أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - نظرة عامة في براهين وجود الله















المزيد.....

نظرة عامة في براهين وجود الله


أحمد القبانجي

الحوار المتمدن-العدد: 3949 - 2012 / 12 / 22 - 01:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذه بعض النقاط التي نحاول من خلاها ان نلقي الضوء على براهين وجود الله بشكل عام:

1 ـ التطوّر المستمر للمعارف العقلية يجهض المحاولة
فمن دليل الحركة لارسطو الى دليل الحدوث للمتكلمين والى دليل الامكان للفارابي وابن سينا نجد أن كل فئة من الفلاسفة أو المتكلمين تحاول نقض ما سبق من أدلّة على وجود الباري تعالى للمدارس الفكرية الاخرى وإبراز أوجه الخلل ونقاط الضعف فيها والاتيان بدليل عقلي جديد أقوى من سالفه، فبعد أن نقض المتكلمون دليل الحركة لارسطو جاؤوا بدليل الحدوث زاعمين أنه هو الحق الذي لا ريب فيه، ولكن فلاسفة الإسلام الذين لم يكونوا يوماً على وئام مع المتكلمين لم يرق لهم ذلك وطعنوا في دليل الحدوث واكّدوا قصور مقدماته عن اثبات المطلوب وأن احتياج المخلوقات الى خالق ليس هو بسبب الحدوث بل الامكان، ولذلك ابتكروا دليل الامكان وزعموا ـ كما يقول ابن سينا ـ انه دليل الصدّيقين، ثم جاء صدر المتألهين وأبان بعض وجوه الخلل المنطقي في دليل الامكان وجاء بدوره بدليل الوجود الذي يقوم على نظرته في اصالة الوجود وادّعى انه هو اللائق بأن يسمّى بدليل الصديقين، وجاء «كانت» الالماني ونقض جميع الادلة المذكورة وأتى بالدليل الاخلاقي الذي أبطله المتأخرون عنه، وهكذا كلّما جاءت امّة لعنت اختها ..
وعلى هذا الاساس يمكن أن يقال بأنه ما المانع من أن يقوم فلاسفة ومحققون في المستقبل بنقض ما تبقى من الأدلّة المعتبرة؟ ومع وجود هذا الاحتمال فكيف يصح الوثوق بمثل هذه الأدلّة التي نحتمل بطلانها على سبيل الاجمال؟ وهل يتفق أن تتوقف عملية الاستدلال الفكري على أدلّة معينة مع ما نشاهده من دينامية مستمرة لحركة العقل في استكشاف الحقائق في حركة الحياة؟

2 ـ الأدلّة المذكورة لا تورث القناعة النفسية
إن ما نحن بحاجة إليه في مجال الحقائق الدينية وخاصة في ما يتعلق بأصل التوحيد هو القناعة النفسية والوثوق القلبي بالعقيدة الغيبية بحيث تتحول هذه العقيدة الى ممارسة في عالم السلوك ولا تبقى مجرد مقولات محنّطة في دائرة الفكر، في حين أن الادلّة المذكورة لا تورث قناعة من هذا القبيل لدى الفرد، وكما يقول مارتين مارتي: «إن هؤلاء المستدلّين يعلمون أن الأدلة انما تكون مقبولة لدى الناس في صورة ما اذا كان لديهم استعداد مسبق للإيمان» للإيمان وقبول مفهوم الالوهية فان جميع الأدلة العقلية لا تكون مثمرة.
ويرى ويليام جيمز أن سبب ذلك يعود الى أن نوازع الإنسان الباطنية وحاجاته الروحية أعمق من حاجاته العقلية، وفي الواقع فان القوة العقلية في الإنسان تقع تحت تأثير احساساته النفسية فينعكس ذلك على عملية الاستدلال، ولهذا كانت التجربة مقنعة اكثر من الدليل المنطقي، لأن طبيعة الإنسان العقلانية في أفضل حالاتها اذا قيست الى طبيعته النفسانية تكون ثانوية وفرعية على اثباتها بالدليل، والعقائد الدينية في أغلب الاحايين متأثرة بالعلل لا بالادلة، ولهذا نرى أن القرآن الكريم يستخدم الاسلوب الخطابي في اثبات العقائد أو تصحيحها بدل الاسلوب المنطقي لشدّة تأثيره في النفس، في حين أن براهين اثبات وجود الله لا تورث قناعة في النفس، لأنها تتحدث مع الإنسان بلغة جافة لا روح فيها وتتعامل معه بقوانين ومقررات منطقية بعيدة عن واقع الناس وحياتهم الفكرية والاجتماعية كما هو الحال مع الادلة الرياضية الجافة. ولذلك لا تجد الناس يتفاعلون مع دليل «الحركة» لارسطو، أو دليل «واجب الوجود» لابن سينا ويجعلونه نصب أعينهم في تعاملهم مع الواقع، ولا ينطلقون في ايمانهم القلبي والعاطفي من موقع الدليل العقلي المذكور.
3 ـ الخلل المنطقي في الادلة:
إن الادلّة المذكورة لا تواجه مشكلة اقناعية فحسب، بل تواجه خللاً منطقياً أيضاً، وكما يقول «كافمن»: لا يمكننا اثبات وجود الله ببرهان معتبر بحيث لا يكون الله موجوداً في اى واحدة من مقدّماته؟ وطبيعي أن الله اذا لم يؤخذ في المقدمات فانه لا يظهر في النتيجة أيضاً. كمثال، ان زيد إنسان ـ وكل إنسان متحرك. زيد متحرك، نلاحظ أن زيداً قد اُخذ في الكبرى التي هي محط الاستدلال ـ بطريقة ضمنية، فلو تعاملنا بهذه الصورة مع براهين وجود الله لما كانت مثمرة منطقياً لأننا أخذناه مفروض الوجود في مرحلة سابقة، أو أخذنا شبيهه، وعلى سبيل المثال عند ما يقال في برهان الحدوث أو النظم: أن لكل حادث علّة، فالكون له علّة، نلاحظ أن العلّة المأخوذة في المقدمة هي غير العلّة المأخوذة في النتيجة، لأن غاية ما تقرّره المقدمة المذكورة هي أن لكل حادث علّة، وذلك من خلال مشاهداتنا العلمية في الخارج، ولكن هذه المشاهدات انما تحكي عن علل حادثة ومتناهية دائماً وليست لها امتداد منطقي لتستوعب غير المشاهد من هذه العلل، والعلّة المقصودة في النتيجة هي علّة لا متناهية (أي الله).

4 ـ قصور الأدلة العقلية عن اثبات الصفات الاخلاقية لله تعالى
إن الأدلة العقلية على فرض قابليتها لإثبات وجود الذات المقدسة، الاّ أنها تواجه مشكلة في اثبات الصفات الاخلاقية كالرحمة واللطف والخير المطلق وأمثال ذلك، ولما كانت صفاته عين ذاته، ومثل هذه الصفات المذكورة هي أهم الصفات التي تشكل محور العلاقة بين الإنسان وربّه ـ ولهذا ورد التأكيد على صفتي «الرحمن الرحيم» في مطلع كل سورة ـ كان مجرد اثبات الذات بدون هذه الصفات ليس بذي قيمة، أما عدم امكانية اثباتها بالدليل العقلي فلوضوح أنها من المفاهيم الذوقية والاستحسانات النفسانية التي تدرك بالوجدان لا بالعقل، ولهذا لم يتطرق الفلاسفة وعلماء الكلام لاثبات هذه الصفات والاسماء، واكتفوا بالبرهنة لاثبات صفة العلم والقدرة والحياة وعدم الشريك وعدم التركيب وأمثال ذلك. والإنسان لا يجد في نفسه رغبة للاتصال باله لا يتفاعل معه على مستوى الحب والحنان ولا يتكلم معه بلغة العاطفة والرحمة، بل يمكن القول بأن مثل هذا الاله ليس باله حقيقي للانسان ولا يمثل طموحه في التكامل المعنوي ولا يشبع نهمته في التبعية والتوكل والعبودية.
وعلى سبيل المثال، فالادوات العقلية قاصرة ذاتاً عن اثبات رحمة الله بعباده، وكل دليل عقلي يؤتى به في هذه الدائرة يمكنه أن يكون شاهداً على الضدّ أيضاً، فكيف تنسجم مقولة «الرحمة» مع ما نجده من فقر، مرض، جهل، بلاء وكوارث وحروب وامثال ذلك؟ وما يقال من كونها رحمة بتأويل المفهوم ليتناغم مع نتائج البلاء من معطيات ايجابية دنيوية أو اخروية فهو تأويل محتمل إلاّ أنه يمكن استنباط مفهوم «النقمة» من تلك الحوادث في نفس الوقت. ولهذا ورد كلا الاحتمالين في القرآن الكريم، فتارة تؤخذ كثرة النعمة وزيادة الخيرات على الإنسان بمفهومها السلبي وأنها قصد بها «الاغواء» و«الاستدراج»، واخرى بالعكس، وكذلك الحال في نزول البلايا والمحن، فتارة تكون نعمة وخير فيما لو كانت الغاية منها الامتحان والانذار «لعلهم يرجعون» واخرى عذاب معجّل في الدنيا قبل الآخرة، وعلى كل حال فالعقل قاصر عن إدراك الغايات الإلهية من الحوادث الطبيعية ليتمكن بالتالي استخلاص من صفة «الرحمة» منها، وهكذا الكلام في كونه تعالى «خيراً» مطلقاً، فبأي دليل عقلي يمكننا اثبات أن هذه النعم والمواهب هي خير للانسان وليست «نقمة» مع ضميمة أنه محاسب غداً على كل صغيرة وكبيرة؟!

5 ـ الادلّة لا تنتج الغاية من اثبات وجود الله
إن من له معرفة أولية بشؤون الفلسفة وقضاياها يعلم باستحالة الاستفادة من الادلّة العقلية لاثبات القضايا الاعتبارية، وكذلك العكس. وهو ما صرح به العلامة الطباطبائي في «اصول الفلسفة والمذهب الواقعي»، وبما أن القضايا الاخلاقية من وجوب شكر المنعم والعبودية والطاعة وامثال ذلك هي من المسائل الاعتبارية، فيستحيل تحصيلها من الادلّة العقلية لاثبات وجود الله، فغاية ما يمكن للأدلّة المذكورة على فرض صحتها وسلامتها اثبات أن لهذه الكون خالقاً ومدبّراً، أما انه يجب على الإنسان شكره وعبادته وامتثال أوامره فهي قاصرة عن ذلك، ومعلوم أن الغاية من اثبات وجود الخالق هو إثبات هذه الامور، والاّ كانت مجرد ترف فكري تدور قضاياه في مدارات العقل فقط ولا تتجسد في الواقع العملي للناس، ولذلك عدل الفيلسوف الالماني «كانت» عن الادلّة العقلية الى الدليل الاخلاقي لاثبات وجود الله الذي خلق الوجدان الاخلاقي في الإنسان ودعاه الى امتثال أوامره، وسلك «كير كجارد» مؤسس الوجودية مسلكاً متشدداً مع الادلّة العقلية وادعى أن كل سعي لاثبات وجود الله فهو سعي أحمق.



#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دوافع جعل الحديث عند الشيعة
- مدرسة الجشتلت ... علم نفس الشكل
- المجتمع المدني مجتمع تحت سلطة القانون
- القرآن والتحدي بمجموع الآيات
- التفسير السيكولوجي لظاهرة الايمان بالله
- منهج العقل الديني في التعامل مع المعارف والمطالب الدينية
- التفسير السسيولوجي لظاهرة الايمان بالله
- التجربة الدينية للنبي
- هل الدين معيار للعدالة أو العدالة معيار للدين؟
- القراءة السطحية للنصوص
- -لا للديمقراطية- هو الشعار الحقيقي للإسلام السياسي
- صورة الله عند الفلاسفة
- من انجازات النبي ... توحيد القبائل والشعوب
- المنهج الجديد في تفسير النص
- اسطورة الفيل وحرب أبرهة الحبشي
- العلاقة المتبادلة بين الدين والأخلاق
- من انجازات النبي ... تشكيل الدولة
- مساهمات الفلاسفة في نشوء علم النفس
- حقوق الانسان من منظور اسلامي
- ابراهيم الخليل وإشكالية ذبح الابن


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - نظرة عامة في براهين وجود الله