أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد الحروب - كارثة تسييس الدين وتديين السياسة















المزيد.....

كارثة تسييس الدين وتديين السياسة


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 3972 - 2013 / 1 / 14 - 09:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كثير مما تشهده بلدان ما بعد الانتفاضات العربية من فشل سياسي داخلي واستنزاف في الجهد والوقت وهدر في الطاقات يعود الى اصل واحد: خلط الدين بالسياسة. من مصر الى تونس الى ليبيا الى اليمن الى سوريا الى المغرب والاردن تشتغل حركات سياسية تحت لافتة الدين ويزعم كل منها انه الناطق بإسمه وحامي حماه. حركات التيار الاسلامي وبتنويعاتها المختلفة, وكما يحلل الصديق رضوان السيد في اكثر من مكان, قامت استئثار كبرى سحبت من خلالها الدين التاريخي والشعبي المتجذر في المجتمعات العربية بعفوية ومن دون اية ادعاءات كبرى, وارادت حشره في السياسة والحكم والان في النصوص الدستورية. تخوض التيارات الاسلامية العربية الآن معارك طاحنة, لكنها مفتعلة ومختلفة ومُستنزفة لطاقات البلدان والمجتمعات إن لم تكن مدمرة لها. تحشد تلك التيارات طاقاتها وقواعدها وتنظيماتها وتستنفر مؤيديها وتدفع بهم الى الشوارع كي تفتعل "معركة الدستور والشريعة" وبطريقة كاريكاتورية بحتة. كأن وجود نصوص دستورية يغير من الواقع شيء, وكأن النص في الدستور المصري مثلا على ان الشعب المصري شعب مسلم يجعله شعبا مسلما, في ما لو لم يتواجد ذلك النص لخرج الشعب عن الاسلام. حتى التنصيص على ان الشريعة هي مصدر القوانين والتشريع هو افتعال لمعركة لا معنى لها. الشريعة هي المنظمة لحياة الناس طوعا واختيارا وايمانا, وليس فرضا وفوقية. والالتزام بها خاص بكل فرد من الافراد على حدة وعلى اساس ذلك الالتزام الفردي, وليس الجماعي, تنتظم علاقة كل إنسان بخالقه. عندما تتدخل القوانين في ذلك وتريد ان تجد لها مكاناً في علاقة دينية فردية نظمها الدين منذ عقود فإن هذا خلط للسياسة في الدين, ونوع من الكهنوت الجديد.
خلط الدين بالسياسة ليس جديدا على المجتمعات البشرية بل كان النمط الاكثر تسيدا خلال قرون طويلة, وكانت نتيجته واضحة وكتب التاريخ التي تسرد لنا النتائج الكارثية بسبب ذلك تتكدس ارتالا. قياصرة واباطرة وملوك وخلفاء وسلاطين استغلوا الاديان للبقاء في سدة الحكم والاستبداد, ووظفوا العقائد للحفاظ على مكاسبهم السياسية وتعظيمها, وحملوا رايات الدين من اجل غزو الشعوب الاخرى واخضاعها لسيطرتهم ولنهب ثروات الآخرين. مقابل التجارب الكارثية والمدمرة والتي لا تحصى في جانب خلط الدين في السياسة, ليس هناك في التاريخ ما يدلل على نمط ناجح في سياق تديين السياسة وتسييس الدين.
التجربة الاكثر إعلاما في القرون الاخيرة والراهنة حاليا في مسألة علاقة الدين بالحكم والسياسة في اطوارها المختلفة تجسدت في السياق الاوروبي. على مدار قرون طويلة تحكم رجال الدين بالسياسة والقصور والجيوش, وتحكم رجال السياسة بالدين والكنيسة والباباوات, فكانت النتيجة حروبا دموية طاحنة, وانظمة ظالمة بالغة الاستبداد, وعنصريات ضد الشعوب والجماعات المختلفة حتى لو كانت من ابناء الوطن الواحد, ذلك ان السياسي الذي يتمنطق بالدين ويخفي وراءه اهدافه السياسية سوف يزعم ان صيغة وتفسير الدين الذي يتبعه هي الصيغة "الحق" وما عداها هرطقة خارجة عن الدين ولا يستحق اصحابها سوى المطاردة والعزل. ولأن كل طائفة وجماعة داخل الدين الواحد تعتقد برسوخ ويقين لا يتزعزع أنها هي ولا احد غيرها الممثل الشرعي والحقيقي للدين فإن ذلك يقضي على اي مساحات للحوار الفعلي وتقديم التنازلات. كل الشعارات الانيقة والجذابة التي تحوم حول مقولة ان "الخلاف لا يفسد للود قضية" تنهار ويصبح لا معنى لها, حيث تشرع اتهامات الانحراف عن الدين تتراكم والكل يزعم وصلا بليلى. والمعضلة الكبرى هنا, وهي اس معضلة خلط الدين مع السياسة, تكمن في ان موضعة الصراعات والنقاشات والخلافات السياسية على قاعدة دينية معناها الدخول مسبقا الى حلبة صراع ليس فيها حلول وسط, وتسعير الصراع وليس حله. يحدث هذا لأن القضايا السياسية والتي يمكن حلها او الوصول الى مساومات وتنازلات بشأنها عندما تبقى في حلبة الصراع السياسي تتحول الى قضايا دينية لا تحتمل التنازل او المساومة.
والممارسة السياسية الراهنة للاحزاب الاسلامية وهي في الحكم او قريبة منه, كما في مصر وتونس وليبيا, تقدم لنا قائمة طويلة من الامثلة على خطر تحويل الخلاف السياسي الى خلاف ديني وعقدي. اذا قام الحزب الاسلامي بخطوة سياسية معينة او اتخذ رئيسه قرارا سياسيا ما ثم تمت معارضة تلك الخطوة وذلك القرار على ارضية سياسية, لأن كل خطوة سياسية وقرار سياسي سوف يكون له معارضون بالتعريف وبالبداهة, فإن اسهل طريقة للدفاع عن الحزب والقائد السياسي تكمن في الاحتماء بالدين والقول بأن معارضي القرار السياسي هم ضد الدين. راينا هذا خلال المعركة السياسية الطويلة والمؤلمة إزاء صياغة الدستور المصري ثم الاستفتاء عليه. اصبح المعارضون للدستور معارضين للاسلام والدين واحيل الصراع السياسي برمته الى صراع ديني لا حل وسط فيه. وحفل الخطاب الديني السياسي لرموز التيارات الاسلامية بلائحة طويلة من الشتائم والاتهامات التي وضعت جميع المعارضين على حدود التكفير.
في تونس وفي احد آخر فصول التنافس والصراع السياسي بين الاسلاميين وبقية الاحزاب التونسية هناك جدل الآن حول ممارسات وزير الخارجية التونسي واتهامات له بإستغلال منصبه, والانفاق من ميزانية الوزارة على إقامته الخاصة في فندق من خمسة نجوم. رد الوزير على الاتهامات الصحفية يقوم على اساس انه يتأخر في مكتبه في بعض الليالي مما يضطره للمبيت في الفندق ودفع فاتورة الاقامة من ميزانية الوزارة, وهي الميزانية التي يقول متهموه انها لا تسمح بمثل هذا الصرف وليس فيها بنودا تغطيه. الى الآن والموضوع سياسي بحت ويحدث في اي بلد من البلدان, والوسيلة المتبعة هنا هي لجوء المُتهم والمتُهم الى القضاء للبت في ما إن كان الوزير اساء استغلال سلطاته. ومن الطبيعي ان يقفز الاعلام على مثل هذه القصة ويتحدث فيها وينقب في خلفياتها. ثم فجأة يلقي راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة خطبة الجمعة يتناول فيها الموضوع, من دون التصريح بالاسماء والحادثة لأن وزير الخارجيه صهره وزوج ابنته, ويتهدد ان حكم ترويج الشائعات في الاسلام هو الجلد 80 جلدة! معنى ذلك ان القائد الفعلي للحزب الحاكم في تونس يريد ان يلجم افواه الناس ويلجم السياسة من أن تأخذ مجراها الطبيعي من خلال اقحام الدين في حادثة سياسية بحتة.
الشيء المؤسف في تاريخ البشرية ان كثيرا من حلقاته تكاد تتشابه حتى لا نقول انها تعيد نفسها, ولكن الشعوب والمجتمعات لا تتعلم من غيرها. كأن هناك جينات خبيثة تجبرها على دفع الثمن الباهظ الذي دفعته شعوب ومجتمعات اخرى حتى تصل الى نفس النتيجة. سوف نصل الى فصل الدين عن السياسة في هذه المنطقة من العالم, لأن ذلك الفصل هو الوحيد الذي سوف يوفر حياة عادية للناس من دون اراقة دماء واقصاء. لكن السؤال كم من الزمن سوف نهدر وكم من الجهد سوف نستنزف حتى نصل الى نتيجة معروفة سلفا؟



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جائزة -البوكر- للرواية العربية: توسيع فضاءات الحرية
- ضمير الناس يهزم «الفتاوى المتأسلمة» ... ولكن!
- مسلمو الدنمارك وفن صناعة العنصرية
- عين إيران على الأردن، فأين الخليج؟
- عنف اللغة... ولغة العنف!
- متى سيهرب السفير الروسي من دمشق؟
- مشعل في غزة: تكريس المصالحة
- مآزق الأيديولوجيات الأممية
- حل «جماعة الإخوان المسلمين»: الضرورة التنظيمية (3)
- -دسْترة- الشريعة... ضرورة أم ذريعة؟!
- حل «جماعة الإخوان المسلمين»: الضرورة الإقليمية والدولية (2)
- حل «جماعة الإخوان المسلمين»: الضرورة الوطنية (1)
- -ملالا- إيقونة الحرية... تهزم -طالبان--!
- الإسلاميون والحكم: الانحياز للماضي أو الانفتاح على المستقبل
- الإسلاميون والانزياح المخيف
- فيلم تافه وتطرف مرعب
- الدستور المصري الجديد بين الدولة المدنية والدولة الدينية
- ثقافة الدم... -الأسدية- نموذجاً
- العلمانية والمواطنة... والخيار البديل
- سيناء: ضرورة تعديل المنظومة الأمنية


المزيد.....




- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد الحروب - كارثة تسييس الدين وتديين السياسة