أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - حتى لا يعيث التعصُّب الطائفي فساداً في الربيع العراقي!















المزيد.....

حتى لا يعيث التعصُّب الطائفي فساداً في الربيع العراقي!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3965 - 2013 / 1 / 7 - 09:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لقد شرعوا يُعِدُّون العدَّة لإخراج الربيع العربي في العراق، والذي انطلق من الأنبار، عن سِكَّتِه الطبيعية، السليمة، السوية؛ وعلى الشعب العراقي أنْ يتحلَّى الآن، على وجه الخصوص، بمزيدٍ من اليقظة الثورية، فلا يسمح لدعاة ومثيري الفِتَن الطائفية الدِّينية بأنْ يعموا بصره وبصيرته.
إنَّها "الحروب الدِّينية (أو الطائفية الدِّينية)"، التي، على كثرتها، وكثرة ضحاياها، لا وجود، ولو من حيث المبدأ، وعلى وجه العموم؛ فـ "الحرب الدينية (أو الحرب من أجل الدين، ومحاماةً عنه)" لا يمكن فهمها، على وجه العموم، إلاَّ على أنَّها "دنيوية المحتوى"، تَلْبَس اللبوس الديني السماوي ليس إلاَّ، مقيمةً الدليل، كلَّ مرَّة، على أنَّ السماء هي "المرآة" التي فيها نرى "صورة" صراعٍ يدور في "الأرض"؛ و"المرآة"، مهما صُقِلَت، وحُسِّنَت، وعَظُم حجمها، لا تُرينا، ولا يمكنها أنْ ترينا، إلاَّ ما نُريها؛ فكفانا خَلْطاً بين "الصورة" و"الأصل"!
ومِنْ قَبْل، قُلْت، غير مرَّة، إنَّ مصيبتنا الكبرى نحن أبناء الشرق تكمن في كوننا نميل دائماً إلى ترجمة كل صراعٍ واقعي نخوض (أيْ كل صراعٍ يَضْرِب جذوره عميقاً في تربة مصالحنا وحاجاتنا الواقعية الدنيوية) بـ "لغة الدِّين"، أيْ بمفرداته وعباراته وشعاراته؛ فهذا "الدكتاتور" نصارعه مُلْبسين صراعنا ضده لبوس صراع "الخير (الديني)" ضدَّ "الشَّر (الديني)"، أو صراع "المؤمِن" ضدَّ "الكافِر". حتى صراعنا (الواقعي الدنيوي) ضدَّ القوَّة الإمبريالية العظمى في العالَم، وضدَّ عدوِّنا القومي الأوَّل، وهو إسرائيل، نُتَرْجِمه بـ "لغة دينية (إسلامية)"، ناظرين إليه على أنَّه صراع إسلامي ضدَّ حملات صليبية جديدة؛ فَلْنَنْبُذ هذه الطريقة في التفكير والتعليل والتفسير، وفي النَّظر إلى الأمور، وإلاَّ ظَلَلْنا أَلَد وأَشْرَس عدوٍّ لأنفسنا، ولمصالحنا الواقعية، ولحقوقنا التي لم نَعِها بَعْد بما يكفي لِجَعْلِنا نُجيد الدفاع عنها، والانتصار لها.
عندما سيطر مقاتلو "حزب الله (الشيعي اللبناني)" على أحياء من بيروت الغربية (السنية) علَّق أحد قادة "قوى الرابع عشر من آذار" على ما وَقَع قائلاً: "أهل بيروت (الغربية من السنة) ناموا على عُمَر (بن الخطاب) فاستفاقوا على علي (بن أبي طالب)!
لتتأمَّلوا هذا القول جيِّداً؛ فإنَّ فيه من المعاني والدلالات ما يُكْسِب قَوْلنا في أمْر "الحروب الدينية" مزيداً من الأهمية؛ وفي لبنان، ليس من لون (حزبي أو سياسي أو فكري) إلاَّ ويُخالِط أصحابه شيئاً من لون "الطائفية (الدينية)"؛ حتى المنظمات السياسية اليسارية والعلمانية والقومية.. يشوبها شيء من هذا اللون؛ والمقاومة الفلسطينية في لبنان، في سنوات الحرب الأهلية هناك، كان يُنْظَر إليها على أنَّها "جيش السنة".
ليس من عصبية مُعْمية للأبصار والبصائر، ومُنْتِجة للوحشية في الصراع، أكثر من العصبية الدينية، التي من عواقب تسعيرها، أيضاً، أنْ يغدو العدو (الحقيقي والأعظم) وليَّاً حميماً، والشقيق (والصديق) شيطاناً رجيماً.
وعندما فُجِّرِت الجامعة المستنصرية في بغداد سألني أحد المتعصِّبين على الشيعة: "هل الضحايا من الشعية أم من السنة؟"؛ فأجبته قائلاً: "إنَّهم جميعاً من العرب"؛ لكنَّ وَقْع جوابي في نفسه جعلني أشعر أنَّ سؤاله لم يُجَبْ عنه بعد!
غَيَّرتُ إجابتي قائلا: "إنَّهم جميعاً من المسلمين"، فما كان منه إلاَّ أنْ شرع يأتيني بالأدلة (الدينية والفقهية) على أنَّ الشيعة ليسوا بمسلمين. لقد أظهر ميلاً إلى أنْ يراهم غير مسلمين مع أنَّ "تديُّنه" تنقصه "الصلاة"، وغيرها من أركان الإيمان؛ إنَّها العصبية الدينية المُلْغية للعقل، هي التي حملته، أيضاً، على التسبيح بحمد معاوية، وكأننا عُدْنا حتى سياسيا إلى زمانه!
وكيف لي أنْ أُقْنِعه بأننا في زمن غير زمن معاوية، وفي عالم غير العالم الذي عاش فيه معاوية، وقد رآهم يقطعون رأس صدام حسين وكأنهم يقطعون رأس يزيد بن معاوية، ويتعجَّلون، في وحشيةٍ، مَقْدَم المهدي الذي ينتظرون كمن ينتظر سقوط السماء على الأرض؟!
أليست مأساة متحوِّلة إلى مهزلة أن يتحدَّانا الواقع أن نبتني وجودا قوميا عزيز الجانب، فإذا بنا نعود غساسنة ومناذرة!
لقد رأيْتُ وسَمِعْتُ ما حان له أنْ يحملنا على "الكفر".. الكفر بكل سياسة تتلَّفع، مع ممثِّليها، بالدين؛ فالزج بالدين في السياسة إنَّما يزج بكل قوى العداء للأمَّة العربية في الحرب على وجودها القومي، وعلى حقها في أنْ تحيا (سياسياً وفكرياً وثقافياً..) حياةً ديمقراطية؛ فاحترابنا الديني يميت الأحياء من الأمة، وكل ما بقي فيها من معاني وقوى الحياة، ويحيي، في الوقت نفسه، كل الموتى، ليتَّسِع ويترسَّخ فينا حُكم الأموات للأحياء، وكأنَّ معاوية ويزيد والحسن والحسين.. قد انتقلوا من الماضي إلى الحاضر ليكونوا السيوف المواضي في حرب "العدوِّ الثلاثي (الولايات المتحدة وإسرائيل وأنظمة الحكم الدكتاتورية العربية)" علينا.
التعصُّب بكل صوره وأشكاله مذموم وقبيح؛ وإنَّ أحداً منَّا لا يجرؤ، في مواقفه المُعْلَنة، على الأقل، على امتداحه والحضَّ عليه. حتى المتعصِّبون أنفسهم يلعنونه "نهاراً"، ليسبِّحوا بحمده "ليلاً"؛ فكثيرٌ من أبناء مجتمعنا يرتدُّون، في الأزمات التي فيها تُخْتَبَر على خير وجه "قوى المواطَنة" فينا، إلى هويات لا مكان لها في الأمم الحيَّة والمتحضِّرة والديمقراطية إلاَّ "المتاحف".
ومن تجربة شخصية أقول إنَّ كثيراً من مثقَّفينا "القوميين" و"العلمانيين" و"اليساريين" و"الديمقراطيين" و"الليبراليين".. تراهم، في "الأزمات الاختبارية"، وقد عادوا إلى عبادة "الأوثان" نفسها، وكأنَّ "وعيهم الجديد"، الذي يتغنُّون به في الأوقات العادية، لا يعدو كونه قشرة رقيقة طرية لا تقوى على الصمود طويلاً.
"التكفير"، في حدِّ ذاته، ليس بالجريمة التي يرتكبها المُكَفِّر في حق المُكَفَّر، فأنتَ لو كنتَ في مجتمع تسرى في أفراده وجماعاته قيم ومبادئ الحياة الديمقراطية سريان الدم في العروق، أي في مجتمع غير مجتمعنا، وأظْهَرتَ من اختلاف الفكر والرأي والمعتقَد (والسلوك) ما يَحْمِل غيرك على تكفيرك، أي على اتِّهامكَ بالمروق من الدين، الذي لا يرى دينا حقيقيا سواه، أو بالإلحاد، لنزلَ عليكَ هذا الاتهام بردا وسلاما، فكُفركَ، إذا ما كان أكيدا، وإذا ما كنتَ غير مُنْكِر له، وتكفيره لكَ، لا ينتهيان إلا إلى ما ينتهي إليه كل اختلاف وخلاف (ديمقراطيين) في الرأي، فلا أنتَ ولا هو تغدوان في هيئة العدو الذي تُسْتباح (أي تصبح مباحة) الوحشية والجريمة في محاربته.
عندنا فحسب يغدو، ويجب أن يغدو، "التكفير" جريمة، يُعاقَب مرتكبها أشدَّ عقاب، ولو ارتكبها في حق شخص لا يُنْكِر كفره؛ ذلك لأنَّ "التكفير"، الذي طالما لوَّن تاريخنا السياسي والفكري، يؤسِّس شريعةً للقتل، والاقتتال، ولإهدار الدم، ونشر الظلم، فلا أسوأ من إنسان يعتقِد أنَّه بتكفيره لمخالِفه في الدين والعقيدة والفكر، وبعقابه له، أو بالدعوة إلى عقابه، أشدَّ عقاب، يُرضي الله، فيرضى عنه، ويُكفِّر عنه سيئاته!
هذا النمط من "التكفير"، الذي فيه يتحوَّل، أو يُحوَّل، "المُكَفَّر" إلى عدو من النمط الذي تُسْتباح فيه كل الوسائل لمحاربته، حان له أن يُنْزَع من عقل المؤمِن وقلبه، وأن يُعامَل في كل ثقافة دينية (شعبية) على أنَّه كُفْرٌ، ومروق من الدين، وخروج عن الإيمان الديني القويم الذي لا يُحِلُّ أبدا جعل الاختلاف والخلاف في الدين والعقيدة والفكر سببا للعداء.. وللعداء المفضي إلى القتل والاقتتال، وإلى التخلي عن كل صراع مفيد ونافع بالمعيار القومي والديمقراطي والاجتماعي والإنساني والحضاري، فالمجتمع الذي يَقَع، أو يُوْقِع نفسه، في هوة الصراع الديني، الذي تتلفع به، على وجه العموم، مصالح فئوية ضيقة، إنَّما هو المجتمع الذي نجح في أن يكون العدو الأول لنفسه، لمصالحه العامة والحقيقية، ولحقوقه الديمقراطية والقومية والحضارية.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تباشير فَجْرٍ عراقيٍّ جديد!
- نتنياهو إذْ جاء متأبِّطاً -الكونفدرالية-!
- إذا ما زار نتنياهو الأردن..!
- سيكولوجيا انتخابية أردنية!
- هل نسي الأسد أنَّ فَتْح دمشق بدأ بمعركة اليرموك؟!
- فكرة -نهاية العالَم- ما بين -الخرافة- و-العِلْم-!
- ما معنى -دين الدولة هو الإسلام-؟!
- في ديباجة مسودة الدستور المصري
- الشرع إذْ شَرَّع طريقاً إلى -الإنقاذ-!
- المادة الغائبة عن الدساتير العربية!
- -صندوق الاقتراع- يُشدِّد الحاجة لدينا إلى مارتن لوثر إسلامي!
- كلاَّ إنَّ الإنسان لم يُوْلَد حُرَّاً!
- -أزمة دستور- أم -أزمة ثورة-؟
- توقُّعات ونتائج!
- فضيحة البرادعي!
- حِرْصَاً على ثورة 25 يناير..!
- كيف تؤثِّر -الكتلة- في -الفضاء-؟
- -مجتمع الحقوق- أوَّلاً!
- -لا- ل -الإسلام السياسي-.. -نَعَم- للدستور الجديد!
- -صاروخ فَجْر- الذي أُطْلِق من نيويورك!


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - حتى لا يعيث التعصُّب الطائفي فساداً في الربيع العراقي!