أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الشيخ أحمد ربيعة - الزعيم الذي قتل اخاه*















المزيد.....


الزعيم الذي قتل اخاه*


أحمد الشيخ أحمد ربيعة

الحوار المتمدن-العدد: 3962 - 2013 / 1 / 4 - 18:43
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


قراءة في كتاب( مواقف بين عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي – نموذج رفض إجازة العمل العلني للحزب الشيوعي). تأليف جاسم المطير.

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

في غلاف كتاب صممته الرسامة السورية أمل عثمان، تتوسط صورة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم الغلاف وهي سابحة باللون الأحمر. صورة الزعيم هي إحدى الصور التقليدية الشائعة أيام ثورة تموز، التي لم تضف لها رتوش المصور المعروفة آنذاك سوى أن تظهر ابتسامته كأنها ابتسامة المخنوق، مما أضفى على الغلاف شيء من تصورات الكتاب الداخلية. هذا الغلاف السابح باللون الأحمر يستدعي في ذاكرة القارئ أو المتطلع إليه، صورة الزعيم في دار الإذاعة يوم 9 شباط 1963 وهي غارقة بدمها إلى جانب الكرسي الذي تتمدد عليه جثة الزعيم الركن طه الشيخ أحمد وكأنها راقدة في اغفاءة قصيرة، وعلى الجانب الآخر جثة االعقيد فاضل عباس المهداوي السابحة بدمه.
في تلك اللحظة التي واجه قادة الثورة الثلاث كما يسميهم الفقيد زكي خيري رصاصات الموت المنطلقة من رشاشات منفذ الإعدام عبد الغني الراوي، أدرك طه الشيخ أحمد والمهداوي - كما أتصور - وهما من أكثر الضباط إخلاصا لقاسم حتى لحظاته الأخيرة، نهاية النفق المظلم التي سارت فيه سياسية قاسم. في تلك اللحظة التراجيدية التي هتف فيها طه الشيخ أحمد بحياة الحزب الشيوعي العراقي وردد هتافه المهداوي ( انظر - مذكرات عبد الغني الراوي - نشرت في جريدة الحياة اللندنية )، تحمل في طياتها الإجابة المتأخرة على سياسة قاسم.

ينطلق مؤلف الكتاب من فكرة أن الزعيم عبد الكريم رغم وطنيته وإخلاصه وعفة يديه وصورته الشعبية المرتبطة بأذهان الشعب إلا انه لم يكن قادرا على ( رص الصف الوطني الديمقراطي - ص 11) ولم يكن صاحب تصور ومنهج للتحول الديمقراطي والدستوري. لم يتجاوز في تفكيره حدود بزته العسكرية. كان قاسم يواجه العديد من المشاكل الجادة والمستعصية لكنه لم يمتلك القدرة أو المنهج في كيفية التعامل مع هذه الأمور. اعتمد قاسم على العسكريين في إدارة مؤسسات الدولة المفترض أن تكون مدنية . بقيت أجهزة الدولة غارقة في الكثير من مفاصلها بعناصر معادية لثورة تموز المجيدة ( انظر - المرسوم الجمهوري رقم 5. اللغز المحير. عبدالكريم قاسم، العميد المتقاعد خليل أبراهيم حسين - صفحة 349) . اعتمد عبد الكريم قاسم كذلك على الولاء الشخصي في تسليم العديد من المسؤوليات وبالذات الأجهزة الأمنية، لعناصر من العهد البائد، مما سبب تحكم هذه العناصر بالكثير من المفاصل الحساسة والهامة في الدولة، التي لعبت دورا استثنائياً في دفع علاقة قاسم مع الشيوعيين إلى أقصى درجة من التوتر. كانت هذه العناصر تظهر تملقا غير محدود لقاسم وسعت لتزويده بتقارير كاذبة وملفقة عن كثير من جوانب الواقع والحياة والوقائع، تركزت تقاريرها ومعلوماتها الغارقة بالعداء للشيوعيين وكل القوى والعناصر الوطنية والديمقراطية إلى تخريب العلاقة بين قاسم وأشد وأهم حلفائه، مقدمة من جانب آخر الدعم لكل عناصر التآمر من القوميين والبعثيين والإسلاميين وغيرهم ممن تأمروا على قاسم وثورة تموز المجيدة. لم يكن هذا الدور الذي مارسه هؤلاء بعيدا عن هوى قاسم ورغباته في الكثير من الأحيان والمواقف. في ضوء هذا يرسم مؤلف الكتاب صورة لمدير الأمن العام في زمن قاسم العقيد عبد المجيد جليل ووزير الداخلية أحمد محمد يحيى.

ما هو جوهر العلاقة بين قاسم والحزب الشيوعي.. ؟ هذا ما يسعى الكاتب جاسم المطير للإجابة عليه من نافذة محددة وهي إجازة الحزب الشيوعي العراقي في العمل العلني التي تقدم بها لحكومة قاسم في 9 كانون الثاني 1960بعد صدور قانون الأحزاب والجمعيات في الثاني من كانون الثاني 1960 . من هذه النافذة يلقي الكاتب الضوء على ( علاقة الحاكم الفرد بالحزب الجماهيري).
كان الشيوعيون متفائلون بإجازة طلب علنية حزبهم ونشاطهم، فهم أكبر حزب سياسي بعد ثورة تموز وحتى قبلها، وتفاؤلهم مبني على تاريخهم الطويل والمشرف في حرث ارض العراق من اجل زرع نبتة ثورة 14 تموز 1958، إضافة لعمق امتدادهم في شرائح المجتمع العراقي، وهم أكثر وأنشط القوى العاملة على صيانة ثورة تموز.
لم يستجب قاسم وحكومته لطلب الحزب الشيوعي للعمل العلني، وإنما أجاز مجموعة أخرى صيغت بأيدي أجهزة قاسم في مديرية الأمن العامة ووزارة الداخلية تحت نفس المسمى وهي مجموعة داود الصائغ التي لا يتجاوز عددها بضعة أفراد، كان أغلبهم مرسلين ، سراً، من قبل الحزب الشيوعي، إلى صفوف الحزب المزيف المصطنع من داود الصائغ الذي ما كان يرى سوى استحضار مطامحه الشخصية .
بعد صدور قانون الأحزاب والجمعيات، قدم الحزب الشيوعي طلبه في 9-01-1960 موقعا باسم الفقيد زكي خيري وفي ردها في 09 شباط 1960 طالبت وزارة الداخلية بإجراء بعض التعديلات على النظام الداخلي. أنجز الحزب التعديلات اللازمة بما في ذلك مبادرته لتغير اسم الحزب الشيوعي إلى (حزب اتحاد الشعب) وذلك تجاوزا لإجازة السلطة لحزب داود الصائغ باسم ( الحزب الشيوعي العراقي) وتنفيذا لفقرة أن لا يجاز أكثر من حزب واحد بنفس الاسم. قدمت لجنة التأسيس التعديلات في 14 شباط 1960، ومع ذلك رفض طلب الحزب الشيوعي ولم يمنح إجازة العمل العلني رغم أن الحزب نشر عريضة الهيئة المؤيدة للتأسيس ضمت 82 اسما من ضمنها اسم الكاتب، إضافة لجمعه ( 184960) توقيعا طالبت بإجازته ( انظر _ كتاب البوتاني).

أدرك الشيوعيون مدى وعمق ما خطط له في مديرية الأمن العامة ويتطرق الكاتب للكثير من مشاهداته ومعلوماته في هذا الجانب وهي مسجلة إما بشكلها التوثيقي مؤكدا مصادر معلوماته أو بشكلها السردي والتحليلي للعديد من الأحداث المرتبطة بموضوع الكتاب، إضافة لتوقفه عند القيم الأساسية لبرنامج العمل والنظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي والتي لم تكن تتعارض بل داعمة ومساندة لمبادئ ثورة تموز ولما كان يعلنه قاسم رسميا. إضافة لدراسته لمطالعات مديرية الأمن العامة وردود وزارة الداخلية وحججها الزائفة والمشوهة التي استندت عليها في اتخاذ قرارها.

إدراكاً لما كان، لم يستأنف الحزب الشيوعي قرار عدم إجازته ويتوقف الكاتب عند صحة موقف كهذا. أرسل الحزب الشيوعي مذكرة احتجاج قدمها إلى الزعيم مباشرة يشرح فيها الأمور، وطلب الموافقة على منح إجازة العمل العلني، آملا بإيجاد مخرج من الوضع القائم آنذاك. لم يرد قاسم وبقى مصيره المذكرة مجهولاً. وعلى عهدة من أرخ لذلك، أن الزعيم اكتفى بالكتابة على المذكرة ( أنهم عملاء). هنا يضع جاسم المطير تساؤله حول هذا الموقف ( هل هي محنة سياسية أم هي اختلال في الضمير القيادي المصاب بالغرور الذي ينتج أفكارا متناقضة ؟) ص 135. لم يعتمد قاسم على أي ( إستراتجية ) سياسية. لم يستطيع أن يضع يده بصورة سليمة أو دقيقة على مصادر الوعي الضروري القادر على التحكم بالتطور السياسي اللاحق ص 132.
ارتباطاً بهذا الأمر يتناول الكاتب موقف الحزب الشيوعي السوفيتي إضافة لفتوى السيد محسن الحكيم المشهورة ضد الشيوعيين ونشاط إعلام جمال عبد الناصر وغيرها من القوى الداخلية والخارجية التي سعت بكل قوة إلى تخريب العلاقة بين قاسم والحزب الشيوعي.
لم تكتفِ السلطة بهذا الأمر بل أنها منعت إجازة أي حزب ديمقراطي يمكن أن يكون قريبأ من الشيوعيين. منعت في 27-03-1960 الحزب الجمهوري الذي قدم طلبه الشخصية الوطنية والديمقراطية المعروفة عبد الفتاح إبراهيم . ولم يولي الزعيم أي اهتمام بالمذكرة الاحتجاجية التي رفعها عبد الفتاح إبراهيم إليه مباشرة.
كتاب مواقف بين عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي – نموذج رفض إجازة العمل العلني للحزب الشيوعي. تأليف جاسم المطير. إصدار أمل الجديدة. الكتاب 152 صفحة من الحجم المتوسط مقسم إلى 13 جزء مع مقدمة. صمم الغلاف والإخراج الفني أمل عثمان ، يفتح شهية القارئ لدراسة تلك الفترة وبالذات علاقة قاسم بالشيوعيين، الذين مازالوا رغم ما حل بهم نتيجة سياسة قاسم على تمجيد ذاكراه في بلد ووضع أصبحت الوطنية والنزاهة وخدمة فقراء الشعب وأبنائه والتفاني من اجل المصالح العليا للوطن المنهوب والشعب المسبي بالإرهاب ونظام المحاصصة وفقدان الخدمات وشيوع التجهيل. أصبحت مبادئ يتندر بها المقاولون السياسيين الجدد على أبناء شعبهم ولكل من نذر حياته ودمه من اجل هذا الشعب وهذا الوطن. أجد نفسي مشدودا للتوسع في ما ذكره الكتاب من استعراضات وتفاصل وتوثيق وتحليل جميل ولما أحاط بهذا الحدث على قدر المعلومات التي عاشها أو توفرت لدى الكاتب.

يوفر الكتاب القيم للدكتور عبد الفتاح علي البوتاني ( من ارشيف جمهورية العراق الأولى – الحركة الشيوعية في تقارير مديرية الأمن العامة 1958- 1963 ) مادة إضافية لدراسة هذا الموضوع . توقفت وبصورة سريعة عند خمسة تقارير لها علاقة مباشرة في معظمها مع موضوع إجازة الحزب الشيوعي مذيلة كلها بتوقيع العقيد عبد الجليل جليل، مدير الأمن العامة. صدرت في 30-01-1960 العدد 63، 10-01-1963، 16-01-1960، 23-01-1960، 10-02-1960، وأخيرا تقرير 22-02-1960 العدد 1716. ويمكن تسجيل الملاحظات السريعة الآتية:
# أصدرت مديرية الأمن العامة حسب أعداد التقارير 1653 تقريرا للفترة مابين 30-01-1960 إلى 22-02-1960، اي لفترة 24 يوميا أي بمعدل 68,87 تقرير في اليوم دون استثناء للعطل الرسمية في هذه الفترة، ويبدوا إذا كان هذا التسلسل متبع في مديرية الأمن صحيح، فأنها كانت مديرية نشيطة وان إجازة الحزب الشيوعي ونشاطه كان المدار الأساسي لها. بذلك استطاعت أن تشحن الزعيم عبد الكريم قاسم بالدرجة الأساسية بمعلومات في كثير من جوانبها مزيفة وتفتقد للمصداقية ضد أهم حلفاء قاسم وهم الشيوعيين العراقيين.
# الدعوة إلى ( تأجيل الفترة الانتقالية إلى زمن بعيد وبعيد جدا ) وإذا أطلقت الحرية للأحزاب فيجب استثناء الشيوعيين منها.
# تأسيس الأحزاب سيكون مدعاة للفوضى والصراع الحزبي، السياسي، الاجتماعي الذي سيقود إلى مجازر وسيقود للصراع على السلطة ( حساسية قاسم من هذا الجانب).
# ضرورة وجود حزب قومي ويلاحظ انه في معظم من التقارير، فان عبد المجيد جليل يدافع عن القومين وضرورة مد يد الزعيم لهم، وهم السند الأساسي في صد صعود الشيوعيين. لم يترك مدير الأمن فرصة إلا ودافع فيها عن القوميين. هل كان لعبد المجيد جليل ارتباط بالمخابرات المصرية؟ او انه كان يتعاطف معهم؟ ام العداء لنظام تموز وقاسم وإعداده السابق ومهامه السابقة دفعته لذلك؟. لقد عبد هذا الرجل الطريق أمام انقلاب شباط الاسود وباعترافه.**

# الحزب الشيوعي يؤلف الأكثرية من الشيوعيين وهو حزب أممي وله ارتباطات خارجية، وهو ذو سلوك عنفي وعداء شديد لان نظامه وميثاقه يؤكدان محاربة أعداء الشعب، ولكن التأييد من كافة الوطنين هو الى جانب داود الصائغ وهو حزب ذو طبيعة محلية، وينصح بدعم هذا الحزب من قبل الزعيم وحكومته، لان الزعيم وحكومته تريد أن يكون على رأس الحركة الشيوعية في العراق عناصر متزنة مثل الصائغ، وهؤلاء حازوا على ثقة الزعيم.
# الدعوة للاستعانة بالقوميين لضرب الشيوعيين الذين يرفضون التحالف والاندماج مع الصائغ.
# التحذير والتخويف من ان تكون هناك أحزاب أخرى ربما سيكون للشيوعيين فيها امتداد. المقصود الحزب الجمهوري والذي منع لاحقا.
# سيسعى حزب اتحاد الشعب بأعمال جماهيرية كبيرة تستنكر إجازة جماعة الصائغ وهذا يتطلب اليقظة والحذر التام لصعوبة الظروف التي تمر بها البلاد.
# إجازة الحزب الشيوعي سيكون مسعى لنهج خارج سلطة وإردة قاسم والى أن تستقر الأوضاع فأن ( الحكومة سوف تسعى لان تكون الأحزاب تحت سيطرتها إلى حد ما وهذا ما لا يقره الشيوعيون).
# في زمن الحكم المباد كانت الحكومة لوحدها تواجه الشيوعيين، وعدم إجازتهم ودفعهم للعمل السري ( لا يجعل الحكومة( يقصد حكومة قاسم ) عاجزة من مكافحة هذا النشاط لان ثلاثة او اربع قوى ستتضافر معها هي الشيوعيون جماعة داود الصائغ والقوميون وقوى الجيش والأمن وفي تقرير لاحق يضيف اسم البعثيين، مما يجعل الأمر مختلفا مما كان في العهد السابق. في تقارير أخرى يشير أن العمل العلني سوف يتيح للحزب الشيوعي التفاوض على الجبهة مع الأحزاب الأخرى ومن خلال الانتخابات سوف يستطيع من المشاركة في الحكم رغم انف السلطة.
# منع اتحاد الشعب كانت ضربة أستاذ، كسب فيها الزعيم ثقة الأوساط وأظهرت أن الزعيم ليس شيوعيا وانه يسعى لإيجاد الاستقرار لمصلحة الوطن وبرهان على ديمقراطية الحكم. في تقرير متأخر يكتب، ان منع إجازة اتحاد الشعب سوف يودي إلى ازدهار الصناعة والتجارة والصيرفة ويعود الإنتاج الزراعي لمستواه وسنصرف الطلبة للعلم.
# الجماهير تنتظر من الزعيم أن يقف بعزم ضد أي تحرك للشيوعيين الذين سيحاولون فرض إرادتهم على الزعيم بعد عدم إجازتهم التي تعتبر بالنسبة لهم مسالة حياة أو موت،( لذا سيكون لهم تحرك حاسم بمساعدة الضباط من جماعتهم والمخلصين إلى مبادئهم)، وكما هو معروف وموثق، اعتبرت كل القوى الرجعية المعادية لقاسم وثورة تموز أن الزعيم الركن طه الشيخ أحمد مدير الحركات العسكرية الذي جمد عمليا بعد محاولة اغتيال قاسم في 1959 والزعيم الركن جلال الاوقاتي أمر القوة الجوية اكبر ركيزتين للشيوعيين في الجيش تم إعدامهما على أيادي مجرمي شباط الأسود 1963.

لقد كان قاسم أسير تقارير أجهزته الأمنية التي كانت تتملقه و تتناغم مع هواه. كانت كما كشفت الأيام لاحقا من ابرز المتآمرين عليه بل بقى منهم من يفتخر بذلك حتى ان وزير داخليته وصفه لاحقا بـ ( الغبي). هذه التقارير التي كانت مشحونة بالعداء الأسود لكل حلفاء قاسم ومناصري أهداف تموز 1958 . لم يصغ ِ قاسم لنداء الشيوعيين ولنداء كل القوى الخيرة والحريصة على الثورة ومصيرها بتطهير هذه الأجهزة من العناصر المعادية للثورة والشعب والزعيم. لقد تخاذل الزعيم بعد محاولة اغتياله من قبل البعثيين في 1959، واخذ يتراجع أمام القوى الرجعية وتحالفها المشين ومكنها من استعادة مواقعها بعد أن فقدت الكثير منها في السنة الأولى من الثورة. وحتى شعاراته الرنانة ( عفا الله عما سلف) و ( الرحمة فوق القانون) شملت القوى المعادية له ولثورة تموز، ولم تشمل القوى المؤيدة له ولم يكن من الغريب ان يستلم مجرمو شباط الأسود السلطة والسجون مليئة بأعداد غير قليلة من مؤيدي قاسم وبالذات من الشيوعيين والبارتيين وغيرهم من الوطنين المحكومين بأحكام متعددة ومنها الإعدام الذي أصدرته محاكم قاسم ونفذته سلطة شباط المجرمة.
( بلغ عدد المعتقلين السياسيين 22 ألفا سنة 1960. ومن أواسط 1959 لغاية مايس 1961، أصدرت المحاكم العسكرية 112 حكما بالاعدام و770 حكما بالسجن لمدد مختلفة، واغتيل المئات معظمهم من الشيوعيين والبارتيين، وكانت أجهزة الشرطة والأمن تهمل التحقيق في جرائم الاغتيالات ولا تتعمق فيها بإيعاز من قاسم ( انظر كتاب البوتاني). العجيب ان تقارير الأمن كانت تنصح قاسم بربط إعدام البعثيين الذين أدينوا بمحاولة اغتياله بإعدام الشيوعيين والوطنيين الذين أدانتهم محاكم قاسم في أحداث الموصل وكركوك.
سعى قاسم لتخريب الحزب الشيوعي وإجازة حزب مفصل على مقاس وزارته، وخرب عمل الأحزاب الوطنية الأخرى والسعي للتعاون والتقارب فيما بينها في جبهة واحدة. وتدخل في استقلالية القضاء الذي أصبح عصى في أيادي قوى التآمر ضد من اخلص له ولثورة تموز،وتورط في عداء الحركة القومية الكردية وغيرها من جوانب سياسته المضطربة في الكثير من مفاصلها.

انتقل بعد محاولة اغتياله الفاشلة في 1959 إلى سياسة التوازن بين مؤيديه وبين قوى التآمر وكان هذا هو الخطأ القاتل في يوميات وسياسات قاسم، ولم يسعَ أو يجتهد في اية مراجعة لنهجه المدمر هذا. ظل قاسم حتى لحظاته الاخيرة يعيش اوهامه وقدرته على السيطرة والتحكم بجميع الامور من خلال اجهزة وقيادات كانت في معظمها تتامر عليه، وظل الزعيم ( الاوحد ) مصاب بعمى الالوان. بسياستة هذه وتوازناته، وهي احد اهم النصائح لاجهزته الامنية، كان يضيق قاسم حبل الموت حول رقبته ورقبة ثورة تموز واهدافها النبيلة. فما ان حلت جمعة 8 شباط الاسود 1963 حتى وجد قاسم ان الكثير من ضابطه القاسميون فضلوا الجلوس قرب زوجاتهم وفي ثكانتهم. فما وجد الضباط المخلصون له ولثورة تموز من شيوعين وقاسمين وديقراطين مشلولي الايدي نتيجة توازنات قاسم.
الشيوعيون فهموا وادركوا مخاطر عدم اجازة حزبهم رسميا، وبالتالي انحسار اي غطاء قانوني لهم وعودتهم الى العمل السري ثانية. سبق ان كانت مواقفهم تتعرض بالنقد لسياسات قاسم المتناقضة والمتعارضة في الكثير من جوانبها مع تطوير ثورة تموز واقامة دولة مدنية دستورية. الا انهم لم يستطعوا ولعوامل واخفاقات عديدة لست بصدد التطرق اليها، لتطوير هذه الاعترضات والانتقادات الى سياسية متكاملة، وبقيت سياستهم اسيرة السكون والثبات في مجملها. منع اجازة الحزب الشيوعي كان من المفترض ان تحرك وتصيغ سياسته من جديد وتدفعها من لحظة السكون التي استقرت فيه.
قراءة كتاب جاسم المطير تفتح الشهية على العديد من الاسئلة القادمة لقراء واقع العراق الحالي ونحن على ابواب صدور قانون للاحزاب في العراق. كل اللذين ناضلوا ويسعون اليوم الى دولة مدنية، دستورية، ستكون مادة الكتاب وكل ما يحط بهذا الموضوع من وثائق ومواد عونا لهم في التعامل مع تطورات القادم من الايام والاحداث.

*أعلن الزعيم عبالكريم قاسم مرة بعد أخرى في خطبه وتصريحاته للمراسلين الاجانب والمحليين بأن ( الحزب الشيوعي أخ له يساند الجمهورية ويعمل لخير الشعب شأن كل المخلصين). الكتاب ص 128

** العقيد عبدالمجيد جليل كان معروفا بمعاداته للحركة الوطنية، وكان يعمل قبل الثورة كضابط ارتباط بين مديرية الاستخبارات العسكرية ومديرية التحقيقات الجنائية ( الامن)، اي على صلة بسلفه بهجت العطية...لم يكن معروفا بالوطنية، وكان الضباط الاحرار يخافونه ويتحسسون منه قبل الثورة ( البوتاني ص 52). أعدمه علي صالح السعدي في 10 شباط 1963، حيث سبق وان اعتقل السعدي من قبل عبدالمجيد وكانت عملية اعدامه هي تصفية حساب، المهم قبل اعدامه قال عبالمجيد جليل للسعدي عندما صفعه على وجهه وبصق فيه( لماذا تضربني .. لولاي ما نجح الانقلاب). ( البوتاني ص 57 ومصادر اخرى اشارت لهذا الحدث)



#أحمد_الشيخ_أحمد_ربيعة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آية الله الحائري/ الحائر بين السماء والأرض
- يا لعار السفارة العراقية في هولندا
- متاهات السياسة بين الاصلاح والتغيير
- تراتيل العذاب والتحدي
- من اجل جبهة واسعة لاسقاط نظام المحاصصة
- حول الفدرالية3-3
- حول الفدرالية3-2
- حول الفدرالية
- دراما النضال من اجل يوم مشرق
- شمعة من اجل ضحايا الانفال
- الذكرى العاشرة لتاسيس اتحاد الجمعيات الديمقراطية العراقية في ...
- خراب الدعوة ام خراب البصرة
- ظهور القوى الاجتماعية الجديدة طبيعتها وسماتها التاريخية وقدر ...
- ظهور القوى الاجتماعية الجديدة طبيعتها وسماتها التاريخية وقدر ...
- ظهور القوى الاجتماعية الجديدة طبيعتها وسماتها التاريخية وقدر ...
- هل فتح المالكي باب جهنم؟
- الشيوعي والعراقية، من ؟ خسر من؟
- الذكرى الثلاثون لاستشهاد الطالب الشيوعي جمال وناس
- هل ستستوعب الحركة القومية الكردية العراقية الدرس؟
- جند السماء ومحنة حقوق الأنسان


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الشيخ أحمد ربيعة - الزعيم الذي قتل اخاه*