عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3959 - 2013 / 1 / 1 - 02:28
المحور:
الادب والفن
( مقاطع من دفاتر الحَرب والحُب .. في سنوات الرماد )
قبل َ أربعين َ دَهراً
كنتُ جنديّا ً في " كوردستان " .
وكنت ُ كلّما نزلت ُ من رابيات ِ " جومان "
هابطا ً نحو بغداد
أجلسُ على مصطبة الغرباء ِ في " طوزخورماتو "
لأشرب َ شاي َ الحبورِ المعتّق ِ
في دنانِ التعاسة ْ.
....
....
وفي باص ِ " المرسيدس " الأزرق ( 18 راكب )
كانت هناك َ صبيّة ٌ كرديّة ْ .
قلت ُ لها ..
/ ورائحة ُ العدَس ِ الأصفر ِ .. والقمل ِ الأبيض ِ .. والصمونِ الصخريِّ .. تفوح ُ منّي /
- صباح ُ الخير ِ " روناك "
أنا الجنديُّ المُكلّف ِ " لا شيء " .
كانت ْ رَقَبَتُها .. بيضاءُ جدّاً
لهذا .. لم تلتفِت ْ .
قالت فقط إنّ إسمها ليس " روناك "
وأنما هو " تارا " .
وصلنا الى تخوم ِ بغداد ..
ولم ْ تلتفت ْ .
كانت " تارا " تشبه ُ إلى حد ٍ ما
سماوات َ الثلج ِ في جبالِ " قنديل "
حيث ُ يعشق ُ الجنود ُ صوت َ العصافير ِ المتجلدّة
ويموتونَ وحدَهُمْ
من فرط ِ الصمتْ
تحت َ " بطّانيّات " المُعَسْكَرْ .
....
....
كان َ أبي
يشبه ُ الليل َ تماماً
حين َ عَبَرْنا مضيق َ العيشِ معا ً
ذاهبين َ إلى " دَيْزَفول " .
كان َ " فابيوس " ..
يقودنا نحو َ الفردوس ْ
زاحفين من " العِمارة ِ "
صوب َ " دهلران "
كذبابٍ نيسانيٍّ
قصير ِ الأمَد ْ .
....
....
لم ْ تكُن ْ الولاّدات ْ ..
قد ْ أرْضَعْننا بعد ْ .
وكانت أمّهاتنا أبكارا ً ..
كحوريّات ِ الجنّة .
وكان َ وجه ُ أبي ..
حالك ٌ كالرماد .
وقبل َ الليل ِ القادم ِ بقليل
كنت ُ أسمعُ حفيف َ البناطيل ِ " الخاكيّة ِ "
ودبيبَ " البساطيل " السود
وهي تصطّف ُ كرايات ِ القبائل ِ
في وادي الحرير ِ القديم ْ
لتوقد َ من جديد
نيران َ الأمّم ِ البائدة ْ .
....
....
لأنَّ بناطيلهم ْ بُنيّة ٌ
وجزماتهم ْ سوداءُ
ووجوهُهم ممسوخة ٌ بــ " البيريّات " المُفلْطحَة ْ .
لأنَّ رائحة َ العَدَس ِ الصفراء
تفوح ُ منهم ْ
وحُزنُهُمْ ليس َ أبيض ْ ..
" تارا " لا تحبُّ الجنود .
....
....
لأنَّ رائحتها
تهْرِش ُ أجسادَهُم ْ
في الثكنات ِ الطافحةِ بالقهر ْ ..
" تارا " لا تحبُّ الجنود .
....
....
لأنهم ْ يفرّون َ نحوَ أزقّتهمْ
في " قطـّاعات ِ " الذهول ِ
/ جنوب َ خطّ ِ الفقر ِ الوطنيّ /
نازحين َ من جبال ٍ لا تنتمي إليهِم ْ
ويلوذون َ / لبُرهَة ٍ / في " طوزخورماتو "
ليعْلِكونَ صُبّيرَ خيباتِهم المُستدامة
في صحن ِ الفاصوليا البيضاء
والرّز ِ اليابس ْ ..
" تارا " لا تحبُّ الجنود .
....
....
لم يكُن ْ " نيسان ُ أقسى الشهور "
/ كما قال " آليوت " / .
كان َ " تَمّوز ُ " أقسى
دائما ً
في العراق .
....
....
لا أحَدَ يُجيد ُ كتابة َ التاريخ ْ
مثل ُ أمــّي .
عندما تقول ُ.. إقرأ ْ
سأقرأ ْ ..
" ترَفّق ْ بروحِك َ يا بُنيّ
فلا بدائل َ للحُزن ِ هنا
غير ُ الله ِ
أو السُلطان ِ
أو المبغى " .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟