أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد العزيز خليل إبراهيم - ملخص كتاب أوهام عذاب القبر للمستشار والمفكر الإسلامي أحمد عبده ماهر















المزيد.....



ملخص كتاب أوهام عذاب القبر للمستشار والمفكر الإسلامي أحمد عبده ماهر


عبد العزيز خليل إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 3964 - 2013 / 1 / 6 - 20:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


((إليكم ملخص كتاب قيم بعنوان ( أوهام عذاب القبر ) للمستشار أحمد عبده ماهر وهو مفكر اسلامي مصري قال فيه المستشار أحمد عبده ماهر أن عذاب القبر ونعيمه لا يوجد في القبر عندما يموت الانسان وقد استشهد بالايات القرآنية والاحاديث الصحيحة المتفقة مع القرآن الكريم فقد أثبت بالدليل القاطع من كتاب الله أن القبر لا يوجد به حساب وأن الحساب في الاخرة فلو كان في القبر عذاب أو نعيم ما فائدة يوم الحساب في الأخرة فعذاب القبر ليس له وجود في الاسلام الصحيح وانما الاحاديث الموضوعة والضعيفة التي دست في كتب الاحاديث قديما هي سبب الزوبعة في كل ما يحدث من تخويف الوعاظ للناس بهذا العذاب حتي يخاف الناس وتنصاع لاوامرهم وتكون لهم قداسة كأنهم الهة تعبد من دون الله تعالي في الأرض وكانت النهاية أن الناس انشغلت بالعذاب وتركت الدنيا بدون العمل مع أن الله العدل والحق ولا يعذب الناس مرتين فالنعيم أو العقاب أو العفو عن الناس مؤجل في الآخرة هكذا يقول كتاب الله تعالي ولكن عبدة الاحاديث الموضوعة والقصص الواهية هي من تسئ للإسلام الحنيف ليلا ونهارا والخلاصة في هذا الكتاب القيم الادلة الدامغة بعدم وجود عذاب أو نعيم في القبر وأنا الحساب للناس يوم القيامة فقط والجنة والنار بالاخرة فقط وليس في القبر واليكم ملخص هذا الكتاب القيم من أستاذنا المحترم أحمد عبده ماهر ومعه تخريج الاحاديث الضعيفة بسندها حتي يكون كل شئ موثق وبالدليل من القرآن وأليكم ملخص كتاب أوهام عذاب القبر من موقع ( منتديات العلم والعلماء شباب العرب )
كتاب أوهام عذاب القبر
تأليف: المستشار والمحكم الدولي أحمد عبده ماهرالمحامي.
تقديم الأستاذ الدكتور/أحمد عبد الرحيم السايح
أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وقطر وأم القرى.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:ـ
مما ينبغي أن نؤكد عليه: أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس متفاوتين في المواهب والعقليات، ولذلك جاءت حركاتهم في الحياة الدنيا تخضع لمعايير المواهب والمنح التي وهبها الله لهذا وذاك.
والمستشار/أحمد عبده ماهر يتمتع بمنح منحها الله إياها، ومواهب كبيرة، لذلك تجده متميزا في كلماته وما يكتب، فالفكر والكلمة حقيقتان متلازمتان في حياته، لذلك جاءت كلماته في مؤلفاته معالم مضيئة على طريق تصحيح ما أفسده الدهر من موروثات ومناهج أضرت بالعقائد، وهو يمتلك طاقات إصلاحية يبذلها دوما لأجل الأمة.
وإذا كان هناك كثير من الكُتَّاب دعوا إلى إنقاذ الأمة من وهدة التخلف وغبار الجهل، فإن المؤلف له عبقرية فذَّة في عرض مفاهيم التصحيح بما يمتلك من موهبة فريدة وعطاء متميز.
وقضية عذاب القبر لا هم للمتاجرين بالدين إلا ذكرها، وكأنها عمل إنتاجي تفتخر به الأمة، وذلك رغم تعارضها مع مبادئ الإسلام ودلالات الآيات القرءانية، لذلك جاء المؤَلَّف الماثل لاجتثاث جذور المفاهيم المغلوطة وقلع أصولها ودوافعها النفسية والفكرية، مستمدا قوته من صريح كتاب الله، وكتب المحدثين في الجرح والتعديل، مع عدم إهمال دور العقل القويم في استخراج الأدلة.
فالكتاب الماثل أداة بناء ذات فصول ثلاثة، وملحق به تخريج لبعض أحاديث من عذاب مزعوم بالقبر، سواء ما ورد منها بكتب الصحاح أو مما اشتهر القول به على ألسنة الدعاة، فضلا عن تصحيح بعض تحريفات التفسير لكتاب الله.
فالفصل الأول تحت عنوان: موت بلا عذاب بالقبر (تقديم أصولي).
والفصل الثاني تحت عنوان: من الوفاة حتى حساب الآخرة.
والفصل الثالث بعنوان: تفنيد حجج أنصار فكرة عذاب القبر.
والملاحظ أن الفصول الثلاثة تميزت بالتوثيق والتنقيب مما أعطى الدراسة قوة وعمقا.
ولعل تلك الدراسة توجد في الناس الوعي والتعريف بخطورة الاستعمال المنحرف والشاذ لبعض مقولات الأقدمين، وعلها تعيد إليهم الشخصية الإسلامية التي رباها رسول الله في الصحابة الأطهار، الذين كانوا يتفاعلون مع الكون بالقرءان، ولم يكونوا يحاولون قهر من بالكون لتأويلاتهم عن القرءان. أ.د/أحمد عبد الرحيم السايح
مقدمة المؤلف:
بسم الله الحبيب، الرحمن الرحيم الكريم، فمنذ سنوات خَلَت وأنا أُتابع وأُشارك حركة تطوير الخطاب الديني التي نحن في أمس الحاجة إليها، وذلك نظرا لما وصل إليه أمر الدَّعوة والدُّعَاة ببلادنا.
ولقد شاركت في ذلك بمؤلفات عديدة منها كُتُب:
(1) - (كيف كان خُلُقُهُ القرءان .
(2) - وإسلامنا والتراث .
(3) - و كنوز ورحمات من القرءان.
وبكثير من الخُطَب المنبرية، والمقالات التي تُرجِمَ الكثير منها إلى لغات متعددة ، ونُشرت بالعالم عن طريق أجهزة إعلامية مختلفة، وشاركت وحاضرت ببعض المؤتمرات الدولية الراعية لإصلاح الدعوة.
وأحمد الله أن وفقني برحمته للخروج من تَدَيُّن الإشراك والبدع، إلى تدين القرءان والمِنَح ، وأن هداني لمن يعينونني بقوة كي أخطو بخطوات الرشاد، وشكر خاص وواجب لقناة المحور الفضائية لإسهامها في نشر الحقائق وتنوير الشعوب، وبكل التقدير والعرفان أُقدم الفارس النبيل الذي وقف خلف هذا الكتاب وأشكره، وهو الأستاذ/عبد الفتاح عساكر، ذلك الجندي الذي تراه خلف كل الأعمال ، وكل الاجتهادات مُعينا ومؤازرا، فهو الذي بذل الجهد الأكبر في التخريج الفقهي لأحاديث عذاب القبر، كما نتوجه بالشكر للأستاذ/ إبراهيم عياد لمساهماته في التصويب اللغوي.
وعلى القارئ أن يعلم أن التخريج الفقهي للأحاديث الواردة عن عذاب القبر روعي فيه أن يكون مستمدا من كتب علماء الحديث، وتم تطبيق منهجهم بأن الجرح مقدم على التعديل، وقد يصدم القارئ من أحاديث يتناولها الناس كمُسَلَّمات يؤمنون بها بينما تُمثِّل عين الصدام مع القرءان فضلا عن فساد سندها.
والكتيب الماثل يضيف تَنَوُّعًا لمسيرة إصلاح الدعوة في أمر استفحل الاعتقاد فيه، حتى صار الناس يتعوَّذون من عذاب القبر في صلاتهم، بينما لا شرعية ولا وجود لذلك العذاب المسرحي الموهوم، وهو كتاب قد يستعصي على غير الباحثين تقدير ما به، ولقد حرصت أن يكون ما انتهيت إليه موثقا بأدلَّة من القرءان والسُّنة النبوية الصحيحة، ومن العقل، وهو إن كان صادما لمعتقدات الكثيرين إلا أن الباحثين عن الحق لابد أن يخضعوا له، بدلا من الخضوع لموروثات الإشراك بالله والعبادة بطقوس بلا علم، والتي دأبنا عليها حفاظا منا على تراث نظنه كله خيرًا ونقدسه بلا تمحيص.
ولقد دأب المسلمون على عدم التفكير فيما بثه فينا عمائم الماضي، لكننا بعد أن تعلمنا القراءة والكتابة ظللنا على معتقدنا بقصور فكرنا، حتى استيقظنا على متخصصين يقولون برضاع الكبير، وقتل المرتد، وقتل تارك الصلاة، وطهارة بول النبي، والتداوي بأبوال الإبل.
وترانا وقد تجمدنا عند رؤية الأقدمين لتفسير كتاب الله، تلك الرؤية التي شابها أخلاط من الإسرائيليات، وروايات مخالفة لكتاب الله تأثر بها المفسرون، فصرنا نُكذِّب آيات القرءان لذمة مرويات السُّنة، في الوقت الذي لا نعترف فيه لمجتهد باجتهاد، سواء أكان متخصصًا أم غير متخصص، وبرعنا في قذف المجتهدين بكل الوسائل والمَذَمَّات.
وصرنا نُمَجِّد السُّنة النبوية القولية، ونرفعها على القرءان عمليا، وإن كنا نعتني نظريا وقوليا بأسبقية القرءان، وصار تفسير أئمتنا لآيات كتاب الله يخضع لثقافتهم الروائية عن الحديث النبوي، وعظَّمنا النبي ولم نُوَقِّر الله، وصرنا فرسانا للسُّنة القولية، بينما لم نستظل بالقرءان، ولفظنا التدبر فيه، ولم يبق لنا منه إلا بعض المطالعة، نظن بها أننا على الحق، فنسأل الله أن يهدينا قبل أن نلقاه.
وتجدنا حين تبرز بيننا دراسة تتصادم مع ما ألفينا عليه آباءنا نسعى بقوة لتأكيد الزَّخَم القديم وكأنها مبارزة بين أمة بأكملها من جانب، وأحد الأصنام المنبوذة بالضفة الأخرى، لذلك كله نشب فينا فكر عذاب القبر وغيره من الخرافات، لذلك أهيب بأخوتي وأبنائي المسلمين إبان تناولهم للأمر أن يُنَفِّذُوا بعدالة وموضوعية ما أمرهم الله بقوله
((الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ *)).الزمر: 18.
وإن ما تم بثه فينا من كوننا غير مؤهلين ـ وبالتالي غير أهل للفكر في دين الله ـ ما هو إلا نوع من تكذيب القرءان، فالله عز وجل يسَّرَ لنا القرءان، بينما نقول بصعوبته وعدم إمكان فهمه إلا لمتخصص، والله أمرنا بتدبر القرءان والتفكر والتعقل فيه، بينما نحن نمتنع لذمة مدسوسات إبليسية زرعت فينا هبوط الهمة تجاه كتاب الله.
بل رأيت الناس وهم لا يدركون أن الخطاب القرءاني للناس جميعا على اختلاف لغاتهم، فبالله عليكم إذا ما كان أهل اللغة العربية هذا حالهم... فماذا يكون حال باقي الأجناس المخاطبين بالقرءان أيضا!!، لا شك أننا بحاجة ماسة لننفض غبار الزَّخَم القديم الذي أهملنا به كتاب الله، فتركنا عقولنا نهبا لآخرين لعقود خلت، ولنتدبر جميعا بلا استثناء كتاب الله، فنحن مأمورون بذلك بلا مراء، بل يسَّرَهُ الله لنا.
ولابد من إعلاء كتاب الله وآياته على المرويات والقصص والأقصوصات التي نستقي منها أمور تديننا ، فمهما تصورنا درجة صحتها، فليس لها أن تنافس القرءان إلا عند قلوب أشركت بالله، ولنعلم أن أهل الزمن القديم كانوا رجالا لزمانهم، والله لم يجعل حقبة زمنية بغير رجال، فنحن رجال اليوم وهم كانوا أسياد الأمس وأجدادنا، ولكل منا الفرصة ليكون رجل عصره بلا تسيد أو سيادة من أحد.
المؤلف
أحمد عبده ماهر
الفصل الأول:
موت بلا عذاب بالقبر.
تقديم أصولي:
مقدمة لازمة لفهم أصول الإيمانيات:
لعل الكثيرين ـ إن لم تكن الأغلبية ـ تشغل فكرهم الدار الآخرة وما يكون فيها من أحداث، ولقد أدرك بعض الدُّعاة ولع الناس بذلك الأمر، فأفاضوا وأسهبوا واغترفوا من غث التراث وأضاعوا السمين، وصاروا يدفعون بعلوم ما أنزل الله بها من سلطان، ويزُجُّون بها في أدمغة الناس، وبات أساطين ذلك الفكر عند العامة هم أهل الدين والتدين، وأصبح من يعزف لحنًا غير لحنهم مجرما، وتراهم ينعتونه منكرًا للسُّنة أحيانا، وقرءانيا أحيانا أخرى، وهو منكر للمعلوم من الدين بالضرورة عند آخرين، لذلك ماج الناس في أوحال يقول بها بعض المتخصصين قبل العامة، ويترخصون في القذف بلا مبالاة.
وأرى من الضروري لكل مسلم أن يعلم أن الاستدلال على الأحكام الشرعية التي يجب الإيمان بها لابد أن ينبع من نص قطعي الثبوت، وإلا فكيف ستنبع أحكام يلزم الإيمان بها من خلال نصوص ظنية الثبوت؟، وهل ترك الله العقائد والإيمانيات لتفسير الفقهاء؟.
ونصوص القرءان الكريم قطعية الثبوت كلها، لكن بالنسبة لدلالة الآيات فمنها آيات قطعية الدلالة، وأخرى ظنية الدلالة، فالذين قاموا بتأويل نصوص ظنية الدلالة من القرءان الكريم وصوروها أحكاما لعذاب بالقبر، إنما خالفوا أسس الفقه والتفسير والعقيدة، فقد كان من المتعين عليهم لاستنباط أي حكم يتوجب الإيمان به، أن يكون ذلك من خلال نصوص القرءان قطعية الدلالة، وهو الأمر غير الموجود بالنسبة لعذاب القبر، وبما يمتنع معه الاستنباط.
فمن النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، قوله تعالى:
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ*). سورة العنكبوت آية رقم57).
فلأنه قرءان، فهو قطعي الثبوت، ولأننا على يقين بأن هناك موتًا محتمًا يليه بعث مؤكد، ففي ذلك قطعية الدلالة، فلا يماري في ذلك النص إلا كافر.
ومن النصوص قطعية الثبوت لكنها ظنية الدلالة، قوله تعالى:
((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ*)). سورة غافر آية رقم : (46) .
فهو نص قطعي الثبوت لأنه قرءان، وهو ظنِّي الدلالة لأننا اختلفنا في تأويله، فنحن لا نعلم شكل العرض ولا ما إذا كان يعني عذاب القبر أم يعني ابتلاءات دنيوية ثم يليها أشد العذاب بالآخرة، أَوَ يكون ذلك الأمر لآل فرعون فقط كما يدل بذلك النص، أم أنه ينسحب على الناس جميعا؟، ولتلك الاختلافات بيننا فهو نص ظني الدلالة، فلا يُستنبط منه حُكم إيماني مُلزم، ومثل قوله تعالى:
((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا*)).سورة الفتح آية رقم : (10) 0
فلا يستطيع أحد معرفة شكل ومراد كلمة يد الله، لذلك فهو نص ظني الدلالة.
أما السُّنة النبوية القولية فكلها ظنية الثبوت وظنية الدلالة، وهو ما اتفق عليه أهل العلم جميعا بلا خلاف بينهم، فيمكن العمل بها، لكن لا يمكن استخراج الإيمانيات منها، لأن الأحكام التي يجب الإيمان بها لابد أن تنبع من يقين، فلا يُستخرج اليقين من ظني أبدًا، وعلى ذلك فجميع أحاديث عذاب القبر فضلا عن كونها ملفقة على الرسول (سيأتي بيانه)، فلا يمكن الاعتماد عليها في استنباط حكم يؤمن به المرء.
ولا يقولن قائل بالقول الممجوج، بأن السُّنة القولية مُكَمِّلة للقرءان، وأن هناك أحاديث تُقرر عذاب القبر، إلا إن كان يظن النقص بالقرءان، أو يظن بأن رسول الله – عليه الصلاة والسلام - يخالف ما تنزل عليه من قرءان، وذلك ليس بتكذيب للسُّنة القولية التي يُفضل العمل بها ما لم تُخالف نَصًّا قرءانيا، وما لم تُخالف قويم العقل أو الأخلاق، كالرضاع المزعوم للرجل الكبير، أو التداوي بأبوال الإبل وغير ذلك مما علق بها.
أما السُّنة العملية الشارحة للفرائض والمُفَصِّلَة لها فهي الوجه العملي لتنفيذ كتاب الله، وهي من وحي السماء، وهي عندنا فريضة وليست سُنَّة، وهي فقط المُبينة بيقين لما أجمله القرءان بوحي من السماء، بما يعني أن الوحي في هذا الشأن تم تبيينه بالوحي.
ولست بدعا من المفكرين والباحثين أو الفقهاء الذين قالوا معي بعدم وجود عذاب القبر ولا نعيمه، وهم جمهرة، بل قال بذلك أجلَّة من علمائنا، منهم فضيلة الشيخ/ محمد متولي الشعراوي، لكن هناك من يمررون للشيخ أشياء ويطمسون أُخرى، فلقد ذكر فضيلته ذلك بمجلة حواء بالعدد 132 بتاريخ 13/2/1982 الصفحة رقم: (31) ، فقال : [إذن فلا يوجد عذاب بالقبر ولكن عرض ورؤية فقط لموقف الإنسان من عذاب أو نعيم]، كما ذكره أيضا بإصدار أخبار اليوم في كتيب باسم (الدار الآخرة)، وقال بأنه لا يوجد زمن بالقبر، وأتفق مع الشيخ في مسألة عدم وجود عذاب أو زمن بالقبر، وأختلف معه فيما انتهى إليه قوله من عرض ورؤية موقف الإنسان بالقبر، فحقيقته إنه ساعة خروج الروح يدرك الكافر حقيقة كفره وصدق رسالة النبوة.
كما ذكره الأستاذ/محمد عبد المنعم مراد بكتابه (عذاب القبر إفك وضلال مبين)، وكتاب (شفاء الصدر بنفي عذاب القبر) للدكتور/ إسماعيل منصور، وكتاب (استحالة عذاب القبر) للأستاذ/إيهاب حسن عبده، وكلها مراجع لكتابنا الماثل، لكن ماذا نقول للمصفقين الذين يحلو لهم الترويج لفكر العذاب قبل الحساب، وإنكار صريح القرءان؟!!.
إن ما ورثناه من تأويلات بعض السادة المفسرين والدُّعاة عن وجود عذاب قبر ليس إلا جهدًا بشريًا أخطأ ولم يُدرك الصواب، وأما الأحاديث النبوية الواردة بشأن وجود عذاب قبر فليس فيها حديث واحد صحيح السند رغم ورودها بكتب الصحاح (وذلك على مقياس علم الجرح والتعديل)، وذلك فضلا عن تصادم متون تلك الروايات مع نصوص آيات القرءان الكريم بما يُبطلها، ولقد تصدى كثير من علماء السُّنة لتلك الأحاديث بالتحليل واستخرجوا عللها ـ سيرد تفصيله ـ لكن الناس والدعاة يبقون دوما بأحضان ما ألفوا عليه، وما ذلك إلا من نتاج عدم القراءة، وتقديس القديم بنظرية (هذا ما ألفينا عليه آباءنا).
ولقد تنوع هجر المسلمون للقرءان، فهناك من هجر اللفظ بعدم القراءة، وهناك من هجر المعنى بعدم تدبره، وهناك من هجر الهدف القرءاني بعدم تنفيذ وصاياه وأوامره، كل ذلك فضلا عن هجر الكافرين له بوصفه كتاب عقيدة، وارتمى الجميع في أودية من كتابات البشر ورواياتهم حتى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، بالبعد عن كتاب الله، لذلك فالكتاب أداة تنبيه ضد الكفر بآياته.
بل لقد تَهَيَّج الشعور تجاه القرءان، حتى جعله الناس كتابا لاهوتيا، وجعلوه كتابا يتذكرونه بالجنائز والقبور، فلم يُحَكِّمُوه في أفكارهم وحياتهم، حتى لا تجد أحدهم إلا ينبري بالاستشهاد بالحديث النبوي في أقواله، بينما تجد آيات القرءان بعيدة عن فكره ومنواله.
وترى الناس إذا ما فكَّروا بالقرءان جعلوا من كُتُب المفسرين وسائط بينهم وبين الله، وفي ذلك تأكيد لموات القرءان في قلوبهم، بل تراهم وقد امتنعوا تقريبا عن التمحور لتدبر القرءان، بينما يتمحورون لقراءة جهد السابقين بلا فكر منهم فيه، وكأن معاني الآيات توقفت عند جهد السابقين وعقولهم، وهو الأمر الذي جعل الدرب العملي لأمة الإسلام الحالية في وادٍ ودستورها ـ القرءان ـ بوادٍٍ آخر.
وترى الناس لا تُدرك عن حياتها في عالم الذَّر شيئا، كما لا يُدركون شيئا عن حياتهم وهم أجِنَّة في بطون أُمهاتهم، لكنهم ترسموا مستقبلهم في قبورهم من خلال مرويات ما أنزل الله بها من سلطان.
ولقد تلونت بعض العقول وانتقت من كتاب الله ما يحلو لها، وتأولته على أنه عذاب قبر، وتركت بالمقابل صريح الآيات التي تؤكد عدم وجوده، فتسببوا في إضلال الأمة، بل في السقوط في هُوَّة التكذيب لكتاب الله، بل دسوا التعوذ من عذاب القبر المبتدع داخل صلوات الناس باسم السُّنة النبوية، والسُّنة بريئة من ذلك التعوذ الدخيل.
وسوف نوالي بالشرح خلال الفصل الثاني من تلك الدراسة كيف ترك مشاهير الدعاة الكثير من الدلائل الواضحة عن عدم وجود مرحلية أو زمن داخل القبور، فارتموا في أودية الوهم، حتى استفحل شرهم وانتشر كالنار في الهشيم بجسد الأمة، وسيثبت للقارئ تناقض كافة أحاديث عذاب القبر مع آيات كتاب الله، وسيتحقق الأمر من مئات الأدلة القرءانية الواضحة، وليس من خلال تأويلاتهم الفاسدة لآيتين أو ثلاث تصوروا بالوهم أنها العذاب المزعوم، وليس للنعيم المزعوم بالقبر أي دليل من القرءان، لذلك اشتهر عذاب القبر ولم يشتهر نعيمه.
السُّنة النبوية القولية وركائز الهداية:
إن الأحاديث النبوية القولية محل خلاف وجدل كبير، وهي كما يقول علماء الحديث ظنية الثبوت وظنية الدلالة، أفستُبنى العقائد والإيمانيات على أُسُسٍ ظنية من الحديث النبوي، أو على أسس تأويلية لمتأولين للآيات ظنية الدلالة بالقرءان؟.
إن فصل الخطاب في الأمر أن الحديث النبوي إن لم يتفق مع ما جاء بكتاب الله فلا يمكن الحكم بصحته حتى وإن خرج البخاري بشخصه من قبره ووقف بجانب الحديث يسانده، فقد نشأ فن تحقير ومصادمة القرءان باسم (حديث صحيح)، وهو ما لا يسمح به أي عاقل غيور على دينه، وأراه إشراكا يصاحب إيمان أولئك المخالفين للقرءان.
وبذلك المصطلح (حديث صحيح)، وببعض العلوم الوضعية، تمت الفُتيا بطلاق الهازل وزواج المازح، ومن السُّنة الصحيحة عندهم إرضاع المرأة للرجل الكبير، وأصبح للقبر عذاب وحساب منسوب للنبي وللأحاديث، وأخذ بذلك العذاب الشيخ الغزالي القديم في كتابه إحياء علوم الدين، وابن تيمية في كتابه العقيدة الواسطية.
وما أرى ذلك إلا تسلطا من الدُّعاة على عقيدة أهل القبلة، وتسلطًا أيضا على القرءان، حيث أصبح حساب الآخرة يخص الله والقرءان، وصارت الدعوة إلى الله بالقتال كما تُريد سُنَنِهم المزيفة، بدلا من الحكمة والموعظة الحسنة، وبدلا من ترك الناس من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، كما أمر الله في كتابه، وجعلوا للرِّدة حدًا يُزهقون به الأنفس بلا سند من علم قويم، والقتل عندهم لترك الصلاة، وللزنا وغيرهم، كل ذلك فعلوه باسم السُّنة النبوية البريئة منهم.
ويمكن للقارئ الذي يستطيع الخروج من شرنقة الجمود الفكري والموروثات أن يجد الحقيقة بتَعَقُّـله لآيات كتاب الله وتَفَهُّمِه وموازنته بين الأقوال، وبذلك يكون ممن نفَّذوا قوله تعالى:
((الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ*)) آية رقم18.)من سورة الزمر.
فأنت دوما مُكلف بأن توازن بعقلك بين ما يُقال وما يتم النَّصب به والافتراء بالكذب أو الضلال، باسم ما يطلقون عليه أنه من الدين، وحق الاختيار والموازنة بين الأقوال أمر واجب على كل مسلم ومسلمة، مهما قلَّت درجة ثقافته.
وإياك أن تستمع لإفك بعض الدُّعاة بأن للعقل حدودًا، وأنه لا يحق لك التفكير إلا إذا درست بالأزهر وحده، فإنه إن كان الأمر كذلك فلست بمُكنَتِكَ أن تعرف أحسن الكلام من أسوأ الكلام، وبالتالي فلن تُنَفِّذ ما أمرك الله بسورة الزمر، أم تراك تتصور أن الذين سينفذون ذلك التكليف هم الأزهريون وبعض أصحاب اللِّحى فقط!؟، أو أن القرءان يتوجه بالخطاب للمتعلمين من العرب، ولا يحق للإنجليز أو الأميين أن يوازنوا بين ما يقال لهم!؟.
إنني أهيب بكل من تعلَّم القراءة والكتابة أن يرقي بنفسه فكريا من خلال تنفيذ الأمر الإلهي (اقرأ)، وليعلم المسلم أن دعوة النبي كانت عبر تلاوته للنص القرءاني بلا تَزَيُّد ، فلم يكن يشرح للمشركين الإسلام والقرءان ، بل كانوا هم يفهمونه بما يَسَّرَهُ الله للناس لفهم النص القرءاني:
((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ*)).سورة القمر الآيات رقم 17،22،32،40) .
وكانوا يؤمنون ، أو يعاندون الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت: ((يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ*)).سورة الأنفال آية رقم:(6) .
فهل نجحد الحق مثلهم؟.
وقرءاننا مُنَزَّل لكل البشرية، سواء أكانوا عربًا أو عجمًا، ولكل الطاقات الفكرية والثقافية، ويسره لكل هؤلاء وغيرهم، لكن الغريب أن أكثر دُعاتنا يُصِرُّون على قصور أدمغتنا حتى عن أدمغة المشركين الأجلاف أيام مهد الدعوة، وقاموا بغرس ذلك في الناس فلا تكاد تجد من يقبل دينا إلا من مُعَمَّمْ، وترى الناس تخاف أن تُفَكِّر، وهم يجعلون مرجعيتهم في تفسير القرءان للطبري والقرطبي وابن كثير وغيرهم من الأقدمين، بعد أن زينها لهم المتخصصون، رغم تيقنهم من تشبع تلك التفاسير بالإسرائيليات، وتجد الناس ترفض أخذ العلم من باحث معاصر يحدوه الإخلاص لدين الإسلام، وهو أحد أهم أسباب فساد أمرهم، وتوقف تقدمهم، ونزوح آخرين منهم إلى ديانات أخرى.
ولينظر القارئ إلى قول الشيخ شلتوت ـ يرحمه الله ـ في حكم الأحاديث النبوية بالنسبة للعقائد، فيرى فضيلته أن العقائد لا تثبت إلا بالدليل العقلي الذي سَلِمَت مقدماته، وانتهت في أحكامها إلى الحس أو الضرورة لأن العقائد مبناها اليقين، واليقين سبيله العقل والنظر الصحيح، أو الدليل النقلي وهو القرءان الكريم المحكم الدلالة، أو السُّنة الصحيحة المتواترة المحكمة في دلالتها، وذلك نادر الوجود في الأحاديث. (المرجع: رسالة الدكتوراة الخاصة بالدكتور/عبد العزيز عزت عبد الحكيم محمود وموضوعها الشيخ شلتوت ومنهجه في التفسير، وأشرف عليها الدكتور/ محمد عبد المنعم القيعي رئيس قسم التفسير بكلية أصول الدين بالقاهرة عام 1989).
ويذكر الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي ـ يرحمه الله ـ وهو الرئيس العام الأسبق للجمعيات الشرعية بمصر، بل هو أول مؤسس لها، وأول إمام لأهل السُّنة بمصر، حيث ذكر بالجزء الأول من كتابه (الدين الخالص) بالصفحة الرابعة ما يلي: [ إن حديث الآحاد لا يكفي لتكوين عقيدة يطمئن المرء إليها ويعلق أمله يوم لقاء الله عليها، لأن رواة الآحاد ليسوا معصومين وليست أخبارهم متواترة المعنى، وهم بشر ليسوا أنبياء وبالتالي فإنه يجوز عليهم النسيان، وحينئذ لا يكون صدقهم معلوما بل مظنونا، فثبت أن خبر الواحد مظنون، ووجب أن لا يجوز التمسك به في العقائد].
إن فكرة عذاب القبر ساندها المُزَوِّرون من الأقدمين بأحاديث نسبوها للنبي الخاتم، وقالوا حديث صحيح، والذين من بعدهم تأثروا بتلك الأحاديث المزيفة لحبهم رسول الله، فتأولوا بغير حق بعض الآيات القرءانية، وتصوروها تدعم ذلك الزيف المزعوم عن عذاب القبر، وبهذا انتشر الزيف في تفسير كتاب الله أيضا.
بل سيجد القارئ تخريج الأحاديث المنسوبة زورًا للنبي، وقد وضعتها بنهاية الكتاب، واشترك في تخريج بعضها جماعة أنصار السُّنة ونَشَرَتْهَا بمجلتها المسماة (التوحيد) بالعدد الصادر في شهر شوال لعام 1430هـ (سبتمبر 2009)، تلك الأحاديث التي تتحدث عن أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وعن ضمَّة القبر، وعن تحدُّث القبر مع الميت، وجميعها معلولة السند فضلا عن المتن، وعموما فالأمر لا يحتاج لتخريج الأحاديث، لأن جميع روايات عذاب القبر مُخالِفة مُخالَفة صريحة لكتاب الله، وهو ما سنبينه بالفصل الثالث من الكتاب، فضلا عن ملحق تخريج الأحاديث بآخر الكتاب.
لكن لا يجب أن يَفْهَم القارئ أن الجماعة تتبنى رأيي في عدم وجود عذاب بالقبر، فأنا أختلف معهم في كثير مما انتهت إليه فتاويهم وأفكارهم الخاصة، وإن كنت أحمل التقدير لبعض مشايخهم وأتباعهم، وهناك تخريج أيضا لأحاديث صحيحي البخاري ومسلم من واقع كُُتُب الرجال التي وضعها أئمة أهل السُّنة، ليتضح أن الأمر كله يقع بين التدليس والإسفاف والوهم، ولعله بعض إسرائيلياتنا التي نحافظ عليها بتراثنا ولا نريد تصويبه.
أذكر ذلك من باب أمانة العرض العلمي، لذلك يكفيك أن تكون صاحب قراءة في كتاب الله، فالدين لا تُحَدِّدَه لحية السلفية، ولا عمامة أزهرية، ولا مسبحة الصوفية، ولا غيرهم من الفرق الإسلامية، إنما حدده الوحي السماوي في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتجد رواياتهم عن رسول الله وقد فاتها ما فاتها، وتناقض أولها مع آخرها، ومع القرءان، ومع هذا فهم لا ينتهون ولا ينتبهون.
وأما ما يُزَوِّرُونَهُ ثم يُتبعونه بقولهم:
((...وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ...*)).سورة الحشر آية رقم:(7) .
فما أراه إلا استغلالا لبساطة الناس وعدم اطلاعهم، مع تأويـل فاسـد لمعنى ما نزل من الحق، وتصـور منحـرف لمهمة النبي.
وأبسط ما يمكن أن نضرب به المثل في هذا الشأن ليفهمه الناس: [ أن للحكومة أن تأمر وتمنع، لكن للطبيب أن يوصي وينهى ]، فكلمة (ما آتاكم)، وكلمة (وما نهاكم) ليست أحكاما، وهي تختلف عن قوله تعالى: (إن الله يأمركم)، وقوله (ولا تقولوا)، وقوله تعالى (حرمت عليكم)، وغير ذلك من الأوامر واجبة التنفيذ، أو المنع الملزم للعباد.
معنى ذلك أن قوله تعالى: ((...وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ...*)) إنما يعني وصاياه – عليه الصلاة والسلام- ، فضلا عن أن أمر تلك الآية يحكي عن توزيع الفيء وعدم الاعتراض علي قسمة رسول الله للصحابة فيه، وهو أمر خارج الإطار الماثل، وراجع (أول ص75) من هذا الكتاب. لكن من أراد عنه المزيد، وعن معنى (وما ينطق عن الهوى)، فليرجع إلى كتابنا ( كيف كان خُلُقُهُ القرءان) فبه المزيد.
القبر وأوهامه ليست من الإيمانيات:
ومن بين ما ابتلينا به أن كل من سمع كلمة من شيخه فهو يترسم الكفر فيمن قال بغيرها، وذلك من انتشار الجهل بدين الله، وكثرة استحواذ أئمة البدع على فكر الناس، وتعطل العقل عن العمل، فالإيمانيات ذَكَرَها الله في كتابه وحددها، وليس من بينها عذاب القبر أو نعيمه، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى:
((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ*)).سورة البقرة آية رقم:(285) .
ويقول تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا*)).سورة النساء آية رقم:(136) .
فتلكم هي الإيمانيات الواردة بكتاب الله بلا تعقيد، وليس من بينها عذاب القبر المزعوم ونعيمه المغبون.
وبالسُّنة النبوية لا ترى أثرا لعذاب القبر فيما يجب الإيمان به، ففي فهرس الترمذي - حديث رقم: (3738) . - قال: قال عمر بن الخطاب: كنا عند رسول الله – عليه الصلاة والسلام - فجاءه رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى أتى النبي – عليه الصلاة والسلام- ، فألزق ركبته بركبته، ثم قال: يا محمد ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، قال فما الإسلام، قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصوم رمضان. قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فإنه يراك......
وهو الأمر الذي حدد الإيمانيات تفصيلا بالقرءان وبالسُّنة، فليس من بينها عذاب القبر، فتلكم هي هداية القرءان والسُّنة في أمر حُكم عذاب القبر والإيمان به أو عدم الإيمان، وذلك حتى لا ينحرف غُرٌّ مفتون بفُتات من بعض القراءات، أو شهادة علمية حصل عليها بليل فينبري بها ويستخرج نعوتا بالكفر يهجو بها المخالفين لرأيه.
خلاصة الفصل:
لذلك يجب على المسلم أن يجعل للقرءان الهيمنة فيما يخص الإيمانيات والعقائد، ويليه السُّنة المتواترة التي ينقلها جماعة مسلمة عن جماعة مسلمة أخرى، فيستحيل على الجميع توافقهم على الكذب، حتى يكون ما يؤمن به لا جدال فيه ولا شك، وأن يستدل بعد ذلك بعقله على ما استخلصه من كتاب وسُنَّة متواترة، فالإيمان يكون بالعقل، والعقيدة يستدل بها العقل القويم من خلال الكتاب والسُّنة المتواترة، فبذلك النهج يثبت إيمان المرء من خلال مرجعية رصينة، فالسقطات تكون من خلال صاحب العقل العاطل، والسُّنة النبوية بكتب الحديث لا يصح استخراج حكم عقائدي منها وحدها، لأنها أحاديث آحاد، وقد سبق ذكر رأي أئمة السُّنة في حكم أحاديث الآحاد (راجع ص17).
فكي تقف على حقيقة أمر عذاب القبر ونعيمه لابد أن تدرس بالتمحيص أعمال الدار الآخرة وأحوالها كلها، وعليك مراجعة معاني آيات كتاب الله ومراميها بدقة، وليس كما يفعل بعض الدعاة فيقتطعون آية واحدة من سياقها، يستدلون بتأويلاتهم المنحرفة عنها لتزكية أفكارهم المريضة بداء تعظيم وتقديم الرواية على حساب الآية.
الفصل الثاني : من الوفاة حتى حساب الآخرة:
أولا:الوفاة وخروج الروح (الموت والوفاة):
يرى الكثيرون أن الإنسان يتكون من روح وجسد، ويرون أن الإنسان حين يموت تخرج روحه، فيقولون صعدت روحه إلى بارئها، وهم بذلك المفهوم يُخرجون النَّفس من حساباتهم، ومن غير المقبول أن نتصور أن النَّفس هي الرُّوح، وذلك لورود الكلمتين بالقرءان (النفس و الروح)، وكُلٍّ لها معناها المُتَفَرِّد، وإذا كان هناك فكر يرى بأن قول المولى عَزَّ وجل :
((فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ*)).سورة ص آية رقم:(72) .
يعنى أن الله نفخ في سيدنا آدم من روحه سبحانه وتعالى، فإنه إفك كبير، وذلك أن المتتبع لكلمة روح هنا وبالآيات السابقة يرى بما لا يدع مجالا للشك، أنها تعني العلم والعقل والمنطق والأداء اللاإرادي لأجزاء الجسم، لكن لا تعني أبدًا أن بالإنسان روح الله سبحانه ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ فالله أزلي لا يموت، وهو الأول فليس قبله شيء ولا واحد، وليس مكونا من أجزاء (جسد ونفس وروح)، بل هو الحي الواحد الأحد جل جلاله.
لذلك لابد أن أصحب القارئ إلى قراءة بتدبر لبعض مما ورد عن النفس بالقرءان، وذلك فيما يلي:ـ
1ـ يقول تعالى:
((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ*)).سورة آل عمران آية رقم:(145) .
يعني أن النفس هي التي تموت .
2ـ ويقول تعالى:
((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ*)).سورة آل عمران آية رقم:(185) .
فجماع البندين رقم: [1و2]. يعني أن النَّفس هي التي تموت.
3ـ ويقول سبحانه:
((وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ*)).سورة ق آية رقم:(21) .
4ـ ويقول تعالى:
((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*)).سورة الفجر آية رقم:(27-2Cool .
فجماع البندين:[ 3و4] يعني أن النفس هي التي يبشرها الله بالطمأنينة وهي التي تذهب إليه سبحانه وتعالى.
5ـ ويقول تعالى:
((وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ*)).سورة يوسف آية رقم:(53) .
فذلك يعني أن النفس هي التي تعصى، وأن من المحامد لوم الإنسان نفسه ومحاسبتها قبل لقاء الله.
6ـ ويقول جل وعلا:
((وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ*)).سورة القيامة آية رقم:(2) .
فالنفس هي التي تُعيد النَّظَر في سلوكياتها.
7ـ ويقول سبحانه:
((وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ*)).سورة التكوير آية رقم:(7) .
أي عادت النفوس للأجساد البالية عند البعث، بعد إعادة تشكيل هياكلها الجسدية ثم إحيائها بالنَّفس.
وهكذا نرى من الآيات السابقات أن النَّفس هي التي تموت، وهي التي تُبعث، وهي التي تُزوج بأجسادها يوم القيامة، وهي التي يناديها الله، وهي التي ترجع إلى الله...وهكذا.
والله خَلَقَنا من نفس واحدة، فقال:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا*)).سورة النساء آية رقم:(1) .
والله ألهم كل نفس طريق الفجور وطريق التقوى، فقال سبحانه:
((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*)).سورة الشمس آية رقم:(7-Cool .
والنَّفْس هي التي تجعلك تتحرك الحركات الإرادية، وبغيرها تكون بلا تَعَقُّل، وإذا مات ابن آدم انسلخت منه نفسه وليست روحه، وذلك من قوله تعالى:
((اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ*)).سورة الزمر آية رقم:(42) .
ولكي يرى كل منا عمله، وتتم محاسبته، وليدرك موقفه، فإنه حين تقوم القيامة، يعيد الله له نفسه إلى جسده، حتى تعمل أجهزة الجسم وأعضاؤه، ويَحُس الإنسان ويُدْرِك، وفي ذلك يقول الله تعالى:
((وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ*)). سورة التكوير آية رقم:(7) .
أي يتم تزويج النفوس بأجسادها مرة أخرى عند البعث.
من إجمالي البيان السابق نرى أن نفسك التي بين جنبيك تحتاج منك العناية، كي تنقذها وجسدك من عذاب أليم يوم القيامة، وتستودعها نعيمًا عظيمًا وأبديًا، ولا شأن للروح بالأمر، لذلك يقول تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*)).سورة المائدة آية رقم:(105) .
أما الروح فهي الفطرة الأصلية التي فطر الله الناس عليها (خوف، فرح، معرفة فطرية للأشياء وأوصافها الأساسية)، وهي حركة الجسد غير الإرادية كالتنفس وحركة القلب، فأنت تنام ونفسك عند الله، بينما جميع أجهزتك وأعضائك الحيوية تعمل، فتلكم هي فطرة الله في جسدك، وتلك الفطرة العلمية والعملية الأساسية تُسمى الروح. والروح هي التي سببت سجود الملائكة لآدم –عليه الصلاة والسلام-، وهي من أمر الله، أي من عالم الأمر(كن فيكون)، ولا نكاد نفقه من كنهها إلا قليلا، لكن الانتباه، والاختيار، والوفاة، كل ذلك من خصائص النَّفْس.
والروح بالنسبة للإنسان كالطاقة الكهربائية بالنسبة للأجهزة الكهربائية، فهي تسري فيك لتكون جاهزا، لكنها لا تُحكم إلا من خلال مفتاح وهو النَّفس التي تجعل للإرادة كيانًا في تصرفات العبد، فيمكن للعبد أن يقطع تيار الحياة بإرادته (بنفسه) بالانتحار، يعني ذلك أن النفس لها سيطرة على الروح والجسد، وجعل الله قانون ذلك في كتاب، فيمكنك صيانة نفسك وجسدك وروحك، ويمكنك أيضا تبديد الجميع، وتلكم هي حرية الاختيار التي منحها الله لك.
بينما الروح التي يعتقد بها الناس، والتي يقول عنها ربنا سبحانه وتعالى:
1ـ ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً*)).سورة الإسراء آية رقم:(85) .
فهي كما ذكرنا القوى المحركة لا إراديا للجسد، أما قوله سبحانه: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) فهي تعني علمنا كُلَّه، سواء أكان عن الروح أو عن غيرها، فعلمنا جميعا في عمومه قليل، وليس الأمر أن الله يطرح غموضا عن الروح بذاتها.
ولكلمة الروح معان أخرى، حيث يقول المولى عز وجل:
2ـ ((نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ *)).سورة الشعراء آية رقم:(193-195) .
فالروح هنا جبريل.
3 ـ ويقول تعالى: ((يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا *)).سورة النبأ آية رقم:(3Cool .
فيعني ذلك أن الرُّوح ستكون أحد الشهود على العبد يوم القيامة.
4ـ ويقول جل وعلا: (( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *)).سورة المجادلة آية رقم:(22)
أي أن التأييد بالروح يكون للعباد المؤمنين دون الآخرين.
ولقد قمنا بالاحتفاء باليوم الأربعين لوفاة موتانا، ظنا منا أن الأرواح تنزل إلى أفنية قبورها في ذلك اليوم، وتزيَّدَ آخرون، فتصوروا الأرواح تنزل كل يوم خميس وليلة الجمعة، وبالأعياد، على أفنية قبورها، لذلك فهم يشُدُّون الرِّحال لزيارة القبور في تلك الأزمان والأوقات، وما ذلك إلا لتغليبهم لدور الروح على دور النفس في الكيان البشري، وهو عكس الحقيقة الواردة بكتاب الله عن النفس والروح.
مرحلة خروج النفس من الجسد:
بعد أن علمنا بأن النفس هي التي تخرج من الجسد وينتج عن ذلك الموت للجسد، والوفاة للنفس، لكن يبقى سؤال: هل تخرج نفس الكافر وتغادر الدنيا كما تخرج نفس المؤمن؟، لا شك أن من عاش لدنياه بلا دين غير كمن عاش بدينه لحسن دنياه، فمن كان يعيش بالدين وللدين ويذكر الله كثيرا فإنه يكون من المبشرين المطمئنين، فتخرج نفسه وتغادر الرداء الطيني (الجسد) بسهولة وطمأنينة، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي*)). سورة الفجر آية رقم:(27-30) .
فتخرج روحه سهلة وفي ذلك يقول تعالى:
أما الكافر الذي لم يؤمن بالله وكتبه ورسله، فإنه يفزع ويصيح حين تحضره الوفاة، حيث يقول تعالى:
((حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ*لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*)). سورة المؤمنون آية رقم:(99-100).
وذلك لأنه لم يكن يطمئن إلا للدنيا وعناصرها، وتكون ساعة الاحتضار هي أول مراتب تذكره ما كان يقال له، ويشعر حينها بمذاق الموت، كما فعل فرعون، لكن هيهات له أن يعود، فالفرصة تكون لمرة واحدة، فذاك قوله تعالى: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا).
وفي شأن وفاة المؤمن والكافر وإخراج الملائكة للنفس من الجسد يقول تعالى:
((وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا *)) .سورة النازعات آية رقم:(1-2) .
ثم يُبعثون وهم يعلمون إن كانت نُشطت نفوسهم أو نُزعت منهم، فالكافر يقول:
((قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ *)).سورة يس آية رقم:(52) .
والكافر يعرف أيضا بسوء مصيره حين يموت من الملائكة، لكنه لا يُعذب ولا يعرف تفاصيل مقعده من النار كما يزعم بذلك من زعم، وذلك من قوله تعالى:
((... وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ *)) .سورة الأنعام آية رقم:(93) . : 93؛
فلذلك فهو ينادي يوم البعث ويقول: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، لأنه علم يقينا بأن القيامة العامة هي يوم الجزاء.
ثانيا: تشييع الجنازة:
لماذا قام رسول الله للجنازة؟، وهل تُكَلِّم الجنازة المُشيعين وتقول لهم (يا ويلها أين تذهبون بها)، وقولهم عن الجنازة التي تكون لأحد الصالحين فإنها تقول ـ وفق زعمهم ـ (أسرعوا بي، أسرعوا بي، والله لو علمتم ما أمامي لأسرعتم)، وجعلوا كل ذلك أحاديث ينسبونها لسيدنا النبي محمد – عليه الصلاة والسلام -.
وأسهبوا في غُسل وتكفين الميت واعتبروهما من السُّنة، وأعجب كل العجب، لكون الدَّفن والكَفَن فيه سُنَّة، وفيه فرض، وفيه واجب، وأرى كل ذلك من تعقيدات الفقهاء، ورفاهية فكرية في غير ما سبب، لكني لا أعني إلغاء التكفين والغُسل، لكن كنت أود أن يكون ذكر الأمر باقتصاد ملائم للموضوع.
وقالوا بضرورة أن تكون جُثث النساء في جانب، وجثث الرجال في الجانب الآخر، أَفَتُرى ذلك لأن الجنس موجود بالقبر في منطقهم، أم أنه نوع من الحجاب بعد الموت؟، ولست بصدد دعوة لدمج الجثث، لكني أعني أن ذلك قد يكون ثقافة تفضيل وليس علم تأصيل، ولا حرمة فيه ولا تحليل، وقد لا يكون علم بالأصل.
فطُرُق غُسل الميت وتنوع الأكفان، وإفراد أبواب بالفقه للجنائز، مع الإسهاب المُسِف في ذلك، لا يقدم في مصيره ولا يؤخر مهما فعل الورثة، فلا أرى للتعاليم الفقهية أية قيمة في ذلك الشأن، إلا في أضيق الحدود، فالناس يموتون منذ آلاف السنين قبل رسالة سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام - ، ويتم تغسيلهم وتكفينهم دون شروط واجبة ولا مستحبة، ولا تكلُّف في ذلك الأمر إلا عند الذين تصوروا ذلك علمًا وتقوى، بينما هم في رفاهية القشور الثقافية.
وقيام رسول الله – عليه الصلاة والسلام - للجنازة إنما هو قيام إجلال لقدر الله بالموت، حين معاينة رحلة النَّفس إلى مستقرها، ورحلة الجسد إلى مستقره يراه يقينا، ويراه مُنَفَّذًا، لذلك فهو يقوم وكله خشوع مناسب للمقام، لذلك فقد قام – عليه الصلاة والسلام - لجنازة يهودي...كما يروي ذلك من رواه.
لكن الجنازة لا تُكَلِّم أحدًا، وليست منوطة بالكلام أصلا، وإذا كانت تتكلم فلا يسمعها أحد، فليس ذلك إلا زراعة الوهم الذي لا فائدة منه، وهو الذي أنشأه فقهاء تزوير الأحاديث، حتى نكون جميعا مرضى بالوهم والعته، وقمنا نحن بتوريث الأجيال ذلك البََلََه على أنه أحاديث نبوية، حتى لا ينفك الناس عنه.
ثالثا: القبـر وعـذابه المزعوم:
سبق لي الكتابة عن ذلك الأمر في كتابنا: (كنوز ورحمات من القرءان)، تحت عنوان المسلم والأوهام، فيمكن الرجوع إليه، لكني سأثير الجدل العقلي والفقهي حوله في الطرح الماثل:
لقد اكتسب الكثير من الدُّعاة شُهرة بلا حق، إلا من جهل كثير من الناس، وذلك بعد أن سحقوا أهداف القرءان وآياته بتأويلاتهم عن وجود عذاب بالقبر، وجمعوا أموالا طائلة من مؤلفات لهم عن ذلك العذاب المسرحي المزعوم، وكثرت مؤلفاتهم باتجاه وجود عذاب للقبر، وانعدمت تقريبا مؤلفاتهم عن نعيم القبر، وساعد على نشر تلك الفكرة النَّكِدَة جهل المسلمين بدينهم وفقدانهم تدبر القرءان، وانعدام التفكر في دين الله، واعتماد الناس على بعض من فئة المحتكرين المسماة بالمتخصصين، مع وجود زيف بالتراث أفقد الناس اتزانهم الفكري، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم الطعن على دين كل من ينبس ببنت شفة يقول بعدم وجود عذاب قبر، وأقام سدنة العذاب على الإنترنت الأعاجيب، فقاموا بتصوير أرض يتصاعد منها دخان، فقالوا إنه عذاب القبر، ورصدوا له الموسيقى التصويرية والتعوذ الذي يصاحبه صدى صوت لزوم الرعب والإجلال.
ومن منبري هذا، أدعو لعدة مناظرات تليفزيونية علنية عامة على الهواء مباشرة لمواجهة أساطين عذاب القبر من المتخصصين، وذلك من خلال مرجعية القرءان والسُّنة، لأُخَلِّص المسلمين من تلك الخُرافة المستنبطة بعقول خرجت عن سوية القرءان إلى بحبوحة روايات دسَّها الشيطان، وأدعو الإعلاميين بالمعاونة في الطرح الإعلامي لتلك المناظرات التي أرجو أن تُخصص لها عدَّة حلقات لتبيان حقيقة التدين والاعتقاد في ذلك الأمر، وذلك عين مهمة الإعلام لتنوير الناس حتى يفيقوا من مُخدِّر الإفك الممنهج.
ولست أدري كيف استساغوا وجود عذاب قبل الحساب؟، وما فائدة وزن الأعمال يوم القيامة؟، والله يقول:
((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ *)) .سورة الأنبياء آية رقم:(47) .
بما يعني أن العدل يكون حينها.
ولماذا ستجادل كل نفس عن نفسها يوم القيامة
((يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *)) . سورة النحل آية رقم:(111) .
أيكون بعد العذاب جدال، وهل يكون البعث فاصلاً بين عذابين؟، أهي كما يقول مذيع التلفاز (فاصل ونواصل)!!.
وما فائدة الشهود على العبد طالما تم تنفيذ العذاب مسبقا؟، ولماذا هان أمر عذاب القبر على الله فلم يُصَرِّح به فيما صرَّح؟، وهل تركه لجماعة الفقهاء فقط ليستنبطوه؟، ولماذا سُمِّيَ يوم القيامة بيوم الحساب طالما هناك عذاب قبل الحساب؟.
وماذا بشأن الصدقة الجارية؟، ألن تزيد في حسنات صاحبها بعد موته ويجري أجرها له؟، وماذا بشأن البدع وأصحابها؟، وفتنة الناس لتشخيص الله، ألن يزيد كثرة العمل بها أصحابها بعد موتهم آثاما فوق الآثام؟، فهل سيتعذبون دون أن يُستكمل حصر أعمالهم؟.
ولماذا يستثقل أصحابها أمر البعث ويقولون إنهم كانوا في حالة رُقاد؟. ((قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ *)). سورة يس آية رقم 52) .
إن فترة الرقاد تعني فترة غياب عن الوعي والإدراك، فهم حين يقولون بأنهم قاموا من مرقدهم فقد قاموا من سُبات لا إدراك فيه.
وآخرون يُقسمون بأن فترة القبر مرَّت عليهم، وكأنها ساعة واحدة( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ *)) . سورة الروم آية رقم:(55) .
أَمرَّت عليهم سنوات عذاب القبر ودهوره وكأنها ساعة واحدة؟، أم أنهم كانوا بحالة رُقاد وسُبات لا يدركون؟.
وحين تسأل الملائكة بني الإنس عـن مـُدَّة مكوثهم في الأرض فإنهم يُقَدِّرونها بيوم أو بعض يوم، وما ذلك إلا لتوقف مرور الزمن بعد الموت، وسرعته قبلها، وفي ذلك يقول تعالى:
((قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ* قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ*قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ***)). سورة المؤمنون آية رقم:(112-114).
فهل تمر سنوات العذاب سريعة على المعذبين ولا يستثقلونها؟.
وكل ذلك الزيف الذي حشوا به أدمغتنا يدحضه الله الذي لا يعاقب الناس إلا يوم القيامة، بل يؤخرهم عمدًا لذلك اليوم، وفي ذلك يقول ربنا:
((وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ*)) . سورة إبراهيم آية رقم:(42) .
فكلهم تم تأخيرهم ليوم واحد بعينه، هو يوم القيامة، وليس يوما قبله.
ولماذا يتمنى الكافر أن يكون تُرابا؟، ءَإذا ما كان يُعَذَّب في قبره أفيتمنى أن يعود مرة أخرى إلى التراب؟، أم أن أصحاب فكرة عذاب القبر سيقولون مرَّة انه عذاب بتراب القبر؟، ومرَّة أخرى يقولون بأنه عذاب بالبرزخ، ومرَّة يقولون بأنه عذاب يقع على الجسد، وآخرون منهم يقولون بأنه يقع على النَّفْس والجسد معا، وصنف ثالث يقول بأن العذاب يقع على النَّفْس فقط، ومع ذلك يتمنى الكافر أن يعود إلى التراب، بل ويكون تُرابًا:
((إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا*)). سورة النبأ آية رقم:(40) .
فيا تُرى هل بعد أن يعلم الكافر حقيقة سوء عمله يتمنى أن يعود إلى عذاب التراب، أم إلى سُبات التُراب، بل هو يريد أن ينقلب ليكون تُرابا!!، وما ذلك إلا لأنه لم يُعاين بالتراب أي عذاب.
ولماذا يتعجب من تَسَلَّمَ كتابه بيمينه من أنه نجا من عذاب الله؟، ألم يكن ينعم في قبره كما يزعمون؟، ولماذا يولول من تَسَلَّمَ كتابه بشماله ويقول بأنه لم يَدْرِ حسابه إلا يوم القيامة؟، هل عجزنا عن إدراك التناقض بين النص وبين ما نعتقد؟، ..(سيأتي تفصيل ذلك لاحقا).
ولماذا يُبَدِّل الله جلود الناس في جهنم ليذوقوا العذاب بينما لا يُبدلها في القبر؟، هـل عذاب القبر يكون بغير طريق الجلد، أما عذاب جهنم فيكون عن طريق الجلد!!، كل ذلك ستتم الإجابة عليه بالدليل من الكتاب والسُّنة الصحيحة، والعقل القويم، لأنه لا إحساس ولا عذاب ولا حساب بالقبور، اللهم إلا مجرد أوهام مزيفة على دين الله، ولا علم لمن يقولون بذلك إلا علم ترديد مغلوط التراث الذي حسبوه دينا، وما هو من الدين في شيء ولا بصيص له من علم.
رابعا:المـوتى والسمع:
ومن بين ما ابتلينا به على أيدي أدعياء السُّنة ومجانين الزيف على النبي، موضوع تصور سماع الموتى للسلام عليهم، وهناك من طوروا الموضوع، فجعلوه مناجاة للموتى، بينما يقول القرءان غير هذا، لذلك سأسرد الآيات لقوم يعقلون فقط، وذلك فيما يلي:
قوله تعالى:
((وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ*)) . سورة فاطر آية رقم:(22) .
والسمع وعدم السمع غير الصمم، فعدم السمع يعني تعطل إدراك الأصوات رغم سلامة أجهزة السمع ووجودها.
وقوله جل شأنه:
((إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ*)) . النمل آية رقم:(80) .
لكن أئمة عذاب القبر يُحددون معنى تلك الآيات أنها عن الكافرين فقط، وهو الأمر المردود عليه بأن التشبيه في البلاغة أن يُضرب المثل بشيء صادق وواضح، لموضع يشبهه ولكن أقل منه وضوحا، فالمُشبه به يكون أقوى من المشبه، فإذا ضرب الله مثلا عن الكافرين بأنهم لا يسمعون كلام الرسول، فإن المثل لابد أن يكون صادقا، والمعنى أن الكفار مثل الموتى فالصنفان لا يسمعان، ويعني ذلك أن سمع الموتى أكثر استحالة.
فهل بعد ذلك نجد من يتوهمون أن الموتى يسمعون قرع النعال والسلام، وينسبون ذلك للنبي، إني أراهم يُكَذِّبون بآيات كتاب الله لذمة الضلال والإفك، فمن العجب أن يعمل السمع دون باقي أعضاء الميت.
بل لقد جعلوا من أهل الإسلام بعضا من المجاذيب الذين يناجون من بالقبور، فلماذا لا تسألون أنفسكم عن إدراك الميتين أهو موجود في السمع فقط؟، أم هو بالبصر أيضا!، وهل هو إدراك للسلام دون باقي الكلام؟، وما فائدته لهم؟، إني أرى ذلك النهج من بقايا الوثنية التي كانت تُلبس الموتى أحلى الحلل، وتضع بجوارهم الحُلِيّ والطعام انتظارا لقيامهم من موتهم مرة أخرى بذات المكان، فما هو إلا محاولة تعظيم لدور وقيمة الجسد حتى بعد الوفاة.
إن الله يجعل برزخا (حائلاً) بين الأحياء والأموات، فلا يسمع هذا عن ذاك، ولا يشعر الأموات بالأحياء، وهو ما سنُبينه بتلك الدّراسة تحت عنوان (الموتى ـ الزمن ـ الشعور) صفحة59 من الكتاب، والله تعالى يقول:
((لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*)) . المؤمنون آية رقم:(100) .
فالذين يُسلِّمون على الموتى بزعم أن الأموات يردون السلام أو يعرفون الزائرين لهم، فهؤلاء في وهم، ولماذا لا يعمل بصر الموتى أيضا؟، بل يمثل ذلك الاعتقاد نوعا من الوثنية في بعض الأحوال.
خامسا: ينقطع الجزاء بالموت إلا من ثلاث:
وإننا نقرأ قول المولى عز وجل:
((مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ*)) . سورة فاطر آية رقم:(10) .
فذلك يعني أن الكلام الطيب يرتفع إلى الله فورا، لكن العمل الصالح يُرفع تدريجيا وبصفة مستمرة كلما أفاد الناس.
فمن أقام مسجدا، ومن أقام ملجأ للأيتام، ومن تبرع لفقير بصدقة، ومن ربَّى أولاده فأحسن تربيتهم، ومن ترك علما يُنتفع به، كل أولئك وغيرهم ممن تمنهجوا بالعمل الصالح، تصعد حسنات أعمالهم حين يقومون بها، وكلما استفاد الناس والمجتمع منها، وهو عمل يجري ثوابه حتى بعد موت صاحبه، فإن كان الميت قد قصَّر به عمله فإنه يجد ثواب صدقته الجارية يُدركه، أو علمه الذي ينتفع الناس به، يخرجه من دائرة المقصرين إلى دائرة الذين أنعم الله عليهم وهكذا، لذلك فالعمل الصالح يرتفع أثره رويدا رويدا كلما أفاد الناس.
وفي شأن توالي الحسنات، واستمرار مضاعفة الثواب، يقول الله تعالى:
((إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ*)) . سورة الحديد آية رقم:(1Cool .
ورسول الله – عليه الصلاة والسلام - يقول فيما رواه مسلم بكتاب الوصية حديث رقم: (1631):[ إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له]، بما يعني أن الأجر يحتسب لصاحب العمل الصالح بعد موته، فكيف يُعذب بقبره ولازالت أعماله تُثْمِر، ولها فوائد للناس، وعلى أي أساس وبأي مقدار سيتنعم؟، وماذا سنفعل في حسنات صدقته الجارية أو علمه الذي ينتفع به الناس أو ولده الصالح الذي رباه فأحسن تربيته فهو يدعو له؟!.
وأصحاب البدع الذين فتنوا الناس، ومن سَنُّوا سُنَنًا سيئة عمل الناس بها، فأضرَّت العباد والبلاد، أولئك تُضاعف لهم الذُّنُوب كلما عمل الناس ببدعهم، فكيف سيتم عقابهم وما زالت شرورهم مستفحلة في الدنيا رغم موتهم؟، والله ـ تعالى ـ يقول:
((لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ*)) .سورة النحل آية رقم:(25) .
فانظر ـ رحمك الله ـ لتعبير (أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً)، إنه يعني أن الذنوب لا تكتمل إلا يوم القيامة، فهل سيتعذبون بالقبر على أشياء دون أخرى؟، وماذا يظن سدنة عذاب القبر قبل اكتمال الحساب؟، ألا يزالون مصرين على وجود العذاب المزعوم بالقبر؟.
ونعيم القبر المزعوم يجب أن يكون بقدر، فهل يكون نعيم القبر بلا حساب؟، هل يتساوى الجميع في النعيم؟، وسأضرب المثل برسول الله – عليه الصلاة والسلام - ، فإننا إن أحصينا عدد المسلمين الذين توفي عنهم رسول الله، لكان ذلك العدد هو حظّه من الثواب الذي ستتم مكافأته عليه، لكن علينا إحصاء عدد المسلمين حتى قيام الساعة لأنهم ثمرة جهده وكفاحه، فلا شك أن جزاءه سيكون أعظم، وذلكم صعود العمل الصالح رويدا رويدا.
سادسا: سـؤال الملـكين:
وسؤال الملكين الذي تأوَّل به المُفَسِّرُون قوله تعالى:
((يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء *)) . سورة إبراهيم آية رقم:(27) .
فتصوروا أنه سؤال الملكين بالقبر، فقاموا بإنشاء ازدواج في السؤال، سؤال بالقبر، وسؤال يوم القيامة، ولست أدري ما فائدة سؤال ينتهي إلى عذاب مُحَتَّم أو إلى نعيم مُحَتَّم بالقبر، وفق تصوُّر أصحاب الأوهام والعذاب؟.
إن سيدنا حزقيال لم يُسأل في قبره وقد مات مائة سنة ثم بعثه الله ليكون للناس آية، فهل هو آية منقوصة؟، إن عدم سؤاله في قبره يضع الروايات الخاصة بوجود زمن وسؤال وجواب في القبر بمأزق شديد،(راجع تخريج ذلك الحديث بنهايات الكتاب ص[135و136].
وهل تصور أصحاب مفهوم السؤال بالقبر أن إجابة الميت الذي فقد الحياة ستُغَيِّر من عمله الأسود أو الأبيض شيئا!!، هل يُمكن للفاسق أن يجيب إجابة صحيحة؟، وهل إذا أجاب إجابة صحيحة فسيتغير مصيره؟، وإذا لم يتغير مصيره فماذا يفيد السؤال؟، وهل تلك الروايات المبتدعة هي التي تُحَفِّز الناس للإيمان بالله!؟.
أعتقد أن مسرحية الأسئلة الثلاثة (من ربك ؟ ما دينك ؟ من الرجل المبعوث فيكم؟) كانت تنطلي على أبناء الأمس لكنها لا تفي بقناعة عقول أهل اليوم، وأن الأحاديث المنسوجة بشريا ومنسوبة زورًا للنبي في هذا الأمر ليست إلا تزويرًا سيحاسب أصحابه بجريمة الكذب على الله ورسوله – عليه الصلاة والسلام - ، ولابد أن الأمر عُرض على البخاري ومسلم فلم يجيزاه.
وعبارة حساب الملكين المشهورة على ألسنة الناس لا وجود لها في أرض الواقع، وما إشاعة الملكين وحسابهم ـ وفق قصصهم ـ إلا مجرد سؤال تقريري ليقرر كل ميت، [ ربَّهُ ـ ودينه ـ ونبيه]، فأين الحساب في هذا، لكن دُعاة عذاب القبر تمكنوا من إنشاء دين موازٍ لدين الله ينبثق من فقههم عن الدار الآخرة، وولعهم المسمى بعذاب القبر، وأصبح منهاجهم هو (التدين الشعبي)، فاستفحلت حكاية حساب الملكين التي لا سند لها من الواقع أو الشرع، وهو ما سيتم تبيانه.
وتبعا لخرافة السؤال بالقبر، فقد كان من الطبيعي أن ينشأ فقه التلقين للميت، وأبدع في التلقين أُناس كُلٌّ يستعرض بضاعته المنبثقة من تقوى مزيفة لا تستند إلى علم صحيح ولا فكر قويم، وآخرون يستجلبون بالتلقين أموال المكلومين من أقارب الموتى، وما التلقين إلا محض خيال من أشخاص أراهم من المرضى نفسيا، وهم في أشد الحاجة لعلاج نفسي عاجل، ولقد فتنوا الناس، وأضلوا الأمة، وهم يقومون بإسماع الميت أمورًا مضحكة، ويزعمون بأنه يسمع ويعي.
ولم يكتف أولئك المضرورون عصبيا وفكريا بذلك، بل تراهم يحملون الناس على الجلوس عند القبر بعد تمام الدفن، بزعم أن الميت يأتنس بهم ، أو قل حتى تأتنس بهم الجثة، ويقولون إن سبب ذلك الائتناس تخفيف هول سؤال الملكين للميت، ويزعمون تلك الحالة المرضية أنها حديث قولي لرسول الله – عليه الصلاة والسلام - ، بل حددوا وقتًا للمكث، وهو قدر ما تُذبح الجزور (الجمل الصغير) ويوزع لحمها.
ثم حين ينصرفون يزعمون بسماع الميت لقرع نعالهم، أرأيت الإخراج المسرحي النابع من أمراض نفسية وبدع أُلصقت بالدين وما هي منه في شيء!؟.
وبالمناسبة أذكر حديثا ينسبونه للنبي حين كانت وفاة إبراهيم نجل الرسول، حيث مات طفلا رضيعا فأورد ابن حجر بكتاب الجنائز بالحديث رقم: ( 1316 ) قوله: لما توفي إبراهيم زاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة بسنده، عن رسول الله – عليه الصلاة والسلام - وله أيضا من طريق معاذ، عن شعبة بسنده عن النبي – عليه الصلاة والسلام - حين توفي ابنه إبراهيم قوله: [إن له مُرضعًا في الجنة]، فهل يتصور أحد العقلاء أن الطفل الذي مات ولم يستكمل الرضاعة سيُعَيِّن الله له مرضعة بالجنة لاستكمال نموه؟، فما بال من مات وهو مشلول هل سيُعَيِّن الله له طبيبا بالجنة يداويه؟، وهل لذلك نجد من تصيح على ميت لها تقول: [ يا للي مُتْ ونِفْسَكْ في القرع يا حبيبي] عسى أن يعطيه الله قرعًا في الجنة.
ومسألة الاعتماد على الحديث النبوي في الإيمانيات، عارضها كثير من العلماء نظرا لظنية ثبوت الحديث النبوي مهما كانت درجة صحته (سبق بيانه بالفصل الأول)، ومع ذلك فقد استغل أصحاب الدسائس حُبنا لرسول الله، فجعلونا نستقي ديننا من الأحاديث وتوارى الاعتماد على تدبر القرءان رغم تيسير الله قراءته، وفرضية تدبره.
إن تثبيت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا يكون حال حياتهم، ويكون التثبيت بالقرءان، وليس بكتاب آخر سواه، وبالإيمان بلا إله إلا الله في الحياة الدنيا، وعناصر الإيمانيات بالحياة وردت بالكتاب والسُّنة على سبيل الحصر فلا يمكن إضافة ترهات إليها، ولا وجود لأسئلة الوهم المكذوبة التي ترويها أساطير الأولين، فالذين تصوروا التثبيت سؤالا موهوما بالقبر عليهم إعادة مراجعة كتاب الله دون أن يتأثروا بمروياتهم التي يظنونها أحاديث نبوية، فليس بالقبر سؤال ولا جواب، فضلا أن القبر من منازل الآخرة وليس من الحياة.(ورد تفنيد ذلك بالفصل الثاني ص 43 وسيرد بالفصل الثالث تحت عنوان تفنيد حُجج أنصار فكرة العذاب بالقبر ببند حججهم من القرءان تحت رقم: (5) صـ(82) وما بعدها).
سابعا: البعث وتسليم الكُتُب....
وسنتناول الأمر على وجهين:ـ
الوجه الأول: البعث:
من بين ما كشفه القرءان من زيف عذاب القبر المزعوم، ما يؤكد عدم مرحلية القبر، وفي ذلك يقول ـ تعالى ـ عن البعث:
1 ـ ((قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ*)) . سورة السجدة آية رقم:(11) .
2 ـ ويقول تعالى:
((وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ*وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ*)).سورة [ ق ] آية رقم:(19-20).
أي من الموت إلى البعث فورا بلا مرحلية.
3 ـ وقوله تعالى:
((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*)) . سورة النحل آية رقم:(32) .
فها هي الآية الثالثة تُـقرر أنه من الوفاة إلى دار السلام مباشرة، فمن يمت تقم عليه وعلى كل الخلائق القيامة العامة فورًا دون إبطاء، ودون فترة يمكث فيها بالقبر، وهو ما سيرد تفصيله تحت عنوان [الموتى. الزمن. الشعور]، فيمكن الرجوع إليه (راجع ص 59 ).
ومن دلائل عدم وجود عذاب بالقبر أنه حين البعث يحلف الكفار ويقسمون لله للدفاع عن موقفهم، أيتم ذلك القَسَم لأُناس تعذبوا أم لمن لم يعاينوا أي عذاب؟، وفي ذلك يقول سبحانه:
((يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ*)) . سورة المجادلة آية رقم:(1Cool .
ومن أدلة عدم وجود عذاب بالقبر، ما قصَّهُ الله علينا من نبأ الكافرين، حيث كانوا يُكذِّبون بالبعث وبوجود حياة أخرى بعد الموت، فلو كان النبي حدَّثَهُم عن وجود عذاب بالقبور لأنكروه أيضا، حيث يقول تعالى:
((إِنَّ هَؤُلَاء لَيَقُولُونَ*إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ*)) . سورة الدخان آية رقم:(34-35) .
وماذا يظن أصحاب فكرة عذاب القبر في البعث؟، هل هو فترة راحة بين عذاب القبر وعذاب الآخرة؟، وهل من مات منذ عشرة آلاف سنة سابقة على القيامة، أسوأ حظا ممن مات قبل القيامة بيوم أو حتى يومها؟، أيكون في ذلك أي نوع من العدالة؟، بل لقد اكتشف في عام 2009 هيكل عظمي لإنسان كان يمشي على الأرض قبل أربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة وأسماه العلماء آردي، وكانوا قد اكتشفوا قبلها في عام 1974 هيكلا عظميا أسموه لوسي، عمره ثلاثة ملايين ونصف مليون عام، فهل كان آردي ولوسي يتعذبان منذ ملايين السنين؟، أطرق هذا المثال الحقيقي للهياكل البشرية حتى يفيق المسلمون من النظريات الفكرية السطحية التي برعوا فيها.
الوجه الثاني: تسليم الكُتُب لأصحابها:
ومن بين الضربات القاصمة التي يوجهها القرءان لأصحاب فكرة عذاب القبر مسألة تسليم الكتب، حيث يشرح القرءان ويؤكد عدم سبق البعث بأي عذاب ولا نعيم بالقبر، ولا رؤية مقعد من الجنة ولا من النار.
وتدبر في ذلك قول ربنا، وابحث عن سر الفرحة العارمة التي تصيب الذي تَسَلَّمَ كتابه بيمينه، حيث كان يتصور أن الله مُعَذِّبَهُ، لكنه نجا بكثرة ما وجد بصحائفه من ثواب، لذلك فهو يقول:
((فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ*إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ*فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ*فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*)) . سورة الحاقة آية رقم:(19-22) .
وفرحته العارمة بعد المفاجأة، تدل على أنه لم يتنعم في قبره، ولم يسبق أن رأى مقعده من الجنة ولا من النار، أم تَرى لها تفسيرا آخر عند المضرورين نفسيا وعقليا؟،...نسأل الله لهم الشفاء.
ومن أوتي كتابه بشماله يُصرِّح حين تَسَلَّمَ كتابه بأنه لم يَدْرِ حسابه إلا يوم القيامة، وفي ذلك يقول تعالى:
((وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ*وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ*يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ*)) . سورة الحاقة آية رقم:(25-27) .
إن مقاله يؤكد أنه لم يتعذب بقبره، ولم يعلم حسابه إلا يوم القيامة، ولم يسبق له أن رأى مقعده من النار بالقبر كما يزعمون، أم ترى الفوضى الفكرية يكون لها تفسير آخر وتختلس الطرق لتقويض صريح معاني القرءان واستبدالها عن طريق تأويلات بشرية لآيات ظنية الدلالة للوصول إلى معتقداتهم الشاذة.
وأصحاب الأعراف الذين قال عنهم أصحاب التفاسير إنهم الذين تساوت حسناتهم مع سيئاتهم، تُرى أيعذبهم الله في القبور أم ينعم عليهم؟، أما آن لنا أن ننظر للأمور بشمولية وموضوعية؟.
وبعد ذلك تكون مرحلة المجادلة، فكلٌّ يُجادل دفاعًا عن نفسه، عسى أن يخرج إلى دائرة الأمان، وفي ذلك يقول جل وعلا:
((يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ*)) . سورة النحل آية رقم:(111) .
فإذا كان قد رأى مقعده من النار كما يقول أصحاب مسرحية عذاب القبر ففيم يكون الجدال؟!.
ومن البدهي أن يفزع أُناس لكون كل ما نقضته من فكرة تكلم الجنازة، وعذاب القبر، وغير ذلك من أعمال الدار الآخرة مذكورًا بكتاب صحيح البخاري وغيره من الصحاح على أنه أحاديث صحيحة لرسول الله، فكيف يتم تكذيب كتب الصحاح ونعتمد كتاب محام يشتغل بالقانون وليس له دراية المُحَدِّثين وعلم فقهاء الموت والعذاب؟.
والإجابة عن ذلك التعجب يسيرة، إذ كيف جعل الله من البدو رعاة الأغنام والأجلاف صحابة وفقهاء؟، وهل توقفت رحمته في الهداية عند الصحابة والأئمة الأعلام؟، وأين المتعجب من قوله تعالى بسورة البقرة:
((وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ*)) . سورة البقرة آية رقم : (282) .
بما يعني أنك كلما اتقيت الله هداك.
((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ*)) . سورة يونس آية رقم : (9) .
فأين المعاهد الدينية وكُتبها الأكاديمية من الهداية؟، إن الإيمان والتقوى هما أساس الهداية، وما المعاهد الدينية إلا عوامل مساعدة لمن أراد الهداية، وهذا هو سر هداية الصحابة ومن بعدهم ممن ساروا على نهج نبيهم، أعني بذلك أن الإخلاص في عبادة الله عمليا إنما هو أساس الهداية لمن أرادها، سواء أكان متخصصًا أم لا، وسواء أكان يعرف القراءة والكتابة أم لا، وإلا فماذا يصنع المغول وغيرهم من المسلمين من غير العرب، وهم أضعاف عدد العرب المسلمين، أليسوا بمهتدين؟!، أرى أن علينا مراجعة الكثير من توجهاتنا لتنضبط وكتاب الله.
والهداية تكمن في كتاب الله الذي تَرَكَهُ الناس ورحلوا عنه إلى السُّنة النبوية الصحيحة والسقيمة، التي لم يتعهد الله بحفظها، فقالوا بأن فقهاء السُّنة حفظوها كأفضل ما يكون الحفظ، فهم في رياح تذهب بهم بعيدا عن كتاب الله حتى ضلوا السبيل، لأنهم تركوا كلمات الله إلى كلمات غير الله:
((تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ*)) . سورة الجاثية آية رقم : (6) .
وقوله تعالى:
((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا*)) . سورة النساء آية رقم : (82) .
ثامنا: الـيوم ويومـئذ:
إن القرءان حين يورد كلمة ( اليوم ) أو كلمة ( يومئذ )، فإنما يعني في غالب الأمر يوم القيامة، ولم يعن أبدًا يوم الوفاة ولا يوم النزول إلى القبر، والله ـ تعالى ـ يؤكد أن أجور الناس موكولة إلى يوم القيامة وليس للقبر، وفي ذلك يقول سبحانه:
((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ*)) . سورة آل عمران آية رقم : (185) .
فهل يُكذب أصحاب عذاب القبر معنى: (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، فهم يتصورون حدوث ذلك يوم الموت وليس يوم القيامة، وما يوم القيامة عندهم إلا مجرد استكمال لما بالقبر من نعيم أو عذاب، وأتعجب من عدم فهمهم لمعنى كلمة (وَإِنَّمَا)، إنها تفيد حصر الجزاء في يوم القيامة فقط.
إن الله يَسَّرَ القرءان للذاكرين، فلسنا بحاجة إلى فهَّامة من متخصصين، ولن نخاف تهديداتهم أننا سندخل جهنم إن لم نوقف تفكيرنا ونعتمد عليهم، إنهم يُقدِّمون لنا بضاعة البَلَه حتى نكون وذرارينا من البُلَهاء، وأرى أنه تم لهم ما أرادوا فعلا إلا من نفر منا قليل.
إن الله ـ تعالى ـ يقول:
((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *)) . سورة البقرة آية رقم : (281) .
أيختلف اليوم الذي توفى فيه كل نفس ما كسبت من شخص لآخر؟، فأنا اليوم، وأنت غدا، وهو بعد غد؟، بينما يقرر القرءان أنه يوم واحد، هو يوم القيامة (185 آل عمران)، أم أن زيف المُتسننين وجمودهم الفكري، يطغى علينا وعلى القرءان وآياته؟؛ أم تراهم فشلوا في تبديل كلمات القرءان، فاستبدلوه بزيف في السُّنة.
ويقول جل شأنه:
((يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ *)). سورة النورآية رقم : (24-25) .
فماذا يقول المُتسننون بلا سُنَّة في قوله تعالى وتحديده ليوم القيامة لمسألة شهادة أعضاء الظالم عليه، وتوفية الناس أُجُورهم فيه؟ (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) هل يحتاج الأمر لفهامة من المتخصصين أو من الملتحين؟.
وكيف سيتعذب الإنسان في قبره ولا يزال هناك تعليق للفصل بين الناس بعضهم البعض إلى يوم القيامة، فلربما تكون هناك للميت حقوق لم تُدرج له، وقد تكون عليه أوزار، ويؤكد القرءان أن ذلك الأمر يكون يوم القيامة وليس في يوم آخر، فيقول تعالى:
((اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ *)) . سورة الحج آية رقم : (69) .
أم أن مليونيرات عذاب القبر سينكرون استخدام العقل من أجل سواد أحاديث كُتِبَت بمداد الإفساد والإفك؟.
ويؤكد القرءان أن مصير الناس مؤجل إلى يوم القيامة، فيقول تعالى:
((لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ *)). سورة المرسلات آية رقم : (12-15) .
فهل مصير الناس مؤجل ليوم قبل القيامة عند أصحاب فكرة عذاب القبر ونعيمه؟، أم تراهم يكفرون بآيات كتاب الله لصالح موروثاتهم البشرية المزيفة!!، بينما الله الجليل يقول أيضا:
((وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ*)) . سورة ابراهيم آية رقم : (42) .
فما رأي سدنة عذاب القبر وأشياعهم في أن الله يؤخر الحساب إلى يوم القيامة تحديدا وليس يوما قبله كما يزعمون؟.
والناس سيختصم بعضهم البعض أمام الله يوم القيامة، فإذا تخيلنا عذاب القبر الموهوم أنه حقيقة واقعة، ففيم سيكون الاختصام أمام الله يوم القيامة؟، وفي ذلك يقول تعالى:
((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ*ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ*)). سورة الزمر آية رقم : (30-31) .
فالفصل بين الحق والباطل، وبين الصالحين في الجنة والظالمين في النار يكون يوم القيامة.
وقد عمرت سورة المرسلات بتكرار قوله تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ)؛ فالويل يكون فقط يوم القيامة، وهو المحدد بلفظ (يَوْمَئِذٍ).
ويقـول تعالى:
((يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ *)). سورة الزلزلة آية رقم : (6-Cool .
فرؤية وتحديد المصير يكون يوم القيامة، فذلك معنى كلمة (يَوْمَئِذٍ) في غالب أمر ورودها.
ويقول سبحانه: ((فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ *)) . سورة سبأ آية رقم : (42) .
فتذوق النار يكون بذلك اليوم، والتذوق أول أي أمر فيه إطعام أو تجرع، سواء أكان إراديا أم إرغاميا، ويوم الدين هو اليوم الموعود للناس جميعا، سواء أكانوا من فئة المنعمين أم من المعذبين، حيث يقول تعالى:
((يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ *)). سورة الذاريات آية رقم : (12-14) .
فلو كانوا سبق تعذيبهم ما قال لهم الله يوم القيامة:
(هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ).
ومن أدلة فساد قولهم على أن الميت يعرض عليه عمله بقبره وأنه يطَّلع على مقعده من الجنة أو النار، ما ذكرناه من تطاير الكتب وأثبتنا به عدم معرفة كل إنسان مصيره إلا بعد أن يلقى كتابه، لكن نضيف لهذه الأدلة العقلية أدلة من صريح آيات كتاب الله، حيث قرأت في كتاب الله أن العبد لا يعرف إحصاء ما عمله إلا بعد أن تُنشر الصحائف {الكتب} وذلك من قوله تعالى بسورة التكوير:
((وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ *)). سورة التكوير آية رقم : (10-14) .
ففي ذلك دليل دامغ على ترتيب الأحداث، وأن الموتى لا يعلمون حقيقة أمرهم إلا بعد أن يتسلموا الصحائف، وبعد حضور الجنة والنار.
.مستشار أحمد عبده ماهر...
وعلمت من سورة الانفطار أيضا أن علم الإنسان بعمله يكون بعد قيام الساعة وبعثرة القبور، وذلك من قوله تعالى:
((إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ *)) . سورة الإنفطارآية رقم : (1-5) . الانفطار من ( 1 – 5).
فلن يقف الإنسان على حساباته ومصيره قبل ذلك التوقيت، أي بعد القيامة العامة والبعث ونشر الصحف، فكيف بهم يقولون بأن الميت يعلم مقعده من الجنة أو النار حين موته وفي قبره؟، لا شك بأنه استنتاج في غير محله ويتصادم مباشرة مع كتاب الله.
فعيب على العقول والأمخاخ أن تنتقي من آيات الله ما تتأول به عذاب القبر الموهوم، بينما تترك صريح الآيات التي تقرر بأن يوم الفصل هو يوم الحساب وهو اليوم الموعود وليس يوما قبله.
أترك تلك التعليقات والأسئلة ليتفكر الناس جميعا، فعيب علينا أن نَعْلَم الله ووجوده وعظمته بالعقل، ثم نتوقف عاجزين عن التفكر بذات العقل فيما يكون من دين الله، أو نطيع من يحرِّمُون علينا استخدام العقل باعتبار أن عقولنا قاصرة، ولا يجب أن تكون معلوماتنا الدينية مجرد موروثات لجهد السابقين بلا عقل منا ولا تمحيص.
كما أنه لا يجوز لأحد مهما سولت له نفسه أنه عالم أو فقيه، أن يستقي علمه من آية أو آيتين أو ثلاث من كتاب الله يتأول منهم رأيا في أحد مسائل العقيدة أو الإيمانيات كعذاب القبر، بينما يترك باقي الآيات التي تؤدى إلى عكس ما توصل إليه، أو يتحدى آيات القرءان بما يرويه له القدماء من أحاديث ينسبونها زورا لرسول الله، ثم لا يقف به الأمر عند هذا الهبوط بل يؤلف الكتب ويلقي المحاضرات بعلمه القاصر الذي جحد به آيات من كتاب الله، سواء أكان ذلك الجحد عن سهو أو كسل أو تقليد للأقدمين بلا عقل أو تمحيص.
تاسعا: لماذا خَلَقَ الله اليوم الآخر:
ذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ كلمة (يوم القيامة) ستين مرة في ستين آية من آيات الكتاب الكريم، وسنتناول هنا بعض الآيات الواردة عن سبب خلق الله لذلك اليوم، وذلك فيما يلي:
1 ـ يقول تعالى:
((إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ *)) . سورة يونس آية رقم : (4) .
2ـ ويقول تعالى:
((فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ *)) . سورة يس آية رقم : (54) .
3 ـ ويقول سبحانه:
((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ *)) . سورة آل عمران آية رقم : (185) .
4 ـ ويقول جل جلاله:
((اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ *)) . سورة الحج آية رقم : (69) .
فأين العذاب قبله، إذا كان هو يوم الوفاء بالأجور، ويوم الفصل، ويوم الحكم؟.
وهو يوم عام على الخلائق جميعا، وليس لكل من مات قيامته كما يدَّعون في علومهم المُعَقَّدَة، فهم يقولون بالقيامة الخاصة، والقيامة العامة، لزوم الإبداع لنيل الدرجات العلمية العليا في الفن المسرحي المُعقد الذي لا انضباط له على شريعة ولا واقع.
عاشرا: المـوتى والـزمن والشعور:
والموتى لا زمن عندهم، فالزمن له أشواط متباينة ما بين السكون اللحظي وهو بالقبر، ومنها ما يساوي ما نعلمه من زمن (اليوم 24 ساعة)، ومنها ما يساوي ألف ضعف، ومنها ما يساوي خمسين ألف ضعف، وعلى ذلك فمن يمت تقم عليه القيامة العامة فورا، ليشعر حينها أنه كان بحالة رقود، ومهما مر عليه من زمن، فلن يشعر به، وفي ذلك يقول الله العظيم:
1. (( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ *)). سورة الحج آية رقم : (47) .
2. ((تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ *)) . سورة المعارج آية رقم : (4) .
ودليل آخر أسوقه من كتاب الله، إن الحياة قد تسير بك بينما تتوقف عند آخرين، فقصة أهل الكهف المذكورة بالقرءان والتي تُبين كيف أنهم قضوا فيه 309 سنة، ولم تتغير أشكالهم، بينما تغيرت الحياة خارج الكهف، وتغير الملك، وتغيرت العُمْلات التي كانوا يتعاملون بها، ولم يكونوا ليستطيعوا العيش داخل المجتمع الجديد، فأماتهم الله.
ودليل آخر بالقرءان، وهو ما قصَّهُ الله جل جلاله علينا عن سيدنا حزقيال الذي أماته هو وحماره مائة سنة، ثم بعثه ليريه كيف يسير الزمن بأشياء، ولا يسير على أشياء أخرى، فأراه الحمار وقد تحلل وصار رُفَاتا، ثم أعاد الله تكوينه مرة أخرى وأحياه أمام عينيه، بينما الطعام الذي كان يحمله لم يتحلل بمرور مائة عام، فذلك دليل آخر على أن الأموات لا زمن عندهم، وأن الله جل جلاله يُجري الزمن على من يشاء، ويُوقفه عن من يشاء، ويجعله أضعافا مضاعفة لمن يشاء.
ألا يسأل فقهاء العذاب أنفسهم، لماذا أورد الله سؤال (كم لبثتم) لأهل الكهف، وسأل سيدنا حزقيال (كم لبثت)، فكان الجواب في الحالتين (يوما أو بعض يوم)، أي تساوت المائة سنة التي قضاها النبي في الموت، مع الثلاثمائة سنة التي قضاها أهل الكهف نيام، بما يدل على فقدان الشعور بالموت وبالنوم.
وفي ذلك يقول تعالى:
((أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *)) . سورة البقرة آية رقم : (259) .
فما كان ليتبين ما حدث له إلا بعد بيان الله له، وما شعر بمرور مائة عام عليه وهو ميت.
وسيدنا حزقيال هذا آية للناس لقوله تعالى:
(وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ)، فهو آية لنا لنعتبر، ولقد بحثت سورة البقرة في الآيات (258و259و260) عن البعث وإعادة الأحياء من الموت، وبدأت بقوله تعالى (ألم تر) فهو يسألنا جميعا أن نؤمن بما رآه سيدنا حزقيال من المتباينات الثلاثة (نفسه و الحمار و الطعام)، فقد وجد نفسه وقد مرت عليه مائة سنة وهو ميت كأنها يوم أو بعض يوم، كما أنه لم تتغير ملامحه، ولم يتم الإنعام عليه في قبره، ولم يتم تعذيبه أيضا، ولم يذكر القرءان شيئا عن القبر الذي هو بين الحياة والبعث.
وانظر إلى قول الله وهو ينتقل بك من سكرات الموت إلى البعث مباشرة:
((وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ*)) . سورة [ ق ] آية رقم : (19-20) .
وعلى ذلك فإن من يموت ينقطع الزمن عنده، فهو من سكرة الموت إلى يوم القيامة مباشرة، وبمجرد أن يموت تقوم عليه القيامة الكبرى، فيبعثه الله مع باقي الخلائق للحساب، أعاذنا الله من حسابه، وتجاوز عن زلاتنا...آمين.
والدليل على أن الموتى لا يعلمون شيئا مما يحدث على الأرض ولا يسمعون ما نقول ولا يشعرون بالوقت، يبرز في مثالين، الأول قول عيسى – عليه الصلاة والسلام- لربه جل جلاله:
(( مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *)) . سورة المائدة آية رقم : (117) .
ومن القرءان والسُّنة النبوية ما يدل على أن النبي لا يعلم ما يفعله الناس بعده، وذلك لوجود البرزخ الحائل بين دار الدنيا والدار الآخرة، فبالقرءان قوله تعالى:
(( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ *)). سورة ألأحقاف آية رقم : (9) .
وبالسُّنة النبوية، حيث روى الإمام أحمد بمُسْنَدِه، عن فاطمة الزهراء: - سمعته – عليه الصلاة والسلام- يقول:
{ أيها الناس بينما أنا على الحوض جيء بكم زُمرا، فتفرقت بكم الطرق، فناديتكم ألا هلموا إلى الطريق، فناداني مناد من بعدي، فقال: إنهم قد بدلوا بعدك فقلت: ألا سحقا ألا سحقا }،
ألا تدل تلك الرواية على عدم معرفته – عليه الصلاة والسلام - الأحداث بعد موته؟!.
وبعد أن ذكرت لكم بالآية والحديث ما يدل على عدم معرفة النبي بما يحدث بعده، وعدم معرفته الغيب، إلا في حدود ما أطلعه الله عليه بالقرءان، نجد أصحاب البدع المزورة يقولون بأن النبي يعلم شكل عذاب أهل القبور، ويعلم بالجرائم التي ارتكبوها، وذلك من قولهم بالحديث: [ إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه لكبير، فأما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة ]، ثم وضع على قبرهما عودا أخضر بعد أن شقه نصفين، ونسبوا إليه القول إنه يخفف عنهما ما لم ييبسا، رغم أن رواة الأحاديث زعموا عنه القول: [ إن الموتى يعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم ]، وأن ذلك العذاب لا يسمعه الإنس والجان [ راجع فساد تلك الروايات بآخر الكتاب ].
أَفَهُمْ يسُبُّون النبي – عليه الصلاة والسلام - بتلك الأحاديث أم أنهم لا يفهمون ما يقصونه على الناس، أم سيقولون بالخصوصية للنبي حتى يبرروا فقههم الذي لا سند سماوي له؟، بينما ينافسون به كتاب الله.
وعلى ذلك فتعبير (حياة البرزخ) تعبير خاطئ، لأنه لا حياة بالبرزخ، إنما هو فاصل بين الحياة ومستودع الموتى الذي يسميه العامة بالبرزخ، وهو لا زَمَنَ فيه، وتقوم القيامة العامة على كل من فيه دفعة واحدة بمجرد موتك أنت، وقد تكون من الأحياء (ﯧ).
حادي عشر: النـَّفْس والإدراك:
وليعلم المسلم أن وجود النَّفْس هو سبب سماعنا الأصوات ورؤيتنا للأشياء وإدراك المحسوسات، فالنَّفْس هي مُحرِّك الحياة بالكيان البشري، وبغيرها لا نسمع ولا نرى ولا نفقه ولا نحس، لذلك فإن من سمات يوم القيامة أن تُزَوَّج النفوس بالأجساد، وذلك من قوله تعالى:
(( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ*)). سورة التكوير آية رقم : (7) .
فالبعث يعني إعادة النفوس للهيكل البشري لتعي، لذلك فإن الله تعالى يقول:
((قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ*)). سورة الملك آية رقم : (23) .
وهم يتصورون أن الميت يتأذى بجاره المدفون معه بذات القبر إذا ما كان ذلك الأخير من العصاة، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: (( رَّبَّنَا إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ*)) . سورة آل عمران آية رقم : (193) .
فهم يتصورون قوله تعالى: (وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ*) تعني وادفنا مع الأبرار، بما يعني تأذي الميت بجار السوء، وسعادته بجار الهناء، وهو الأمر المخالف لمرمى الآية، وبما يعني الزعم بإدراك المقبورين من الموتى.
وتفنيد ذلك بأن الآية دعاء من الذين آمنوا أن يغفر لهم ويحشرهم يوم القيامة مع الأبرار، فذلكم هو معنى (وتوفنا)، وليس أيضا معناه (أمتنا)، فقول عيسى:
(( مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *)). سورة المائدة آية رقم : (117)
فلما جعلت بيني وبينهم حاجز الموت، وفي ذلك يقول فضيلة الشيخ/محمد متولي الشعراوي في خواطره: [أي اختم لنا سبحانك هذا الختام مع الأبرار].
وترمي أيضا كلمة (وتوفنا) لمعنى المحاسبة، أي وحاسبنا حساب الأبرار الذين تتجاوز عن سيئاتهم وتجزيهم بأحسن ما عملوا، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:
(( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ*)) . سورة النور آية رقم : (39)
لكنها ليست ذات علاقة بالقبر ولا الإدراك فيه أبدا، بما يدل على فساد ما يرمي إليه التأويل الآخر وأهدابه واستنتاجاته، فلا إدراك بالقبر.
ثاني عشر: العذاب وأنواعه وطبيعته:
والله يذيق أهل السعير العذاب بالإحساس الفعلي المادي، لذلك فهو بعد أن يُزَوِّج أجسادهم مع نفوسهم ويدخلهم النار، فإنه كلما نضجت جلودهم بدلها بجلود جديدة، ليذوقوا الإحساس بحرارة جهنم، بما يعني ضرورة توافر الموصلات العصبية بين الجلد والمخ لإدراك العذاب، وفي ذلك يقول تعالى:
((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا*)). سورة النساء آية رقم : (56) .
فمن غير هذا التبديل لن يكون هناك إحساس، وهو أمر غير متوفر للموتى في قبورهم.
ودليل آخر على أن العذاب يكون ماديا، وهو قوله تعالى: ((هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ*يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ*وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ*كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)). سورة الحج آية رقم : (19-22)
نعم إن هناك عذابين، أحدهما في الحياة الدنيا، وهو عذاب الخزي، والثاني ـ وهو الأشق ـ بالآخرة، لكن ليس من بينهما عذاب القبر المزعوم، وذلك من قوله تعالى:
(( لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ*)). سورة الرعد آية رقم : (34) .
ويقول تعالى عن عذاب الدنيا:
((فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ*)) . سورة فصلت آية رقم : (16) .
فالعذاب ماديا، ويصاحبه خزي ويكون حال الحياة؛ لقوله تعالى: ((... أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ*)) . سورة البقرة آية رقم : (85) .
فالعذاب الدنيوي يقع على الأحياء، ومن بينه الخزي للكافرين، والمعيشة الضنك لمن أعرض عن ذكر الله.
أما من يتصورون عذاب القبر معنويا فقط فهم في أوهام من السطحية، لأن العذاب المعنوي يحتاج أيضا إلى إدراك، فكيف بالجسد وقد انسلخت منه النفس، وأصبح جثة بلا حراك، فإنك إن غمسته بالماء فلن يشعر بغمر الماء، وإن ضُغِطَ عليه بالقبر فلن يشعر، وإن تركته في غرفة فسيحة فلن يسعد، فكيف بهم يقولون بأن الجسد يُدرك العذاب المعنوي المزعوم؟.
بل هم يناقضون أنفسهم في معنوية العذاب، إذ ان تفصيلات المرزبات والثعبان الشجاع الأقرع وفتح الطاقات إلى النار ليأتيه من سمومها وحياتها وعقاربها بالقبر، كل ذلك عذاب مادي تم تفنيده، فضلا عن عدم وجود آليات الإدراك التي ستعود لتلك الجثث يوم القيامة، لتذوق العذاب، أو لتشعر بالنعيم.
وحيث إن العذاب الإلهي مادي سواء أكان عذابا بالدنيا أو بالآخرة، وحيث إن المادة (الجسد) معدومة بقانون الفناء المادي بالموت، فإن العذاب بالقبر غير موجود لعدم تزاوج الأنفس بالأجساد، فلن يتم الإحساس، وهذا الأمر (إحساس الموتى) هو الذي جعل الأزهريين يقفون حائلا أمام قانون تغيير الأعضاء، لذلك تجد الأحياء منا يبيعون أعضاءهم.
ثالث عشر: الكذب حتى بالقيامة:
إن السؤال ووزن الأعمال ومجادلة كل نفس عن نفسها، وقيام الشهود على العبد بواجباتهم، كل ذلك من آليات يوم القيامة، وتلك الآلية إن سبقناها بعذاب القبر الموهوم لكانت كل أعمال الآخرة تمثيلية هابطة معلومة نتائجها سلفا، بل كذب الناس يوم القيامة عسى أن يتخلصوا من عذاب الله ليؤكد في جلاء عدم وجود عذاب قبر، وسأسرد الأدلة القرءانية عن كل ما ذكرت فيما يلي:
1 ـ ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*)). سورة النحل آية رقم : (2Cool .
2ـ ((وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ*ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ*انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ*)) . سورة الأنعام آية رقم : (22-24) .
3ـ ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ*)). سورة يس آية رقم : (65) .
4 ـ ((يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*)). سورة النور آية رقم : (24) .
رابع عشر: الميزان والوجوه البيضاء:
وزن الأعمال من بين أعمال الآخرة، حيث يقول تعالى:
((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ*)). سورة الأنبياء آية رقم : (47) .
فما فائدة ذلك الميزان طالما تحدد مصير العبد بالقبر؟!.
وميزان يوم القيامة يكون بعد حصر أعمال كل إنسان وتدوينها بكتب يتسلمها أهل موقف البعث، إما بأيمانهم أو بشمائلهم أو من وراء ظهورهم، ويتميز ميزان القيامة بأنه ميزان قسط لا مجاملة فيه لأحد، وصنجه من لدن قواعد أسسها الرحمن، فالحسنة فيه بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء، والسيئة فيه بمثقال واحد.
وبعد انتهاء كافة أعمال الحساب وبعد الميزان تبيض وجوه وتسود أخرى، وهو أمر يدل على بزوغ فجر حقائق كانت غائبة حتى عن أصحابها، وفي ذلك يقول تعالى:
(( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*)). سورة آل عمران آية رقم : (106-107) .
ويقول تعالى:
((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ*)). سورة آية رقم : (60) .
وعلى ذلك يتحدد فريق النعيم باللون الأبيض، وفريق الجحيم باللون الأسود، وذلك إيذان ببدء الدخول في مرحلة تنفيذ الجزاء الذي لا توجد مرحلة قبله، إلا الإفك والضلال المسمى عذاب القبر المزعوم.
خامس عشر: الصـراط المستقيم
الصراط جسر على جهنم يُطلب من الخلق عبوره، فأي فائدة للصراط المستقيم في الآخرة إذا كان الناس سيتعذبون عذابا ماديا في قبورهم قبل عبور ذلك الصراط، وأول العذاب المادي بزعمهم أن يضغط القبر على الجثة ضغطة تختلف فيها أضلاعه، وغير ذلك من صراخ.
فمما رواه البخاري في صحيحه باب { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } بالحديث رقم: (7000) عن أبي هريرة: [ أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال ......ويُضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها......]، فسوف نضرب المثل فيما يلي:ـ
فيا ترى ما حال رجل كان يتعذب في قبره أربعين ألف سنة مثلا؟، كيف سيكون حاله وهو يعبر الصراط المستقيم وتحته جهنم لا شك أنه سيهوي من الرعب الذي عاين نماذج منه طوال تلك الأحقاب بالقبر، فما فائدة ذلك الصراط طالما دخول جهنم أمر محتم؟.
والناس جميعا ستعبر على ذلك الصراط المضروب على جهنم، ولن يستطيع أحدا أن ينقذ نفسه، إلا إن أنقذه الله من هول ذلك الصراط، وفي ذلك يقول تعالى:
(( وَإِن مِّنكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا*ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا*)). سورة مريم آية رقم : (71-72) .
فعلام كل هذه الإجراءات طالما تم العذاب قبلها، وسيتم بعدها؟، وذلك فائدة أن تقول بإخلاص وتضرع (اهدنا الصراط المستقيم) حتى يهديك الله ويُحبب إليك الإيمان ويُزَيّنه في قلبك في الدنيا فتستقيم سلوكياتك على منهاج الله، فيكون في ذلك نجاتك على الصراط يوم القيامة، فالصراط المستقيم ليس تمثيلية، إنما عذاب القبر هو التمثيلية الهابطة التي قام بتأليفها بشر الله أعلم بهم.
وبعد فقد ذكرت لك خمسة عشر بندا، وبكل بند أكثر من دليل على عدم وجود عذاب بالقبر، بل دللت بعدم وجود زمن بالقبر أصلا، وعدم معرفة الموتى ولا رؤيتهم لمقعد النار أو الجنة، فهل سنجحد مئات الأدلة التي لا تحتاج إلا قراءة واعية، لأجل ما ذمه الله فينا حين نقول: (هذا ما ألفينا عليه آباءنا)، لذلك فإن لي أن أُذكر أهلي والناس أجمعين بقوله تعالى:
((تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ*وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ*يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ*)). سورة الجاثية آية رقم : (6-Cool .
ولا يظنن غُـرٌ مفتون ببضاعته القديمة أن تلك الآيات السابقة نزلت في الكافرين، فإن تلك مصيبة أخرى أن نتصور بأن هناك آيات تحكم حياتنا وآيات تحكم حياتهم، وآيات تم تجميدها وتعطيل فعاليتها باسم الناسخ والمنسوخ داخل كتاب الله، وآيات لمناسبات خاصة، وآيات نسختها أحاديث مفتراة... وغير ذلك من علوم الإفك، وهكذا نحطم منهجية القرءان بعد أن عجز الشيطان عن تحريفه، فكل ذلك من بعض الفكر القديم الواجب علينا تصويبه.
الفصل الثالث
تفنيد حُجج أنصار فكرة العذاب بالقبر
في يوم الأحد الموافق الأول من نوفمبر لعام 2009 ميلادي، دعتني قناة المحور الفضائية لبرنامج يدعى (ضرب نار) وكان معي الأستاذ الدكتور/أحمد عبد الرحيم السايح (مقدم هذا الكتاب)، وفي مواجهتنا اثنان من المتخصصين بالعذاب، وكان موضوع الحلقة (عذاب القبر حقيقة أم خيال؟)، ومن البدهي أن شرحت وجهة نظري وسط ركام من الصراخ والبكاء على السُّنة النبوية المهدرة، ولم ينس أحد قطبي الخصومة أن ينعتني والدكتور/أحمد السايح بأننا قرءانيان، وكم بكيت بعدها على حال الكثير من المتخصصين، حيث تمت مداخلات من أساتذة صنعتهم مناهج ضالة، تؤكد وجود ذلك الوهم، رغم إبرازي للدليل تلو الدليل، ولقد انتهت الحلقة بأن اقتنع كل من بالاستديو، وكثير من المشاهدين ـ بعد الإذاعة ـ بعدم وجود ذلك العذاب الموهوم، وما زلت أهيب بالإعلام المساهمة لإزالة غشاوة ذلك الإفك عن الناس.
ولقد تأكد لي أن بعض المتخصصين قد انضموا إلى قافلة تحريف القرءان بإهماله، فمرة يضاهونه بالسُّنة ويغلِّبونها عليه، ومرة يقولون بأن فيه ناسخًا ومنسوخًا، فوضعوا بعلمهم ـ المسمى بالناسخ والمنسوخ بكتاب الله ـ كثيرا من آيات القرءان بثلاجة التجميد، فهذه آية تتلى فقط وزال حكمها، وتلك كانت قرءانا فانقرضت ولا تتلى لكن بقى حكمها (حديث الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، وآيات أخرى يتأولونها وفق مراد الحديث النبوي المدسوس، وبضع كلمات من آية يتخذونها سندًا لهدم كتاب الله، مثل ما يتأولونه من قوله تعالى بالقرءان في جزء من آية: (وما آتاكم الرسول فخذوه)، بينما ينكرون على الآخرين قولهم (لا تقربوا الصلاة) رغم أنها جزء من آية أيضا، فهم يطوعون النصوص القرءانية لهواهم في الروايات المدسوسة على النبي، ولا يطرف لهم جفن، فقد أمدهم الشيطان بمدد من عنده.
وخرافات عن الموتى وقدراتهم الخارقة بعد الوفاة بعلة أن بصرهم أصبح حديدًا بمجرد الوفاة، مع عدم إمكانهم التفرقة في المعنى بين الرؤية والنظر والبصر، والزعم بأن الموتى يسمعون ويبصرون أفضل منا، وعدم قدرة أولئك المتخصصين تصور اختلاف مرور الزمن بين الأحياء وأهل القبور من الموتى، وقذف وسط الكلام بالكفر والفسق وخلافه، فحزنت أشد الحزن على أولئك العلماء، سواء في كيانهم العلمي، أو كيانهم الثقافي، فضلا عن العقلي، وأسفت على حال الدعوة وهي بأيدي هؤلاء، لكن كلي أمل أن أساهم في تصويب أفكارهم.
وسوف أتناول في هذا الفصل تبريراتهم وتأويلاتهم الفاسدة عن القبر، وما يعتبرونه حجة لهم فيما يلي:ـ
أولا: حججهم من القرءان:
يحتج أنصار فكرة عذاب القبر بتأويلات عن فهم محدود لهم لبعض آيات معدودة من القرءان، وأحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، فهم علاوة على فقدانهم لأي نص قرءاني قطعي الدلالة في ذلك الأمر [راجع معنى اصطلاح (قطعي الدلالة) بالفصل الأول]، فهم يتأولون النصوص القرءانية ويلوون أعناقها ليًا، لتتوائم مع ثقافتهم الروائية المدخولة على الحديث النبوي، وسنستعرض أدلتهم بالتمحيص فيما يلي:ـ
1 ـ فهم يحتجُّون بقوله سبحانه وتعالى:
((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ*)). سورة غافر آية رقم : (46) .
لكن تأويلهم مردود عليهم بأن أمر العرض على النار يخص آل فرعون فقط، فكما كانوا مُتَفَرِّدِين في الكفر، كان لهم تَفَرُّد مخصوص بعد الموت، وهذه الآية تحكي مصير كافرين فكيف نسحبها على كل المسلمين، وتلك الآية من الآيات قطعية الثبوت لكنها ظنية الدلالة، فلا يمكن استخراج أحكام منها، ليتم تعميمها كحقيقة إيمانية لا تقبل الجدل حولها.
أ ـ فآل فرعون يُعرضون على النار، ولا تُعرض النار عليهم، ولا تنزل لهم في قبورهم، ويكون ذلك على فترتين فقط من مثل فترات الدنيا {الغدو والعشي}، ولعل المعنى ينصرف إلى دوام العذاب، لكن لا ينطبق الأمر على البشرية عموما، ولا على المسلمين خصوصا لأن الأمر يخص الكافرين من آل فرعون فقط، وعذابهم معنوي وليس ماديا، وذلك لأنهم يُعرضون على النار، ولا يدخلونها، ومدة ذلك العرض هي مدة مكوثهم بالقبر، وهي لحظة أو مجرد لحظات، كما ذكرنا ص59 تحت عنوان (الموتى/الزمن/ الشعور).
ب ـ بينما يجد الباحث أن عذاب المعذبين بالدنيا حال الحياة مادي، فمنهم من أُغرق، ومنهم من خُسف به الأرض، ومنهم من ابتلي بالضفادع والدم في مياه الشرب، وهكذا.
ج ـ وبالآخرة أيضا يكون العذاب ماديا بالإحراق، وبمقامع من حديد، والذين يزعمون عذاب القبر يصورونه ماديا، فجعلوا لكل ذنب عقابًا، فمنهم من ترضخ الملائكة رأسه بالأحجار، ومنهم من يضغط عليهم القبر حتى تختلف أضلاعهم فيه، وهم جميعا يصرخون صراخا تسمعه البهائم وهكذا، فأصحاب ذلك السيناريو المسرحي لا يتفقون مع الآية التي تُبين أن العذاب معنوي، لأنه مجرد عرض على النار لفترتين يوميا، فهم بذلك خالفوا النص الذي يحتجون به.
وبذلك تكون الآية تصور شأن مخصوص لأناس بأعينهم، فلا ينطبق الأمر على البشرية كلها، لأن الأصل في عذاب الله في الدنيا أو الآخرة يكون ماديا وليس معنويا، ولم يكن الله ليترك الأمر للمتأولين.
د ـ ودليلنا أنه عذاب خاص ولا ينطبق على البشرية جمعاء أن الله سبحانه أجرى التحلل على مخلوق (حمار سيدنا حزقيال)، ومنع آخر من التحلل (طعام سيدنا حزقيال)، ودليل آخر هو عدم رؤية سيدنا حزقيال لعذاب أو نعيم بقبره طوال مائة سنة مرت عليه وهو ميت، ودليل ثالث وهو مُتعة الذين قتلوا في سبيل الله من دون الناس جميعا.
هـ ـ ووجه آخر من وجوه تفنيد دلالة الآية، أن الله يقول عن آل فرعون في آية أخرى:
((كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ*)). سورة آل عمران آية رقم : (11).
فقوله: (فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ) فعل ماض، لكنه سيحدث في الحقيقة بالمستقبل حين تقوم الساعة، مما يعني أن للقرءان تعبيراته الموحية بالفزع حين يذكر مصير الكافرين.
وعلى ذلك فتعميم مصيرهم وتعميم العذاب وتصويره ماديا على كل البشر أحيانا، بينما تراهم يرددون مرة أخرى يقولون بأن عذاب القبر معنوي، وأنه مجرد عرض مقعد النار أو الجنة على الميت، فإن ذلك لا يُعبِّر عن النص القرءاني قدر ما يُعَبِّر عن خيال وتخبط فقهي.
و ـ ولابد أن نعلم أن هناك استثناءات، فكما استثنى الله الذين قُتلوا في سبيل الله بالنعيم والحياة بشكل مُعيَّن، فقال عنهم:
((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ*)) . سورة آل عمران آية رقم : (169-170) .
فقد استثنى آل فرعون بعذاب غير باقي الناس، وهو العرض على النار فترتين يوميا من مثل أيامنا، لكن حكم عموم الناس مدون بعموم القرءان، أما الفئات المستثناة فلا يُقاس عليها.
2ـ كما أنهم يحتجون بوجود عذاب قبر حين يُفَسِّرُون قوله تعالى:
(( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ *)). سورة السجدة آية رقم : (21) .
وكلمات العذاب الأدنى والعذاب الأكبر المذكورة بالآية لا تعنى أن عذاب القبر هو العذاب الأدنى وعذاب الآخرة هو الأكبر، بل تعني أن الله يرسل العذاب في الدنيا حال الحياة قبل أن يتعذب الناس في الآخرة، لعل الناس يرجعون عما هم فيه، لذلك ذُكرت كلمة { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ *} بنهاية الآية، فإن الأمر إن كان يعني الموت ما كان لكلمة { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ *} معنى، لأنه لا أحد يموت ثم يرجع، وهي آية تدل على مراقبة الله للعباد، ودفعهم لإصلاح أنفسهم، وليس بها ما يدل على عذاب قبر.
3ـ ويزعمون القول بعذاب القبر وهم يفسرون قول الله عن الكافرين: ((مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا*)). سورة نوح آية رقم : (25) .
فقالوا إنهم بمجرد الموت دخلوا النار فيكون ذلك في القبر، وما أرى ذلك إلا من تعطل فهم حقيقة الزمن بعد الموت، وعدم فهم القرءان، فالميت بمجرد أن يموت يجد القيامة العامة فورا، وما ذلك إلا لتوقف الزمن عند الموتى، وعلى ذلك فهو يدخل الجنة أو النار فورا، وفق إيمانه وعمله، فذاكم تفسير كلمة (فَأُدْخِلُوا نَارًا.) عموما .
هذا فضلا عن أن القرءان الكريم له أسلوبه في عرض الأمور، فهو يتكلم عن دخول الجنة ودخول النار كفعل ماض رغم أنه لم يحن بعد، لكن لأنه حتمي فإنه يذكره كفعل ماض ليؤكد حتمية حدوثه، وحتمية قََـدََر الله فيه.
فكذلك حرف الفاء الذي يصاحب كلمة (فأُدخلوا) إنما ليؤكد أن الساعة قريب، وأن الله سريع الحساب، وأن انعدام وجود الزمن بالقبر يعني أن كل من يموت يجد القيامة العامة تقوم عليه فورا، لأننا جميعا سنموت ولن يمر عليه ما مر علينا من أزمنة.
لكن من الشذوذ الفكري أن يُستنبط من الآية حُكم لم يرد بالقرءان إلا ما يخالفه، ولابد لاستخراج حكم من القرءان أن يدرك المرء كل ما جاء بالقرءان عن ذلك الأمر، فلا يصح أن تستقطع آية من كتاب الله لتخرج على الناس بحكم ورد ما يخالفه بالقرءان أيضا، فإن ذلك يصيب استنتاجك بالعوار.
وهناك من ذهب إلى أن كلمة (نارا) التي وردت بالآية لا تعني النار المعروفة لأنها نار مُجَهَّلَة وغير مُعَرَّفَة، وهي تعني أنهم بعد إغراقهم دخلوا فوهة البركان الذي انفجر، حيث يقول تعالى:
((حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ *)) . سورة هود آية رقم : (40) .
فالتنور هو البركان، وقد كانت بلدة نوح على ساحل البحر، وحدث فيها مثل ما حدث لمدينة تسونامي، فلما انفجر البركان ثار البحر وأمطرت السماء، فالتقى الماء على أمر قد قُدِرْ، وقذفت الأمواج بجثثهم الغارقة إلى فوهة ذلك البركان الثائر، بينما نجا سيدنا نوح ومن آمنوا من الغرق بالطوفان وكذلك من الحرق بالبركان.
4ـ ومن بين ما يحتجون به لإثبات عذاب القبر، تأويلهم لقوله تعالى: ((أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ *)). سورة التكاثر آية رقم : (1-Cool .
فتصوروا زيارة المقابر تعني عذاب القبر، وتصوروا الوعيد المذكور بعدها يعني عذاب قبر، وهو خيال لم يرد بالقرءان ولا حتى ظلال عنه.
فزيارة المقابر الواردة بالآية والوعيد بعدها يعني العذاب يوم القيامة بعد الموت، لأنهم ألهتهم الدنيا وزخارفها، لذلك فهم حين يزورون القبور وينقطع عملهم بالموت، فإنهم سوف يعلمون ما يحيق بهم من عذاب الله يوم القيامة ولا تعني بحال عذاب القبر المزعوم.
فالمؤمنون حال حياتهم يوقنون بوجود الجحيم حق اليقين، لذلك فهم يلتزمون بتعاليم الدين، وهم الناجون يوم القيامة، أما الذين ألهاهم التكاثر ممن لا يؤمنون ويكذبون بحساب الآخرة فسوف يرون الجحيم عين اليقين، بعد أن يزوروا القبور، وتعبير الزيارة يعني أن القبر مجرد زيارة سريعة، يكون بعدها عذاب الجحيم، فأين حرف (الفاء) الذي أقام عليه المفسرون تفسيرهم لفورية العذاب بالقبر بآية قوم نوح؟، إنه هنا يقول (سوف تعلمون)، لا أرى تأويلاتهم إلا محض خيال بعد أن تأثرت تفسيراتهم بتلك الروايات المدسوسة على النبي.
5ـ ومن بين ما يحتجون به قوله تعالى:
((يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء *)) . سورة إبراهيم آية رقم : (27) .
فقالوا إنه تثبيت الله الموتى من المسلمين بالقول الثابت (الشهادتين) في قبورهم حين سؤال الملكين، وهذا القول مردود عليه بما يلي:ـ
أ ـ أن القبر ليس من ضمن الحياة الدنيا، لكنه من منازل الدار الآخرة، وكما أن للجسد قبرا بالتراب فإن للنفس قبرا عند الله، وبذلك فالآية لا تعني السؤال المزعوم بالقبر.
ب ـ أن التثبيت حال الحياة يكون بالقرءان الكريم، فهو القول الثابت بالحياة الدنيا، وذلك من قول الله سبحانه: ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا *)) . سورة الفرقان آية رقم : (32) .
ج ـ وقوله جل شأنه:
((وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً *)).سورة الإسراء آية رقم : (74) .
دـ ويقول تعالى:
((قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ *)).سورة النحل آية رقم : (102) .
ه ـ وقوله سبحانه وتعالى:
((وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ *)).سورة هود آية رقم : (120) .
فها هو التثبيت الذي قرره الله للذين آمنوا بالحياة الدنيا، لا يكون إلا بالقرءان، ويكون حال الحياة أولا، فهو البشرى للمسلمين في الدنيا، فالمؤمن الذاكر يكون صاحب قلب مطمئن، وهو حين الموت يكون مطمئنا لقوله تعالى:
((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*)).سورة الفجر آية رقم : (27-2Cool .
كما يثبت الله المؤمنين من الفزع الأكبر يوم تقوم الساعة، بلا إله إلا الله.
أما الرواية التي ذكرها الترمذي وغيره والتي تذكر زورًا عن النبي أنه قال إن التثبيت يكون عند سؤال الملكين بالقبر، فهي ليست بشيء لتعارضها مع نصوص القرءان، والرواية التي ذكرها الإمام مسلم في صحيحه برقم : (5118) باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وذكر فيها التثبيت بالقول في القبر ففيها مدلس، (راجع التخريج من ص135).
ولقد ذكر الله كلمة (القبر) بالقرءان ثماني مرات، وذكر كلمة (عذاب) مائتين وخمس وستين مرة لم يقرن بينها وبين القبر أبدًا.
6ـ ويحتجون بقوله تعالى:
((وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ *)).سورة التوبة آية رقم : (101) .
فيتصورون قوله: (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ) أن الأولى عذاب القبر والثانية عذاب الآخرة.
ولست أدري لماذا لم يدر بخلدهم قوله تعالى:
((وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ *)).
سورة السجدة آية رقم : (21) .
((وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ *)).سورة السجدة آية رقم : (21) .
وقوله تعالى:
((وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ *)).سورة الأنعام آية رقم : (42) .
فالبأساء عذاب، والضراء عذاب، ثم يردون إلى عذاب يوم القيامة، وكثير من مثل تلك الآيات التي تثبت أن بالدنيا أنواع من العذاب لإيقاظ للناس من غفلتهم، وذلك من رحمة الله، فضلا أن مرتين + عذاب الآخرة =3، وهل عذاب القبر يحتسب بمرتين؟، فضلا أن تلك الآية (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ) قيلت في المنافقين، فلا يجوز قياسها على المسلمين، فبهذا نكون فسرنا القرءان بالقرءان، لكن قل في تحريف القرءان ما تشاء.
فالمسلم الموحد لا يستقي العقائد إلا من صريح آيات كتاب الله القطعية الدلالة، وهي في موضوعنا بالمئات، أما من يتأولون بعض آيات معدودة من كتاب الله على أنها عذاب قبر لتأثرهم بالأحاديث القولية الأحادية، فهو فضلا عن الفساد المنهجي، فهو نبذ لآيات كتاب الله، وما كان الله ليضع العقائد تحت رحمة اجتهاد الفقهاء، أصابوا أو أخطئوا، أما الأحاديث القولية فمرحبا بها فيما عدا العقائد والحدود والتحريم ومخالفة كتاب الله.
ثانيا: مسرحية العذاب كما أُلصِقَت بالسُّنة:
بالبداية لابد لي أن أنوه أن الإسلام قد قضى على الأصنام الحجرية فصنع الناس أصناما أخرى أطلقوا عليها ثوابت الأمة، ويا ليت تلك الثوابت تتوافق مع ما جاء به محمد – عليه الصلاة والسلام - ، لكنك تجد من بينها صنما يدعونه أصح كتاب بعد كتاب الله فهم عليه يعكفون أكثر من تعبدهم بالقرءان، ولست أدري كيف يكون من ثوابتهم وأصح كتبهم ما عج بروايات المدلسين وأصحاب الأوهام وغيرهم (سيأتي تبيان ذلك بملحق تخريج الروايات المنسوبة زورا للنبي)، بل تجد أجِلَّة الدُّعاة منهم لا يمايزون بين القرءان وبين الرواية عن النبي في القيمة والاستدلال، بل يُقدِّمون الرواية على الآية في الاهتمام واليقين والعمل، وما أرى ذلك إلا إشراكا بالله، فهل من ثوابت الأمة أن يضاهي صحيح البخاري كتاب الله ويستكمل أحكام القرءان بأقانيم ما أنزل الله بها من سلطان؟، هل وصل بنا تعظيم روايات ذكرها واحد عن واحد لنطغى بها على حكم الله وآياته؟، فأي دين نحن عليه ما دامت حالنا كذلك؟!.
ولقد جمعت للقارئ قطوفا أثبت بها بعضا من زيف مدسوسات السُّنة البشرية المزعومة وضعتها بنهاية الكتاب تحت عنوان: (بحث فقهي مع سرد وتخريج للأحاديث المزعومة عن القبر وعذابه ص107 وما بعدها) فيمكن الرجوع إليها.
فتراهم قد استغرقوا في مسرحية عذاب القبر، وابتدعوا لكل زيف رواية نسبوها بهتانا للنبي – عليه الصلاة والسلام - ، فقالوا بوجود ملكين يسألان العبد مجرد دخوله القبر عن ربه ودينه ونبيه، وتجد أئمة عذاب القبر يصرخون ويتحدون المعارضين بتلك الرواية العجيبة، بل ويلوون عنق الآية :
((يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء *)).سورة إبراهيم آية رقم : (27) .
ويفسرونها على أنها تخص سؤال الملكين المزعوم، رغم أنهم يقولون بأن القبر أول منازل الآخرة، بينما يقولون بأن التثبيت بالقول الثابت في الدنيا يكون بالقبر، فهل القبر من الدنيا أم من الآخرة؟ وللأسف تجد التدين الشعبي يدين بالولاء لذلك الإفك (راجع تخريج حديث الملكين منكر ونكير ص 135 من الكتاب).
وقالوا بأن القبر يضغط على الميت حتى تختلف فيه أضلاعه، أي تتحرك أضلاع قفصه الصدري لتكون اليمنى محل اليُسرى، واليُسرى محل اليُمنى، بما يعني وجود إحساس للجثة، فضلا عن زعمهم بإدراك الجثث وسماعهم لمن يلقي السلام عليهم، وقالوا بثعبان اسمه الشجاع الأقرع، يضرب الذين كانوا لا يُصَلُّون، وقالوا بمرزبات الحديد يضرب بها الملائكة أولئك الموتى فيتجلجلون أسفل سافلين بالقبر، ثم يعودون من الأرض السابعة ليعود الملائكة عليهم بعذاب المرزبات مرة ثانية وثالثة وهكذا.
وقالوا بملك موكَّل يرضخ رءوس الذين كانوا يتتثاقلون عن الصلاة المكتوبة (مجرد تثاقل فقط)، وقالوا بنساء مُعَلَّقَاتٍ من شعورهن وأُخريات من صُدُورهن لكشفهن تلك الصدور والشعور للأجانب، وقالوا بصراخ أهل القبور يسمعه كل الخلائق إلا الإنس والجان، وقالوا بعذاب خاص للزناة والزواني ويستجير القبر من نتن ريحهم، وقالوا بتقطيع الملائكة لألسنة خطباء الفتنة.
ولم يكن هناك عذاب بالقبر عندهم للحاكم الظالم، ولا لقتلة أهل بيت النبوة، ولا لمزوري الانتخابات، ولا عذاب عندهم لأصحاب الأغذية المسرطنة، لذلك أرى كل ما سبق مسرحية تم كتابة سيناريوهاتها بشريا ممن هم دون الأنبياء، بعد عصر الخلفاء الراشدين، حتى يُفتن الناس، وأراهم قد فُتنوا فعلا، فلا تكاد ترى مسلما إلا يؤمن بذلك الوهم، وجعلوا منا مجموعة من المرضى نفسيا.
ولقد اهتموا بإفساد جزء من مناجاة العبد لربه في الصلاة بعد أن قالوا بالتعوذ من عذاب القبر بنهاية التشهد بكل صلاة، وقالوا إنه من السُّنة، وقالوا بالتعوذ منه لكسوف الشمس، وبالتعوذ من عذاب القبر عموما، وما هي إلا سُنَّة الخيال، وتقديس لتراث الأموات بلا سند شرعي، إلا لأنهم من الأقدمين.
وقالوا بالميت الذي يؤذي من يجلس على قبره، وقالوا بفتح طاقة بالقبر للميت؛ ليأتيه من ريح النار وزمهريرها ونتن رائحتها، وقالوا بمخلوق يخرج على الميت في قبره يقول له: (أبشر بأسوأ يوم مر عليك منذ ولدتك أمك)، وأن الميت يصيح ويقول: (يا ربِّ لا تقم الساعة)، ألا ترى معي الإخراج المسرحي؟!!، وللعجب فكل ذلك لم يرد لا بالقرءان ولا بالبخاري ولا مسلم، لكنه التدين الشعبي الذي غرسه دعاة الإضلال باسم الإسلام.
ولست أدري لماذا لم يقل أحد الأنبياء بعذاب القبر في أي شريعة أو كتاب سماوي؟، وإن كانوا نسبوا زورًا لنبينا القول بأن اليهود تُعَذَّب في قبورهم، وكأن العالم انحصر في اليهودية والإسلام ومشركي مكة فقط، فهل كان الموتى لا يعذبون في قبورهم حتى جاء الإسلام بذلك العذاب؟، أوتم لصق عذاب القبر بالإسلام لأن نبينا نبي الرحمة!!؟، أَوَ ذلك يتبع منهج تخفيف الشرائع!؟، أم التغليظ على الناس حتى ولو معنويا، وكيف يكون العذاب قبل الحساب؟.
وحين يضع أهل الملل الأخرى الزهور على القبور، بينما نضع نحن عليها نبات الصَّبَار فهل يكون سبب ذلك علومنا الفتَّاكة عن عذاب القبر، ورحمة منا على ما اختص به موتانا من ضنك القبر وعذابه؟، وأين فقهاء العذاب من نعيم القبر؟، أم أن العذاب بالقبور غطى كل شيء حتى إننا لا ندعو به في صلاتنا، وكأنه شيء مزهود.
من بدع وغرائب الدُّعاء للميت:
مما ينتهجه المُدَّعون بالسُّنة من بدعهم المخلوطة والمنسوبة زورًا للنبي، مسألة الدعاء للميت، فالدعاء للموتى أمر محمود خاصة من الأقارب والصالحين، لكن من غير المتصور أن ننقل عنهم الدعاء على الميت بحسبان أنه دعاء له، وبحسبان أنه من السُّنة.
فمن مأثوراتهم في الدعاء: [ اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نُزُلَهُ، ووسع مُدْخَلَهُ، واغسله بالماء والثلج والبَرَدْ، ونَقِّهِ من الذنوب كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدَنَسْ ]، وهذا الدعاء يقولونه حتى في صلاة الجنازة.
فهل من الممكن أن نغسل أحد الأحياء بالثلج إلا إن كنا نستهدف أذاه، فما بالنا بالدعاء بذلك للميت؟، وندعو أيضا بأن يغسله بالبَرَد، لا شك أننا نكرهه، إلا إن قال لنا علماء التبرير علما من علومهم الجهنمية التي تستحسن ذلك، وتنسبه للنبي – عليه الصلاة والسلام -.
لقد رأيتهم في غُسل الميت يغسلونه بماء فاتر، لا هو ساخن ولا هو بارد، أفنفعل ذلك بينما ندعو الله جل جلاله عليه بأن يغسله بالثلج البارد؟!، أم أن الدعاء مخصص لأهل البلاد الحارة فقط، أما أهل البلاد الباردة فنحن ندعو لهم بغسول ساخن!؟.
ودعاء آخر من الأدعية العجيبة التي ساقونا إليها بقولهم:[اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره وأهلا خيرًا من أهله وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار].
فهذا الدعاء به تضاد مع الدعاء بكتاب الله القائل:
((رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *)).سورة غافر آية رقم : (Cool .
أسن دعوا بدعاء القرءان الذي لا استبدال فيه للصالحين والصالحات من أزواجنا ، أم سندعو باستبدالهم مهما كان صلاحهم بأزواج خيرا منهم؟!، لأننا ذكورا وإناثا نحب التبديل!!.
لقد قَبِلَ الله الدعاء القرءاني، ولم يقبل دعاء السُّنة المزورة، فأدخل الزوجة الصالحة والزوج الصالح الجنة معًا، حيث قال سبحانه: ((جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ *)).سورة الرعد آية رقم : (23)
فألغى بذلك نظام الاستبدال الأهوج الذي يتراقص لشهوات أولئك الدعاة.
وكم أرى من قِلَّة حياء الدَّاعين بهذا الدعاء لرجل أو امرأة قضيا نحبهما بينما الزوج الحي، أو الزوجة الحية، يسمع أو تسمع هذا الدعاء (أن يبدله الله زوجا خيرا منه أو منها)، ومطلوب من أيهما التأمين عليه، فهل في ذلك أي تعقل!؟.
ومن أدعيتهم التي يدَّعون أنها من المأثورات قولهم: [اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حُفْرَةً من حُفَر النار].
فمن قال بأن القبر روضة، وهل تتنعم الجُثث؟، وهل تتعذب الجُثث في حُفر؟، ولم يقل أحد من البشر غيرهم ولا كتاب سماوي بأن النار عبارة عن حُفَر، إن القرءان يقول بأن النار واسعةً جدًا، وذلك من قوله تعالى (( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا *)).سورة الكهف آية رقم : (29) .
فالقرءان يقرر بأن النار سُرادق ضخم يضم كل المُعذبين، ويرش عليهم ماء النار يشوي وجوههم، بينما الذين يتزعمون الفوضى في السُّنة النبوية المطهرة يقولون بأن النار عُبارة عن حُفَر، فأي النهجين ننتهج؟!، أم نقف لننتظر علماء التبرير ليبرروا لنا سبيلا جديدًا لخيبة أمل الأمة حتى في فن الذكر والدعاء.
والنار لها سبعة أبواب، فهل هناك سبعة أبواب لمجرد حُفَر؟، إن القرءان يقرر أن دخول النار يكون بالأفواج والأمم، وفي ذلك كله يقول تعالى:
((وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ*)).سورة الحجر آية رقم : (43-44) .
(( قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ *)).سورة الأعراف آية رقم : (3Cool
((وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ*)).سورة النمل آية رقم : (83) .
إن السرد السابق يصوِّر لكل ذي لُب أن النار وأفواج الداخلين فيها من الأمم ليست تلك الحفر الضيقة، إنما الخطب جلل والأمر أعظم.
نعم هناك أماكن ضيقة بالنار، لكنها أمر عارض، وفي ذلك يقول ربنا: ((وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا *)).سورة الفرقان آية رقم : (13) .
لذلك ففقهاء الأحاديث لا يتبينون القرءان، فقوله تعالى بأول الآية (وإذا) تعني أنها حالة عارضة، والله هو الذي يعلم شكل النار، ولأنها من الغيب فالنبي يعلم بوجودها لكنه لا يعلم شكلها تحديدا إلا بما تنزل عليه من قرءان، وعلى ذلك يكون فقه الحُفَر في غير محله.
وأهدي لفقهاء العذاب الذين لا هم لهم إلا ترويع الناس من الله، أنه إذا ما كانت النار التي يتكلمون باسمها ذات أبواب سبعة، وبها أماكن ضيقة، فإن الجنة لها ثمانية أبواب، وعرضها كعرض السماوات والأرض، أي أنها تشمل سعة الكون المرئي وغير المرئي، وذلك لأن رحمة الله أعظم من غضبه، وفي ذلك يقول تعالى:
((سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ *)).سورة الحديد آية رقم : (21) .
صدق أو لا تصدق من أحاديث الصحيحين وفقه البعض
سبق وذكرت أن كثيرا من الدعاة يقولون بقصر أدمغتنا في أن نفهم القرءان أو ندرك الحديث، وإني أستشهد كل قارئ على نفسه أن يقرأ معي بعض أعاجيب الصحيحين (البخاري ومسلم) عن القبر وذلك مما يلي:ـ
ففي صحيح مسلم كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، حديث رقم: (2773). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأحمد بن عبدة الضبي واللفظ لابن أبي شيبة قال ابن عبدة أخبرنا وقال الآخران حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع جابرا يقول: أتى النبي – عليه الصلاة والسلام - قبر عبد الله بن أُبَيّ، فأخرجه من قبره، فوضعه على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه، فالله أعلم.
وبكتاب فضائل الصحابة حديث رقم: (2400). حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، حدثنا عبيد الله عن نافع عن بن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أُبَيّ بن سلول جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله – عليه الصلاة والسلام - فسأله أن يعطيه قميصه أن يُكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله – عليه الصلاة والسلام - ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه، فقال رسول الله إنما خيرني الله فقال: { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة }، وسأزيد على سبعين قال إنه منافق فصلى عليه رسول الله وأنزل الله عز وجل { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره }.
وأيضا بذات الترقيم بذات صحيح مسلم [ 2400 ] وحدثناه محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد قالا: حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله بهذا الإسناد في معنى حديث أبي أسامة وزاد قال فترك الصلاة عليهم.
أنصدق الرواية رقم: (2773) التي تثبت عدم صلاة النبي على المنافق عبد الله بن أُبي، أم نصدق الرواية رقم: (2400) .التي تثبت أنه صلى عليه؟، وكلاهما بصحيح مسلم.
وفي صحيح البخاري عن ذات الموضوع باب { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم }، حديث رقم: (4393). حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: لما توفي عبد الله جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله – عليه الصلاة والسلام - فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله ليصلي فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه فقال رسول الله – عليه الصلاة والسلام - إنما خيرني الله فقال { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة } وسأزيد على السبعين قال إنه منافق قال فصلى عليه رسول الله فأنزل الله { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره}.
وبالحديث رقم: (4394). حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل وقال غيره حدثني عقيل عن بن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال لما مات عبد الله ابن أُبي بن سلول دعي له رسول الله – عليه الصلاة والسلام - ليصلي عليه فلما قام رسول الله وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على بن أبي وقد قال يوما كذا وكذا وكذا قال: أعدد عليه قوله فتبسم رسول الله وقال أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال إني خيرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها قال فصلى عليه رسول الله ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } إلى قوله { وهم فاسقون } قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله – عليه الصلاة والسلام - والله ورسوله أعلم.
بينما وفي باب { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } حديث رقم: (4395). حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال لما توفي عبد الله بن أُبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله – عليه الصلاة والسلام - فأعطاه قميصه وأمره أن يكفنه فيه ثم قام يصلي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال تصلي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم قال إنما خيرني الله أو أخبرني فقال { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } فقال سأزيده على سبعين قال فصلى عليه رسول الله وصلينا معه، ثم أنزل الله بالقرءان:
((وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ *)).سورة التوبة آية رقم : (84) .
بما يعني أن النبي قد صلى الجنازة على رأس النفاق بالمدينة.
هل يقنع القارئ ـ مهما كان عقله كبيرا أو صغيرا ـ أن يقوم رسول الله بإخراج جثة منافق أو صحابي، ليتفل فيه فيتبلل جسد الميت بريق رسول الله؟، وهل لا بد إذا ما أخرجه من قبره أن يضعه على ركبتيه الشريفتين – عليه الصلاة والسلام -!؟، وكيف يعطى النبي قميصه أو يلبس الميت قميصه بينما من السُّنة أن يكون الكفن بلا قميص أو عمامة؟!. فهل ذلك المسلك المزعوم فعله لرسول الله من بين الأحكام التي يريد أهل السنن أن نتلاطم فيها، أم ماذا يريدون منا أن نفهم؟.
وكيف تكون الآية بسورة التوبة:
((اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ *)).سورة التوبة آية رقم : (80)
ثم يقوم رسول الله ليصلي عليه الجنازة، ترى ماذا سيقول في صلاته؟، ألن يستغفر له؟، أم بماذا سيناجي ربه في تلك الصلاة، وكيف تنهى الآية عن الاستغفار بينما يوجه عمر بن الخطاب النبي لعدم الصلاة طالما أن المنهي عنه الاستغفار فقط!؟.
أرى أن علم أسباب النزول مشكوك في غالبه، وما روي من أحاديث يساندون بها تلك المصنوعات الروائية إنما هي إفك افتراه البعض على الله ورسوله.
ومن جماع أحاديث البخاري ومسلم عن أمر عبد الله بن أُبي لا تعلم إن كان رسول الله صلى عليه الجنازة أم لم يصل، وبمناسبة موت رأس النفاق بالمدينة المنورة لماذا لم يتكلم النبي – عليه الصلاة والسلام - شيئا أو يذكر عن عذاب القبر في شأن عبد الله بن أبي بن سلول؟، ألم يكن يمشي بين الناس بالنميمة كذاك الذي زعم به يتعذب في قبره لأنه كان يمشي بين الناس بالنميمة؟، وهل تم دفنه بمقبرة وحده أم دفن بالبقيع؟، أذكر ذلك لمن يزورون البقيع على أنه مدفن للصالحين، ويتمنون أن يدفنوا بالبقيع ظنا منهم أن من جاور السعيد يسعد، وهل فكر أحد المتسننين بلا سُنَّة عما إذا كان الصالحون من الصحابة يتأذون من مجاورة المنافقين بمدفن واحد، وذلك وفق فقه من يتحرون أن يُدفنوا وسط الصالحين ويتصورون ذلك من الفقه.
وأرى أن ذكر مثل تلك الأحاديث دعوة للتحايل على أوامر الله، أكان رسول الله لا يعرف مرمى الآية القرءانية التي تنهى عن الاستغفار للمنافقين والمشركين؟، أو لم يكن يعلم معنى { إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } أنها تعني مُطلق الكثرة؟، ومن الذي أعلم الفقهاء بعد ذلك بهذا المعنى؟ (أنها تعني مطلق كثرة الاستغفار مهما بلغ العدد)، لذلك فإن وضع تلك الروايات وأمثالها إنما يعبر عن فتنة لعقول العقلاء من المسلمين.
إن كثيرًا من فقهاء المسلمين حينما يخالفون بعض ما جاء من روايات بالبخاري ومسلم، فإنهم يقومون بذلك دون أن يطرف لهم جفن، ويسوقون من أعاظم المبررات ما يسوقون، وإذا ما خالف أحد غيرهم أصغر صغيرة بتلك الكتب فإنهم يرجمونه بإنكار السُّنة، وغيرها من أفاعيلهم وسُبابهم المشهور.
ودعني أسوق لك المثل، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم بصحيحيهما (مسلم ح رقم: (529-532). والبخاري ح رقم: (1265). و رقم: (3267). و رقم: (4177). (وغيرهما كثير) ما يفيد تحذير النبي للمسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والصالحين مساجد، ونهى عن تجصيصها ووضع صورهم عليها، وغير ذلك، لكن لأن تلك الأضرحة تستجلب الفرج المادي الدنيوي لبعض المُلتصقين بها فقد باركها بعض أساطين الفقهاء، وجعلوا للنذور الممنوحة لها حصصا قانونية للبعض يقتسمونها رغم أنف ما جاء بالصحيحين، وقالوا تبريرا لأفعالهم أن نهي النبي في ذلك الشأن نهي تنزيه، وليس نهي تحريم، فهنيئا مريئا لمن حذا حذوهم واغترف بغرفتهم، واستمتع بفقههم.
ومما يؤسف له أن الشيطان حين يئس وأعوانه أن يدس بالقرءان مدسوساته، لجأ إلى السُّنة لينفث فيها سمومه، يفسد بها العقائد، ثم دعا الناس لتعظيم السُّنة، لذلك تجد ثقافة الناس وقد اهتمت بالسُّنة على حساب القرءان، وتصوروا في النبي مُشرِّعا، فهم يخالفون بذلك القرءان، بل ويعمدون إلى مثل فعل الكافرين، وفي ذلك كله يقول جل جلاله: ((وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ *)).سورة الأعراف آية رقم : (203) .
فتراهم يقولون برجم الزناة المحصنين، وبقتل تاركي الصلاة عمدا، وبعذاب القبر، وغير ذلك من السنن المفتراة، تماما كما فعل اليهود حين اهتموا بالتلمود (كتاب الأحاديث عندهم) على حساب التوراة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وما كان الله ليضع شيء يجب الإيمان به في يد الرواة والمفسرين ولا يوضحها إلا على أيديهم، ولي أن أتساءل ما حال المسلمين بقارة آسيا وهم أضعاف عدد العرب، كيف سيكون إيمانهم وليس لديهم تفاسير مفسرينا وكتابات الرواة؟، فليس عندهم إلا القرءان، بينما نحن ننادي باستكمال القرءان بالسُّنة، بما يعني احتياج الأصل للفرع، واحتياج الكل للجزء، واحتياج المحفوظ بحفظ الله لغيره ممن هو دونه، بل هناك من تطاول وقال بأن القرءان يحتاج للسُّنة أكثر من احتياج السُّنة للقرءان، وما أرى ذلك إلا من ضلال تلك المذاهب.
كما أن أعلام الخرافات حين ترفرف على عقول المسلمين لا ترفرف عليها إلا من خلال موروثات أضرت بالمسلمين أكثر مما نفعتهم، فبتلك الموروثات تقاتل المسلمون وحتى يومنا هذا، فلم يترك رسول الله مسلما سنيا وآخر شيعيا، إنما هي أسماء نتشيع لها لنفترق ونتباغض ونتخاصم بعد موت رسول الله:
((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ *)).سورة آل عمران آية رقم : (144) .
وأقصوصة عذاب القبر لن يرضى بنفيها من حصلوا على شهادات جامعية عليا من خلالها، وإلا لكانت شهاداتهم باطلة، فهم يدافعون عن كيانات دنيوية ودونية تنتهي بإفساد عقائد المسلمين.
وقد ورد بالحديث [ دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ]، فإن معنى ذلك أن يحتاط المسلم لنفسه، خاصة في شأن العقيدة، فطالما لم يرد نص صريح بالقرءان ـ نص بلا تأويل لمتأول ـ فإن من الحكمة ألا أعتقد فيه، فلن يحاسبني الله بمقتضى البخاري ومسلم، كما أن اختلافهم (البخاري عن مسلم عن غيرهما) وما سكت عنه أحدهم وأورده الآخر، لا شأن لأحد به فيما يخص العقائد والإيمانيات، إنما سيحاسبنا جميعا على الإخلاص بمقتضى صريح نصوص القرءان، وليس بما يغوص له البعض ليستخرجوه ويقولون بأنه عقيدة، أو بأنه حرام، فما وضع الله ذلك بيد بشر، حتى إن كانوا أنبياء، وليس في ذلك تسفيه للسُّنة كما يحلو للبعض أن يُزايد، لكن الأمر أمر تأصيل فقهي لأمور العقائد والإيمانيات، وترتيب للأولويات؛ فمن الأدب تقديم القرءان على السُّنة، ومن الأدب والإيمان ألا نتوهم النقص في كتاب الله.
وعودة إلى أمر الحلقة التليفزيونية بقناة المحور عن إنكاري لعذاب القبر، فلقد تصدى بعدها جهابذة السُّنة للأمر يدافعون، وما كان يهمهم إلا الدفاع عن صروحهم التي شيدوها عن قيمة ومدى الاستدلال بالسُّنة القولية، أما موضوعية الأمر فقد كانوا أبعد الناس عنه، بل تركوا كافة الآيات القرءانية التي استدللت بها في عدم وجود عذاب أو نعيم بالقبر، ولم يردوا عليها، ودعني أسرد لك ما قاله أحد هؤلاء الجهابذة بقناة الرحمة يوم الأربعاء الموافق 11/11/2009، لتدرك كيف أشرك هؤلاء رسول الله بالله في الحكم، أو على الأقل كيف يدلسون على الناس ويظهرون أشياء ويخفون أخرى.
فقد قال وهو يحاول التعريض بإسلامي ما يلي:[ يقول الإمام الشوكاني في كتابه إرشاد الفحول: إن ثبوت حجية السُّنة واستقلالها بتشريعات الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف ذلك إلا من لا حظ له في الإسلام ].انتهى.
أرأيت تعبير [ استقلال السُّنة بتشريعات الأحكام ]، فإن كان يقصد السُّنة العملية فنحن معه، ويكون في هذه الحالة يضرب الكلام بعضه ببعض وليفهم من شاء ما شاء، وإن كان يقصد السُّنة القولية فقد أسند لرسول الله مهمة لم يُرسل بها، فما كان رسول الله مُشرعا، إنما كان مبلغا ومبينا وبشيرا ونذيرا:
((مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ *)).سورة المائدة آية رقم : (99) .
وقال تعالى: (( بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ *)).سورة النحل آية رقم : (44) .
فكيف بعد تلك الآيات نقول بأن السُّنة القولية تستقل بالأحكام الإيمانية؟، أي تكون ناشئة لحكم يخضع له الناس في إيمانهم؟!.
هذا فضلا عن أن عذاب القبر ليس حكما تشريعيا حتى يقول ذلك الشيخ الشهير مقالة الإمام الشوكاني، ويضعها بغير موضعها، فعذاب القبر قضية إيمانية وليست حكما بفريضة ولا سُنة، فالحاكم له أن يُشرِّع من الأحكام ما يفي بمصلحة العباد، فكيف ننكر ذلك على أقوال الرسول – عليه الصلاة والسلام - ؟، لكن للإيمانيات شأن آخر عجز الشيخ عن إدراكه.
كما عجز الشيخ الشهير عن إدراك الفرق بين النظر والرؤية والبصر، فلم يفرق بينهم، وكم أشفقت عليه وعلى عقله وقد عجز عن إدراك تناقض مقاله، وعجز عن كشف إشراكه الذي أوقعه به إبليس، فقد قال نقلا عن شيخه بن القيم في معرض ذكره أنواع السُّنة النبوية، بأن [ هناك سُنة موجبة لما سكت القرءان عن إيجابه، أو محرمة لما سكت القرءان عن تحريمه ] ...ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن لا يصدق فعليه بتسجيل برنامج (جبريل يسأل والنبي يجيب) بقناة الرحمة، فليرجع إليه ليدرك حجم الإشراك لمن يزعم الوحدانية والحكم لله، وتكلم الشهير فقدَّم العلم على العقل، ولم يدرك أن العلم نتاج العقل، فما يمكن لمجنون أن يكون عالما، لكن العكس صحيح، وبرهن على مقاله في ذلك بأن لله اسم (العليم)، ولا يوجد لله اسم يسمى (العاقل)، وهو مما يجعل الإنسان يشفق على مثل تلك العقول النقلية التي لا تتحرك عن أقوال وجهد الأجداد من السلف، بل تراه فقد الهداية وهو يفرح بالعلم.
وتكلم عن أن النقل ضرورة لإدراك الفقه، لكن لا يمكن الاكتفاء بالعقل لإدراك الأمور، وأوافقه لكن مع التعديل، لأن القرءان منقول لنا ومع ذلك أمرنا ربنا أن نتفكر ونعمل عقولنا فيه، وطالما أعملنا العقول في القرءان فلماذا لا نُعمل العقول بالسُّنة النبوية القولية التي لم يتعهد الله بحفظها، والتي اختلف رواتها؟، فهذا ثبت عنده الحديث لكنه لم يثبت عند الآخر، وهذا حديث حسن، وآخر حسن صحيح، وثالث صحيح، ورابع ضعيف، وخامس مرسل، ومعلول إلى ستين نوعا، فكيف يكون المختلف فيه من الإيمانيات؟، وكيف نتعبد الله بحسن وصحيح وضعيف أيكون ذلك من الإيمانيات الواجبة!؟.
وهم لا يقولون لك أبدًا أن البخاري ومسلم حين ذكرا حديث: [ تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله ]، لم يذكرا أبدًا كلمة (وسنتي) التي يحلو لدعاتنا القول بها نقلا عما انفرد به مالك، إني أراهم وهم يُفسدون عقول الناس ويمنعون أدمغتهم أن تنطلق من وصايتهم وعقالهم اللعين، وأراهم يعزفون لكم لحنا في الدين ولا يريدون لكم أن تسمعوا غيره.
ورأيته وهو يقول كلمة الحياة البرزخية، إن هؤلاء الأشياخ عبثوا بمعاني كلمات القرءان خارج الأُطر والموضوعية القرءانية، لأنهم يؤصِّلُون في الناس كلمة حياة البرزخ، بينما لا يوجد شيء اسمه البرزخ يحيا الناس فيه، فالبرزخ هو الحائل والفاصل، وليس مكانا نذهب إليه ونعيش فيه بهذا الاسم، لقوله تعالى:
(( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *)).سورة المؤمنون آية رقم : (100) .
ويقول تعالى:
((بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ *)).سورة الرحمن آية رقم : (20) .
ولن يسعفني الوقت ولا الصفحات لأتتبع هذا الشيخ وأمثاله في تُرَّهاتِهم للرد عليها، لكن عزائي أن تلامذته ـ وقد سمعوه ـ سيقرءون كتابي هذا، ويوما ما سيفيقون من إغماءة المخدر الذي وضعه فقهاء جهل الناس في الناس، فما كان لهؤلاء أن يكونوا فقهاء إلا بجهل كثير من الناس وتوقف عقولهم عن العمل، فهم فقهاء بالصدفة، ويزعمون بأننا نعادي النقل، بينما نحن نذم من توقف عن تطهير المنقول البشري الذي يمكن تطهيره، وننادي أن يتم التطهير بالعقل وآليات اليوم.
والذين ينادون بكل فقه السلف، ويؤثمون كل من حاول نقد فقه الأسلاف، هم في الحقيقة ليسوا بفقهاء، فالفقيه هو من يستنبط الأحكام، ويُعمل العقل، أما هؤلاء فهم مجرد نَقَلَة لتراث بكل ما فيه، ومهما كان ما فيه، ولا يهمهم وهم في ذلك الهدير إلا أن يكونوا على فقه السلف، وكأن السلف هم أهل العصمة بينما نحن نُمَثِّل الخطيئة في نظر وعقول هؤلاء الناقلين بلا تعقل.
بحث فقهي:
مع سرد وتخريج للأحاديث المزعومة
عن القبر وعذابه
بالبداية أود أن يعلم القارئ أن هذا الجزء من الدراسة لمن تعوَّد المُدارسة الفقهية، فالعوام والذين لا همَّ لهم إلا الطعن في جهد الآخرين بلا علم إلا من قلوب طيبة يملكونها، قد يجدون صعوبة في تتبع وتذوق وإدراك قيمة المعاني العلمية الواردة بذلك الجزء، لكن حسب الجميع أن يتبع أحسن القول كما أمر الله جل في علاه.
ولقد اعتدنا على تناقض الروايات المنسوبة لرسول الله – عليه الصلاة والسلام - ، واعتدنا على اختلافات أئمة الحديث والفقه، ورجمهم من يقول بتناقض بعض الأحاديث مع القرءان بعدم الدراية وبالقصور العلمي، لذلك أنقل للقارئ الكريم بعضا من فقههم بخصوص الأحاديث الواردة بعذاب القبر، ثم تخريجًا لبعض الأحاديث الواردة بالصحيحين (البخاري ومسلم)، من خلال علم الجرح والتعديل الذي ينتهجه أئمة علم الحديث، ليقف القارئ على حقيقة وأصل ما يعتنقه من فكر.
لكن أوضح بالبداية أن الحديث النبوي مهما صحت درجته، ومهما تم تدوينه بكتب الصحاح، فلا يؤخذ به ولا يعتمد عليه لاستخراج أحكام الإيمان والعقائد، وقد أوضحنا ذلك بالفصل الأول من تلك الدراسة، كما أن فقهاء الحديث اعتمدوا لصحة الحديث أن يكون سنده صحيحا، فهم بذلك يحكمون على صحة المتن، وهو الأمر المخالف للسوية الفكرية، إذ ان صحة المقولة هي التي تُبين صدق القائل وليست شهرة الراوي بالصدق هي التي تجعلنا نحكم صدق كل مقولة تصدر عنه، لكن اعتماد الأمة عكس ذلك النهج دهورا أفقد الكثير من مناهجنا الرشاد.
ولابد أن نعلم أن التصور القرءاني هو أصدق تصور لما يحدث بالحياة وما يحدث بالممات وبعده، وليثق كل منا ويعيد إيمانه بالآية الكريمة التي قال تعالى فيها:
((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ *)).سورة الأنعام آية رقم : (3Cool .
والآية الكريمة:
((وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا *)).سورة النبأ آية رقم : (29) .
وليس هناك كتاب بعد كتاب الله يمكن الاعتماد عليه في شأن العقائد، والله عز وجل لم يجعل الإيمانيات مُجَهَّلَة يستنبطها من يستنبطها ويجهلها من يجهلها، ولم يتركها لرسوله ليبينها في علم الحديث الذي نهى – عليه الصلاة والسلام - الصحابة عن كتابته، وهو النبي الصادق القائل:[من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا]، وهو القائل: [من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار]، وقد قال الله تعالى للصحابة وللناس جميعا:
((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ*)).سورة آل عمران آية رقم : (144) .
وفيما يلي نبدأ التأصيل والتخريج للأحاديث النبوية التي دونت بعد وفاته – عليه الصلاة والسلام - بمائة وخمسين سنة لكن بعد شرح لأمر معضل.
الـتدليـس
لست أدري كيف استساغ فقهاء علم الحديث واعتمدوا روايات المدلسين، بل ووضعوا رواياتهم ضمن الصحاح ويقولون عن أحدهم أصح كتاب بعد كتاب الله، فهل يكون التدليس ورواياته أصح الكلام؟!.
والتدليس في اللغة مصدر الفعل (دلس)، ويقال دلس البائع أي كتم عيب سلعته، وأصله مأخوذ من الخديعة، أو الظلمة التي لا يهتدي من فيها إلى الصواب.
ومعنى التدليس في علم الحديث [هو إخفاء عيب في الإسناد لتحسين ظاهره]، والمدلِّس هو الراوي الذي يفعل ذلك، والمدلََّس هو الحديث الذي فيه تدليس، ومن كثرة المدلسين في الرجال الذين تم نقل الحديث النبوي عنهم فقد قسمه فقهاء الحديث إلى أنواع لتحسين صورة البعض، ويكفيك أن تعلم أن ابن حجر قد صنف البخاري بالمدلس، لأنه نقل الحديث عن مجاهيل فقال في صحيحه (عن فلان) ولم يذكر اسم فلان هذا، ومع ذلك وللعجب أن يقوم الفقهاء بتحفيظنا أنه أصح كتاب بعد كتاب الله.
وقد قال بعض فقهاء الحديث إن التدليس هو الكذب، وقد قسم الفقهاء التدليس إلى أنواع كثيرة يجمعها قسمان رئيسيان هما:
تدليس الإسناد: تدليس الشيوخ:
وقد استقبحه علماء الحديث، وأنكروه بشدة على المدلسين، وأشد قبحا عندهم تدليس التسوية، وهو فرع من تدليس الإسناد، وتجد أحاديث عذاب القبر وقد عجَّت بالمدلسين.
ولمزيد من المعلومات عن التدليس والمدلسين يمكن الرجوع إلى كتب الخطيب البغدادي المتوفى عام 463 هـ، وإلى كتاب أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ في كتابه تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، وكتاب عبد الرحمن بن أبي بكر الشهير بالسيوطي تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، وكتاب مقدمة ابن الصلاح لمؤلفه ابن الصلاح (أبو عمرو عثمان) تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن طبعة دار المعارف عام 1411هـ.
حكم رواية المُدلِّس :
اختلف العلماء حول رواية المدلس ( تدليس الإسناد ) على ثلاثة أقوال :
القول الأول : رد خبر المدلس مطلقاً، سواءٌ صرح بالسماع أو لم يصرح، أو دلس عن الثقات أو عن الضعفاء، وهو قول بعض أصحاب الحديث وفريق من الفقهاء، وهو ما أتبناه في كتابي هذا .
القول الثاني: قبول خبره مطلقًا، صرح بالسماع أو لم يصرح، وقال به جمهور من قبلَ رواية المراسيل في الحديث .
القول الثالث: التفصيل: تُقبل إذا صرح بالسماع أو ما يقوم مقامه، وإلا فترد روايته، وقال بذلك الشافعي والخطيب البغدادي وابن الصلاح وأبو الحسن ابن القطان والنووي وابن حجر ومن جاء بعده، وهو الذي عليه العمل في عصرنا.
وإليك فيما يلي باقة من الروايات المنسوبة زورًا لسيد الثقلين – عليه الصلاة والسلام - والتي دخلت على الأمة فاعتنقت فقه القبور في أفكارها، وتركت كتاب ربها لأجل تلك الروايات، وقامت بتأويل نصوص بعض الآيات لتتناغم مع روايات العذاب، وليتخيل القارئ أنه تم حصر الأحاديث عن فقه القبور والمنسوبة زورا للنبي فوجدت كما يلي:ـ
عدد أحاديث عذاب القبر في الكُتُب التسعة:
أولا - روايات عذاب القبر في مصنف البخاري وعددها (32) رواية :
ثانيا - روايات عذاب القبر في مُصنف مسلم وعددها (33) رواية :
ثالثا - روايات عذاب القبر في مصنف الترمذي وعددها (1Cool رواية :
رابعا - روايات عذاب القبر في مصنف النسائي وعددها (67) رواية :
خامسا – روايات عذاب القبر بمُصنف أبي داود وعددها (15)رواية :
سادسا - روايات عذاب القبر في مُصنف ابن ماجة (14) رواية :
سابعا - روايات عذاب القبر في مُصنف أحمد بن حنبل (114) رواية :
ثامنا - روايات عذاب القبر في مُصنف مالك وعددها (4) روايات فقط
تاسعا - روايات عذاب القبر في مصنف الدارمي وعددها (4) روايات:
أهم النتائج التي خلص إليها علماء الحديث
أولاً : التدليس طعنٌ في المروي لا في الراوي .
ثانياً : أحاديث المدلسين في صحيح البخاري غير طاعنة في شرط الصحة ، وذلك لأن احتمال الانقطاع قد زال ، إما بإثبات التصريح بالسماع للمدلس المعنعن الذي لا تُقبل روايته إلا بذلك ، أو ما يقوم مقام التصريح بالسماع من اعتبارات قبول عنعنة المدلس .
ثالثاً : روايات المدلسين في صحيح البخاري تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أحاديث المدلسين الذين لا تضر عنعنتهم مطلقاً ، وهي كالتالي :
المرتبة الأولى : عدد الرواة : 18 راويا، عدد الـروايات : 1860 رواية .
المرتبة الثانية : عدد الرواة : 21 راويا، عدد الروايات : 3006 روايات
القسم الثاني : أحاديث المدلسين الذين لا تُقبل أحاديثهم المعنعنة إلا إذا جاء مصرحاً بها بالسماع أو باعتبارات تقوم مـقام التصريح بالسماع، وهي كالتالي :
المرتبة الثالثة : عدد الرواة : 23 راويا، عدد الأحاديث المصرح فيها بالسماع : 547 حديثا، عدد الأحاديث المعنعن فيها : 796 حديثا، نسبة الأحاديث المعنعنة : 59.27 % ، مجموع الأحاديث : 1343 حديثا .
المرتبة الرابعة : عدد الرواة : 6 رواة، عدد الأحاديث المصرح فيها بالسماع 37 حديث، عدد الأحاديث المعنعن فيها : 26 حديثا، نسبة الأحاديث المعنعنة : 41.26 % ، مجموع الأحاديث :63 رواية .
رابعاً : نسبة أصحاب المرتبتين الأولى والثانية الذين لا تضر عنعنتهم مطلقاً ( 57.3 % ) من عدد المدلسين في صحيح البخاري .
خامساً : مجموع المدلسين في صحيح البخاري من كل المراتب ( 6Cool مدلساً، علماً بأن عدد المدلسين الذين ذكرهم الحافظ بن حجر (152) مدلساً ، أي ما نسبته ( 44.7 . ( %
وسوف أسرد لك بعضا من تلك الرِّوايات التي اشتهرت على ألسنة الدعاة والعامة على السواء، لتعلم من أي مغترف يغترف دعاتنا علومهم، وكيف يتم إضلال الأمة باسم (حديث صحيح)، ومرفق بكل حديث رواته ودرجته من الضعف أو الوضع، وذلك مما يلي:ـ
1ـ أبدأ بما بدأ به شيخ محدثي العصر الحديث، الشيخ/محمد ناصر الألباني ـ يرحمه الله ـ في كتابه سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وقد دونت الأحاديث بأرقامها وكلماتها بالكتاب، وذلك فيما يلي:ـ
563 - ( موضوع )
[ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحي بجار السوء].
966 - ( منكر )
[من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة ] ( منكر بهذا اللفظ) وقد روي عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ [ لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر] رواه مسلم وأصحاب السنن إلا الترمذي والطحاوي وغيرهما.
1021 - ( باطل )
[ من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ].
1147 - ( منكر )
[ إذا مررت عليهم ( يعني أهل القبور ) فقل : السلام عليكم يا أهل القبور من المسلمين والمؤمنين أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. فقال أبو رزين: يا رسول الله أو يسمعون؟، قال: ويسمعون ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا أو لا ترضى يا أبا رزين أن يرد عليك ( بعددهم من ) الملائكة؟].
1166 - ( ضعيف ) [من مات فقد قامت قيامته ] . ( ضعيف ).
1782 - ( موضوع )
[اتقوا البول، فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر].
4990 - ( موضوع )
[ما يأتي على هذا القبر من يوم إلا وهو ينادي بصوت طلق ذلق : يا بن آدم كيف نسيتني ؟ ألم تعلم أني بيت الوحدة وبيت الغربة وبيت الوحشة وبيت الدود وبيت الضيق إلا من وسعني الله عليه ؟ القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار].
4085 - ( ضعيف )
[ كبروا على موتاكم بالليل والنهار أربع تكبيرات ]
- " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " وفي رواية: " الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ".
أخرجه الشيخان وأحمد من حديث ابن عمر، والرواية الأخرى لمسلم وأحمد ورواه ابن حبان في صحيحه (742) من حديث عمران بن حصين نحو الرواية الأولى.
7 - " من ينح عليه يعذب بما نيح عليه (يوم القيامة) "
(1) في هذا الحديث بيان أن البكاء المذكور في الحديث الذي قبله، ليس المراد به مطلق البكاء، بل بكاء خاصا وهو النياحة، وقد أشار إلى هذا حديث عرم المتقدم في الرواية الثانية، وهو قوله: " ببعض بكاء...".
ثم إن ظاهر هذا الحديث واللذين قبله مشكل، لأنه يتعارض مع بعض أصول الشريعة وقواعدها المقررة في مثل قوله تعالى: " ولا تزر وازرة وزر أخرى"، وقد اختلف العلماء في الجواب عن ذلك على ثمانية أقوال، وأقربها إلى الصواب....(راجع الاختلافات بالمرجع المذكور، ثم انظر هل تكون الاختلافات في العقائد لدرجة ثمانية أقوال، وهل تصح بذلك عقيدة؟!!!).
2ـ ثم أتناول بالكتابة فيما يلي سرد ما نشرته مجلة التوحيد الناطقة باسم جماعة أنصار السُّنة المحمدية، بالعدد الصادر في شهر شوال لعام 1430 هجرية، سبتمبر 2009م العدد رقم: (454) صـ (53- 56) وذلك فيما يلي:ـ
رواية نداء القبر يوميًا على ابن آدم :
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثة للقارئ الكريم لبيان حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة القصاص والوعاظ، ومما زادها شهرة التحدث بها عند تشييع الجنائز، وإلى القارئ الكريم تخريج وتحقيق هذه القصة (قصة نداء القبر يوميًا على ابن آدم).
أولاً: متن القصة
رُوِيَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال [خرجنا مع رسول الله في جنازة فجلس إلى قبر منها، فقال ما يأتي على هذا القبر من يوم إلا وهو ينادي بصوت طَلِقٍ ذَلِقٍ يا ابن آدم كيف نسيتني، ألم تعلم أني بيت الوَحْدَة، وبيت الغربة، وبيت الوحشة، وبيت الدود، وبيت الضيق إلا من وسَّعني الله عليه] ثم قال النبي: [ القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار ] اهـ.
ثانيًا: التخريج
أخرجه الطبراني في الأوسط ح قال حدثنا مسعود بن محمد الرملي قال حدثنا محمد بن أيوب بن سُوَيْد قال حدثنا أبي قال حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال وذكر القصة.
ثالثًا: التحقيق
هذه القصة واهية، والخبر الذي جاءت به موضوع ومن الغرائب النسبية حيث قال الإمام الطبراني في «المعجم الأوسط» «لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا أيوب بن سويد تفرد به ابنه» اهـ.
قُلْتُ نستنتج من قول الإمام الطبراني أن في الخبر غرابتين نسبيتين
الأولى الخبر غريب عن الأوزاعي لم يروه عنه إلا أيوب بن سويد
الثانية وهذا الخبر أيضًا غريب عن أيوب بن سويد تفرد به عنه ابنه محمد. وهذه الغرابة المزدوجة هي أساس الوضع في هذه القصة، حيث بيَّن ذلك الإمام ابن حبان في كتابه «المجروحين» فقال «محمد بن أيوب بن سويد الرملي يروي عن أبيه عن الأوزاعي الأشياء الموضوعة لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه» اهـ.
قلت والموضوع اصطلاحًا هو الكذب المختلق المصنوع المنسوب إلى رسول الله ، ورتبته «هو شر الأحاديث الضعيفة وأقبحها لذلك نجد أن هذا الخبر مسلسل بالعلل.
العلة الأولى: محمد بن أيوب بن سويد الرملي فقد أورده الإمام الذهبي في «الميزان» وقال محمد بن أيوب بن سويد الرملي عن أبيه وغيره ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان لا تحل الرواية عنه قال أبو زرعة رأيته قد أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة، وأورده الإمام الدارقطني في كتابه «الضعفاء والمتروكين» ت وقال محمد بن أيوب بن سويد الرملي ضعيف، وأورده الحافظ بن حجر في «لسان الميزان» قال: «محمد بن أيوب بن سويد الرملي عن أبيه وغيره ضعفه الدارقطني وقال ابن حبان لا تحل الرواية عنه قال أبو زرعة رأيته أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة»
قلت وبهذا يكون الحافظ بن حجر قد أقر قول الإمام الذهبي في محمد بن أيوب بن سويد الرملي، ثم زاد الحافظ بن حجر عليه بأن نقل قول الإمامين الحاكم وأبي نعيم في محمد بن أيوب بن سويد «قال الحاكم وأبو نعيم روى عن أبيه أحاديث موضوعة» .
العلة الثانية: أيوب بن سويد أبو مسعود الرملي
قال الإمام العقيلي في «الضعفاء الكبير» أيوب بن سويد أبو مسعود الرملي حدثنا عبد الله بن محمد المروزي قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن بشير المروزي قال حدثنا سفيان بن عبد الملك قال سمعت ابن المبارك يقول أيوب بن سويد اِرْمِ بِهِ.
قال الإمام البخاري في «التاريخ الكبير» ت أيوب بن سويد ليس بثقة
وأقر هذه الأقوال الإمام الذهبي في «الميزان» وقال «أيوب بن سويد الرملي أبو مسعود ضعفه أحمد وغيره، وقال النسائي ليس بثقة، وقال ابن معين ليس بشيء، وقال ابن المبارك ارم به، وقال البخاري يتكلمون فيه» اهـ.
العلة الثالثة: تدليس يحيى بن أبي كثير
قال الحافظ بن حجر في «التقريب» يحيى بن أبي كثير الطائي مولاهم أبو نصر اليماني يدلس ويرسل اهـ.
وأورده الحافظ بن حجر أيضًا في «طبقات المدلسين» المرتبة الثانية رقم وقال يحيى بن أبي كثير اليماني من صغار التابعين حافظ مشهور كثير الإرسال ويقال لم يصح له سماع من صحابي ووصفه النسائي بالتدليس اهـ.
وأورده الإمام السيوطي في «أسماء المدلسين» رقم وقال «يحيى بن أبي كثير مشهور بالتدليس ذكره النسائي» اهـ.
قُلْتُ وبالرجوع إلى السند نجد أن يحيى بن أبي كثير عنعن ولم يصرح بالسماع، ولقد بين الحافظ بن حجر في شرح النخبة النوع حكم التدليس فقال «حكم من ثبت عنه التدليس إذا كان عدلاً أن لا يُقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث على الأصح» اهـ.
بهذا التحقيق يتبين أن قصة «نداء القبر يوميًا على ابن آدم» قصة واهية وخبرها تالف مسلسل بالعلل من الوضاعين والمتروكين والمدلسين.
رابعًا: طريق آخر تالف لذات القصة
هناك طريق آخر تالف جاءت به أكثر جمل هذه القصة الواهية
رُوي عن أبي سعيد عن رسول الله قال [لم يأت على القبر يومٌ إلا تكلم فيه فيقول أنا بيت الغربة، وأنا بيت الوحدة، وأنا بيت التراب، وأنا بيت الدود، فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبًا وأهلاً، أمَا إنْ كنتَ لأَحَبَّ مَن يمشي على ظهري إليّ، فإذا وليتك اليوم وصرت إليَّ فسترى صنيعي بك قال فيتسع له مَدَّ بصره ويفتح له باب إلى الجنة
وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر لا مرحبًا ولا أهلاً، أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إليَّ، فإذ وليتك اليوم وصرت إليَّ فسترى صنيعي بك قال فيلتئم عليه حتى تلتقي عليه وتختلف أضلاعه، قال قال رسول الله بأصابعه فأدخل بعضها في جوف بعض، قال: ويُقَيَّضُ له سبعون تنينًا، لو أن واحدًا منها نفخ في الأرض، ما أنبتت شيئًا ما بقيت الدنيا، فينهشنه ويخدشنه حتى يُفضي به الحساب قال رسول الله (إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفرالنار)]
خامسًا: تخريج هذا الطريق للقصة :
هذا الطريق أخرجه الإمام الترمذي في «السنن» شاكر ح قال حدثنا محمد بن أحمد بن مَدُّويَهْ، حدثنا القاسم بن الحكم العُرني حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصَّافي عن عطية عن أبي سعيد مرفوعًا.
سادسًا: التحقيق :
بعد أن أخرج الإمام الترمذي هذا الخبر قال «هذا حديث غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه» اهـ.
قلت قول الإمام الترمذي «هذا حديث غريب يعني أنه غير صحيح كما هو اصطلاحه حينما يفرد الحديث بهذا الوصف «غريب» بخلاف ما إذا قال «حديث صحيح غريب» أو حديث «حسن غريب» كما هو معلوم عند أهل العلم.
قلت وقد يقع في بعض النسخ «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه» اهـ، ولذلك بعد أن نقل الشيخ الألباني رحمه الله هذه العبارة المنسوبة إلى الإمام الترمذي رحمه الله في «الضعيفة» قال «وأَنَّى له الحسن وعطية ضعيف مدلس والوصافي ضعيف جدًا، وبه أعله المنذري فقال وهو واهٍ» اهـ.
قلت لذلك اعتمدت على الله وحده، ثم طبعة الشيخ أحمد شاكر محدث النيل رحمه الله لكتاب السنن للإمام الترمذي، والذي قال في مقدمته: [والذي اعتمدته من نُسَخ الكتاب المخطوطة والمطبوعة سبع نسخ وقال ولقد اتبعت في تصحيح كتاب الترمذي هذا أصح قواعد التصحيح وأدقها، واجتهدت في إخراج نصه صحيحًا كاملاً، على ما في الأصول التي وصفت من اضطراب واختلاف، وعلى أنه لم يقع لي منه نسخة يصحُّ أن تسمى «أصلاً» بحق، كأن تكون قريبة من عهد المؤلف، أو تكون ثابتة القراءة والأسانيد، على شيوخ ثقات معروفين، ولكن مجموع الأصول التي في يدي يخرج فيها نص أقرب إلى الصحة من أي واحد منها، ولم أكتب فيه حرفًا واحدًا إلا عن ثبت ويقين وبعد بحث واطمئنانٍ] اهـ.
قلت لذلك قال الإمام العراقي رحمه الله في «تخريج الإحياء» «أخرجه الترمذي وقال غريب» ثم قال فيه عبيد الله بن الوليد الوصافي ضعيف. قلت وبهذا ثبت لي بيقين قول الترمذي عن هذا الخبر هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ومن تحقيق الإمام العراقي ومن العلل الظاهرة التي بها تصبح القصة من هذا الطريق واهية .
العلة الأولى: عبيد الله بن الوليد الوصافي.
في «سؤالات عثمان بن سعيد الدارمي» للإمام يحيى بن معين السؤال سألته عن عبيد الله بن الوليد الوصَّافي ؟ فقال ليس بشيء، قال الإمام العقيلي في «الضعفاء الكبير» «عبيد الله بن الوليد الوصافي في حديثه مناكير، لا يتابع على كثير من حديثه» وقال حدثنا أحمد بن محمود، قال حدثنا عثمان بن سعيد، قلت ليحيى بن معين عبيد الله بن الوليد الوصافي؟ قال ليس بشيء .
قال الإمام النسائي في كتابه «الضعفاء والمتروكين» ت «عبيد الله بن الوليد الوصافي متروك الحديث» .
قلت وهذا المصطلح له معناه
قال الحافظ بن حجر في «شرح النخبة» «كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه.»
قال الإمام ابن حبان في «المجروحين» «عبيد الله بن الوليد الوصافي من أهل الكوفة من ولد الوصاف بن عامر العجلي واسم الوصاف مالك روى عنه أهلها، منكر الحديث جدًا، يروي عن الثقات عطاء وغيره ما لا يشبه حديث الإثبات حتى إذا سمعها المستمع سبق إلى قلبه أنه كالمتعمد لها فاستحق الترك» اهـ.
ونقل الإمام الذهبي في «الميزان» أقوال هؤلاء الأئمة وأقرها وزاد عليها فقال «عبيد الله بن الوليد الوصافي، عن عطية العَوْفي وعطاء بن أبي رباح، روى عثمان بن سعيد عن يحيى ليس بشيء، وقال أحمد ليس يحكم الحديث يكتب حديثه للمعرفة، وقال أبو زُرعة والدارقطني وغيرهما ضعيف»
وقال ابن حبان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد له فاستحق الترك وقال النسائي والفلاس متروك
العلة الثانية: عطية العوفي
قال الإمام ابن حبان في «المجروحين» «عطية بن سعد العوفي» كنيته أبو الحسن من أهل الكوفة، يروي عن أبي سعيد الخدري، سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه فإذا قال الكلبي قال رسول الله بكذا، فيحفظه وكناه أبا سعيد ويروي عنه، فإذا قيل له من حدثك بهذا ؟ فيقول حدثني أبو سعيد فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري وإنما أراد به الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به، ولا كتابة حديثه إلا على وجه التعجب اهـ.
قُلْتُ وأورده الحافظ بن حجر في «طبقات المدلسين» المرتبة الرابعة رقم قال «عطية بن سعد العوفي تابعي معروف، ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح» اهـ .
قلت والمرتبة الرابعة من المدلسين بيَّنها الحافظ بن حجر في مقدمة كتابه «طبقات المدلسين» حيث قال «الرابعة من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل كبقية بن الوليد» اهـ .
وفي هذا الخبر نجد أن عطية العوفي فوق أنه متروك لا تحل الرواية عنه، إلا على سبيل التعجب، نجده أيضًا مشهور بالتدليس القبيح ولم يصرح في هذه الرواية التي جاءت بها هذه القصة بالسماع ولكنه عنعن فلا يقبل حديثه، فالسند عن عطية عن أبي سعيد.
وبهذا تصبح القصة من هذا الطريق أيضًا واهية لما فيها من متروكين ومدلسين.
لذلك قال المنذري في «الترغيب والترهيب» «رواه الترمذي واللفظ له والبيهقي كلاهما من طريق عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو واهٍ عن عطية وهو العوفي عن أبي سعيد» .
ونقل ذلك الشيخ الألباني رحمه الله كما بينا آنفًا وحكم على القصة بأنها موضوعة في «الضعيفة» ح.
وبهذا يتبين أن هذا الطريق بما فيه من متروكين ومدلسين لا يزيد القصة إلا وهنًا على وهن.
هذا حتى لا يتوهم متوهمٌ أن الحديث الضعيف يقوي بعضه بعضًا، ولا يدري أن هذا الكلام ليس على إطلاقه، وإلى القارئ الكريم هذه القاعدة التي نقلها الحافظ الإمام ابن كثير رحمه الله في اختصار علوم الحديث.
«قال الشيخ أبو عمرو لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة أن يكون حسنًا ؛ لأن الضعف يتفاوت فمنه ما لا يزول بالمتابعات يعني لا يؤثر كونه تابعًا أو متبوعًا، كرواية الكذابين والمتروكين» اهـ .
قلت وهذه القاعدة يجب أن يعض عليها طالب هذا العلم بالنواجذ
وبتطبيقها نجد أن القصة واهية ولا يزول ضعفها بل يزداد ضعفًا على ضعف، ولذلك قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله في «علوم الحديث» «ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهمًا بالكذب، أو كون الحديث شاذًا، وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة» ا .هـ.
ثالثا: تخريج أحاديث كتب الصحاح:
أـ صحيح البخاري
بالبداية أود أن أذكر أن التخريج الوارد استخدم فيه كُتُب الرجال المدونة بمعرفة أئمة الحديث، وبخاصة كتاب ابن حجر [تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس]، [والموسوعة الحديثية]، كما أنه من العسير كتابة التخريجات لكافة الأحاديث الواردة بكل كتب الصحاح لكن انتقينا منها ما رأينا أنه المفيد للقارئ، وقمنا باختصار الأمر بصورة لا تسمح بالإطالة الممجوجة، مع تكرار شكرنا لكل من ساهم وبخاصة الأستاذ الكبير/ عبد الفتاح عساكر، ونبدأ بأشهر الأحاديث الواردة بصحيح البخاري عن عذاب القبر وعددها 32 رواية انتقينا منها ما يلي:ـ
(1)حـديث الجريدة
وهي الرواية التي يحشد لها الناس الأهمية حيث روي أن النبي – عليه الصلاة والسلام - رأي قبرًا فقال إن به اثنين من الموتى يُعذبان، فأما أحدهما فكان لا يتنزه من البول (لا يستنجي) وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة، وأخذ جريدة وشقها نصفين ووضع كل شق منها على قبر كل منهما، وقال علَّه يُخفف عنهما ما لم ييبسا، وتلك الرواية وردت بالصحيحين، ولم تخل من العلل في كلهيما.
وتلك الرواية وردت برقم: (209) وبها عثمان: ورتبته ثقة حافظ له أوهام، واسمه عثمان بن محمد بن ابراهيم بن عثمان وكنيته أبو الحسن، فتصور أصح كتاب بعد كتاب الله ينقل عن من له أوهام.
ووردت الرواية تحت رقم (211) وبرقم (1273ورقم 1289) بكتاب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف ، وكتاب عذاب القبر من الغيبة والبول، وبهم جميعا (الأعمش) ورتبته ثقة حافظ لكنه يدلس وهو أهم الرواة وأشهرهم في هذا الحديث في أكثر الكتب، واسمه سليمان بن مهران وكنيته أبو محمد، وقال عنه الذهبي: ما نقموا عليه إلا التدليس وهو يدلس، وقال عنه ابن المبارك إنما أفسد حديث الكوفة أبو إسحق والأعمش، وقال عنه أحمد بن حنبل: في حديث الأعمش اضطراب كثير، وقال عنه أيضا إنه كان يروي عن أنس مع أن روايته عن أنس منقطعة لأنه ما سمع من أنس، وقال عنه ابن المديني: الأعمش كان كثير الوهم، وما قيل فيه عموما يضيق به المقام لكن نكتفي بذلك القدر، فأين أهل الصحاح من الجريدة؟!.
والروايتان رقم:(5592) ورقم (5595) . فيهما عبيدة بن حميد وقد أورد فيهما ابن حجر أنه صدوق وربما أخطأ.
وبعد: فقد كانت تلك ست روايات عن موضوع الجريدة والعذاب من البول والنميمة بالقبر، وذلكم ما أورده علم الرجال في الرجال، فهل تصح عقيدة وإيمان بذلك التدليس والأوهام والخطأ؟!.
(2) وعن الرواية التي تزعم بأن [الميت في قبره يعذب بما ينيح عليه] وردت الرواية رقم: (1210 ) كتاب الجنائز باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف فيه سعيد بن المسيب ورتبته ثقة حافظ كثير التدليس والخلط، وقال عنه محمد بن سعيد: ثقة اختلط آخر عمره، فلست أدري علام نترك كتاب الله، أنتركه لأجل من يخلط ومن يدلس، وما أسميناه حديث صحيح، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(3) وعن دعاء النبي بالتعوذ من عذاب القبر ورد الحديث رقم: (1288) وفيه هشام: ورتبته ثقة وقد رُمى بالقدر وهو هشام بن أبي عبد الله بن سنبر، وفيه يحي وأبو هريرة: ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل.
وكذلك الحديث رقم: (4338) عن نفس الموضوع، فيه هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور ورتبته ثقة إلا أنه رُمى بالقدر.
والحديث رقم: (5911) عن نفس الموضوع، فيه عبيدة بن حميد: الرتبة صدوق وربما أخطأ، وفيه عبد الملك بن عمير: الرتبة ثقة عالم تغير حفظه وربما دلس، فهل يصح تبني فكرة التعوذ من عذاب القبر؟.
(4) وبالحديث رقم: (3681) كتاب المغازي باب قتل أبي جهل أن النبي قام على القليب وكلَّم موتى المشركين بعد أن قُتلوا، ففيه أبو أسامة: ورتبته ثقة وربما يدلس، وفيه هشام: وهو ثقة وربما يدلس، وهو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام وأنكره الذهبي وابن قطان.
(5) وبالحديث رقم: (5889) من أن النبي قال عن الموتى إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم، ففيه عثمان بن أبي شيبة: ورتبته ثقة حافظ وله أوهام.
وبعد فكان ذلك تخريج عدد :(13) حديثا وردت بصحيح البخاري من إجمالي 32 رواية كلها تجمعها العلل وفق مراجع علماء الحديث ، وباقي الروايات تحمل جميعا في طياتها العلل لكن لضيق المقام اكتفينا بهذا القدر، أما علم التبرير الذي يستحسن المدلسين وأصحاب الأوهام وغيرهم، ويسمي قولهم بالصحيح، فلا طاقة لنا بجدال مع أصحابه.(108)
ب ـ صحيح مسلم
من البدهي أن يذكر الإمام مسلم في صحيحه رواية الجريدة السابق ذكرها (ص123) وتم تفنيد القول فيها بأن فيها عثمان والأعمش، وما روي عن عللهما كان أعظم من اختصاراتنا، فيمكن الرجوع إليه، كما سبق وذكرنا أن الطرق الضعيفة لا يقوي بعضها بعضا، وأن ورودها من طرق مختلفة لا يُحَسِّنها بالضرورة، بل يمكن أن يؤكد ضعفها (راجع أقوال أئمة الحديث في ذلك ص 121&122).
وعدد روايات عذاب القبر بصحيح مسلم (33) رواية: منها عدد (29) رواية مطعونة في سندها، ومنها عدد (4) روايات فقط سندها غير مطعون فيه، لكن متونها جميعا تتصادم مع كتاب الله، وإليك تخريج لبعضها فيما يلي:ـ
الرواية رقم: (921) في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ،ِباب استحباب التعوذ من عَذَابِ الْقَبْرِ:
(( حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ قَالَ حَرْمَلَةُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – عليه الصلاة والسلام - بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ*)) .
*** بيانات الراوي المجروح في هذه الرواية: أَبِو هُرَيْرَةَ: [ انظر بياناته في الحديث رقم: (1288). الذي رواه البخاري في هذا البحث. جاء في كتاب سير أعلام النبلاء: 2 /608، وكتاب ابن عساكر [ تاريخ دمشق ]، طبعة إحياء التراث 71/266: [ شعبة يقول: أبو هريرة كان يُدلس...! .وقال ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب [ص 718-719 ]: " ...اختلف في اسمه اختلافا كثيرا لا يحاط به ولا يضبط في الجاهلية والإسلام ...."وهناك دليل من البخاري. على تدليس أبي هريرة الذي أسلم وعاصر النبي ثلاث سنوات وتسعة أشهر فقط، ثم توفي النبي– عليه الصلاة والسلام - .
روى مسلم الرواية رقم : (924) في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، ِباب: ما يستعاذ منه في الصلاة (( حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – عليه الصلاة والسلام - إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ*)) .
*** بيانات الراوي المجروح في هذه الرواية :
أبو هُرَيْرَةَ: [ انظر بياناته في الحديث رقم: (1288). الذي رواه البخاري في هذا البحث. ] * يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ : ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل . روى مسلم برقم: (4900) في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّ مَا عُمِلَ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ يُعْمَلْ.؟.
((حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ النَّخَعِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – عليه الصلاة والسلام - إِذَا أَمْسَى قَالَ أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ قَالَ الْحَسَنُ فَحَدَّثَنِي الزُّبَيْدُ أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذَا لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ*)) .
*** بيانات الراوي المجروح في هذه الرواية :
* عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ : الرتبة : ثقة – فى حديثه عن الأعمش وحده مقال ، مهم جدا أن تعرف - أيها القارئ الكريم - من الأعمش؟ وقد سبق ذكره.
وروى مسلم الرواية رقم: (4901) في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب : بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّ مَا عُمِلَ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ يُعْمَلْ .؟.((حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ – عليه الصلاة والسلام - إِذَا أَمْسَى قَالَ أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ قَالَ أُرَاهُ قَالَ فِيهِنَّ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ*)) .
*** بيانات الراوي المجروح في هذه الرواية : عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : الرتبة : ثقة حافظ وله أوهام .؟.
روى مسلم بَاب عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ عَلَيْهِ وَإِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْهُ الرواية رقم : (5112) في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب : عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه: ((حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ وَأَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَلَمْ أَشْهَدْهُ مِنْ النَّبِيِّ – عليه الصلاة والسلام - وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ – عليه الصلاة والسلام - فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ قَالَ كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِيُّ فَقَالَ مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا قَالَ فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ قَالَ مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ فَقَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ)) .
*** بيانات الراوي المجروح في هذه الرواية :
* ابْنُ أَيُّوبَ : الرتبة : صدوق ربما أخطأ .؟.؟.!.
* سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ : الرتبة : ثقة اختلط قبل موته .؟.!.
وروى مسلم الرواية رقم: (5118) في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب : عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه.
((حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنُونَ ابْنَ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ قَالَ نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ*)) .
*** بيانات الراوي المجروح في هذه الرواية : * سُفْيَانَ : الرتبة : ثقة حافظ وربما دلس .؟.!.؟.!. وهو سفيان بن سعيد بن مسروق ونسبه الثوري من طبقة كبار الأتباع ، وكنيته أبو عبد الله ، أقام بالكوفة ومات في البصرة عام 161هـ
* خَيْثَمَةَ : الرتبة : ثقة يرسل ، والمرسل حديثه ضعيف كما قال النووي في كتابه [ التقريب .] .
ج ـ رواية منكر ونكير والسؤال بالقبر:
من غرائب التدين الشعبي البعيد عن دين الله، ما يتناقله الدعاة وتابعهم فيه المسلمون، من قصة منكر ونكير، وما يواكب تلك الخرافة من تلقين الميت (باعتبار أنه يموت إلا من سمعه وبصره كما يزعمون)، وتلك الخرافة كما أوردها الترمذي ـ رحمه الله ـ بالحديث رقم: (991). في كتاب: الجنائز عن رسول الله باب ما جاء في عذاب القبر، نوردها فيما يلي:ـ
((حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – عليه الصلاة والسلام - إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالْآخَرُ النَّكِيرُ فَيَقُولَانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولَانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ فَيَقُولُ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ فَيَقُولَانِ نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ فَيُقَالُ لِلْأَرْضِ الْتَئِمِي عَلَيْهِ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ كُلُّهُمْ رَوَوْا عَنْ النَّبِيِّ – عليه الصلاة والسلام - فِي عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ *) .
• بيانات الراوي المجروح في هذه الرواية :
• عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَقَ :الرتبة : صدوق رمي بالقدر .؟.!.
• سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ :ثقة تغير قبل موته بأربع سنين. وفيه أَبِو هُرَيْرَةَ وقد سبق بيانه.
د ـ روايات الثعبان الشجاع الأقرع:
مما يدلك على خلط الدعاة وتسيب التدين الشعبي، أنك تجدهم يتصورون ذلك الثعبان الذي يطلقون عليه اسم الشجاع الأقرع أنه من بين عناصر عذاب القبر، بينما لا وجود لذلك الأقرع بكتب الحديث كعذاب قبر، لكنه مذكور على أنه من بين الغيبيات التي تحدث يوم القيامة في جهنم، ومن البدهي أن يدافع من نالوا شهادات الدكتوراة والماجستير عن شهاداتهم التي حصلوا عليها من خلال علم مفترى، فهو تماما كعلم رضاع الكبير الذي تم تأليف الكتب فيه على أنه من الصحاح، وما أرى ذلك كله إلا علم الزيف على رسول الله والدين القويم، يضاهئون به القرءان ويحرفونه.
ولعلك تعجب إذا علمت أن رواية ذلك الثعبان مذكورة بكتب الصحاح التسعة عدا الترمذي، وإليك تخريج لبعض من تلك الرواية بكتب الصحاح:ـ
روى البخاري الرواية رقم : (4199) في كتاب : تفسير القرآن ، باب : وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
((حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – عليه الصلاة والسلام - مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَلَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ*)) .
* بيانات الراوى المجروح :
* عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ : الرتبة صدوق يُخطئ .؟.!.
* أَبِو هُرَيْرَةَ: الرتبة :: مُدلس!!. والعجيب أنه جاء في كتاب سير أعلام النبلاء: 2 /608، وكتاب ابن عساكر [ تاريخ دمشق ]، طبعة إحياء التراث 71/266: [ شعبة يقول: أبو هريرة كان يُدلس... ] .وقال ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب [ص 718-719 ] : " ...اختلف في اسمه اختلافا كثيرا لا يحاط به ولا يضبط في الجاهلية والإسلام، وهناك دليل من البخاري. علي تدليس أبي هريرة !!. هو مُلزم للجمهور باعتبار أنه أصح كتاب بعد كتاب الله. كما يزعمون ...؟.!.وإليك الرواية التي تؤكد أن [أبِا هُرَيْرَةَ ] مدلس .
قال البخاري الحديث رقم: (1791) ترقيم فتح الباري في كتاب الصوم الصائم يصبح جنبا : { حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَه أَخْبَرَتَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – عليه الصلاة والسلام - كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَتْ لِأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا وَلَوْلا مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَهُنَّ أَعْلَمُ وَقَالَ هَمَّامٌ وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ – عليه الصلاة والسلام - يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ وَالْأَوَّلُ أَسْنَدُ } ومعنى ذلك أن الذي قال له هذا الكلام : الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ . وليس: عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ [!!!؟] . والأمثلة علي تدليسه كثيرة.!. فيما رواه بجميع كتب المرويات.
وروى مُسلم الرواية رقم : (1650) في كتاب:الزكاة، إثم مانع الزكاة.
((حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ – عليه الصلاة والسلام - قَالَ مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا قَالَ إِطْرَاقُ فَحْلِهَا وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا وَمَنِيحَتُهَا وَحَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا مِنْ صَاحِبِ مَالٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلَّا تَحَوَّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُمَا ذَهَبَ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ وَيُقَالُ هَذَا مَالُكَ الَّذِي كُنْتَ تَبْخَلُ بِهِ فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ فَجَعَلَ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ*)) .
* بيانات الراوى المجروح : * عَبْدُ الْمَلِكِ: الرتبة : ثقة ربما أخطأ .؟.! . * أَبُو الزُّبَيْرِ : الرتبة : صدوق إلا أنه يدلس .؟.!. وهو محمد بن مسلم بن تدرس ونسبه الأسدي وكنيته أبو الزبير.
تعليق: وأكتفي بهذا القدر، ويكفي أن أيا من الذين قام المحقق بتجريحهم كان مرجعه في ذلك كُتُب الرجال التي شيدها علماء الحديث، فكيف نأمن المدلسين وأصحاب الأوهام ومن تم رميهم بالقدر وأصحاب الأخطاء على ديننا، خاصة وأن علماء الحديث قدموا الجرح على التعديل، وكيف يصرح للمدلس بالسماع؟، ثم كيف نقول بعد كل ذلك أصح كتاب بعد كتاب الله؟!، ونقول قال رسول الله نقلا عنهم!!، فما هي إلا روايات الرواة ـ واحد فقط عن واحد فقط ـ الذين لم يسلم أحدهم من الجرح بينما يتخذ المسلمون رواياتهم إيمان وعقائد!!.
وكم كنت متألما وأنا أكتب عن شيخ الرواة أبو هريرة أنه مدلس، لكني أنقل للقارئ ما دونته كتب الأقدمين من الثقات والمعتمدين في علم الحديث وعلم الرجال من أهل السُّنة، لذلك فإني حينما انتهيت وبعض أكابر العلماء الذين أتفق معهم على عدم الاعتماد على روايات الحديث النبوي في العقائد والإيمانيات والغيبيات، فإن ذلك أثبت لدين المرء (راجع ص10&17)، وحقا قال تعالى:
((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ *)).سورة العنكبوت آية رقم : (51) .
ويقول تعالى:
((تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ * وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ *)).سورة الجاثية آية رقم : (6-9) .
وأهيب بالدعاة وأصحاب البحث في كتاب الله ، ألا يكون تفسيرهم لكتاب الله معتمدا على الحديث القولي المخالف للقرءان، فلربما فتح علينا ذلك النهج الكثير من البلايا والفتن، وأهيب بهم أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يتلمظوا بالآخرين، فإذا كانوا يؤمنون بأن النبي قال:[لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج]، فلا يخالفوا ما يؤمنون به من أجل عـَرَضٍ من عروض الدنيا.
وأنصح الشباب ألا ينضووا خلف كل جديد، ولا حتى تحت لواء منقولات الأقدمين، إذ لا بد عليهم من تفعيل عقولهم فيما يسمعون أو يقرءون، ولا يغرنكم كثرة السادرين والهالكين، فلقد قال تعالى:
((وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ *)).سورة يوسف آية رقم : (106) .
ويقول تعالى:
((وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ *)).سورة الأنعام آية رقم : (116)
ويقول تعالى:
(( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ *)).سورة يونس آية رقم : (36) .
خـاتمـة وتلخيص
*وبعد تخريج الأحاديث: فهل كنت تظن بأن حديث [إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار] حديث موضوع؟.
*وهل كنت تظن أن حديث [من مات فقد قامت قيامته ] حديث ضعيف؟.
*وهل كنت تتصور بأن للنبي حق التحليل والتحريم فيما سكت عنه القرءان كما يقول بذلك أشياخ السلفية ويتبعهم في ذلك الصوفية؟.
*وهل كنت تتخيل بأن الثعبان الشجاع الأقرع المزعوم والشهير، لا وجود له بالقبور، وأنه بجهنم وأنه لا علاقة له بترك الصلاة؟.
*وهل تدبرت القرءان أبدًا حين قرأت مقال الله في تطاير الكتب والعلاقة بين المحسن والمسيء فيها وبين عذاب مزعوم بالقبر؟، بل عدم وجود عرض لمقعد الإنسان من الجنة أو النار عند الوفاة؟.
*ومن أيهما عرفت الفرق في الإحساس حين مغادرة النفس للجسد بين الكافر والمسلم من القرءان أم السُّنة؟.
*وهل فكرت يوما في قول الله لسيدنا حزقيال الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه للحياة فقال له: (ولنجعلك آية للناس)، فما آيته بالنسبة لك؟، وكيف أنه لم ير نعيم قبر؟، وكيف مرت سنوات الموت عليه كلحظة؟.
*وهل تصورت أبدًا بأن الشيخ/محمد متولي الشعراوي أنكر وجود عذاب قبل الحساب؟، وأنه قال بانعدام الزمن بالقبر!؟.
*وهل كنت تعلم أن عذاب القبر أمر إيماني لا يتركه الله نهبا لاجتهادات الفقهاء التي قد تصيب وقد تخطئ؟.
إذا كانت إجاباتك كلها ب (لا) أو (لا أدري) فقم بمراجعة نفسك واهتماماتك ومعتقداتك في دينك الإسلام العظيم، وأعد تدبر دستوره القويم (القرءان الكريم)، والله أسأل المغفرة والهداية والتقوى لي ولكم أجمعين....آمين.
وليعلم الجميع أن موضوع عذاب القبر ليس بموضوع غير مهم ـ كما يقولون ـ فإن جند إبليس اللعين لا يريدون منا أن نفتح النار على أي من مغانمهم التي دان لهم الاستقرار بها، لأن الشيطان يسعد بتدين الإشراك بالله الذي يدفعون الناس إليه.
وإن منتجعاتهم الفقهية التي ركنوا إليها ودفعوا الناس دفعا لانتهاج نتائجها هي من أهم عناصر فساد نهج أمر هذه الأمة مع ربها، وبالتالي ضياع دينها ودنياها، وهي تلك التي يطلق عليها بعضهم المعلوم من الدين بالضرورة، ويقول عنها آخرون ثوابت الأمة والتي تكمن عناصرها في مبارزة القرءان بالسُّنة النبوية، فيقول أشياخهم على الهواء مباشرة: [ إن ثبوت حجية السُّنة واستقلالها بتشريعات الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف ذلك إلا من لا حظ له في الإسلام ].
ويقولون: [ هناك سُنة موجبة لما سكت القرءان عن إيجابه، أو مُحرِّمة لما سكت القرءان عن تحريمه ] وهو ما يطلقون عليه السُّنة المنشئة للتحليل والتحريم، فهم بذلك ينكرون كفاية نصوص القرءان، ويدسون رواياتهم المزيفة لمضاهاة كتاب الله في الحكم تحت اسم (حديث صحيح) فهي عندهم واجبة النفاذ لا يتجاهلها إلا فاسق.
ومنهم من يقول: [ السُّنة قاضية على القرءان وقاضية فيه، وناسخة للقرءان فيما انتهت إليه من أحكام ] .
وكل ذلك من الإشراك بالله، فكيف يُحكّّّمون الفرع في الأصل؟، وكيف يُحكِّمون الروائيات البشرية في الوحي السماوي؟، وكيف يخلطون الأمور على الناس ويقولون بأن السُّنة النبوية وحي سماوي؟، فهي عندهم وحي بلا ضوابط. نعم السُّنة العملية فيما يخص الفرائض تنفيذ للوحي بالوحي، لكنها ليست وحيا حين يشرب الماء جالسا القرفصاء على دفعات ثلاث، ولا حين يتداوى بالحجامة، ولا حين يعقص شعره أو يطلق لحيته، فكل ذلك كان من عادات قومه وبشريته – عليه الصلاة والسلام - ، وهم يظنونها من هالات الكمال الحق بينما هي ليست بسننٍ أصلاً لعبد يحب أن يتبنى الكمال الحق، ويتأسى برسول الله – عليه الصلاة والسلام -.
أما السُّنة القولية الأحادية المصدر، وغير المحفوظة بحفظ الله فهي ليست وحيا، لما فيها من بلايا الإسرائيليات ورزاياهم حتى يومنا هذا، ولقد تأثر المفسرون بنهج تلك السنن المزعوم نقائها، فمالوا في تفسير القرءان وفق ما جاء بالسُّنة القولية رغم ما فيها، فجاءت تفسيراتهم وقد اختلط بها المفهوم الروائي.
ولم يكتف أولئك الذين يطلقون على أنفسهم لقب (سلفية) بذلك، بل تزعموا الغلظة والفظاظة مع مخالفيهم، ولا عجب إن رأيت فقههم لا يستند إلى منهاج علمي قدر استناده على تقليد أفكار السلف وأتباعهم رغم وضوح القرءان، ومخالفتهم للفطرة السوية للعقل، وجعلوا ذلك الاتباع متعطل العقل من ثوابت الأمة.
بل لقد جعلوا لكل معضلة تبريرا، ولكل تناقض شرحا، فهم لم يكتفوا بقولهم بأن السُّنة شارحة وهم يعنون بذلك السُّنة القولية، لكن تجدهم يشرحونها لما فيها من تناقض لا يتسع المجال للخوض فيه، فضلا عن تناقض بعضها مع القرءان، فكأن الشارحة تحتاج لشارح.
لذلك لا تعجب حين يخرجون جحافل يدافعون عن وجود عذاب القبر، وقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ورضاع الكبير، ولباس النقاب للمرأة، ويصرون على إلصاق حكم الزنا بالمرأة المتعطرة، وقتل المرتد، وتارك الصلاة، وغير ذلك من صنوف الغلظة والبدع.
وحين تركناهم يعبثون بالأحكام، تطاولت سُنتهم لتُمسك بتلابيب الإيمانيات والعقائد، فقالوا بعذاب القبر، وكفر تارك الصلاة وغير ذلك من الإفك المبين، وحملوا الناس بما يملكون من وسائل اتصال جماهيري على انتهاجه، لكن لا بد من دفاع عن دين الله وسط هذا الإشراك، فهم يحللون ويحرمون، ويضعون الأحكام الإيمانية باسم السُّنة النبوية البريئة منهم.
ولا بد من الكفر أولا بقوله تعالى:
((وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ *)).سورة إبراهيم آية رقم : (42) .
و علينا أن نكفر بآيات تسلم الكتب، وبكل كلمة تحمل كلمة (يومئذ) بكتاب الله، قبل أن نقول بأنه أخَّرَهُم ليوم قبل يوم القيامة، وعذبهم بالقبر، وهل يمكنهم أن يجدوا لنا مخرجا نتعلل به، حين يسألنا الله عن جحودنا بتلك الآيات؟، فبماذا نجيب يوم العرض على الله حين يسألنا عن علمنا ماذا فعلنا به؟، أنقول له بأن السُّنة قاضية على القرءان، وبأنها موجبة لما سكت القرءان عن إيجابه، وأن صحيح السُّنة أوثق من القرءان؟، أعلن لكم بأني كفرت بفقه هؤلاء ولن أكون أبدًا جاحدًا بكلمات الله، فكما سبق وأعلنت بالتليفزيون بأني تركت تلك الشراذم من السُّنة والشيعة والقرءانيين وغيرهم من المتلاطمين، وقررت أن أطيع الله وأكون مسلما ربانيا تنفيذا لقوله:
((مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ )).سورة آل عمران آية رقم : (79) .
سرد هام لبعض آيات تدل على وهم عذاب القبر
وسأسرد تباعا لمن يريد البيان، بعضًا من آيات كتاب الله، تفيد حتمية تأجيل حساب ومصير الناس ليوم القيامة، بما يعني أن كل من يقول بغير ذلك فهو مُكذِّب بمئات الأدلة من القرءان، كذا من يلوي عنق بعض الآيات ليتصور بها العذاب المركب بدماغه من خلال ثقافته الروائية المُندسَّة على السُّنة، وذلك فيما يلي:ـ
((وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ *)).سورة إبراهيم آية رقم : (42) .
فهذه هي الآية العُمدة والتي ألقمها في فم كل من يقول بأن هناك عذابًا قبل يوم القيامة، لأنه لابد وأن يكون مُكذِّبا بهذه الآية أولاً، ومتأولا بالباطل بما يزعمه من عذاب.
((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ *)).سورة آل عمران آية رقم : (185) .
فكلمة (وإنما) تعني أن الجزاء لا يكون إلا يوم القيامة.
((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *)).سورة البقرة آية رقم : (281) .
فالتقوى هدفها يوم القيامة وليس يوما قبله، لأن الحساب يكون يوم القيامة.
((يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *)).سورة النور آية رقم : (24-25) .
((وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ *)).سورة المرسلات آية رقم : (15) .
أي (يومئذ) فقط، يعني يوم القيامة علما بأن الآية الأخيرة من سورة المرسلات تكررت 10 مرات بذات السورة، وبإجمالي إحدى عشرة مرة بالقرءان.
((يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ*فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ*)).سورة الزلزلة آية رقم : (6-Cool .
فرؤية الأعمال والجزاء تكون يوم القيامة، ويومها فقط.
((وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ*وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ*وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ*وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ*عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ*)).سورة التكوير آية رقم : (10-14) .
فالعلم يكون يوم القيامة وليس يوم الممات.
((إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ*وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ*وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ*وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ*عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ*)).سورة الانفطار آية رقم : (1-5) .
يعني ـ مرة أخرى ـ أن العلم بما تم من حسنات وسيئات يكون يوم القيامة وليس عند الموت كما يزعم البعض.
((لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ*لِيَوْمِ الْفَصْلِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ*وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ*أَلَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ*ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ*كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ*وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ*)).سورة المرسلات آية رقم : (12-19) .
فكل من قال بأن الناس ستعذب بالقبر فهو مُكذِّب بأن الأجل المحاسبي إنما يكون ليوم القيامة، وهو ما قرره الله بآيات سورة المرسلات، والإهلاك الوارد بالآية يعني الموت، ثم بعده يكون الويل للمكذبين يوم القيامة.
((أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا*أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا*وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتًا*وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ*)).سورة المرسلات آية رقم : (25-2Cool .
فالأرض كفاتا للأحياء والأموات على السواء لكن العذاب ـ أو النعيم ـ يكون (يومئذ) أي يكون يوم القيامة، وليس يوما قبله.
((يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ*يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ*ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ*)).سورة الذاريات آية رقم : (12-14) .
أكان الكفار يستعجلون عذاب يوم القيامة وهم لا يدرون شيئا عن عذاب القبر، أم أنهم كانوا يعلمون به وصادقوا عليه، بينما كذبوا بعذاب الآخرة؟، أين عقل العقلاء؟.
((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ*)).سورة الزمر آية رقم : (30-31) .
((اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ *)).سورة الحج آية رقم : (69) .
فالحكم بين الناس فيما يختصمون يكون يوم القيامة.
((فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ *)).سورة سبأ آية رقم : (42) .
فكلمة (فاليوم) تعني يوم القيامة فقط، وتذوق النار يكون يومها، لمن خفَّت موازينه.
((فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ *)).سورة يس آية رقم : (54) .
فكلمة (فاليوم) تعني يوم القيامة والجزاء لا يكون إلا يومها.
((إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا *)).سورة النبأ آية رقم : (40) .
فالعذاب القريب الذي تم إنذار الناس به هو عذاب يوم القيامة، وليس بيوم الممات عذاب، واشتياق الكافر ليكون تراب يدل على عدم وجود أحداث عذاب بالتراب.
((لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ *)).سورة النحل آية رقم : (25) .
يعني أن الحساب لا يُغلق بالموت، بل لا تزال أوزار وحسنات تصل للموتى وفق أعمالهم.
((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*)).سورة النحل آية رقم : (32) .
يعني من الوفاة إلى الجنة مباشرة وذلك لانعدام الزمن بالقبر، ولا يعني عذاب القبر كما يظنون.
((فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ *)).سورة الحاقة آية رقم : (19-22) .
((وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ *)).سورة الحاقة آية رقم : (25-27) .
يعني أن من أوتي كتابه بيمينه لم يلق أي نعيم بالقبر، وإلا ما قال (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ *)، ومن أخذ كتابه بشماله لم يدر موقفه من الحساب إلا يوم القيامة، وإلا ما قال (وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ *)، بما يدل على عدم معرفته لحسابه ومقعده إلا بعد أن تسلم كتابه، ويعني أيضا أنه لم يتعذب بقبره.
((يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *)).سورة النحل آية رقم : (111) .
ففيم سيكون الجدال طالما تم العذاب المزعوم بالقبر وسيستكمل بعذاب جهنم؟!، هل الجدال والميزان والصراط وتكلم الأيدي والأرجل وغير ذلك تمثيلية؟!.
((وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ *)).سورة [ ق ]آية رقم : (19-20) .
أي من سكرات الموت إلى القيامة مباشرة، والوعيد ليس ساعة الموت لكنه يوم القيامة.
أما قول الكافرين حين البعث:
((قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا...*)).سورة آية يس رقم : (52) .
فهو أمر ينفي وجود عذاب القبر المزعوم، لأنهم كانوا بحالة رقاد، والرقاد ما هو إلا سبات لا شعور فيه، أما قولهم يا ويلنا فلأنهم كانوا مُكذبين بالبعث، وفوجئوا بالبعث حقيقة واقعة، لذلك فقد علموا سوء مصيرهم من رسلهم أومن الدعاة المخلصين، فقالوا مقولتهم (يا ويلنا).
وأما ما يحتجون به من عذاب موهوم بالقبر عن آية آل فرعون فهي تخص آل فرعون فقط، وليست بالقبر الأرضي، وتراهم يسحبون علينا عذابا مخصص لآل فرعون، أو لآل نوح في حجتهم بالآية الواردة عنهم أيضا:
((مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا *)).سورة نوح آية رقم : (25) .
ثم يفصلون مصيرنا في الآخرة، فقد كان من المنطق طالما جعلوا مصير المسلم ضميمة لمصير الكافر بالقبر، فكان عليهم ألا يفصلوا ذلك المصير يوم القيامة، ومن أنبأهم بذلك الفصل؟، ما أراهم إلا بأنهم يلوون عنق الآيات ليحصلوا على تأييد موهوم لهم من كتاب الله عن عذاب بالقبر تم تركيبه بأدمغتهم بسُنّة مزيفة.
والموتى لا يسمعون بدلالة نصوص صريحة بكتاب الله بالآيات أرقام: [ 80 النمل& 22 فاطر & 52 الروم ]، فمن يريد تكذيب القرءان فليفعل، وليعتقد ما شاء له إبليس أن يعتقد.
والنبي لا يعلم الغيب بنص الآيات:
آية رقم:(50) من سورة الأنعام: ((قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ*)).
وآية رقم:(188) من سورة الأعراف: ((قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ*)).
وآية رقم:(20) من سورة يونس: ((وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ *)).
وآية رقم:(31)من سورة هود: ((وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ *)).
وآية رقم:(65)من سورة النمل: ((قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ *)).
وآية رقم:(9)من سورة الأحقاف: ((قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلانَذِيرٌ مُّبِينٌ *)).
وآية رقم:(26)من سورة الجن: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا *)).
[ 50 الأنعام و 188 الأعراف و 20 يونس و 31 هود و 65 النمل و 9 الأحقاف ]، أما ما يحتجون به من أن الله قال بآية رقم: (26). من سورة الجن بأنه يُطلع بعض الرسل على بعض الغيب، فنعم، لكن ما أطلعه عليه من الغيب وارد بكتاب الله من قوله تعالى:
وقد تكرر ذلك المعنى بالقرءان بالآيات:
آية رقم:(44)من سورة آل عمران: ((ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ*)).
وآية رقم:(49)من سورة هود: ((تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ*)).
و آية رقم:(102)من سورة يوسف: ((ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ*)).
فلا يجوز لكل مختال أن يخيل له فيختال بالنبي ويظن أنه على دين بينما قد خرج منه دون أن يدري، لأن فقههم يضرب القرءان بعضه ببعض وهم يُفسدون ولكن لا يشعرون.
وما يتصورونه من وجود زمن بالقبر يكون فيه العذاب الموهوم أو النعيم المظنون فقد تم نفيه بنصوص كتاب الله ويمكن الرجوع إليه ص59 من الكتاب تحت بند [الموتى ـ الزمن ـ الشعور].
هذا إلى غير ما نتلوه الآن عن أبو لهب ونقول:
((سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ*)).سورة المسد آية رقم : (3) أي سيصلى النار بالمستقبل، وما نتلوه ونظنه عن أبو بكر الصديق ونقرأ الآن:
((وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى*)).سورة الليل آية رقم : (17) .
و((وَلَسَوْفَ يَرْضَى*)).سورة الليل آية رقم : (21) .
أي ستتم تلك النجاة وذلك الرضا بالمستقبل.
وبعد: فتلك كانت عيِّنة قوامها أكثر من مائة آية، وهي تكفي لمن يريد أن يتصدى لفكر الأوهام والإشراك والتناقض، وعلى كل من يقول بعذاب القبر أن يُبرز لنا حُجَّة نحتج بها أمام الله نخرج بها من تكذيب كل تلك الأدلة القطعية الثبوت والقطعية الدلالة، التي لا تنهض أمامها تُرَّهات يقول قائليها بأنها (حديث صحيح) فلم يكن رسول الله – عليه الصلاة والسلام - إلا نبي كان خُُلُقُهُ القرءان ولم يخالفه أبدًا.... كذلك لا تنهض أمامها تأويلات من فقهاء ومُفسّرين لآيات معدودة من كتاب الله يلوون بها الحقائق، فهي لا تُمَثِّل إلا أوهام نفوس تأثرت بروايات ظنية الثبوت وظنية الدلالة، وكان عليهم أن يعلموا بأن النص القرءاني القطعي الدلالة حاكم على النص الظني الدلالة، وحاكم على الحديث النبوي.
وأخيرا أُصرِّح بأنه يطيب لي أن أجد نفسي مُنكبًا للدفاع عن كتاب الله عن أن أضارع بالسُّنة القولية آياته جل جلاله ، وأعجب لكم أيها المدافعون عن كل ما ورد بصحيح البخاري بينما لا تعلمون حتى مجرد اسم ذلك الكتاب، فأنتم تتصورون بأنه كتاب أحاديث قولية لرسول الله، فهكذا تم حشو الأدمغة من دُعاة الغفلة، لكن إن اطلعتم على الحقيقة لفزعتم، فهو كتاب به أقوال منسوبة للنبي، ومرويات عن أحواله لم يقل هو فيها شيئا، وأحوال تمت في أيامه لم يكن مشاركا فيها، فهكذا اسم الكتاب: (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسُننه وأيامه). وهو كتاب صحيح في مجموعه وإن كان لا يخلو من العلل.
أرأيتم كم تتشيعون لما لا تعلمون؟، وكم تقولون (هذا ما ألفينا عليه آباءنا) وأنتم لا تشعرون؟!، لعلكم جميعا ـ إلا النفر القليل ـ أدركتم كم كنتم مُقصِّرين تجاه عقائد تُصرُّون عليها وأنتم لا تُبصرون؟!، بل وتؤمنون في تَرَخُّص وبلا تمحيص بقبر به عذاب وسؤال مزعوم، وقانا الله وإياكم سوء المصير، وتاب علينا لنتوب، وأدخلنا جميعا جنَّة الرضوان فهو الرحمن الرحيم جل جلاله.
الهدف من الكتاب:
لعل القارئ يتعجب أن يكون موقع الهدف من الكتاب بنهاية المطاف، لكني أردت وضع حدٍ للمتشككين، حيث وضعت لشكوكهم منهاجا يُبرز لهم بعضا من خبيئة نفوسهم بنهاية الكتاب ـ إن وصلوا لنهايته ـ فالهدف أجَلّ من أن يصل إليه أهل الشك في كل تعقل.
أبدأ أولا بذكر أهمية الأمر، فعن مدى أهمية مناقشة الموضوع، فهو على المستوى الشخصي نهدف منه النهوض بتدبر المسلم لآيات كتاب الله وعدم تكذيبها تحت وطأة معتقدات موروثة متصادمة مع صريح مئات الآيات، بما يعني تطهير عقيدة المسلم، وهو هدف جليل لكل مسلم يهدف النجاة لنفسه.
وعلى المستوى العام، نهدف أن يكون جيلنا حجر عثرة في وجه الفقه الإبليسي أن ينتشر بين المسلمين، كذا إزالة التناقضات التي أنشأها الفقه القديم في عقيدة المسلمين، لأن تلك التناقضات ـ إن استمرت ـ ستكون سببا في خروج بعض الأجيال التالية من الملّة، خاصة وأن العقول تتطور سريعا، وإدراكها لم يعد كغفلة الجمهرة من أهل الأمس الذين كانوا لا يُمحِّصُون ما يُقال لهم.
موضوعات الكتاب
مسلسل الموضوع رقم الصفحة
1 تقديم للأستاذ الدكتور/أحمد السايح. 1
2 مقدمة المؤلف المستشار/أحمد عبده ماهر. 3
3 الفصل الأول موت بلا عذاب بالقبر تقديم أصولي 7ـ 22
4 مقدمة لازمة لفهم أصول الإيمانيات . 8
5 السُنَّة النبوية القولية وركائز الهداية. 14
6 القبر وأوهامه ليست من الإيمانيات. 20
7 الفصل الثاني من الوفاة حتى حساب الآخرة 23ـ 72
8 أولا:الوفاة وطلوع الروح . 24
9 ثانيا: تشييع الجنازة. 31
10 ثالثا:القبـر وعـذابه . 33
11 رابعا:المـوتى والسمع. 38
12 خامسا:ينقطع الجزاء بالموت إلا من ثلاث. 40
13 سادسا: سـؤال الملـكين . 42
14 سابعا:البعث وتسليم الكُتُب. 46
15 ثامنا: الـيوم ويومـئذ. 52
16 تاسعا: لماذا خَلَقَ الله اليوم الآخر . 58
17 عاشرا:المـوتى والـزمن والشعور. 59
18 حادي عشر: النـَّفْس والإدراك . 64
19 ثاني عشر: العذاب وأنواعه وطبيعته. 66
20 ثالث عشر: الكذب حتى بالقيامة . 68
تابع: فهرس موضوعات الكتاب
21 رابع عشر: الميزان والوجوه البيضاء. 69
22 خامس عشر:الصـراط المستقيم . 70
23 الفصل الثالث تفنيد حُجج أنصار فكرة العذاب بالقبر 73 ـ 100
24 أولا:حججهم من القرءان . 75
25 ثانيا: مسرحية العذاب كما أُلصِقَت بالسُّنة. 85
26 من بدع وغرائب الدُّعاء للميت. 89
27 صدق أو لا تصدق من أحاديث الصحيحين وفقه البعض. 94
28 بحث فقهي مع سرد وتخريج للأحاديث المزعومة عن القبر وعذابه. 107ـ141
29 التدليس. 110
30 حكم رواية المدلس. 111
31 عدد أحاديث عذاب القبر في الكُتُب التسعة. 112
32 أهم النتائج التي خلص إليها علماء الحديث. 113
33 تخريجات الشيخ/محمد ناصر الألباني. 114
34 تخريجات مجلة التوحيد الناطقة باسم جماعة أنصار السُّنة المحمدية. 117
35 أ ـ تخريج أحاديث من صحيح البخاري. 126
36 رواية الجريدة. 127
37 ب ـ تخريج أحاديث من صحيح مسلم. 131
38 ج ـ رواية منكر ونكير ورواية الثعبان الشجاع الأقرع. 135ـ136
39 خاتمة وتلخيص. 143
4 فهرس وموضوعات الكتاب 156ـ157
تم بحمد الله ورعايته وتوفيقه يوم الجمعة 27/11/2009 الموافق العاشر من ذي الحجة 1430.
((قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *)).سورة يوسف
المصدر : موقع منتديات العلم والعلماء والمخترعين والمبتكرين
كتب المقدمة عبد العزيز خليل إبراهيم



#عبد_العزيز_خليل_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمثلة شعبية من كل قارات الدنيا تهين المرأة التي أكرمها الله ...
- الفهم بين الإغفال والإهمال والمبالغة والتطرف‏! للمستشار رجائ ...
- زواج الأطفال في الفقه السني ليس من دين الإسلام يابرهامي
- دارسة للمفكر الكبير عبد الفتاح عساكر بعنوان هل الشيطان معلم ...
- الفنان محيي الدين عبد المحسن من رمز الفن المصري الجميل
- الفنان محيي الدين عبد المحسن رحمه الله من رموز الفن المصري ا ...
- (الإسلام السياسي وتطبيق الشريعة ودولة الخلافة) دارسة قيمة لل ...
- خفافيش الظلام من اتباع أبو إسماعيل يحرقون حزب الوفد
- إحصائية للأستاذ عساكرعن الروايات الملفقة علي النبي والتي تحت ...
- الدستورالوهابي يضر مصر التي عرفت الدساتير المحترمة منذ زمن ا ...
- المستشارة تهاني الجبالي امرأة بمليون رجل
- أستاذ نهاد كامل محمود لا تحزن من دعاة الجهل الديني في إباحته ...
- أبو مرجان وزمردة يحلم بتحطيم الأهرامات وأبوالهول
- التيارات الدينية ليسوا أوصياءعلي المرأة والرجل
- ذبح الأضاحي ومرعاة الصحة والبيئة العامة
- مصر مش عزبة يا محلاوي
- دستور مصرالمدنية يعبث به وعاظ طالبان
- الدفاع عن النبي هو بالعفو عن المسيئين وتنقية كتب التراث ( 2- ...
- الدفاع عن النبي هو بالعفو عن المسيئين وتنقية كتب التراث ( 2 ...
- الدفاع عن النبي هو بالعفو عن المسيئين وبتنقية كتب التراث (1- ...


المزيد.....




- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...
- تنبأ فلكيوهم بوقت وقوعها وأحصوا ضحاياها بالملايين ولم تُحدث ...
- منظمة يهودية تطالب بإقالة قائد شرطة لندن بعد منع رئيسها من ا ...
- تحذيرات من -قرابين الفصح- العبري ودعوات لحماية المسجد الأقصى ...
- شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد العزيز خليل إبراهيم - ملخص كتاب أوهام عذاب القبر للمستشار والمفكر الإسلامي أحمد عبده ماهر