أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - نساء شكسبير للكاتب المصري الكبير رجاء النقّاش















المزيد.....

نساء شكسبير للكاتب المصري الكبير رجاء النقّاش


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 1144 - 2005 / 3 / 22 - 14:16
المحور: الادب والفن
    


المرأةُ في قصائد ومسرحيات شكسبير، في صورها الإنسانية المتباينة، جميلُها وقبيحُها، هي فكرة كتاب "نساء شكسبير" للكاتب المصري رجاء النقاش، الصادر مؤخرًا عن دار شرقيات فيما يناهز أربعمائة صفحة من القطع الكبير. وقد جاء الغلاف مُعبّرًا خير تعبير عن المتن بلوحته التي رسمها طارق علي. امرأةٌ بلا ملامح محددة تحمل كل مفردات النزعات البشرية تقريبًا. فنساء شكسبير تراوحن بين الملِكة، وقد عبرت عنها اللوحة بتاجٍ فوق الرأس، والفارسة/حربة باليد، القاتلة/سيف بالأخرى، الملاك/جناحان، الشيطان/قرنان وذيل معقوف، النرجسية/بورتريه نسائي في برواز داخل الرأس، الأمُّ /طفل فوق ذراع المرأة، وعلى الأرض تتناثر أقنعةٌ مما يضعها ممثلو المسرح القديم فوق الوجه، ما يشير إلى انقسامات المرء حول ذاته واعتماره الأقنعة والوجوه المتباينة طيلة حياته.
ويحقُّ أن نسأل لماذا اختار النقّاش شخص المرأة، وحدها، ليرصدها في أدب شكسبير إذا ما أراد أن يرصد النوازع الإنسانية التي يتقاسمها الرجل والمرأة سويًا؟ أظنه عمد إلى ذلك باعتبار المرأة، نبعًا أكثر ثراءً لكل فنان لا ينضبُ ماؤها ولم تُفضُّ تعاويذُها وأسرارُها بعد. ومن ثم ظلت منذ بدأ الإنسان يتلمس خطواته الأولى نحو الفن وحتى الآن ملهمةً للشاعر والتشكيلي والموسيقي الخ، وبالتالي كانت المعينَ الذي استقطره شكسبير لتجسيد مشاعر ونوازع النفس البشرية في تطرّفاتها الواسعة. كما أحسنَ النقّاش بتبنيه هذه الموضوعة اتساقا مع فكرة "الأنثوية" أو نزعة تبني قيم الجمال في الوجود، إذ المرأة هي ماءُ الحياة ورمزُ الطبيعة والخصب والجمال.
يرى النقّاش أن المرأة الشكسبيرية تراوحت بين الحقيقة والخيال. فثمة شخوصٌ تاريخية عاشت بالفعل مثل كليوباترا، وثمة نساء ابتكرها مخيال الكاتب الإنجليزي الأشهر، الذي تناولته الشكوك، ربما لفرط موهبته وربما لفقر ما لدينا من سيرة ذاتية عنه، حتى مسّت تلك الشكوك وجوده ذاته. إذ ذهب بعض النقاد إلى أن تلك الأعمال الجليلة هي نتاج المفكر فرانسيس بيكون (1561-1626) الذي عاصر شكسبير ومنعه انتماؤه الطبقيّ الرفيع من الإفصاح عن اسمه فنسب كتاباته لشكسبير. وأيا ما كان من سطحية هذا المنطق ومن افتقاره للدليل إلا أننا أمام حقيقة تطرح علينا كنوزا أدبية رفيعة اقتنصتها الحياة من التاريخ. وأما الصنف الثالث من نساء شكسبير فقد استدعاها من الأساطير الرومانية بعدما حاورها وجادلها وبث فيها الحياة بمفردات عصره الحديث (آنذاك). ويقول النقّاش إن شكسبير اعتمد على كتاب "التحولات" للشاعر الروماني "أوفيد" الذي ترجمه للعربية ثروت عكاشة ووضع له عنوان "مسخ الكائنات". (وربما وجبَ أن أشيرَ هنا أن للكتاب ترجمةً أخرى بديعة، أنجزها أدونيس عام 2002 عن إصدارات المجمع الثقافي بأبي ظبي، ووضع لها عنوان " التحولات". وإن كنتُ أرى أن العنوان الأدق لكتاب أوفيد هو "التحوّرات" للمفردة الإنجليزية" Metamorphosis" وهي مصطلح بيولوجي يعني تحوّر الكائنات الحية وانسلاخاتها، سيما الحشرات والزواحف، عبر مراحل تطور نموها).
تجادل النقاد حول مدى حقيقة وجود نساء شكسبير. عن كونهن صورا لنماذج واقعية مرّت بحياته واستقى منها الرجل شخوص إبداعاته، لكن النقّاش ينفي ذلك مؤكدا رأي الناقد برتون راسكو، الذي تخصص في الشكسبيريات، أن شكسبير لم يكن مشغولا بالحكاية عن سيرته وتجاربه الخاصة، بل كان فنانا موضوعيا نجح في الخروج عن دائرة الذات. وأزيدُ أن الشخوص الشكسبيرية لم تمثّل معظم نماذج البشر فقط، بل وفي مختلف العصور والبيئات، ولذلك يحق لنا أن نطلق على أدبه عابرًا للعصور والثقافات. ومع هذا تناول النقّاش النساء الواقعيات في حياة شكسبير وهن: زوجته آن هاثاوي، وابنتيه سوزانا وجودث، عدا امرأة سمراء قيل إن شكسبير هام بها عشقًا وظهرت صفاتُها في سونتاته.
الأمر اللافت أن نساء شكسبير كن غالبا ذوات بأس وعزيمة وقدرة على حسم القرار، ويعزو النقّاش ذلك إلى أن المرأة النموذج في عصر شكسبير(1564-1616) كانت الملكة إليزابيث الأولى (1533-1603) وهي نموذج صارخ لقوة الشخصية والزعامة ورفضت الزواج لتهبَ حياتها للمُلك وحكم بريطانيا.
جسّد شكسبير النزعات الإنسانية في أعلى درجات تطرّفها وحِدّتها عبر شخصيات نسائه( ورجاله طبعًا) خلال قصائده ومسرحياته. فنجد "فينوس"، ربة الجمال عند الرومان، التي عشقت القنّاص أدونيس وتدلّهت في حبه حدَّ أن نسيت كبرياءها، ونسيت أن للحب مقوّماتٍ أخرى غير الفتنة الخاوية فضاع منها المحبوب. ثم قصيدة "اغتصاب لوكريس"، المرأة التي جسدّت الفضيلة والعفاف في أقصى صورتهما، بينما جسّد مغتصبُها الأمير تاركان نوازعَ الغيرة والحسد واللصوصية الخ.
يتناول الكتابُ بعد ذلك الملكة الدانمركية "جرترود"، إحدى الشخصيتيْن النسائيتيْن في "هاملت"، المسرحية الأشهر بين أعمال شكسبير، بل ذهب بعض النقاد إلى اعتبارها أهم عمل أدبي كُتب بالإنجليزية. "جرترود" هي إنموذج المرأة التي تعوزها الحكمة وتتسم بسرعة اتخاذ القرار بغير إعمال العقل وفقا للنقّاش. أما "أوفيليا"، ابنة وزير القصر ومحبوبة هاملت، فهي الملاك الذي قتلته البراءة والمثالية وعدم المقدرة على استيعاب ما في الحياة من شر. وتشبه بذلك شخصية "ديدمونة"، الإيطالية الحسناء النقيّة زوجة" عطيل" الفارس المغربي الأسمر. واعتبر رجاء النقّاش موقف ديدمونة بمثابة الإعلان الأوروبي الأول عن حقوق المرأة. إذ تسبق في ذلك "نورا" بطلة "بيت الدمية" للنرويجي "هنريك إبسن" التي ثارت على عبوديتها للرجل. ونتفق مع النقّاش في ذلك كونها كُتبت قبل "بيت الدمية"، غير إن ما دعا النقّاد لاعتبار "نورا" الرائدة أن جلّ المسرحية ركزت على ذلك الموقف التنويري الرافض لوضعية المرأة الأدنى والمتسمة بالتبعية للرجل، فيما "عطيل" ركزت على قيم الوفاء وشَرَك سوء الفهم الخ. ثم تأتي"جولييت" الحسناء الإيطالية أيضًا التي اعتبرها النقّاش فارسةً قاتلت من أجل عشقها حتى قتلت نفسها في الأخير فداءً لهذا العشق.
بعد ذلك يتناول الكتاب الشخصية النسائية الأشد تعقيدًا، كونها رمزًا تاريخيا وسياسيًا عاش بالفعل. "كليوباترا" (69-30 ق م)، آخر سلالة البطالمة ذات الجذور اليونانية، الملكة التي حكمت مصر عام 51 ق م، وماتت منتحرةً بسم الثعبان وعمرها 39 عاما. ويعتقد النقّاش أن آراء نابليون، إمبراطور فرنسا، حول المرأة كونها لا تجيد لعبة السياسة وإنها لا تصلح إلا لإنتاج الولد إلى تأثره بقصة "أنطونيو وكليوباترا ". قال نابليون "الحبُ ضيعةُ المحارب ودمار السلطان". ويذهب النقّاش أنه يشير بطرف خفي إلى مصير أنطونيو الذي دمره الحب بعد أن كان القائد الروماني الذي لا يُشق له غبار. وربما لم يختلف التاريخ حول تقييم شخصية كما اختلف حول كليوباترا، الملكة شديدة الذكاء والفتنة التي كافحت من أجل مصر واستقلالها ورفضت أن تكون مجرد ولاية تابعة للإمبراطورية الرومانية العظمى. وضعها دانتي في كوميدياه الإلهية في الدائرة الثانية من الجحيم لاعتبارها المرأة التي تملكتها شهوتا السلطة والجسد، بينما اعتبرها التاريخ رمزًا سياسيًا فريدًا. كليوباترا، المرأة، برأي النقّاش، التي هزمها سوء" الحظ" الذي حالفَ أوكتافيوس الفارس الروماني قليل الموهبة فانتصر على أنطونيو العظيم. والحظ والسحر والمصادفة من الآليات الأساسية التي يعتمد عليها أدب شكسبير بوجه عام، وكلها أمور كانت رائجة التداول في القرنيْن السادس والسابع عشر، وهي الحقبة التي كتبَ فيها شكسبير إبداعاته. ثم تأتي الشخصية الأكثر شرًا بين نساء شكسبير. "ليدي ماكبث"، التي أسماها النقّاش" المرأة الشيطان" وشبّه حكايتها بقصة حواء التي دفعها طموحها إلى حث زوجها للخروج عن خط الفضيلة فأطاح بهما ذلك الطموح. وهنا يجب أن نشير إلى خصائص أدب شكسبير الذي يكرّس مبدأ القصاص السماوي، في نهاية العمل، من الأشرار الذين يستخدمون الطرائق الميكيافلية للوصول إلى أهدافهم ولو كانت مشروعة. قد يكون القصاص بالقتل أو بالانتحار سواء الإرادي أو غير الإرادي حين يعصف الندم بنفس مرتكب الإثم فيدفع به إلى الجنون أو إلى التصفية الذاتية البطيئة.
ويسم النقّاش امرأة ماكبث بالمرأة المسترجلة" ويشبهها بـ "جان دارك"، الفارسة التي لم ينصفها التاريخ إلا بعد حرقها بخمسة وعشرين عاما. بعدما حرّرت فرنسا من الاحتلال الإنجليزي، ثم تم إعدامها إثر مؤامرة إنجليزية-فرنسية مشتركة. لكن الكنيسة أنعمت عليها بلقب "قديسة" بعد غدرها من قِبل السياسيين. يتناول النقّاش نزعة "النفاق" في مسرحية "الملك ليير". النزعة التي توسلتاها ابنتا "ليير" الكبريان "جونريل" و "ريجان" " من أجل الاستحواذ على قلب أبيهما الملك ليهبهما مملكته بعدما قرّر التنحي عن الحكم، بينما لجأت الابنة الصغرى "كورديليا" إلى صدق التعبير فغضب عليها الملك وحرمها من الإرث. وتعلمنا نهاية الملك المأساوية مغبّة احتقار الصدق والاستسلام للسان النفاق الزائف.
لم يكتف النقّاش بنساء شكسبير بلّ عرّج إلى بعض النساء الشهيرات في التاريخ مثل "هاجر"، وأم النبي موسى، وامرأة العزيز، وسارة، والسيدة خديجة، وقدّم أيضًا عرضا لنظرة المفكرين والفلاسفة للمرأة عبر التاريخ، مثل شوبنهاور ونيتشة الخ. وبهذا يقدم لنا بانوراما نسائية ثرية لا سلبية فيها سوى الإطناب الشديد حتى أن كلَّ مسرحية كانت (تُحكى وتُشرَح!) مرتين على الأقل عبر فصول الكتاب. كما كنت أرجو، بما أنه يُعد موسوعةً نسائية، ألا يغفلَ الكتابُ نساءً سامقات مثل " العذراء مريم، وماري كوري"، وهلين كلر"، ووالدة العالم أينشتين الخ.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهكذا أصبحت كائنًا مهذبًا جدًّا
- -زمنٌ للسجنِ، أزمةٌ للحرية- الشاعر -علي الدُميني- يُغنّي في ...
- اللّون
- -محكمـة !!-
- منْ وراءِ الحُجُرَاتْ
- البعيــد
- المرأة بين الكتابة والمجتمع
- كلُّ مكانٍ لا يُؤنّثُ، لا يُعوّلُ عليه
- ما وراء كتاب الشوباشي
- سوء الظن بالنفس وبالآخر
- لمن تُقرَع الأجراس في باريس ؟
- شيخُ الطريقةِ
- شيخُ الطريقةِ
- المُتْعَب
- ثقوبٌ تشكيليةٌ لا تُغْضِبُ المرآة
- المُتْعَب
- ثقوبٌ تشكيليةٌ لا تُغْضِبُ المرآة
- ماو تسي تونج
- صِفْرٌ أزرقْ
- الخروجُ من مرعى الخليل تركي عامر، ألن يعود إلى المرعى؟


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - نساء شكسبير للكاتب المصري الكبير رجاء النقّاش