أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبد الحميد عبود - مفكرة ثورجي في الثورة السورية(2)















المزيد.....



مفكرة ثورجي في الثورة السورية(2)


عبد الحميد عبود

الحوار المتمدن-العدد: 3948 - 2012 / 12 / 21 - 22:40
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


الطريق من اعزاز باتجاه الجنوب سالكة مش آمنة، على جانبي الطريق سهول مزروعة بالبطاطا، بالبطيخ بالفلفل، بالباذنجان ( سوريا بلد زراعي ينتج كل ما يأكله وقد يكون البلد العربي الوحيد المكتفي ذاتيا بالزراعة ) في السيارة صحافيان أمريكيان ومصور مغربي، مجهزين بكل وسائل الاتصال الحديثة، (حقيبتي فيها كراس وثلاث أقلام ومعجون أسنان وعدة حلاقة) انشغلت بالحديث مع محمود أبو زيد منسق المكتب الاعلامي، قال انه يحتاجني للترجمة مع الصحافيين، لكني أكره هؤلاء الخواجات الذين يقتنصون ذواتنا ويحولون اجسادنا المفككة إلى صور اكزوتيكية،
خفقت أجنحة الحلم المطوية، أنا الآن حيث أحضرتني أفكاري ولاحقاً سأكون حيث تأخذني أفكاري، على سفر، أستطيع ان أقوم بثلاث عمليات حسية بوقت واحد، أبصر وأحلم وأحارب أيضا، إفتح يا سمسم، شبّيك لبّيك، حلب كلها بيد يديك، أريد ان تأهبْ للبذل والعطاء، وأريد ان أرى بكل وضوح الرؤية، ها هو ينطلق أسرَعْ من طلقة، أقوى من قاطرة، إنه طير، إنه طائرة، إنه إنسان، إنه انا، سوبرمان، مخلوق جبار بإمكانه إسقاط الميغ وحبس الأسد في قفص، إنه الرفيق الصغيرَ للثورة السورية، هكذا فتحت جبهة في رأسي، أحلام يقظة، معركة نظيفة لم يقتل فيها قتيل ولم يجرح بها جريح، من منا لم يدمر الأرض بضع مرات في خياله المحموم !
أيقظني محمود من صفنتي وهو يشير الى مدرسة المشاة، أهم نقطة عسكرية نظامية في حلب، دخلنا المدينة من حي "الانذارات"، فرأينا طابورا طويلا أمام المخبزة، تعطلت السيارة لأن المازوت مغشوش بالماء، مشينا على أقدامنا، هاهي المدينة التي كتبت أجمل الأشعار وغنت أجمل الموشحات والقدود، ثمة ملصقات من مخلفات النظام، "كل من يريد ان يعرف من نحن، نحن سوريا"و "كل من يريد ان يعرف طائفتي طائفتي سوريا "، مجرد فيلولوجيا بعثية، النظام يدجّل فهو طائفي بامتياز ويكرس هيمنة طائفة صغيرة على بقية الطوائف، النظام يكذب على حلب وحلب تكذب على نفسها، كيف ترسم صورة روبوت تقريبية لمدينة ليست مجرمة، انها من تلك الفصيلة الشاذة من المدن المعروفة بانحيازها الرفيع للمال، مبرمجة للأخد لا العطاء، تكذّب الفكرة الشائعة عن راديكالية المدن الطَرَفية، فعلاقتها بالله جيدة وعلاقتها بالبعث جيدة جدا، من الصعب ان تصدق ان نفس المدينة التي أنجبت ابراهيم هنانو وسليمان الحلبي وسعدالله الجابري والشيخ أبو الهدى الصيادي وساطع الحصري وفرنسيس مراش والكواكبي، قد أنجبت المفتي البعثي أحمد حسون وعشيرة آل بري الشبيحة، حلب تأخرت، تأخرت كثيرا عن الثورة، للحق فأنها لم تتأخر أبدا لأنها ما ركبت البتة قطار الثورة، بينما كانت حمص تشتعل تحت القذائف كانت حلب تُشعل النار تحت الكباب او تُسيّر مسيرات مليونية مؤيدة لبشار الأسد، ولكن حلب لا تحب الا نفسها، فأهلها أثرياء والأثرياء لا يوالون الا مصالحهم ( الثروة والثورة لا تتهجيان معا)، على العموم فهي مكرهة على البطولة لا بطلة، الفضل يعود لثوار ريف حلب الفقراء ( مارع وتل رفعت وعنادين واعزاز ) الذين (بذكاء فادح ) نقلوا المعركة إلى قلب حلب، إلى عقر دار الأغنياء .
على ان الانصاف يقتضي ان نجد لها ظروفا مخفِّفَة، فالنظام أحكم عليها القبضة الأمنية، النظام خصّها حتى أخصاها، ناهيك عن ان الثمن المرتفع في الضحايا الذي دفعه سكانها في مجازر 1982 كسر عينها، واقع حلب هو ترجمة منفلوطية لشاعرها الكبير، أبو الطيب لا يخيب فكرة المتنبي عن نفسه، فهو مداح في الواقع وبطل في الأشعار، وعليه فإن الحلبيه ليسوا حربجية بالمرة، الثورة مش ثورتهم لأن الثروة ثروتهم، اسمعوا هذا الحلبي الأصيل وهو يستنكر الخسائر الفادحة التي أصابت داره "انكسر البلّور( الزجاج) يا يوب "،قالها بلهجة مفجوعة تجعل الشهداء الذين سقطوا في الغارة الجوية نفسها يبدون كخسائر جانبية، هنا يمكنك ان تجد فيلقا من الشبيحة المحلية " صُنِع في حلب " النظام أخرج من السجون السّقاطَ والسرسرية والزعران ومهربي المخدرات وسلّحهم وجنّدهم ضمن اللجان الشعبية ( الشَبيحة)، حلب ليست شهباء ولكنها حرباء، راعت الظروف وتصرفت حسب موازين القوى، حين كان النظام كُلِّي القوة انحازت له كليا، وحين تساوت الكفتان وضعت نفسها على الحياد ( لا تشبيح ولا تكبير)، وحين مالت كفة الثورة مالت معها ( شكليا)، حلب توليفة من العجب ومن المغازي والمحاشي والالتزام الرخو والأساطير، بكلمتين، حلب غشاشة، غشاشة جدا، تغشك بالمتنبي والفارابي وابن جني والمعري والبحتري ،فتاريخ حلب يبقى تاريخ المحاشي والكبب، انها ليست مجسما مصغرا لسوريا ولكن لتعقيدات سوريا، ومن يتجول في ماضيها يدرك جيدا ان مستقبلها سيكون أصعب من حاضرها .
أول ما وصلت المدينة نادوني "حجي" وحين عرفوا اني أكتب نادوني "أستاذ" وحين طالت ذقني نادوني " شيخي"، حين عرفوا اني رامي قاذف آربي جي نادوني "معلم"، رغم ان معلميتي تقريبية، سلمني محمود لكتيبة عمرو بن العاص المعسكرة في مدرسة الطلائع الكائنة في بستان القصر، فسلموني قاذفا عتيقا انتهى عمره الافتراضي وما زال يقذف، أنا رامي قاذف، وهذا منصب لا يستهان به، فالقاذف( على خفته) هو أثقل أسلحة الثورة، في الصباح زلزلت الأرض تحتنا بزلزال تسعة ريختر، غارة جوية، يا لطيف، دخل الغبار للغرفة، خرجنا فإذا المدرسة مستهدفة بصاروخ دمر الربيئة وقص عمود الكهرباء وقلب السيارات، الحرب مش بالسهام والرماح ولكنها بالمدافع والأهوان، اختبئنا في أغمق مكان، في الزنزانة المخصصة للسجناء، هجرنا المدرسة وعسكرنا في روضة أطفال قريبة لكن كتيبة "فجر حلب" قالت ان الروضة تابعة لمنطقة نفوذها فانسحبنا، الدفتردار أبو أيمن ارتعب (مع انه لم يكن بالمدرسة أثناء قصفها ) وجد قبوا تحت الأرض اختبأ فيه وأصدر أمرا بألا يعمموا مكانه، ظن أن الطيران الحربي يرصده هو شخصيا ويريد رأسه، المعلم أبو جميل وزع الخمسين مقاتلا على ثلاث مواقع وفرزني لمخفر الزبدية، انه أوسخ مخفر بحلب، سمعته السيئة تتناسب طرديا مع نقمة الحي على النظام، ثمة كومة هائلة من أوراق وأضبارات، ثلاث غرف بحالها من تقارير المخبرين المحترفين والهواة، تقارير من الأمن العسكري، من الأمن السياسي، من الأمن الجنائي، من أمن الدولة، من المخابرات الجوية، من فسافيس الحارة، مسكين الشعب السوري مراقَب 24 / 24 ساعة، ومرصود من الجهات الخمس، لكن الصياد وقع بيد الأرنب، حلب مدينة مفتوحة، مدينة ساقطة ( تلات أرباعها)، حلب مدينتنا، والمخفر مربط خيلنا، هل يريد الحلبيون الأقحاح ان تتدمر أكواخ اعزاز ومارع وتظل قصورهم في أحياء الفرقان والسبيل شامخة ! من يريد ان يعمل عجة لازم يكسر بيض، اذا ما خربت لا تعمر، عبد القادر الصالح (حجي مارع ) وعبد الجبار العكيدي سيدمرا حلب انقاذا لها، من هنا سيبدأ الحسم العسكري، وضعنا صور الأسد في المرحاض، فعلا شي بيخَرّي، الزنزانة المعتمة تعج بالمطلوبين ( للثورة)، أوقفنا شابا خليعا من جيل الهمبرغر، فتشنا في جواله فوجدنا أفلاما إباحية، كسرنا الشريحة وأعطيناه درسا بالأخلاق (مع إنّ بعضنا (وليس كلنا) يشاهد نفس الأفلام ) أوقفنا سائق دراجة نارية فوجدنا تحت المقعد ثلاث قناني عرق فصادرنا الموطور وكسرنا قناني العرق ( مع ان بعضنا ( وأنا منهم ) يسكر ) الثورة تشطح في مجال أخلاقي ليس مجالها، هي ثورة شمولية تتدخل بحياة كل واحد، لكن شموليتها لا تنتقص من ثوريتها فالشموليات أتت ( نظريا) لصد الانحطاط، المشبوهون بالتشبيح كثر والوقت قليل لذا على المحقق الثوري ان يظهر العين الحمره " إعترفْ أو أعمل من جلدك رباب وأعمل من لحمك كباب"، كيف تستنطق مشبوها وشّم على ذراعه صورة الرئيس، يزعم انه بريء ولكنه يحمل التهمة في لحمه، من حق المحقق ان يلجا للعنف الجسدي بحق المتهمين بالتشبيح بالتشليح، الشبيحة تجاوزا كل التجاوزات، كثيرون مثله وأعتى منه سيتم جلدهم بالكرباج، الفلق، أبرياء ام مجرمون، هذا مش وقت الفرز، الله سيفرزهم هناك في العالم الآخر، للثورة منطق واحد هو منطق الثورة الذي يشط عن المنطق ويبرَّر كل الشطط، التشبيح على الشبيحة ضروري ما دام انه في خدمة الفعالية، قال غاندي " كونوا عنيفين إذا كان العنف راسخا بقلوبكم هذا أفضل من تغطية عجزكم بقناع من اللاعنف "، الإنتقام غريزة إنسانية والبادي أظلم، انها القسوة البشرية الناجمة عن قسوة الشرط البشري نفسه، ليس عدلا ان يأنف المظلوم من الإنتقام، الثورة من الثأر، والثأر رد فعل مش اعتداء، القصاص حق للمعتدي وألف طز بذاك الصحافي الفرنسي الذي جاء للمخفر يزاود بحقوق الإنسان، قلت له لا تشبح علينا بمواعظ إنسانية ففي النشيد الوطني بتاعكم جملة "سنشرب دم الأعداء "، ومهما بلغ تعذيب الجيش الحر للشبيحة فهو لا يقاس بتعذيب المخابرات السورية للشعب، وهو لا شيء أمام تعذيب الفرنسيين للثوار الجزائريين "، بدأت أكتب غضبي على الورق ثم على الحاسوب، نزعت كل ألعاب البلاي ستايشن من الكمبيوتر (لو قضى كل مقاتل خمس دقائق في لعبته المفضلة فلن أتمكن من استعماله )، أنجزت مقالة عن حلب نسختها على مفتاح USB (الفلاشة )، صرت مقبولا بين الثوار بوصفي مغامرا وملتزماً على حدٍّ سواء ،
حلب غابة شاسعة من البنادق، وللحقيقة فإن الجيش الحر هو ائتلاف كتائب شبه مستقلة تسير بالتسيير الذاتي، بالحد الأدنى من التنسيق، كل قبضاي او زكرتي يؤطر مجموعة من الزلم يطلق عليهم اسما سلفيا حتى يدركه الدعم الخليجي، أحرار الجبل، درع الشهباء، غرباء الشام، كتيبة رياض الصالحين، طلّاب الشهادة، لواء التحرير، وثمة ثورجية آخر ساعة الذين صاروا يشتغلون مع الثورة او بموازاة الثورة او حتى نكاية بالثورة، بعض اللصوص تزيوا بزي الجيش الحر ومارسوا لصوصيتهم، الثورة تتسع للكل، الثوري والثورجي، الاعلامي محمود أبو زيد لم يمر من أربع أيّام، له مصور معتمد اسمه أبو عبده رحال، كان حلاقا يبيع أفلام سكس في اعزاز ثم ركب الثورة وتثورج، صار يصور بالفيديو ويحمل قناصة ويبحث في جوارير البيوت التي تأوينا، سألته "عن ايش تخمخم في الجوارير ؟ فقال" عن شبيحة ". ما أخضر عود هذه الثورة ! المفارقة هي ان عددا كبيرا من آباء الثوار هم من المؤيدين للنظام، الثورة شبابية لهذا تندرج ضمن صراع الأجيال،الثورة تزحف ككرة ثلج، الثورة مربحة من الجهتين ،الثائر يكسب الحوريات في الجنة ويكسب المرسيدس على الأرض، هذا ما أغرى طبقة الفقراء والعزابة بالالتحاق بنا، في غضون أيام تضخمت كتيبة عمرو بن العاص إلى لواء، تدفق المتطوعون، غافروش (ات) الحواري الفقيرة، ناس عادية، مناضلون حقيقيون ناقمون على النظام، مراهقون صغار ناقمون على أهلهم يريدون أن يكبروا بسرعة، أوّل يوم يحملون سنكة، ثاني يوم يحملون كلاشن، ثالث يوم يقبضون على القبضة (اللاسلكي ) ثمة شبان لا يطيقون حمل السلاح مثل باسل الذي اكتفى بممارسة الجهاد الالكتروني، اخترق موقع وزارة الدفاع السورية وتمكن من تدمير 30 موقعا مؤيدا، ثلاث أشقياء مسلحون أرادوا خطف صبية فمنعهم حمدان، من جسر الزبدية رأيت طائرات الميغ وهي تقنبل حلب، كانت تغير إلى أخفض نقطة وتفرغ البراميل، وصل خبر ان جنود النظام يترددون على شقة للعواهر، راح شبابنا يستطلعون فوجدوا ثلاث صبايا بلا محرم، بعضهم أصر على محاسبتهن وتطبيق الحد الشرعي عليهن والبعض الآخر لحس شفتيه واستسلم للنزوات الطارئة، من بين أنقاض المدرسة اخذت موسوعة الكامل في التاريخ ( تسع كتب ) الشباب خمنوا ان فيها وثائق مهمة او دولارات ارادوا ان يفتشوها، الطباخ تناول مسبحتي العقيق وأخذ يسبح الله بها إلى ان إنسانيها وخبئها بالجارور، استرديتها منه بالقوة، ويقال ان الجيش النظامي تقدم نحو سوق الهال، الملازم أبو حسين وحمدان فخخا البستان الفاصل بين بستان القصر والزبدية تحسبا لتقدم الدبابات من طرف الإذاعه، معاوية الشوفير المراهق قال للدفتردار " إفرز لي عنصر يفرغ البنزين بالسيارة "، الحافلات العمومية المدمرة تسد الشوارع، وساطات الامم المتحدة لم تنفع، ماذا سيفعل الأخضر اذا كان الأسود لم يفعل شيئا، الشيخ بتاع قطر يمارس ثورجيته على غير الخليجيين ويطنش عنها عندما تتعلق بالبحرين، مافي شيء مفهوم في هذا المارستان العربي، أردوغان يجعجع كثيرا ولا يطحن، الجارة التركية وفية لمصالحها فقط وثورة هنانو تشهد، عندما فجر ثورته ضد الفرنسيين في عام1919 في ( جبل الزاوية) نسق الثوار مع الكماليين الذين كانوا يخوضون حربا تحريرية لتحطيم اتفاقية سيفر، لكن الدعم الكمالي انقطع بسبب الاتفاق التركي _ الفرنسي المفاجئ فاختنقت الثورة ، حين لا أكتب أراقب طيور القمري، القمامة تنتشر في الشوارع والقطط الهزيلة.، وتيرة القصف تتسارع، بين نشرة الأخبار ونهايتها يكون عدد الضحايا قد زاد عشرين، الثورة حقيقية ولذا فإن فاتورتها باهظة ويمكن إقرانها بأفعل التفضيل، فهي أفقر ثورة، وهي أطول ثورة وهي أصعب ثورة، منحبك " و "إرحل " كلمات مكتوبة على جدار واحد،الثورة عملت فرزا لغويا، اللغة مش بريئة ولا محايدة، المفاهيم ما عاد لها نفس المفهوم، الشحص نفسه هو شهيد/ قتيل، انتحاري/ استشهادي، إرهابي /مجاهد، متظاهر / مشارك في مسيرة، شبيحة / لجان شعبية، وعلى كل حال مهما كانت الكلمات والتعابير فالمهم هو ان ندرك ما تعنيه
انتبهنا إلى ان وجبة الطعام ليست من عصيدة المأمونية المتواضعه بل من الدجاج والرز والمُعصفر ففهمنا من هذا الدلال ان علينا التهيؤ للمصاعب، الانتقال من المخفر للخطوط الأمامية، تسللنا في نزهة مخيفة في الشوارع المقفرة، كان الموت ينز من حلب، من قلعة حلب، من إكسْ عدسة التصويب في بندقية القناص، حلب مدينة أشباح منذورة برمتها للخراب، كل أحيائها تتشابه بسبب الأنقاض والركام، توقفنا في سيف الدولة قرب مسجد شيط ( خط التماس )، عسكرنا في الطابق الرابع من عمارة مشرفة، قائد المجموعة أبو حفص حمّسنا " كونوا كالشيشان يقاتلون حتى الموت ولا ينسحبون " لكن معظم الشباب يريدون ان يكسبوا الحرية دون ان يخسروا حياتهم، ويفضلون البقاء أحياءاً لأطول مدة ممكنة، أنا من جهتي مصمِّمٌ على إهلاك نفسي ولكني غير مستسلم لهذا التصميم، لا أبحثُ عن الخلود بل عن استنفاذ حدود الممكن، لا أريد الموت لأنه ليس لدي شيءٌ ضد الحياة، أريد فقط ان أقترب أقرب ما يمكن مع العالم الآخر، وسأبقى حيا لأني لا أريد ان أكون البطل الذي يموت من الصفحة الأولى، وحتى لا أختص وحدي بدور دونكيخوتي قررتُ ان أتقاسم دور البطولة مع السانشو بانزا (ت) المتطوعين، اقترحتُ عليهم ان أدربهم على الرمي بالقاذف فتوجسوا، القاذف شغلة كبيرة، صوته خطير، طمأنتهم " وحياتكم ما في أهون من الرماية به، هي القذيفة الأولى المرعبة لأنها تصم الأذنين، اما صوت القذيفة الثانية فيشبه العزف على الكمنجة، القذف لأول مرة على القاذف يشبه ليلة الدخلة، تظنها مرعبة وهي عسل" وهنا تجاوب الشباب مع التدريب، هذه ليلتي،قذيفتي الأولى وحلم حياتي، الحرب والحب صنوان وكلها معارك سواءا على السرير أو على الجبهة، بين الحب والحرب راء بحجم الرعشة، بما ان أغلب المتطوعين عُزاب فقد حدثنا أبو حفص عن جزاء الشهيد في الجنة، وكيف يحظى ب 72 حورية من الحور العين، سألته "اذا كانت شهيدة فماذا ينتظرها ؟" رمقني بعين وهابية صارمة وقال "الله يرزقها" ولم يقل كم حوريا يرزقها، يا لكيد الرجال ! يا لمكر اللغة ! عاد يكرر علينا لازمة "طاعة الأمير من طاعة الله " مشكلة أبو حفص انه ورث قيادة الفصيلة من الشهيد أبو عمر الذي كان قائدا بالفطرة وضبط عناصره بانضباط بروسي دون حاجة لرفع صوته، بينما هو يصرخ دائما دون ان يضبط أحدا، أبو حفص سلفي لحد الشهادة ويريد من الآخرين ان يستشهدوا معه، يتكلم مفردا بصيغة الجمع "نحن كلنا استشهادية " يقول هذا في وقت الهدوء واذا اشتدت الحرب فأنه يرجع إنسانا مثلنا وأقل بكثير، الثورة هي مجموع الثوار، والثوار هم حاصل جمع وطرح الشجاعة والخوف
صليتُ مع الشباب من باب التقية، صلينا جماعة وجمعنا كل صلاتين معا واقتصرنا في الركع، أبو حفص أمّ الصلاة وتلا سورتي الفتح والقارعة ( الحرب هي القارعة وخاتمتها الفتح )، كل شيء مظلم في حلب ، الظلام يسيطر على كل شيء في حلب ، لم يبق الا الأنوار الداخلية الكامنة فينا ، الظلام يغمر الشقة كلها حتى اني لم أميز الباب المؤدي من المهجع الى ربيئة الحرس ، هكذا سهرتُ أنا و"جُمعة" على ثلاث أباريق شاي ودخان، نفِّخْ سيجارة نفِّخْ، أُكْرك عجم، قال جمعة ان النطام سيسقط فكثير من الجنود النظاميين في الجهة المقابلة يتمنون انتصارنا عليهم . أخبرته انه لولا الجسر الجوي القائم بين موسكو ودمشق لسقط النظام من زمان ،فاقترح ان يضع الجيش الحر عبوات ت ن ت تحت عواميد الجسر ( الجوي) لنسفه من الأساس، قمعتُ ضحكتي في ابتسامة، جمعة ما دخل مدرسة بحياته ولم يخرج من اعزاز الا ليأتي لحلب، انه أصغر مني بعشر سنين ولكنه يبدو أكبر بعشرين، لم يفهم كيف اني لم أنجب أطفالا حتى الآن، قللي " خَلَّفْ ما مات"، قلتله " ألّفْ ما مات"، أخرجت من جيبي الكراس والقلم ورحت أدوّن ملاحظات على ضوء البطارية، سألني " ليش تكتب بالليل؟" قلت " لأدحض الموت "، أصبح الرعب شيئا ملموسا ، وأصبح الموت شيئا حقيقيا ، سقطت قذيفة على واجهة الطابق الرابع فنقزت رحت أبحث عن العوينات، كيف ترى نظاراتك وأنت بلا نظارات، سقطت قذيفة ثانية، أي، شعرت بحرقة في معدتي، دم، شظية، حملوني للنقطة الطبية، عرضية عرضية ولا شيء شظية طائشة، الممرض ضربني إبرة ضد التيتانوس ،رجعت ماشيا، نمت بعمق تلك الليلة، نمت على ظهري كمومياء ،في المنام رأيت اني في شرق مغولي مُدهش، كان قصر شنادو يشع بالسِّحْرِ واللُّؤْلؤ الأَزليِّ، انصمدت تحت قبّة الابتهاج المستديرة ، أطل قبلاي خان وتوج رأسي بتاج مرصع بفوارغ الرصاص، في النهار نسيت اني جريح، جاء أبو أيمن الدفتردار بتاع المالية وأعطى كل متطوع 6000 ل س (حصتنا من فدية الخمس ملايين ل س التي دفعها الثري البعثي الذي ألقى زميلنا أبو عبدة عرندس القبض عليه ) تنازلت عن حصتي، شربنا الشاي جماعة، مقاتل غبي أخذ يدخن قرب قنابل المولوتوف، لشدة غضبي من جحشنته تمنيت ان ألتحق بالجيش النظامي، لم أتحمّم بل اكتفيت بغسل ثيابي الداخلية والخارجية ولبستها مبللة، عدّلتُ مزاجي بفنجان قهوة، أشعلتُ سيجارة ثم ثانية ثم ثالثة، ثم اكتشفت اني رجعت للتدخين، سقيتُ كل الزّريعة الناشفة، وقعتُ على العدد الأول من مجلة "جسد" ما أحوجنا لشيء من الجسد وسط هذا الموات، ما أحوجنا لقليل من جُمانة حدّاد وسط هذا الحِدَاد، جو المعارك ذكوري بشكل مزدوج، مرة لأنه شرقي ومرة لأنه حربي، فكرتُ طويلا ب " لور " تذكرتُ في خضم الحرب اني أحبها، وإني مشتاق لها شوق بحّار إلى عشبة خضراء، أبو حفص مسد لحيته وراح يقول "مسكينة يا حلب لبعدك عن الله ،ولقربك من لبنان " غضب علي لأني أظهرت المجلة بصورها الفاضحة للشباب، قلتله "خليني أكسب جهنم على تضليلهم لتكسب أنت الجنة بهدايتهم "، أبو حفص حاول ان يقحمني في جدل لاهوتي ولكني مع المؤمنين لا أجادل في الله حتى لا أخسر وقتي وصداقتهم، حصيلة اليوم مناوشات بسيطة، جريحان، إصابات طفيفة لا شيء، روتين الحرب، التموين كان عبارة عن معلبات مرتديلا وسردين مذبوح على الطريقة الإسلامية، أحمد دنون حفر طاقتين حتى يقنص القناص، خردق الحيطان بين العمارات لشق دروب سرية للتسلل او للتقدم او للانسحاب، نحن حوالي مئة جيشي حر منتشرون في عشر عمارات مهجورة كليا، بعض أصحاب الشقق قبل ان ينزحوا عنها وضعوا ( في مكان مكشوف جدا) مجوهرات زيوف في صندوق ليغنمها الغانمون ويوفروا بقية الأثاث، وبعضهم ترك مصاحف بكل الزوايا ليذكرنا ان مال المسلم على المسلم حرام، واجمالا فإن الثوار احترموا حرمات البيوت تحت طائل المحاسبة الشرعية، هذا لا يمنع ان بضع الجشعين منهم كانوا يبحثون عن أي ذريعة تثبت ان صاحب البيت شبيح ليستبيحوه، وجدوا هوية بعثية، وبدلة عسكرية لرقيب متقاعد بالجيش العربي السوري، وصورة لباسل الأسد، أحدهم وجد كتاب "قصتي" بتاع سمير قنطار وبما ان كاتبه مؤيد فقارئه ( صاحب البيت) مؤيد، الثورة لا تستطيع دائما ان تكون مضبوطة ومنضبطة وخاصة حين يلتقي قاع الفقر مع قمة الثراء، فقد صادف ان رابط ثوار من قرى حيان وحريتان ( الأفقر بين الفقراء ) في شقة رئيس غرفة تجارة حلب، وحصلت اختلاسات جانبية، أحدهم وجد طلاسما فتوجس منها وهرب من الشقة، ظنها مسكونة، حلب مفارقة، حين تنظر لها نظرة شمولية فهي جرداء ناشفة، اما لو دخلت لبيوتها فستراها خضراء وارفة، واجهات البيوت متقشفة ولكن بمجرد ان تدخل تلمس الترف المعماري ( المعمار الشرقي يدخل إلى الداخل ولا يخرج إلى الخارج ) بكل البيوت ورود بلاستيكية، صورة للكعبة وآية للكرسي مع بعض أيقونات الإسلام التي تحفظ من عين الحسود، في (شقتنا) يوجد يوجد 50 قنينة عطر ولا كتاب واحد، البيت الشرقي هو عبارة عن ضريح فخم يحتوي رميم عظام، أجمل ما فيه هو المطبخ، الصالون كيتش وبهرجة خلابة، بحثت كثيرا، ولا كتاب واحد، ولا حتى كتيّبْ، دائما هي أمة أقرأ التي لا تقرأ، الدهان الأبيض للجدران استفزني بلونه الشبيه بلون الكفن فسودته ببوسطاري، أكره الأثرياء فهُم لا يلتزمون بشيء سوى بثروتهم، الأفندية لا يسقطون بالحروب بل يقطفون ثمرات انتصار الفقراء، ما رأيته هنا من تفاوت طبقي يؤكد ما شاهدته في اعزاز، البحبوحة التي قامت على أكتاف الفقراء، أثناء الاجتياح الإسرائيلي، أذكر، كان أصحاب الفيلات يميزوها بأعلام بيضاء كيلا يقصفها الطيران .
بداعي التنسيثق العسكري رافقتُ أبو حفص لزيارة النقطة العاشرة حيث يتمركز المقاتلون العلمانيون، تفاجئت ان الهدف الحقيقي للزيارة هو لهدايتهم للاسلام وردعهم عن علمانيتهم، لكن المفاجأة الأكبر هي ان بني علمان عندهم ذخيرة وافرة من السكاكر، شوال شوكولا، لا بد انهم اقتحموا بقالة مهجورة، اشتكى العلمانيون من ان مقاتلي جبهة النصرة ( سلفية) لا يطرحون السلام عليهم بحجة انهم كفرة، ولا يشتركون معهم في معركة واحدة بحجة أنهم جبناء، وفوق هذا عشموهم بقولهم " بعد التخلص من الأسد سنتخلص منكم"، لا أستغرب هذا الأقصاء، أحد أعضاء النصرة لقّم بارودته بوجه مقاتل يدخن وأمره باطفاء سيجارته، بحجة إنها تؤخر النصر، لكن الجيش الحر هو من يزودنا بالسجائر مجانا، أما نكتة هذه السلفية ! تحلل نكاح أربع نساء وتحرم سيجارة، ولكن كيف في سيف الدولة نسيتُ أحمدَ بن الحسين، لم يخطر ببالي البتة، القصف العشوائي إنسانيه، نسيت وأنا فيها ذاك الذي يذكرني بها وأنا بعيد عنها، الويل والليل والقناص يعرفني والميغ والدوشكا والكراس والقلم، الحرب مش لعبة لكنها الحرب، كارثة، جائحة، بشاعة، فظاعة، أشلاء، جثث، طاخ طاخ بووم إلى ما شاء الله، يبدو ان في جعب جنود الأسد ذخيرة وافرة ويريدون تبديدها بكل السبل، عائلة نازحة قضت برشة رشاش، الكلاب الجائعة أكلت الجثث وتركتها هياكلا عظمية، أبو النور خريج كلية الشريعة الذي عادةً ما يؤذن للصلاة، لم نسمع صوته من صلاتين، عمموا على القبضات للبحث عنه، بحثوا عنه بكل النقاط بلا جدوى، هاتَفَوا رقمَ هاتفه الجوال فانسمع رنينه يأتي من تحت، من تحت التحت، من القبو، وجدوه نائما يشخر متدثرا ببطانية، "عدنانو" كبر رأسه منذ سلموه رشاش ب ك س، "أبو الخير" قبل ان يلتقي بأمه ذهب للنقطة الطبية حيث توسل الطبيب ان يجبر له يديه المخدوشة ليبدو جريحا، الحرب مناسبة ليشيخ الكبار وحتى يكبر الصغار، المقاتل الأرعن بتاع عنادان أطلق رصاصة بالخطأ فأصابت رجل أبو جعفر الذي لم يستفد من الحادثة للاستجمام والنقاهة في اعزاز بل بقي في حلب، مقاتل آخر أطلق رصاصة خطا فأصابت السقف، العسة الليلية صارت اثنين اثنين مش ثلاثة ثلاثة، ذلك أن فصيلة مهند الطلابية لم تعد تشارك فيها، سألناهم عن الأمر فقالوا نحن فصيلة نوعية " عمليات خاصة "، أهلا اهلا بالطلاب ! الشريحة التي تعيش على هامش العمليات العامة وتمتاز بكفائتها في الإنسلاخ الطبقي، يجمعون إلى القدرة على النوم الهانئ العملياتَ الخاصة، وأخيرا جائت سيارة المركز الاعلامي نزل منها محمود والآنسة نور (قبس الأنوثة الوحيد بالجبهة ) نزلا مدججَيْن بخوذ الصحافة والصداري الواقية، بديا مثل ملاكين أزرقين، قرفص الثوار أمامهما في صورة تذكارية بالكلاشن وعلامة النصر مع صرخة الله أكبر، أعطيت مفتاح الفلاشة لمحمود وفيها أربع مقالات للقدس العربي ( لا يوجد انترنت في حلب بينما في اعزاز يوجد خط نت تركي )، من النقطة سبعة جاء نائب قائد كتيبة لاستطلاع نقطتنا، قال ان بنفسه ان يدخن معسّل، هل عندكم نركيلة " قلت له "عندنا ولن أعطيك اياها نحن مش في مقهى " أبو زيدان التهم خمس بيضات مقلية مع مرتديلا ( حوالي عشر الآف سعيرة حرارية) وبعد خمس دقائق قبض على القبضة( اللاسلكي ) وقال " النقطة ثمانية بدها ( تريد) طعام فورا فورا "، طلبت سيجارة من جمعة فأعطاني علبة الغلواز كلها، هدية مسمومة، كم مرة أقسمتُ على ألا أضع هذه الآفة بفمي وحنثت! كم مرة تبت عن التوبة! الخطيئة عنيدة، والتوبة جبانة، لكن الأعصاب تعبانة وتحتاج لشفطة تتن، أبو زيدان وأبو البراء في نوبة الحراسة خرطشا الأقسام وفتحا معركة مع الظلمة، ابو حفص ردهما إلى الخطوط الخلفية، خطاب في صلاة الفجر أم الصلاة راح يجأر بالدعاء " اللهم دمر بيت الأسد شتت شملهم، اللهم خرب بيوتهم كما خربوا بيوتنا " ثم صفن وقال" اللهم اهدِ بيت الأسد" ضحكنا كلنا في الصلاة وضحك هو نفسه، التفت الينا وقال " قلبي دليلي راح استشهد"، أبو الوليد قال انه رآني في المنام أقذف قذيفة آر بي جي على الدبابة بشكل قوسي، من العريشة الوارفة قطفت عنقود العنب الوحيد أكلته ببطء شديد، حبة حبة، (الحرب هي البذخ بالقليل ) ثيابي وسخة جدا وفي الشقة ثياب راقية جدا، فقط استعرت سيور حذاء عوضا عن سيوري المهترئ ( الحرب هي أيضاً التعالي على الكثير ) سال لعابي وأنا ألمح مشوى لحم وعشرات أسياخ السفود، خمخمت بالبراد فوجدت جبنة معفنه، بالمطبخ وجدت علبة فول انتهى عمرها الافتراضي ففتحتها لقطة هزيلة كانت تموء في زبالة فارغة، لقينا بالنملية دبس الرمان فغمسنا وأكلنا، نفذ الماء بالطابق الرابع فنزلنا للثالث، طابق أقل يعني أمان أكثر، عركت المعركة قصفا شديدا ومركزا من الدبابات المتمركزة قرب الاذاعة، من القناصين اللاطين في مبنى العجزة، من مدرسة المدفعية في "الراموسة"، أطلقوا الرصاص غزيرا علينا فرد الشباب برشقات طويلة من "الله اكبر" و" سيدنا محمد قائدنا للأبد "، أبو حفص شغّل الجوال على أنشودة "نحن جندك يا أسامة "، الحرب تُكْسَب بطبول الحرب، الحرب لا تحتاج للشجاعة بل للمجالدة، الحرب كر وفر لكنها قبل كل شيء مسألة إمكانيات، أمسينا محاصِرين وأصبحنا مُحاصَرين، القناص الشبيح ماسك الشارع ولا يدع قطة تعبر، في لحظات التسامي تحس ان الثوار أبطال وفي لحظة الشدة تدرك انهم بشر، سمعت صوت جنود النظام كانوا في الفيللا المقابلة وكانت النافذة مقفلة، أبو الوليد قَُنِِصْ ببطنه، القناص تعمد ألا يجهز عليه حتى يأتي مسعف فيقتله ثم يجهز على الجريح الأوّل (هذا ان لم يكن مات نزفا) القناص مرعب لأنه يراك ولا تراه، حاول أبو سعود ان يسحبه فأصيب بيده، بحثنا عن حبل وشنكل لربطه فلم نجد، من خلف السواتر رحنا نتفرج عليه، لم أحتمل المنظر فابتعدت، قلبي ضعيف أمام الدم، كنت ( وما زلت) أغمض عيني حين توخزني الممرضة بالإبرة، أبو حفص أخذ يصور النزع الاخير بالجوال دون تقدير لجلال الموت، ما زلنا في مجال السبكتاكل حيث يتحول الشهيد إلى مشهد، أكد أبو حفص ان قناة الجزيرة ستدفع ثمن هذه اللقطة (الاستشهادية ) بالعملة الصعبة، فكرتُ ( وأبو الوليد ما زال ينزف ).. لماذا لا يدفع لي عبدل باري عطوان مالا مقابل أربع مقالات بعتتها للقدس العربي، ثم قلت لنفسي "أضحك بعبك يا زلمه انه لم يطلب منك مالا، انه على الأقل ينشر لكاتب مغمور لم تسمع به حتى قريته، ما أشد أنانيتي، نرجسيتي، تمركزي حول نفسي، تعلقي بالحياة، أبو الوليد لفظ أنفاسه الأخيره، أبو فريد والإدلبي حملا جثمانه للنقطة الطبية، الحرب معمودية الرعب والمرة الأخيرة، توَّترتُ وأنا أرى بقعاً حمراء، الموتُ قريب بما فيه الكفاية كي لا أرتاع منه، ان تسمع صوت الانفجار دليلُ حياة فالقذيفة التي ستقتلك لن تسمع صوتها، القصف صار موسيقى سمفونية، لم أنقز ولم ألطي، القط هارون أُصيب بساقيه الخلفيتين فأخذ يلعبط ويموء قبل ان يجهز أحدهم عليه برصاصة الرحمة، شادي حوصر بالطابق الاول فأنزلناه من النافذة، عمار رشق رشقتين في الهواء، كبّر وقال "قتلت عسكري ( نظامي)، رشق رشقة ثانية على واجهة العمارة المقابلة وقال "أحرقت ناقلة جند"، أبو النور صرخ " إلحقوني يشباب أُصِبِتْ " لحقناه فاذا هو مصاب بشقفة حجر صغير في ميناء ساعته، ربط معصمه بالضماد ليوهمنا انهم معطوب وعلق الضماد برقبته، قتيبة أصيبت يده بجرح بالغ ولم يقل حتى آخ، أبو عبده الديري اختبئ في أضمن غرفة في العمارة ،اعتكف فيها يصلي ويأكل و ويشرب وينام ويحرس حتى سميناها غرفة أبو عبده، أين أبو فلان وأبو علان وبقية الأبوات الأشاوس، أبو عباد قائد الجبهة ما شفنا وجهه، عدنانو رامي البيكيسي كان قد ترك الرشاش راح يحضر التموين ولم يرجع، معتصم وأبو غسان تركا الجبهة ولجئا للخطوط الخلفية، أبو زيدان وأبو البراء فعلا العكس، أبو الفاروق القائد الثاني للجبهة جاء ومعه تعزيزات، أبو حفص قال "انا خسرت شهيد، بدي ( بودي) انسحب " ثمة وجوه كانت هادئة وظلت هادئة، وثمة وجود صفراء بلا مراء، نزلنا للطابق الأرضي الأضمن، بطارية اللاسلكي شحبت، أبو زيدان رابط عند مدخل الفيللا بثبات، على الطياوي اختفى ليس فقط من خط الجبهة بل من حلب كلها، أبو النور زعم انه رأى بأم عينيه جنديا بالخوذة ( يعني نظامي) يلقي علينا قنبليتن يدويتين من علية مسجد شيط، أبو عبده الديري أكد هذه المزاعم، نظرنا لبعضنا، أكلنا علقة وسخة، مفيش أمان، الطوابق العليا عرضة لقذائف الدبابات والطابق الأرضي مرمى لرماة القنابل، الإنسان يستلهم الشجاعة (والخوف ) من غيره، انحشرنا كلنا في غرفة أبو عبده، هل تخرق قذيفةُ الدبابة حائطين معا ؟ تسائلت، لماذا أنا هنا ؟ من يأتي من فردوس باريز إلى جحيم حلب ؟ هذا الطّنين الذي يفلق رأسي لفلقتين، هذا الوحش المشرّع أبوابه على الجهات الخمس، الموت المجّاني، الموت الماجن الذي يزداد إماتة، سينتصر علينا كلنا في النهاية،
"عن جد يا أبو عبدة شفت العسكري يرمي علينا قنابل ؟ "سألناه فأجاب
" لا ولكني سمعت الخبر من أبو النور "
الخوف يخرج الأشباح من كهوفها، خرطش أبو الفاروق الكلاشن وصوبه على نافذة المسجد، مشى في الرواق، مبعثرا عينيه، عينا على علية المسجد وأخرى على الحيطين، لم يرَ أثرأ لشظايا القنبلتين في الممر، سأل أبا النور
"شفته بعينك يرمي قنابل ؟
"لا ما شفته، سمعته "
"السمع مش مثل الشوف يا أطرش، إذا أنت خائف فهذا حقك، بس لا تخوِّف الشباب "
عدنا ورابطنا بالطابق الأرضي، عادت الثقة لكن حتام، دنون أصيب بيده وبطنه وإصابته خطيرة أوجبت نقله إلى مشفى كلس في تركيا، الشاب الذي ساق السيارة عمل حادث اصطدام فنقل الاثنان الى تركيا، حين يكون القائد الميداني غائبا يصبح المقاتل قائد نفسه ويتخذ القرار الذي يناسبه، من بركات الحرب انها كلها لعنات، تعطيك بعضا من قلقها وتأخذ شيئا من طمأنينتك، تبقيك في مجال التوحد والتركيز والتقشف والإيثار والمقاومة الداخلية، تضعك وجها لوجه أمام وجهك، استثنائيتك، ذاكرتك المشاغبة، هواجسك المقلقة، ماذا لو دخلت قذيفة من هذا الحائط ؟ من الطرف القبلي ! من السقف! الموت مسألة التقاء صدفتين، ان تعبر رصاصة من مكان ما وأن تعبر أنت من عين المكان، رصاصة القناص دائما غادرة لأنها تأتيك من مكان مجهول
انسمع صوت محرك دبابة تتحرك باتجاهنا فَنُودي علي، القاذف تورط وتوريط، ماذا يفعل اللحم العاري أمام دبابة تي 82، هذه الكتلة الفولاذية الملعونة حين تغضب تبعثر لعناتها على الكل، الشباب عندما تكون معنوياتهم مرتفعة يقولون "أحرقنا الدبابة بالمولوتوف"، وعندها تطحش عليهم يقولون "لا تؤثر فيها قذيفة الآربي جي "،وللحق فإن هذا القاذف المصدئ سلاح عفى عنه الزمن وهو مضاد لدبابة ت 42 وليس ل ت 82، الفارق بين الحياة والموت لحظة، والفارق بين الصمود والسقوط لحظة، قد تكون الحرب أعظم اختراع اخترعته البشرية، كل مساماتك وأحاسيسك تتفتح أمام المجهول الكبير، النشوة الصوفية للرعب، بهجته التلقائية، الحرب تبقيك في مونولوغ داخلي، تثير الرعب والذاكرة معا، تحييك في جدل الخوف والطمأنينة، في خطر الموت أنا أحيا فعلا، إنه لشعورٌ فريد أن يتفرد المرء بوحدته في مواجهة وحشة النهاية المصيرية ،
خطوتُ أعسر خطوات في حياتي، لم أفتح فمي ولم أضع الشعيرة في الفرجة أسفل منتصف الهدف كما علمت الشباب، ضغطت على الزناد لا لأتخلص من الدبابة اللعينة بل لأخلص قاذفي من هذه القذيفة الألعن، بوووم ! وشعرتُ بشحنة من التوتر العالي تمر في صدغي، ذاك اللمعان الخاطف الذي يضرب الرأس والحواس معا، لم أصب الهدف مع ذلك فإن الشباب ( الذين لم يشاهدوا المشهد) كبّروا وأصروا على اني أعطبتها، كبرتُ في عيونهم وصغرتُ في عيون نفسي فقد أهدرتُ 50000 ليرة سوري( ثمن القذيفة) وكان عزائي الوحيد اني جعلت الدبابة تتراجع وتطفئ المحرك لا أكثر، اذ راوغني صوتها من جديد، يا الله شعبك أعزل يا الله، نحن وحدنا ولا ذخيرة كافية، أخذنا نبحث عن ذرائع للانسحاب، المعنويات يوك، صار القرآن ملاذا للمتدينين وصارت السيجارة ملاذ للمدخنين، تمنينا لو يستشهد شهيد آخر او يصاب جريح لننقله إلى النقطة الطبية ونبقى معه، أوامر، أوامر معاكسة، فوضى، صار الشباب عصبيون وراحوا يرددون عبارة "حسبي الله ونعم الوكيل "،( هذه هي العبارة الأكثر شيوعا على ألسن المتطوعين ) أقحموا الله في المعركة باعتباره المعادل الميتافيزيقي لدبابة ت 82 والميغ 27، لكن الله في السماء بعيد بعيد، والجيش النظامي على الأرض قريب قريب، نحن حقا محاصرون من ثلاث جهات، والجهة الآمنة ليست حقا آمنة، كيف تعبر بين قناصَيْن ؟ القناص غدار والغدر ما تنفع معه شجاعة، عبور الشارع أعسر من عبور الصراط، كان ثمة شاب اعلامي اسمه (او لقبه ) زلزال، لأن حمله خفيف ( جهاز تصوير فيديو صغير) فقد حملته جعبة القذائف، بدا مرعوبا وللحق فأنا ايضا مرعوب، رميت أربع قذائف مضادة للدبابات، احداهن كانت تالفة مبردة، هرولت نحو الشارع الأسفل لأرمي قذيفة مضادة للافراد على وكر القناص لكن الشمس ورائي جعلت ظلي يسبقني ويفضحني فتراجعت، تحررتُ من القذائف فتحرر زلزال مني، اجتمعنا كلنا في بناية رقم سبعة، خمس أيام مرابطة في بوز المدفع، لم نعد نميز أيام الأسبوع، لم نعد نميّز رقصة هز الخصر من المارش العسكري، حسناً ،إنها مسألة نافلة ان ننسحب ( تكتيكيا) من زقاق في سيف الدولة ولا سيما اننا ربحنا ثكنة هنانو، مشينا الحيط الحيط حتى بلغنا مدرسة العقاد، كنا فوق العدو فصرنا تحته، انسحبنا وبدأ التكبير وتوزيع القبلات بين المنسحبين وحمدلله عالسلامة، أبو عباد كان ينتظرنا بثيابه المموهة ومسدسه المائل تحت الإبط، قال بنبرة حربجية " اللي انسحبوا راح يتحاسبوا "، لكننا انسحبنا كلنا، وهو وحده لم ينسحب لأنه أصلا لم يتقدم، عدنا إلى قواعدنا غير سالمين، عاد السرب تنقصه حمامة، أبو الوليد صار بطلا أسطوريا، انه الشهيد، أهم منه بعد موته من حياته، خطاب نسي ان يستشهد، أجّل شهادته للحظة أخرى، سيموت برصاصة قناص فيما بعد، اجتمعنا في بيت المهندسة، تحممتُ وحلقت ذقني ولبست الجلابية وبدوت كسائح خليجي في فندق خمس نجوم، اتصلتْ والدة أبو النور فأخبرها أنه جريح، اتصل والده واتصلت خطيبته، الحاموله كلها اتصلت، رامي مخلوف ( مالك سيرياتل) أعاد تغطية انترنت وأعاد الشباب إلى هوايتهم في الحملقة في شاشة الخليوي والاستماع إلى السكايب، في هذه اللحظات لا ينظر السوريون لبعضهم بل ينظرون لشاشة الجوال لمدة ساعات، لم ينظر لي أحد فنظرت للكل، أنا دقة بلدية ولا أؤمن بالهاتف الجوال لأني أؤمن بالحمام الزاجل، لا أحمل السلم بالطول لأني أحمله بالعرض، لا أحمل كاميرة لأني أحمل ورقة وقلم، استسلمت لكتابة محمومة، سجلت وقائع الأيام الخمسة قبل ان تتلاشى فالذاكرة تخون
الجثت تتكدس في مشفى الزرزور، واليونسكو أسفت لتدمير الأسواق التاريخية في حلب، الأمواه التي سالت من خزان الماء المقصوف أكثر بكثير من الأمواه التي تسيل في نهر قويق، في منبج كتيبتان متصارعتان من الجيش الحر وتتبعان لعشيرتين متنازعتين، اختلفتا على غنم سيارة (ثمنها 1000000 ليرة سوري) فاحتربتا وأطلقتا على بعضهما عشرة آلاف رصاصة ( ثمنها 1700000 ل س) . طويل العمر الخليجي يتوافد على مخيم الزعتري للنازحين ( ات) من أجل الدعارة الحلال التي يسميها " السترة على بنات المسلمين" يشتري بنات قاصرات بأبخس الأثمان، البترودولار حلّل كل غير محلل حتى زواج الشيب بالأبكار، إمام مسجد السكري دعا على الأسد والمؤذن دعا للأسد، زهقنا من عصيدة المأمونية، لكن الناس المدنية مشتهية رغيف الخبز، حاولنا تشغيل الفرن المجاور ولم يشتغل، ثمة عملية تخريب مقصودة للآلات، اليبرودي السمين اشترى شيش طاووق وبطاطا مقلية وعزمنا كلنا، مشيت في الليل وحدي للنقطة الطبية وغيرت الضماد، كانت الشوارع خالية من الدومري، توقفت قربي سيارة مدنية فيها مسلحون سألوني "من أنت ؟" قلت من كتيبة عمرو بن العاص ؟ ومن أنتم ؟ قالوا "أمن الثورة " قلت "ما دام هكذا وصلوني للمقر " ،كل الفضائيات المعارضة سلفية باستثناء قناة اورينت العلمانية، القومية العربية كانت ذريعة للتخلص من العثمانيين ثم جائت السلفية الوهابية للتخلص من القومجيين، لكني لن أتنازل للتشاؤم ولا للنشوة، الحرية (الموعودة)قد تكون مبتسرة، للمسلمين دون المسيحيين، للعرب دون الاكراد، للذكور دون الإناث، السلفية قد تجهض الثورة والذي بكينا منه البارحة قد نبكي عليه غدا، أبو حفص قعد يتحدث عن السيجارة باستنكار فتشهيت سيجارة، سألني "هل زوجتك الفرنسية تصلي مثلك ؟ قلت له " أنا نفسي لا أصلّي ولكني أتريض بحركات سويدية "، يقولون حلب هي بنغازي سوريا ومنها سيكون الحسم، مع فارقين غير بسيطين، ان الناتو لم يتدخل لصالح الثورة في حين ان الروس تدخلوا لطالحها، احترق كل شيء في حلب وهذه هي علامة احتراق النظام، يتهيأ لي ان الجيش النظامي لو سيطر على المدينة فليس بوسعه الاحتفاظ بها طويلا، ثم ما فائدة الاحتفاظ بمدينة مدمرة، المعنويات كالزئبق تصعد وتهبط، حلب وحشتان في وحشةٍ واحدة، هل تستحق المدينة التعيسة كل هذا الموت المجاني ؟ مجموعة أبو ابراهيم ماتوا كلهم بغارة جوية، أبو محمد الحلبي الذي كان يؤمن لنا مقرات وبيوتا فارغة سقط أيضاً، طبوش جُرح برجله، أخيرا استشهد خطاب سقط برصاصة قناص أيضا، الشباب قالوا انه كان يبحث عن الاستشهاد بكل السبل، عدنانو أراد ان يحمل قاذفي، قلت له اتركه أخاف ان تضيعه كما ضيعت البي كي سي، القاذف في عهدتي وكنت أنام معه، كنت أحمله معي للحمام، عاند فضربته به، اتهمني اني خائن جاسوس لأني أدون ملاحظات بالكراس ،لم أتمالك أعصابي أطلقت صلية رصاص بين رجليه، فتحت جبهة داخلية، حصل هرج ومرج، جاء أبو حفص، قللي " طمنني شو صار ؟" قلت له " إذا تريد ان تطمئن ما صار شيء، لأني لو قلت لك ماذا حصل فعلا فلن تطمئن" أبو سعود لم يعجبه مقالي عن حلب، قللي "مين جنابك حتى تكولك (تتفلسف)عن بلدنا، الجريدة تعطيك على المقال مئة ليرة بالله عليك خذ مئتين واسكت "، الحرب مرتبطة بنهاية الوقت، قيامة الأبوكاليبس ( بالمناسبة ،نهاية العالم في تقويم المايا هو على مسافة ثلاث أشهر ) الدابة التي تخرج من البحر هي الدبابة، لكن هذه مجرد رموز، وصُدف، فنهاية عالم ( الأسد) لا تعني نهاية العالم، حلب عالم آخر مش عالم الآخرة، الحلبية يأكلون كباب يلعبون كوتشينه، يشاهدون التلفاز، يكزدرون يضحكون، يفصفصون بزورات، يدخنون، في اللّيل يضاجعون نسائهم، باختصار الحياة يجب ان تستمر رغم الموت، الحرب ليست نهاية العالم ولكنها بدايته، إذا حقق الإنسان حلمه فانه يدعسه، روحي يشوبها الكدَرْ، لا شي بالدنيا يستحق الموت علشانه، الحياة لها عدة أشكال للموت شكل واحد، أحيانا يبدو لي اني ألعب دورا أكبر من حجمي خاصة حين ألقى نفسي مع القادة الكبار، أحيانا أظن اني لزوم ما لا يلزم، إذا كان طير أبابيل يحارب بجانبهم فما حاجتهم إلي، وجودي وعدمي واحد ، زهقت من حلب، مدينة مشَوَّشة ومشوِّشَة لم أهضم ولم تهضمني، كأني سمكة في غير بحرها (اذا كنت تحب مدينة في خيالك فلا تزرها حتى لا تخيبك) أنا كاتب مش مجاهد، كاتب بين المجاهدين، القلم والورقة آخر خرطوشتين بجعبتي، ماذا يبقى من هذا الوجود الزائل غير الكلمات ؟ ماذا يبقى من الأنبياء، من الثوار من المجرمين، غير الكلمات، شهر بكامله في حلب هذا يكفي، حلبْ هي سوريا ولكن سوريا مش حلبْ، الذئبُ اذ يتنصّلُ من براريه يتدجن ككلب، نحن نحلات الربيع والأزهار بيوتنا، الرحالة دائما مفارق والرحيل علامة فارقة، أنا الثورة الحالمة، أنا رجل الصعلكة الملتزمة، أريد أن أكون حيث لستُ، بفارغ الصبر قعدت انتظر مجيء سيارة المكتب الاعلامي من اعزاز لأرحل معها،

يتبع الجزء الثالث



#عبد_الحميد_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفكرة ثورجي في الثورة السورية (1)
- مفكرة ثورجي في الثورة السورية
- حلب التي لا تستحق اسمها
- اصبح عندي الآن بندقية الى حلب خذوني معكم
- الفساد ، ماركة سورية مسجلة
- ظبية خميس ، فاجرة في هيئة شاعرة
- أيها النساء ، أبو القاسم الأمين هو الداء وقاسم أمين هو الدوا ...
- بيان لرجل واحد ضد أيور الثقافة
- عن الثورات العربية والمناعة الخليجية
- بيان لرجل واحد مع النساء وضد الشريعة
- بلا بوكر بلا جوكر ، نريد جائزة باسم البوعزيزي


المزيد.....




- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبد الحميد عبود - مفكرة ثورجي في الثورة السورية(2)