أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - أنا موجود، الله موجود؟















المزيد.....

أنا موجود، الله موجود؟


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3961 - 2013 / 1 / 3 - 17:51
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مؤسس الفلسفة الحديثة الفرنسي رينيه ديكارت (1596-1650) يربط الوجود الفعلي بالقدرة الفعلية على التفكير: "أنا أفكر إذاً أنا موجود". التفكير في حد ذاته شاهد أساسي على الوجود المادي الفعلي للإنسان، لأن من دون هذا الوجود المادي الفعلي لما استطاع الإنسان من الأصل أن يفعل أي شيء، فكراً أو غيره. كل فعل مادي محسوس له فاعل مادي محسوس أيضاً. لا يمكن أن يوجد "تفكير"، وهو فعل مادي محسوس، من دون إنسان أو كيان مادي آخر مهما يكون، يفعله، ويشهد على وجوده. من مكتشفات علوم الأنثروبولوجيا والحفريات، لا يتسرب الشك أبداً إلى أن الإنسان يفكر منذ القدم؛ ولأنه يفكر منذ القدم حتى الآن، إذاً هو أيضاً موجود منذ القدم حتى الآن. إثبات وجود الإنسان، هكذا، عملية سهلة. إذا كان يفكر (والتفكير عملية موجودة مادياً) إذاً هو موجود (وجوداً مادياً)، وواعي بوجوده هذا فضلاً عن ذلك. إذا كان يستطيع أن يثبت وجود نفسه، كيف يثبت الإنسان وجود الله؟ هل الله، مثل الإنسان، يفكر حتى يستطيع الإنسان أن يربط بين ناتجه الفكري ووجوده الفعلي، مهما تكون صوره؟ هل، كما قال ديكارت بشأن الإنسان، يمكن القول أيضاً: "الله يفكر (أو يوحي ويشرع للبشر) إذاً الله موجود"؟

على مر العصور الممتدة آلاف وربما ملايين السنين، لم يشك الإنسان لحظة في أن الله يفكر، وربما حتى يخصه هو بالذات، لحظة بلحظة، بالهداية والعناية الإلهية من دون سائر الخلق. تكاد لا توجد بقعة نائية أو قبيلة بائدة واحدة مهما صغرت لا تملك قبساً من فكر الله، تدير به حياتها وترشد به مستقبلها، وتنجو به من عذاب الله في آخرتها. بل حتى هناك من البشر، قديماً وحديثاً، من يستشير فكر الله (كلام الله، كتاب الله، شرع الله، حكم الله، سنن الله) يومياً، يجتهد في تفسيره وتأويله حتى يخرج منه بما يهدي وينفع الناس في أمور دنياهم وآخرتهم. اليقين في وجود فكر الله عظيم، لدرجة أن الإنسان المؤمن يكاد لا يخطو خطوة أو ينطق كلمة إلا وهو موقن أن الله قد فكر فيها ورسمها وقدرها له سلفاً في كتاب محفوظ، ربما منذ الأزل حتى قبل خلق الكون ذاته. ويصل اليقين بوجود فكر الله، والله ذاته، إلى حد أن مجتمعات وأمم وحضارات بأكملها، قديماً وحديثاً، تسير حاضرها وترسم مستقبلها على هدى من فكر (شرع) الله وخطة إلهية عظمى. فكر الله موجود في وعي الإنسان منذ القدم ولم يفارقه لحظة. وهناك ما لا يحصى من الأدوات البدائية والتماثيل والرسوم والنقوش والصور والأقوال والألواح والكتب المقدسة المنسوبة إلى الله، كلها تؤكد أن الله يفكر (ويوحي ويشرع للبشر وربما حتى يقودهم بنفسه). وقد ظل هذا الفكر الإلهي المصون في كتب مقدسة يحظى بمكانة وقيمة أكبر من الفكر البشري، الوضعي.

لكن التفكير في حد ذاته ليس شرطاً لازماً للوجود. هناك أشياء وأحوال كثيرة موجودة وجوداً مادياً فعلياً من دون أن تفكر، أو أن تكون لديها القدرة الفطرية على التفكير. صحيح أن كل الحيوانات والكائنات الحية بكافة أنواعها لديها درجة ما من الوعي بوجودها ومن ثم القدرة على التفكير، بما يكفي لحفظ النفس والنوع على الأقل. حتى، في هذه الحالة، لو كان التفكير ليس شرطاً لإثبات الوعي بالوجود مثلما في حالة الإنسان، رغم ذلك لا يزال التفكير شرطاً لازماً لا غنى عنه حتى تستطيع هذه الكائنات الحية العيش وحفظ النوع في كون مليء بالأخطار والمفترسات. لكن الجمادات لا تفكر، ولا تملك قدرة فطرية على التفكير. هي تخضع لفكر من نوع آخر، ربما يكون غير واعي بذاته لكنه في جميع الأحوال أكثر تنظيماً وثباتاً بكثير من التفكير الإنساني والحيواني: قوانين الطبيعة. الطبيعة (الكون) كلها موجودة وجوداً مادياً فعلياً من دون شرط التفكير، ورغم ذلك تدور في نظام وانضباط لا يماثله أبداً أي فكر، سواء الوضعي الإنساني أو السماوي الإلهي.

قد يكون التفكير شرطاً لازماً لوجود الإنسان، لكن هل هو شرط لازم لوجود كل شيء آخر؟ لا، بدليل وجود النجوم والكواكب والبحار والجبال والرياح والضوء والصوت...الخ من دون تفكير، مستغنية عنه بالقوانين الطبيعية. لكن رغم الوجود المادي الفعلي لمثل هذه الأشياء، متساوية في ذلك مع الإنسان والكائنات الحية، هي بسبب عدم القدرة على التفكير تفتقر إلى شيء مهم يستحيل أن تمتلكه بغير ذلك: الوعي بوجود الذات. التفكير، علاوة على كونه في حد ذاته شاهد على الوجود المادي الفعلي، هو أيضاً شاهد على الوعي الذاتي بهذا الوجود المادي الفعلي. الإنسان والحيوان والجماد كلهم موجود وجوداً مادياً فعلياً. لكن الإنسان، والحيوان بدرجة أقل، فقط هو الذي يعي وجوده المادي الفعلي هذا، ومن ثم يستطيع أن يفكر فيه ويشبع متطلباته. الجمادات لا تملك وعياً ذاتياً، ومن ثم يستحيل أن تفكر في ذاتها أو في متطلباتها الأخرى.

ملحوظة مهمة: الوجود، والوعي به، والتفكير فيه هي كلها شيء واحد ونفس الشيء، لا انفصال بين مكوناته الثلاثة سوى على مستوى التحليل النظري فقط. في قول آخر، "الوجود" المادي الفعلي هو الذي يحدد شكل وجوهر "الوعي" به، الذي بدوره يحدد شكل وجوهر "التفكير" في غاياته ووسائل تلبيتها. كل حالة من الثلاثة تحدد مسبقاً التي تليها وتؤدي إليها، لا إلى غيرها. في لغة التشبيه، وعي الأسد بذاته وتفكيره في وسائل إشباع حاجاته جزء لا يتجزأ من وجوده وبناءه المادي الفعلي، خلاف وعي وتفكير-ومن ثم سلوك- فرائسه من الغزلان أو الأبقار، التي تختلف بدورها عن الأفاعي والضفادع والحشرات، المختلفة بدورها عن الإنسان. لا يمكن لوجود الأسد أن يؤدي إلى وعي وتفكير إنساني، كما لا يمكن لوجود إنساني أن يؤدي إلى وعي وتفكير الأسود. "الوجود" هو الذي يحدد "الوعي"، الذين يحدد بدوره "التفكير"، ومن ثم السلوك المتوقع. على هذا، يمكن استبدال عبارة ديكارت بالآتية: "أنا موجود إذاً أنا واعي بوجودي وأفكر فيه". مضمون "الفكر" لا يخرج، ويستحيل أن يخرج، عن مضمون "الوعي"، الذي بدوره يستحيل أن يخرج عن حدود "الوجود" المادي الفعلي.

عبر التاريخ، الإنسان ينسب إلى الله فكراً (وحياً وشرعاً)، ويستدل به على وجود الله. لكن يبقى السؤال: هل خرج مضمون هذا "الفكر" الإلهي يوماً عن "وعي" الإنسان بحقيقة وجوده على الأرض ومتطلبات هذا الوجود؟



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- والله لا يتكلم
- المعنى بين النص والواقع
- لغة البهائم والبشر
- لأن الله معهم
- الشعب والنخبة والحاكم بين الديكتاتورية والديمقراطية
- الإخوان لا يهزمون أبداً بالوسائل الديمقراطية
- الدستور أو الشريعة
- حتى لو خلعت ملابسها في ميدان عام
- اصرفوا رئيس اليمين الباطل
- رئيس في الهواء
- عندما يعتلي الإله سدة الحكم
- كذلك الكلاب تتزوج أفضل من البشر
- في وحدانية وسماوية الجسد والمرأة
- سيدنا الشيخ بديع مع سيدنا الولي مرسي
- في فلسفة الدستور (عبثية المادة الثانية)
- الدين والديمقراطية والديكتاتورية الإسلامية
- في فلسفة الدستور
- العلماء الكهنوت
- وكذب القرآنيون-3
- وكذب القرآنيون-2


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - أنا موجود، الله موجود؟