء في نسبة الفكر إلى شخص ؟! أليست نسبة الحزب إلى شخص تعني أنّ هذا الشخص هو الحزب ؟! وأن هذا الحزب هو ذلك الشخص ؟! وأي حزب سياسي ركيك ذلك الذي يرضى بأن يُختصر في شخص . أيّ شخص , ومهما كان ذلك الشخص ؟! وأيّ فكر ضحل , ذلك الذي لا يعرفه الوطن ولا المواطن إلا من خلال شخص واحد فقط يدلّ عليه أو يميزه عن غيره من الأحزاب / الأشخاص ؟!.
السياسة ليست مفهوما مجردا , بل هي حياة بكاملها , ومن جميع الجوانب . ألا نخجل نحن أن نختصرها بفرد واحد هو زائل في النهاية ؟!. وهل سيُدفن الحزب أو الفكر لحظة دفن الشخص الذي يُنسب إليه ؟!. أم أننا جهزنا مسبقا وريثا يرث الحزب والفكر معا , حتى نحافظ على النعم التي أسبغها علينا ذلك المورث العظيم ؟!.
أنا لا أهاجم تلك القوى التي قدّمت البيان /المنوه عنه سابقا / بل وأعتذر منها سلفا .
أنا أناقش مصطلحا / مفهوما / متخلّفا تسير عليه وبموجبه بعض القوى والأحزاب , إن لم أقل أكثرها . هذا المصطلح / المفهوم / هو : / شخصنة السياسة . وما تلك القوى مصدرة البيان إلا عيّنة أو غيض من فيض قوى وأحزاب كثيرة في الوطن العربي الكبير .
ليت المشكلة تقف عند شخصنة السياسة . المشكلة هي ما نتج عنها ,وما أفرزته من مفاهيم وتطبيقات قادت إلى أنظمة حكم فردية وشمولية , نقلت هذه الأنظمة وباء شخصنة السياسة إلى شخصنة الوطن .
أن يُختصر حزب أو فئة باسم شخص ,هذه مصيبة , أمّا الطامة الكبرى فهي أن يّختصر وطن بكامله باسم شخص أو عائلة, فيقال مثلا : السعودية , الهاشمية , مصر عبد الناصر , سوريا الأسد . وغير ذلك من التسميات .
أنا كرجل قانون ,وباسم القانون العام والخاص , الدولي والوطني , باسم الحق والحقيقة , باسم الوطن والمواطنة , أدعو إلى وقف هذه التسميات , وإلغاء مفهوم شخصنة الأوطان , ونسبتها إلى حكامها , مهما كان أولئك الحكام مخلصين ووطنيين وديموقراطيين .
الوطن / الدولة , لها مفهوم قانوني عام ,عالمي ووطني , خارجي وداخلي , أيّ وطن أو أيّة دولة لها اسم تُعرف به ولا تّعرف بغيره . لها اسم تُحترم به من جميع دول العالم . ولها حدود مُعترف بها دوليّا . تتمتع بسيادة تامة . يسكنها شعب حرّ مستقل . وما الحاكم إلا أحد أفراد هذا الشعب الحرّ الكريم , تسلّم إدارة البلاد , وأقسم على خدمتها ,والمحافظة على سيادتها , وعلى تأمين مصالحها وتوفير الأمن والعيش الكريم لكافة أبنائها . وهو بذلك لم ولن يرضى بأن يكون بديلا عنها .
فلنحرر السياسة والأحزاب من تبعيتها واختصارها .
ولنسمّ الأوطان بأسمائها .
تزول الأفراد , وتبقى الأحزاب وتبقى السياسة .
يذهب الحكام , وتبقى الأوطان .
17/3/2005
المحامي مناع النبواني
#مناع_النبواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟