أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعيد بنرحمون - الدفالي: الذي تصبح لديه أيديولوجيا ما عقيدة لا يمكن أن يكتب التاريخ، لأن العقيدة تهيمن عليه ولا يكتب إلا استجابة لها (حوار 3/4)















المزيد.....

الدفالي: الذي تصبح لديه أيديولوجيا ما عقيدة لا يمكن أن يكتب التاريخ، لأن العقيدة تهيمن عليه ولا يكتب إلا استجابة لها (حوار 3/4)


سعيد بنرحمون

الحوار المتمدن-العدد: 3974 - 2013 / 1 / 16 - 00:50
المحور: مقابلات و حوارات
    


-بالانتقال إلى محور تاريخ الزمن الراهن، هذا التخصص الذي ربما يدخله الباحث في التاريخ مرغما بدافع من الحراك العربي، والذي فرض عليه أن يدلي بدلوه فيما يحدث، خصوصا أمام الحاجة الملحة للمواطن العربي والمغاربي تحديدا لمعرفة ما وقع بأمسه القريب، أنتم كيف تنظرون إلى تاريخ زمننا الراهن.
--الاهتمام بتاريخ الزمن الراهن جاء في إطار ضرورة بهذا الشكل أو ذلك، والأمر ليس متعلقا بالربيع العربي، بل قبل هذا التاريخ، الأمر يتعلق أساسا بمفهوم العدالة الانتقالية، في لحظة من اللحظات طرحت مسألة العدالة الانتقالية في المغرب، التي تحتاج إلى مصالحة، وهذه الأخيرة تحتاج إلى مكاشفة وإظهار المسكوت عنه فيما مضى، أغلب أصناف المعرفة اهتمت بالموضوع وكتبه عنه إلا أن المؤرخ كان هو المتأخر الأول عن هذا الاهتمام، فتعالت الأصوات أين المؤرخ على اعتبار أن دوره قد حان، ويجب أن يشتغل في هذا الموضوع، قبل هذه المرحلة لا نقول إن المؤرخ لم يكن يكتب في هذا الموضوع، هناك من كان يكتب في الراهن لكن بدون تسمية ودون اهتمام مباشر، وحتى في تاريخنا مجموعة من المؤرخين الذين نعتبر كتاباتهم مصادر لنا الآن كانوا يكتبون حول راهنهم، بالنسبة للمؤرخ العصري أو الجديد تخوفه من الكتابة في الراهن ليست تهيبا، المؤرخ لا يكتب إلا بمستندات، لا نكتب هكذا جزافا، ولما تغيب المستندات لا يمكنه أن يكتب، هذا هو العامل الأول والأساسي، لكن كما قلت لك لما أصبح الظرف يفرض تدخل المؤرخ لم يرفض التدخل، دخل المؤرخ المغامرة بشكل من الأشكال، وبدأ يهتم بهذا التاريخ، ولأن المستندات بدأ يفرج عنها نسبيا ولأنه بدأ التفكير في استغلال مصادر أخرى ليس بالضرورة أن تكون مستندات مكتوبة، كما بدأ التفكير كذلك في الرواية الشفوية وشهادة الأحياء وشهادة الأماكن، وبدأ الحديث كذلك عن مناهج أخرى للاستعانة بها في كتابة الراهن، كما بدأ التساؤل هل نكتب تاريخا للراهن؟ أم فقط نهيئ لكتابة تاريخ للراهن؟ هي تساؤلات مشروعة جدا، يمكن أن يعتبر المهتمون بالكتابة في الراهن حاليا أنهم يكتبون في تاريخ الراهن، ويمكن أن يعتبرهم أخرون مجرد باحثين يهيؤون لكتابة تاريخ للراهن، وفي جميع الحالات الأمر مفيد سواء اعتبرنا أن ما يكتب الآن هو فعلا في تاريخ الراهن أو اعتبرنا أنه مجرد تهييئ للكتابة فيه، هي أيضا خطوة مهمة ستيسِّر على الباحثين الراغبين في التخصص في هذا الباب عملهم، على الأقل سيجدون نقط الانطلاق، الآن القدامى الذين يهتمون بالكتابة في الراهن جاءوا من تخصصات أخرى، وينتمون لأجيال أخرى بحمولاتها القديمة، ربما لن يكتب التاريخ الراهن إلا الجيل الجديد، من جهة لأنه سيتمرس في التكوين على هذا النوع من التاريخ ومن جهة أخرى لأنه متخلص من الحمولات الأيديولوجية التي يحملها الجيل القديم، وبالتالي يمكن أن يكون أكثر جرأة وأكثر انفتاحا على هذا النوع من التاريخ، لأن اللذين يهتمون بالراهن في أنفسهم شيء من حتى..
-بتأكيدكم أن سؤال الراهن كان مطروح عند المؤرخين القدامى كابن خلدون قد يعترض عليكم معترض بالقول إن أولائك القدامى كانوا محكومين بمنطق الإخباري وليس بمنطق المؤرخ المعاصر المحكوم بالهاجس المنهجي، بماذا تردون على مثل هذه الاعتراضات.
--لما نحيل على الذين كتبوا في الراهن من القدامى فنحن نحيل على الكتابات الإسلامية دائما، وهي كتابات منذ بدايتها كتبت حول راهنها، وحتى لما نقول إن المنهج المتبع فيا هو منهج الإسناد، بمعنى أن الرواية الشفوية حاضرة بقوة، إذن هؤلاء الناس وظفوا الرواية الشفوية، بمعنى أنهم يكتبون تاريخا مازال الشاهد عليه على قيد الحياة، أو على الأقل الجيل الموالي لهم مباشرة ممن سمع الرواية منهم، إذن بهذا الشكل أو ذلك هو تاريخ الراهن، لما كتب مؤرخ البلاط حول ما يجري في البلاط وفيما بعد أصبح مصدرا من مصادرنا، ماذا كان يكتب؟ ألم يكتب تاريخا راهنا؟ أما مسألة هل هو تاريخ إخباري أم لا؟ فتاريخنا كله أو جله إخباري، وحتى في دراستنا للتاريخ لا نميز إلا مؤرخين قلة مثل بن خلدون الذي نعتبره يستعمل العبرة والعقل، أما أغلب مؤرخينا فنعتبرهم إخباريين، وحتى التاريخ الإخباري كان المجتمع في حاجة له، السؤال في عمقه آت من كون المؤرخين كانوا مبتعدين عن الراهن ولا يفكرون فيه، انطلاقا من مجموعة من الأمور، من بينها متى يمكن أن يفتح هذا النوع من الوثائق، فالمدرسة التاريخية المغربية كانت دائما ترى أنه إذا لم يمر على الحدث تقريبا 50 سنة لا مجال للحديث عنه، وهي المدة التي لم تأتي اعتباطا، بل أتت من بعض القواعد التي تنظم الاطلاع على الوثائق، إذ لما يقال بأن هذا النوع من الوثائق لا يكون في يد الباحث إلا بعد مرور 30 سنة، وهذا النوع لا يتاح إلا بعد مرور 50 سنة والنوع الثالث غير مسموح بالاطلاع عليه إلا بعد مرور 100 سنة وبعضها الأخر لا يسمح بالاطلاع عليه أبدا، المؤرخ يدخل في اعتباره كل هذه الأمور ويختار مدة 50 سنة باعتبارها المدة الوسطى، ثم لا ننسى أن المدرسة المغربية العصرية مدرسة وضعية تعتمد الوثيقة، ونعرف أن المؤرخين المغاربة، وخصوصا منهم مؤرخو القرن 19 ومنهم الأستاذ جرمان عياش والأستاذ إبراهيم بوطالب وغيرهم، أولوا أهمية كبرى للوثيقة، وأن الجيل الجدد من المؤرخين تخرج على أيدي هؤلاء الأستاذة وبالتالي فقد حافظ على هذا التوجه إلى حدود الثمانينيات، فإلى حدود هذه المرحلة كان الحديث عن الحماية مرفوضا، أيام كان البعض يعتبر أن الحديث في الحماية ليس هم المؤرخ، إنما هو هم الصحافي والسوسيولوجي وغيرهم من التخصصات، فبالأحرى الآن يتم الحديث عن مرحلة ما بعد الاستقلال، ربما الطفرة التي وقعت خلقت نوعا من الإشكال، لقد اشتغلت المدرسة المغربية على القرن 19 بشكل كبير وانتجت فيه إنتاجا مهما، فيما بعد فتح بعض هؤلاء على الحماية، لكن وقبل أن ندرس الحماية بشكل دقيق انتقلنا مباشرة إلى فترة الاستقلال مع الاهتمام بالراهن، هناك من يرى أن لا مجال للكتابة في الراهن دون تصفية مرحلة الحماية دراسة وبحثا، الجواب على هذا السؤال أتى من بعض الأساتذة الذين يرون أن فترة الراهن لا تبدأ من 1956، بل تبدأ من 1912 إلى 1999، بما يعني أنه وقع نوع من التدارك، أي أن هؤلاء الباحثون يقولون من حقنا أن نشتغل في مرحلة ما بعد 1956 لكن من حقنا كذلك أن نحافظ على خط العودة إلى سنة 1912 حتى نحقق التوازن الذي يطالب به البعض.
-في مسألة الأرشيف هناك كتابات كثيرة، من بينها كتابات تونسية تعتمد عل كتابات فرنسية، تتحدث عن كون الفتح الكبير الذي ينتظر المؤرخ من رفع الدولة ليدها على الأرشيف لن يكون فتحا كبيرا، الدولة لن تفتح أرشيفاتها إلا بمنطق انتقائي صرف ومحدد بقوانين، فلا يتمكن الباحث من الاطلاع على المادة الأرشيفية في كليتها ليأخذ منها ما يريد، كيف تنظرون إلى المسألة.
--ولكن على كل حال هناك سيفرج على بعض الوثائق، عكس أن لا تتوفر لديك أي وثيقة، هنا الفرق بين أن لا تتوفر على أي وثيقة أو أن تكون لديك وثائق منتقاة، فإذا كان هناك باحثان واحد يشتغل من فراغ والأخر ينطلق من وثائق منتقاة، أعتقد أن عمل الأخيرة سيكون أفضل، على الأقل لأن التاريخ لا يكتب دفعة واحدة، الشعوب كلها تتحدث عن تجديد الكتابة التاريخية، كل جيل يكتب التاريخ بطريقته الخاصة، وهذا الصنف من المعرفة الإنسانية هو الرئيسي من بينها الذي تعاد كتابته باستمرار، بالنسبة لي قد تكون هناك وثائق منتقاة اشتغل بها الآن وفيما بعد تظهر وثائق أخرى الجيل الموالي سيعيد الاشتغال والقراءة والنظر في كل الأمور، في تونس التي تتحدث عنها، الراهن لا يطرح بالحدة نفسها كما يطرح في المغرب، لأن في المشرق العربي وفي تونس كذلك ونظرا لاهتمام الباحثين بما هو سياسي وما هو أيديولوجي بشكل كبير، الراهن دائما يكتب حوله بشكل أو بأخر سواء من طرف المؤرخين أو من غيرهم، إذا حاولنا أن نبحث في تاريخ مصر سنجد أنه مع ثورة الضباط الأحرار كتب الكثير عن المرحلة الملكية (عن الملك فاروق وعن الأحزاب السياسية وغيرها) بأهداف أيديولوجية، في إطار البحث عن الهناة وعن الفساد وغيره، كذلك يوم انتهت فترة حكم جمال عبد الناصر في عهد أنور السادات وجدنا الكثير من الكتابات عن فترة حكم عبد الناصر، ويوم انتهت فترة حكم السادات وفي عهد حسني مبارك وجدنا الكثير من الكتابات عن السادات، هذا النوع من التغيير في "النظام" يفسح المجال ويفتح الأرشيف نوعا ما أمام الباحثين ليكتبوا عن بعض المراحل التاريخية، وتونس في مرحلة زين العابدين بن علي اطلع المؤرخون فيها على أرشيف يهم مرحلة الحبيب بورقيبة، فوجدنا في لقاءاتنا وندوات أو حتى في كتاباتهم الحديث عن بورقيبة موجودا إلى حد ما، المشكل في المغرب هو أن التاريخ البعيد نسبيا، ونعني به التاريخ الوسيط والحديث، كان دائما قويا، فرض نفسه، لأن المؤرخ يجد مقدرة أكثر على المناقشة وعلى الكلام وعلى النقد، بينما بسبب ما وقع في السبعينيات والثمانينيات ظل المؤرخ يتهيب من الكتابة في الأزمنة القريبة خوفا من أن يفهم خطأ، ونعرف أن بعض المؤرخين كتبوا عن مواضيع معينة فكانت النتيجة السجن.
-فيما يخص مرحلة المقاومة استردت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أزيد من مليوني وثيقة مغربية من الأرشيف المغربي في فرنسا لكنها اعتمدت مبدأ الانتقائية في العملية، سؤالنا بأي منطق تنصب المندوبية نفسها طرفا عالما يرشح هذه الوثيقة ويقصي الأخرى، أليس في ذلك حرمان لكم كمؤرخين محترفين من وثائق ترون أنها مهمة وترى المندوبية عكس ما ترون؟
--لابد أن يعود الحديث إلى ما قبل هذا، ففيما يخص المندوبية السامية الناس منقسمون، هناك من يرى أن مهام المندوبية تهم المقاومين وملفاتهم، أي الجانب الاجتماعي لهذه الفئة التي ضحت من أجل الوطن ولا دخل للمندوبية بالأمور العلمية المتعلقة بهذه الفترة، وهذا الكلام لا يقال من باب المزايدة عليها، بل لأنها لا تتوفر على أطقم علمية متخصصة، وليس لها جهاز يمكن أن يشتغل على هذا السياق، لأن من يشتغل معها مجرد موظفين ولجوها بمباريات وظيفية للعمل على ملفات إدارية، وبالتالي ليست لهم الكفاءة العلمية حتى يقوموا بهذا النوع من العمل، وهناك من يرى أن الفراغ في الجامعة المغربية وعدم اهتمامها بهذه المرحلة من تاريخ المغرب هو الذي هيء الفرصة للمندوبية، ففي الوقت الذي كانت الجامعة المغربية ترفض أي حديث في تاريخ المقاومة لا تعتبره كلام مؤرخين ولما وجدت المندوبية هذا الفراغ بدأت تشتغل، ولما وجدت أن ما يتعلق بالملفات بدأ ينتهي، بالتالي وجدت أن نهايتها بدأت تقترب، بحتت لنفسها عن اهتمامات تجعلها تستمر على قيد الوجود، لابد أن نتذكر أنها بدأت بملفات تتحدث عن المقاومين، عن من توفي منهم وتعطي نبذة عن حياتهم، وتحولت إلى كتابة مقالات عن المقاومين وعن تاريخ المقامة، ثم أصبحت تعقد ندوات بشراكة مع عدد من الكليات والجامعات، ثم أصبحت تصدر مجلة تهتم بالمقاومة وتنشر كل الندوات التي تعقدها المندوبية، إذن بدأت تجد لنفسها مكانا، وربما ظهر لها أن إمكانية الاستمرار في هذا العمل تساعد على استمرارها هي أيضا في الوجود كمندوبية.
إذا عندنا إلى مسألة الوثائق والانتقائية فطبيعة المندوبية كمؤسسة رسمية لا يمكن إلا أن تشتغل بانتقائية، لأنه لا يهمها كتابة تاريخ بمعناه العلمي الموضوعي، رسميتها تدفعها إلى كتابة التاريخ بمعناه المدحي، أي تاريخ الأمجاد، كلما يظهر لها سلبيا أو أنه ينتقص من قيمة المقاومين تتحاشاه، هذا اختيارها، وهناك من يراه سلبيا بالكلية، وهناك من يراه على الأقل يوفر بعض الوثائق، ثم على الباحث فيما بعد البحث عن الوثائق الأخرى غير المنتقاة، التي تغطي النقص الموجود، والأكثر من هذا وذلك نحن نسمع بمليون وبمليونيْ وثيقة لكن أين هذه الوثائق؟ هل ستكون رهن إشارة الباحثين أم ستبقى حكرا على المندوبية وموظفيها؟ هذه هي الأسئلة التي وجب أن تطرح حول هذه الوثائق، لا يمكن تقييم هذه الوثائق إلا إذا شاهدناها، أما الآن صعبٌ جدا التقييم، أعتقد أنه حتى الموظفين الذين كلفوا بجمع هذه الوثائق لا تربطهم علاقة بالتاريخ، هل جمعت هذه الوثائق بتوصيات معينة؟ أم صورت وثائق متعددة ثم بدأ فرزها؟ هنا الأشياء غير معروفة نهائيا، وبالتالي لا يمكن الحكم عليها قبل الاطلاع عليها مليا.
-في إطار التاريخ الراهن دائما يطرح بعض الباحثين ما اصطلح عليه بـ"تيار العوداة" أي عودة التاريخ المحلي، وعدوة الفرد، وعودة المدة القصيرة، وخاصة العدوة الكبيرة للتاريخ السياسي، هل يمكن أن نقول إن ألق مدرسة الحوليات في المغرب يخفت ويتراجع، وكيف تقيمون الانتاج التاريخي المغربي المرتبط بمناهجه ومواضيع بهذه المدرسة، إذا كنا فعلا تنوفر على إنتاج تاريخي ينتمي لهذه المدرسة.
--الأمر له علاقة بما هو سياسي طبعا وربما بما هو أيديولوجي بشكل كبير، ففي مرحلة من المراحل أغلب مثقفي العالم الثالث كانوا متعاطفين مع الفكر الاشتراكي والشيوعي، من هذا المنطق الجميع فكر في تحليل تاريخ المغرب استنادا إلى التحليل الماركسي، التحليل المبني على المادية الجدلية، أي دور الاقتصاد أساسا وصراع الطبقات، طبقا للمقولات الموجودة في البيان الشيوعي والموجودة في نقد الاقتصاد السياسي، كانت هي التي أطرت الباحثين في المغرب، كيف يمكن أن نبحث في تاريخ المغرب اعتمادا على دور الاقتصاد كبنية تحتية أساسية تتحكم في البنيات الأخرى؟ ثم كيف يمكن أن نحلل تاريخ المغرب استنادا إلى صراع الطبقات، بالنسبة لنا كجيل الاقتصاد كان كل شيء، ولما يضعف البحث في مجال الاقتصاد لابد أن ينعكس على المادة التاريخية، ويمكن أن تصبح مادة تاريخية متعسف عليها، ومؤولة تأويلا متطرفا قد ينسجم مع المادة النظرية لكنه لا ينسجم مع الواقع، الآن علميا النظرية المتحكمة سياسيا وأيديولوجيا هي النظرية الليبرالية، وهي تقدم كل ما هو سياسي على كل ما هو اقتصادي، والاقتصادي نفسه قضية سياسية، والمجتمع قضية سياسية، والسياسة قضية سياسية.
في إطار هذه الموجة العالمية جاءت العودة إلى السياسي، يعني ليس بالضرورة أن نربطها بعوداة مدرسة الحوليات، الموجة العالمية هي المتحكمة، دائما المحطات التاريخية موجات، من لم ينتبه لها لا يمكنه أن يفسر العديد من الأشياء، الموجة الآن ليبرالية وهي تعطي الأهمية لكل ما هو سياسي، وتعتقد أنه المتحكم في كل شيء، إذا صلح السياسي صلح كل شيء، وحتى في الساحة السياسية نفسها فلما تجد الآن مجموعة من اليساريين القدامى يرفعون شعار الديموقراطية وشعارات حقوق الإنسان والدفاع عن المهمشين، وكلها شعارات ليبرالية كانوا ضدها في لحظة من اللحظات، الكل اليوم متفق على أنها تشكل الحد الأدنى الذي يمكن أن ينهض بالمجتمع المغربي، وبالتالي فحضور السياسي قوي، وحضور الليبرالي إذا شئنا قوي، وهذه العودة هي قناعة، الآن يرى الجميع أو الأغلبية على الأقل أن المدخل حتى للكتابة التاريخية هو المدخل السياسي، ومجموعة من التحليلات التي كانت تتناقض مع المدرسة الماركسية يتعامل معها الآن بشكل عادي، ولو أن الأمر حدث حتى دون نقد ذاتي، الناس سارت مع الركب الجديد حتى دون أن تناقش التجارب السابقة، وكأن الأمر عادي ومقبول ومعقول، وفيما يخص مدرسة الحوليات، صحيح أن المدرسة المغربية في فترة ما أعجبت بمدرسة الحوليات وأعجبت بالتاريخ الجديد، وفعلا مجموعة من المؤرخين الجدد صاروا في هذه الركب وأنتجوا أشياء مهمة، لكني لا أعتقد أن أحدا منهم تخلى عن بعض الأمور التي أخدها عن الآباء المؤسسيين للجامعة المغربية، لأسباب كثيرة، من ضمنها أن الأرشيف المتوفر وما وصلت إليه الكتابة التاريخية في فرنسا لم يكن هو الأمر نفسه عندنا، التاريخ الفرنسي أنداك مع بروز مدرسة الحوليات بلغ درجة معينة استفادت منها مدرسة الحوليات، لم يصل التاريخ عندنا إلى تلك المرحلة حتى يمكننا أن نطبق مناهج مدرسة الحوليات، وبالتالي طبقت بعض الأمور من بينها التاريخ الجديد في بعض القضايا وبعض المحطات، لكن يصعب جدا أن نقول إن المغرب أفرز باحثين مخلصين 100% لمدرسة الحوليات، الأمر ليس متعلقا بالتعاطف فقط، بل مرتبط بالشروط أكثر، هل توفرت الشروط اللازمة للمؤرخ لكي ينتج تاريخا بنفس الطريقة التي أنتجت بها مدرسة الحوليات، ربما كان هذا الجانب حاضرا عند المؤرخين المغاربة لكن رغبتهم كانت أكيدة في أن تنفتح المدرسة المغربية على مختلف المدارس الجديدة حتى يتم تطعيمها بمناهج جديدة قد تفسر أو تأول أمور بعينها عجزت الطريقة السابقة عن تفسيرها وطبعا في إطار المعقول والمقبول.
-من هذه الشروط كذلك ما يتعلق بالمؤرخ في حد ذاته، أشرتم سابقا إلى أنه فيما مضى كان الجميع يفسر بالمادية الجدلية والتحليل الماركسي للتاريخ، السؤال الذي يطرح نفسه هو عن تلك المسافة المنهجية الذي يتوجب على المؤرخ التحلي بها حتى لا يصبغ التاريخ بأيديولوجية معينة، أنتم كجيل ربما عانيتم من هذه المشاكل المنهجية بشدة، هل تعتقدون أن بالحاث الحامل للهم الأيديولوجي يمكنه أن ينتج تاريخا موضوعيا؟
--مثلما أومن بضرورة الأيديولوجيا لأنها تساعد على تفكيك مجموعة من الأمور، ومثلما أرى أن الباحث المطلع على الأيديولوجيا المختلفة هو أقدر على كتابة تاريخ أكثر وضوحا، في نفس الوقت أومن بأن الذي تصبح لديه أيديولوجيا ما عقيدة لا يمكن أن يكتب التاريخ، لأن تلك العقيدة تهيمن عليه ويصبح أسيرا لها، وبالتالي لا يكتب إلا استجابة لتلك الأيديولوجيا التي يأمن بها، فهو يعتقد أن ما يكتبه هو التاريخ الحقيقي، وأحيانا لما يقرأ له الأخرون يلاحظون وكأنه أت من كوكب أخر، يعني حتى الأمور العامة التي يجب أن يعرفها الجميع يبني عليها فرضيات تهمه وتهم انتماؤه الأيديولوجي، يبني التاريخ على وقائع تهم تنظيمه السياسي مثلا، أو تهم التنظيمات السياسية التي كان تنظيمه يتعاطف معها، ويفسر التاريخ وكأن هذه الأحداث هي التي تحكمت، مع أنه لما يعود المؤرخ إلى تلك الأحداث يجد أنها مجرد أحداث هامشية، لم تكن أحداث بالمعنى الحقيقي إلا عند تلك الفئة المقتنعة بتلك الأيديولوجيا، أما لدى أغلب المجتمع فكانت هناك قضايا أخرى أهم، فهو يهمش القضايا الكبرى لحساب القضايا الصغرى التي لها علاقة بالأيديولوجيا التي يؤمن بها، وبالتالي يمكن أن نسمي التاريخ الذي كتبه هو تاريخ من وجهة نظر أيديولوجيا وليس تاريخا بالمعنى الذي يملكه الجميع.



#سعيد_بنرحمون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفالي: من ليس له ماضي ليس له مستقبل والتاريخ هوية وذات (حو ...
- عن مجلة أمل، والمجتمع الدولة والتاريخ ، والتاريخ الراهن، وحر ...
- إقبار كليات الآداب والعلوم الإنسانية قتل للبحث العلمي الأساس ...
- باحثون من المغرب والجزائر يسترجعون الوحدة عند رموز الحركة ال ...
- مجلة أمل التاريخ الثقافة المجتمع تكمل ستها العشريت في خدمة ا ...
- أمسية تناقضات
- في محطة القطار الحزينة
- فصل المقال فيما بين -مول المجمر- و-مول المغرب- من اتصال
- الطريق إلى أكذز 4 (الذي كان وما يزال هو الضرر-الحلقة الأخيرة ...
- الطريق إلى أكذز 3 (سنوات وراء الشمس)
- الطريق إلى أكذز 2 (قصر الكلاوي يذيب أحلام الشباب)
- الكريق إلى أكذز 1
- قراءة في كتاب -مونتسكيو تأملات في تاريخ الرومان أسباب النهوض ...
- قراءة في رحلة الصفار إلى فرنسا 1845-1846


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعيد بنرحمون - الدفالي: الذي تصبح لديه أيديولوجيا ما عقيدة لا يمكن أن يكتب التاريخ، لأن العقيدة تهيمن عليه ولا يكتب إلا استجابة لها (حوار 3/4)