أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - رواء محمود حسين - ما وراء الغرب الانتحار والعدمية والتدهور















المزيد.....

ما وراء الغرب الانتحار والعدمية والتدهور


رواء محمود حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3961 - 2013 / 1 / 3 - 20:55
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


ما وراء الغرب
الانتحار والعدمية والتدهور


‏ الانتحار الغربي: فكرة وكتاب
‏ كتاب "انتحار الغرب" لمؤلفيه ريتشارد كوك وكريس سميث (نقله إلى العربية ‏محمد محمود التوبة، الطبعة العربية الأولى، العبيكان وكلمة، السعودية – أبو ظبي، ‏‏1430 ه – 2009م) يناقش قضايا غربية ستراتيجية، مثل: هوية الغرب، المسيحية، ‏التفاؤل، العلم، النمو، الليبرالية، الفردية، الغرب وبقية العالم، ويطرح التساؤل الآتي: ‏هل الانتحار محتوم؟ ‏
‏ يبدأ الكتاب بالإشارة إلى أن المعنى الذي تحرك فيه الغرب منذ عام 1900 بأنه ‏يشكل حضارة قوية، ومتوسعة، وتقدمية، ومثيرة، وأفضل حضارة في كل العهود قد ‏تلاشى، واحساس الغرب بالنهاية والتلاشي إنما يكمن في انهيار الثقة بالنفس، هذا ‏الإنهيار الكامن في العقل الغربي نفسه. إن حضارة الغرب، كما يؤكد المؤلفان مهددة ‏تهديداً فادحاً لأن معظم الغربيين أصبحوا غير مؤمنين بالأفكار التي جعلت الغرب ‏ناجحاً إلى هذه الدرجة، بسبب الارتباط بالتحولات الزلزالية في الأفكار والمواقف الغربية ‏‏(انتحار الغرب: ص 13-14).‏
‏ ما هو الغرب؟
‏ يقصد بالغرب البلدان التي استوطنها الأوربيون والتي يشكل فيها السكان ‏المنحدرون من سلالة أوربية غالبية واضحة، ويتحيز هذا الغرب بشكل جغرافي في ‏أوربا وأمريكا الشمالية واستراليا (انتحار الغرب: ص 17). ‏
‏ ما المقصود بالانتحار؟
‏ يقول المؤلفان كوك وسميث: "الانتحار الفردي هو النهاية الطوعية الذاتية التي ‏يفرضها الإنسان بنفسه على حياته، وانتحار حضارة هو النهاية الطوعية الذاتية التي ‏تفرضها تلك الحضارة بنفسها على نفسها". إن الانتحار المحتمل للغرب يعني: " ‏النهاية العرضية غير المقصودة لحضارة عظيمة، نهاية لم يصنعها الأعداء ‏الخارجيون، ولكن صنعها الغربيون يما يفعلونه، وبما يخفقون أن يفعلوه"، ويقصد ‏المؤلفان بالانتحار أيضاً: "الإخفاق في حل التناقضات في المجتمع الغربي بطريقة ‏تحفظ المثل العليا الغربية"، ويقصدان أيضاً: إما الانتحار البيئي، أو تحول المجتمع ‏الغربي إلى حضارة أخرى، فالفرد الغربي الذي اشتغل مسبقاً على تحسين نفسه، والواثق ‏والمسؤول، والمتجذر في مجتمعه الليبرالي مع كونه مسؤولاً من ناحية الواجب تجاه هذا ‏المجتمع، هذا الفرد الغربي الواثق الليبرالي بدأ الآن يتلاشى تدريجياً. لقد حل مكان ‏الإيمان نوع من النسبية واللاأدرية، ومكان التفاؤل حلّت الجبرية، ومكان الاحساس ‏بالتقدم انحاز الفرد إلى التحذيرات المسبقة وحلت الكوابيس محل الأحلام. أصبح ‏الاستهلاك هو السائد بدل التوفير، والعاطفية مكان الكفاح، ومكان المسؤولية تجاه ‏الآخرين الإحساس بكون الفرد ضحية، والارتياب مكان المثالية، والخبراء بدل الحكمة، ‏وحلت الثقافات الفرعية محل الثقافة، والتفاهة والإفراط بالشهوات محل الجدية، ‏والضحالة محل الخبرة الصلبة، لقد حل في المجتمع الاكتئاب والاختلاف محل السلطة ‏الاتفاقية، وتشظى المجتمع أخيراً (انتحار الغرب: ص 18 – 21). ‏
‏ سقوط القيم العليا: العدمية النيتشوية
‏ لا أبالغ بالقول إن جذور الانتحار الغربي تعود على الأقل في العصر الحديث ‏إلى فلسفة نيتشه العدمية أي إلى (زرادشت نفسه) الذي لمّا بلغ سن الثلاثين غادر ‏موطنه وبحيرة موطنه ومضى إلى الجبل (نيتشه: "هكذا تكلم زرادشت: كتاب للجميع ‏ولغير أحد"، ترجمه عن الألمانية علي مصباح، ط1، منشورات الجمل، كولونيا – ‏المانيا، بغداد، 2007م، ص 35). ‏
‏ نيتشه نفسه سبب لهذا الانتحار حين تصور الحداثة على أنها كامنة في ‏انتصار الوعي واستلاب الطاقة الانسانية التي تنفصل عن نفسها وترتد على نفسها ‏حين تتطابق مع التعاليم الإلهية، أي مع قوة غير إنسانية يتعين على الإنسان الخضوع ‏لها. لقد قادت الحداثة إلى العدمية، إلى استنفاد الإنسان الذي أسقطت كل قوته على ‏عالم إلهي، مما أدى إلى اضمحلاله المحتوم (تورين: "نقد الحداثة"، القسم الأول: ‏‏"الحداثة المظفرة"، ترجمة صياح الجهيم، منشورات وزارة الثقافة، سوريا، 1998م، ‏سلسلة دراسات فكرية (39)، ص 137 -138)، هكذا زُين لهم. ‏
‏ وأنا على يقين أن هذه الأفكار النيتشوية الداعية إلى انفصال القيم الإنسانية عن ‏التعاليم الإلهية هي أحد الأسباب الرئيسية التي سببت هذا الانتحار النهائي بالنسبة ‏للإنسان الغربي وللحضارة الغربية بشكل عام، إذ لم يعد للوجود الغربي من قيمة أو ‏معنى وقد أعلن انفصاله عن تعاليم إلهية تدعو إلى قيمية أخلاقية مطلقة. ‏
‏ إن الانتحار المذكور يرتبط بوصف نيتشه للعدمية أنها: "الوضع حيث يتدحرج ‏الإنسان إلى خارج المركز نحو المجهول"، وأن العدمي المكتمل هو الذي أدرك: "أن ‏العدمية هي فرصته الوحيدة". إذ تتلخص مجمل القضية العدمية عند نيتشه في (موت ‏الألوهة) وفي (سقوط القيم العليا) ( جياني فاتيمو: "نهاية الحداثة: الفلسفات العدمية ‏والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة (1987 م)"، ترجمة د. فاطمة الجيوشي، منشورات ‏وزارة الثقافة، سوريا، 1998م، ص 23). وهنا يتضح بجلاء الطريق النيتشوي المسدود ‏الذي أدى إلى الانتحار الغربي، فلم يعد ثمة قيم بل العدم والتلاشي والذوبان. ‏
‏ اشبنغلر: جذور التدهور الغربي
‏ ولعل اشبنغلر من أوائل من شخص مشكلة الانتحار الغربي منذ أوائل القرن ‏العشرين. فقد شدد على أن مشكلة المدنية الحاضرة تتسع لتصبح فلسفة جديدة هي ‏فلسفة المستقبل، بقدر ما تستطيع الأرض الغربية المستنزفة ميتافيزيقياً احتمال فلسفة ‏كهذه، وهي الفلسفة الوحيدة التي بمتناول إمكانات الفكر الغربي ادراكها خلال المراحل ‏القادمة (وهو ما حصل فعلاً بعد اشبنغلر حين بدأ التشخيص لأزمة الغرب العميقة ‏الراهنة). كما إن هذه الفلسفة، يؤكد اشبنغلر، تمتد لتصبح إدراكاً كلياً للتركيب الخارجي ‏للتاريخ العالمي، وللعالم كتاريخ مضاد للتركيب الخارجي للعالم كطبيعة كانت تقريباً ‏الموضوع الوحيد للفلسفة. وهي فضلاً عن ذلك تغوص مرة أخرى إلى أعماق أشكال ‏العالم وحركاته وتستعرض ممحصة خطورتها النهائية. إنه تجمع صورة الحياة وتقدمها ‏كأشياء صائرة متحققة في الخارج أو الواقع (اشبنغلر: "تدهور الحضارة الغربية"، ‏ترجمة أحمد الشيباني، منشورات دار مكتبة الحياة، لبنان، 1/ 44). ‏
‏ يؤكد اشبنغلر أنه ليس للجنس البشري هدف أو فكرة أو مخطط أكثر مما لعائلة ‏من الفراشات. فالجنس البشري هو تعبير زولوجي أو كلمة فارغة. ولكن فور طرد ‏سحر الشبح وكسر الدائرة السحرية فعندئذ ستبرز فوراً ثروة مذهلة من الأشكال الواقعية، ‏إنه الحي بكل ماله من امتلاء هائل وعمق وحركة وهو الذي كان حتى الان مقنعاً بكل ‏وصلات الكلام وبمنهاج جاف كالغبار وبتشكيلة من المثل العليا الشخصية. وهو يرى ‏في مكان ذاك الاختلاق لتاريخ واحد ضيق كالخط، تاريخ من غير المستطاع الحفاظ ‏عليه إلا إذا أغمض المرء عينيه عن جمهرة هائلة من الحقائق، وهو يقول ذلك لأنه ‏يرى بدلاً من ذاك الاختلاق دراما تتألف من عدة حضارات جبارة، تنبجس كل حضارة ‏منها قوة بدائية من تربة الأقليم الأم إذ تبقى مشدودة إليه برسوخ وثبات طيلة دورة ‏حياتها، وتطبع كل واحدة منها مادتها وجنسها البشري وصورتها الخاصة بطابعها، ‏ولكل واحدة من هذه الحضارات فكرتها وعواطفها وانفعالاتها الخاصة وإرادتها وشعورها ‏وموتها الخاص بها. وهنا حقاً يوجد ألوان وحركات وأضواء لم تكتشفها أية عين فكرية ‏بعد. وهنا تزدهر الحضارات والشعوب واللغات والحقائق وتهرم وتشيخ شأنها في ذلك ‏شأن أشجار الصنوبر والبلوط والزهر والاوراق. لكنه لا يوجد جنس بشري يشيخ ويهرم ‏‏(اشبنغلر: نفسه، 1/ 68 – 69). ‏
‏ يؤكد اشبنغلر أيضاً أن التدهور الغربي يكمن في أن المفكرين الغربيين لا يمتد ‏فكرهم ليتجاوز الدائرة الذهنية للإنسان الغربي. ويفحص هذه الفكرة من خلال كتابات ‏المفكرين الغربيين أنفسهم، مثلاً حديث أفلاطون عن الإنسانية ينبغي أن يفهم أنه يعني ‏الهلينيين في تباينهم والبرابرة، وعندما يصر كانت أن نظرياته صحيحة بالنسبة إلى كل ‏الناس في كل العصور والبلدان، لكن الأشكال الضرورية للفكر التي يعرضها كانت ‏فإنما هي ضرورة للفكر الغربي فقط. إن مراتب الإنسان الغربي هي مراتب غريبة عن ‏الفكر الروسي غرابة مراتب الانسان الصيني أو الإغريقي عنه. أضف إلى ذلك إن ‏الإدراك الكامل الفعال لكلمات الجذر الروسية والهندية على الانسانين الحديثين من ‏صيني وعربي، بما لهذين الانسانين من تركيبين ذهنين مختلفين اختلافاً مطلقاً. إن ما ‏ينقص المفكر هو البصيرة النافذة إلى الطابع النسبي تاريخياً لمعلوماته التي هي تعابير ‏وجود واحد معين خاص وواحد فقط، والمعرفة بالحدود الضرورية لصحة هذه التعابير ‏والقناعة بأن حقائقه الوطنية الراسخة ونظراته الخالدة هي صحيحة، بالنسبة له فقط، ‏خالدة بالنسبة لنظرته إلى العالم. إن مفاهيم نيتشه، على سبيل المثال، عن الانحطاط ‏والعسكرية وتقييم كل القيم، والإرادة للقوة تكمن عميقاً في جوهر المدنية الغربية، وهي ‏ذات أهمية حاسمة بالنسبة إلى تحليل المدنية الغربية (اشبنغلر: نفسه، 1/ 70 -72). ‏
‏ البديل: نحو إعادة القيم العليا
‏ أمكن أن نلحظ أن الغرب يمر بأزمة عميقة، شخّصها مفكروه بين مستويات عدة ‏تراوحت بين الانتحار والعدمية والتدهور، وهذا ما يفسح المجال أمام تأملات عميقة في ‏مركزية القيم الغربية، وصلاحية تطبيق هذه القيم بالنسبة للأمم الأخرى من عدمه. ‏
‏ وفي اعتقادي أن لا بديل عن الانحطاط والتدهور والانتحار الغربي إلا في إعادة ‏التمسك بالقيم العليا التي جاء بها الأنبياء (الصراط المستقيم) الذي شدّد على توحيد ‏الخالق سبحانه، واتباع الأنبياء، والاستعداد ليوم المعاد. بهذه الثلاثية القيمية ‏والمفاهيمية والمبادئية يمكن تأسيس منظومة حضارية جديدة تمنح الإنسان الأمل بعد ‏أن فقده، وتعيد له الحياة بعد أن قرر الانتحار. ‏
‏ ‏



#رواء_محمود_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اكتشاف سعيد النورسي مدخل مفاهيمي الى (سيرة ذاتية) ‏
- في نقد العقل المتفرد
- مناقشة د. حسام الآلوسي: التطور والنسبية في الاخلاق يلغي الاخ ...


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - رواء محمود حسين - ما وراء الغرب الانتحار والعدمية والتدهور