أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم جعفر - طائر حطّ على سبأ ( الانتماء والرحيل )














المزيد.....

طائر حطّ على سبأ ( الانتماء والرحيل )


حاتم جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 3970 - 2013 / 1 / 12 - 23:46
المحور: الادب والفن
    


طائر حطّ على سبأ
( الانتماء والرحيل )

الى أخوة جعفر, حيدر, طالب ومن نسيتهم
قلق ظل يساوره كما ساور الاخرين من قبله وسيظل كذلك لمن سيأتي من بعده, فالاختيار ليس سهلا والطريق الى الحرية ليس سالكا ببساطة كما يظن البعض, ففكرة الانتماء, أي انتماء سينطوي على شكل من أشكال التحدي والمجازفة سيظل يؤسرك صباح مساء حتى وان لم تبح به, ففي بلدان العالم المصنف على خانة الديكتاتوريات الشديدة البطش, يعد لجوءك الى خيار المعارضة للحزب الحاكم وللفرد الحاكم مهما كان حجم وشكل وطبيعة هذا الخيار, يعد ضربا من الانتحار, وينطوي كذلك على الاستعداد الدائم للتضحية, وقد يكلف ذلك حياتك وانت لم تزل بعد في الربع الاول من انتمائك السياسي, فلا بد اذن من التأني والتريث واعادة الحسابات أكثر من مرة.
ولطالما نحن في وارد سبر شخصية الغائب الحاضر الفنان جعفر عبود فلا بد من العودة الى بعض المعطيات التي توفرت من هنا وهناك, مضافا لها جملة من الانطباعات الشخصية التي قد يتفق عليها البعض و يختلف عليها البعض الآخر, والحديث هنا عن انتمائه السياسي تحديدا, فصاحب الذكر نصفه يساري الهوى ونصفه الآخر هائم في عالم من الخيال والبحث عن نغمة من الجمال تطمأن لها الروح الأمارة بالسعادة الابدية. هذا ماقيل عنه أو ما رماه البعض به وما لم ينكره أيضا.
ولأنه عاش في ظل نظام المصادرة والقبضة الحديدية, وكغيره من الحالمين بغد من الحرية ملؤها السماوات والارض وما بينهما, فقد وجد نفسه مضطرا للاستعانة بالصمت والوحدة والحذر, كأشكال مجربة وضرورية لتفويت الفرصة والانفلات من قبضة الرقيب, ليدخل راصديه وعسس الليل والنهار في ضرب من التخمين والتنجيم وحيرة كذلك في حقيقة انتمائه. ربما رأى جعفرا في نهجه هذا ردا مناسبا على ما أعتبر تهمة آنذاك, غير انه وحين يطمئن لنظافة المكان والحاضرين فلا يتردد في الافصاح عما يجول في خاطره, وعند هذه اللحظة يكون للكلام الصريح والمباشر, القول الفصل في اختبار منسوب الشجاعة والثبات على المبادئ, وهذا ما كان عليه.
واذا كان للانتماء ما يعني الانحياز الى الحقوق المشروعة للشعوب فهو منحاز دونما التباس أو اجتهاد في ذلك, غير انه كان مختلفا في وسائل تعبيره وهذا أمر مشروع ومفروغ منه بحكم طبيعة أدواته التي يستخدها في كيفية قراءة الواقع وبالتالي كيفية التصدي له, وعند هذه النقطة قد يأتي متقاطعا مع الكثير من التعبيرات الايديولوجية المحكومة بضوابط وروابط, يرى فيها تقييدا لتطلعاته وتضييقا على حرية حركته, لذا كان جعفر حريصا على الانطلاق نحو عوالم أكثر رحابة, غير عابئ لفكرة الالتزام بمدرسة فنية بعينها.
وانسجاما مع تطلعاته الفنية تلك, كان طيب الذكر ينهل من هذا وذاك, وصولا الى تحقيق اهدافه الانسانية النبيلة, كاشفا ومن خلال أعماله الفنية عن طاقة ابداعية هائلة, أراد لها أن تتحرر وتحلق بعيدا دون سقف أو شرط, ليجسد بذلك فلسفة, حرص على العمل بها حتى مغادرته الحياة الدنيا. اشترك بالتأكيد في قناعته هذه مع آخرين من هم بشاكلته, مفادها ( خطوتي لوحدي غير أني أسير مع الجميع ), ولا بد من التسجيل هنا بأن الكثير من الفنانين العالميين قد سبقونا في فكرة التحرر من تلك القيود التي يؤطرها السياسيون, والحديث هنا لايدور عن صحة هذا الخيار من عدمه وانما مرتبط بالضرورة بأدوات عمل الفنان وبحساسيته وباشكال التعبير والفضاءات التي يتحرك بها.
يمكننا القول هنا بأن جعفرا الفنان, قد نجح في وضع مسافة مريحة بين منهجه الابداعي الذي اعتمده وبين خياره السياسي الذي يأتي متسقا وانحيازه لجهة اليسار, وبشكل لاتتقاطع احداها بالاخرى,مستشعرا بذات الوقت بتصاعد عمليات القمع, وتوصله الى قناعة لايدانيها الشك تؤشر الى ان لعبة الصمت التي استعان بها لتحييد من يتربص به شرا قد استنفذ مفعولها, ومما عزز لديه هذه القناعة هو تعرض اخوته الى الاعتقال التعسفي من قبل الاجهزة الامنية في المدينة, ففي الحالة الاولى تعرض شقيقه الاكبر الى الاستدعاء والتحقيق, بتهمة المس بهيبة الدولة أو نحو ذلك, اثر وشاية من أحد صغار القوم أو مايطلق عليه في ايامنا هذه بالمخبر السري, السيء الصيت والسمعة. وفي الحالة الثانية تم اعتقال شقيقيه الاصغر بتهمة الانتماء الى احدى التنظيمات السرية المقارعة للسلطة, فالدار اذن لم تكن آمنة ومن غير المستبعد ان يكون مصيره كما أخوته.
التطورات الدراماتيكية التي حدثت في بلاده والتي أخذت منحى خطيرا جدا, أجبرته على اتخاذ قرارا عدّه تغيرا نوعيا في حياته غير انه أجبر عليه, أنه الرحيل الى بلاد ليست بلاده, فتراه في ساعته الاخيرة كما حاطب الليل أخذ يجمع وعلى عجل ما تيسر له من لوازم السفر, وراح يجوب ثنايا نزل كان حتى لحظات خلت مستقره الاول واراده ان يكون الاخير, تلمّس برفق أحد جدران بيته, راجعا بذاكرته الى عقود خلت حين كان صغيرا, يداعب هذا ويشاكس ذاك واسترسل قليلا في رجعه البعيد, وفي لحظة مفاجئة أوشك على التراجع غير انه استفاق ثانية ليخرج مسرعا غير انه ترك الباب مواربا علّه يعود عن قراره.
قال لصاحبه الذي بجانبه : ماذا لوهبطت الطائرة قرب مأذنة في الكرخ أو بستان في العشار؟ بعد برهة ليست بالطويلة أعلن وصول الرحلة المرقمة ..... الى مطار .....أومأت بلقيس ملكة سبأ لحاجبها أن يفتح باب صنعاءها للغريب القريب, ترجّل جعفر بحقيبته الصغيرة وراح يدور بين درابين المدينة ودور عبادتها حتى حطّ استراحت قدماه في بيت الثقافة, واهبا شعب اليمن السعيد الوان الطيف السبعة وخطوط الطول والعرض وفنون الرسم ومدارسها, لم يدم به المقام طويلا وفارق الحياة الابدية على حين غفلة, غير ان روحه أبت الاّ ان تعود الى بئرها الاول حيث نهر خريسان وحيه العتيق وبقي جسده مسجّى هناك في حديقة الغرباء, تعلوه باقة ورد عطرة, تفوح منها رائحة القداح والاهل وكانت تلك لوحته الاخيرة.


جعفر عبود, فنان عراقي ولد في مدينة بعقوبة عام 1952 وفارق الحياة في جمهورية اليمن عام 2008



#حاتم_جعفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هدأة الروح
- نحن ويالطا والروس
- ساسة العراق والكيل بعشرة
- المالكي ميكافيليا
- هنا العراق ... هنا الكرامة
- قريبا من المتنبي
- النص بين الرواية والتدوين
- ما بين لوركا والمعاضيدي
- محكمة التفتيش البغدادية
- المصالحة الصعبة
- مؤامرة على الطريق
- في نقد ( الباب العالي )
- بأنتظار كلكامش
- بعيدا عن الركن الهادىء
- حدوته امريكيه
- مآل الابن الضال
- يا اعداء ( الفدرالية ) اتحدوا
- الحقيقة المرة


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم جعفر - طائر حطّ على سبأ ( الانتماء والرحيل )