أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عائشة التاج - تقبل العزاء ما بين الواجب الإنساني و الإسراف الاجتماعي















المزيد.....

تقبل العزاء ما بين الواجب الإنساني و الإسراف الاجتماعي


عائشة التاج

الحوار المتمدن-العدد: 3948 - 2012 / 12 / 21 - 00:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



العزاء مواساة أم مباهاة ؟

من الملاحظ أن العادات المغربية تتميز عموما بالإسراف والحرص المصطنع على الظهور بصورة تتجاوز الوضع الحقيقي وذلك إمعانا في التباهي واستعراض مظاهر المكانة الاجتماعية المتوخاة.
ذلك أن المناسبات الاجتماعية من "خطبة " و "زواج " وعقيقة " و تأبين "و"ختان" غالبا ما تخضع لسيرورة من الطقوس منها ما هو متوارث عن الأجداد ومنها ما هو مبتدع وتعكس هذه الطقوس التعقيد الذي ما فتئت تعرفه العلاقات الاجتماعية التي أصبحث تخترقها قيم استهلاكية جد قوية تتجاوز بكثير الأهداف الرئيسية التي تقام من اجلها هذه الحفلات أو التجمعات لأهداف ثانوية قد تشوش على الجانب الإنساني جملة أو تفصيلا.

وإذا كانت الحفلات المرتبطة بالفرح تنظم في شروط من البهجة والارتياح حيث تكون الاستعدادات مرتبة للمدة الكافية ،فإن حفلات تقبل العزاء تفاجيء أهل البيت .
فالموت لا يستأذن أيا منا عندما يخطف حبيبا من بين أحضاننا ،اللهم إلا أذا كان في حالة مرض متقدم لا يرجى منه علاج .
وبالتالي فعمليات التابين وتقبل العزاء لا تخضع لأي استعداد مسبق .
هذا لا يمنع بأن "سلطة العادات الاجتماعية " لا ترحم أحدا ، فأهل الميت الذين قد يستفيدون من نوع من تضامن جيرانهم وأهلهم يوم "الوفاة" ،عليهم نصب الموائد بألذ المأكولات من لحوم متنوعة وفواكه وحلويات متنوعة مع الشاي الأخضر والعصائر
مباشرة بعد الدفن ,علما أن بعض أهل المدن أصبحوا يوكلون منظم حفلات من أجل تهييء الولائم على احسن ما يرام ,
مفروض عليهم أظهار آيات الكرم وهم في "عز الألم . هذه المأدبة تسمى عزاء ،لكن أغلب الحاضرين ينتظرون "الوليمة " وتسمى باللغة العامية "عشاء الميت " لا أدري كيف للميت أن يتعشى ؟؟؟ لكن خيالهم أبدع هذه التخريجة لضمان "وليمة يعكس كرمها مكانة الميت في قلوب ذويه ،ومنهم أيضا من يسميها "صدقة " علما أن الصدقة تكون اختيارية لا إجبارية وحسب المقدرة ,
لقد حولت الأعراف الاستهلاكية حفلات التعازي من تجمعات هدفها تقديم العزاء ومواساة أهل الفقيد و دعمهم معنويا وحتى ماديا إلى فرصة لافتراس ألذ المأكولات , وطوال أيام هي غير محدودة كما هو الأمر عند اشقائنا المشارقة وربما أغلب المجتمعات .

ذلك أن أيام العزاء تظل مفتوحة ويظل أهل الفقيد في حالة "تأهب" لمدة قد تطول وتتعاقب ليل نهار . فالزوار قد يأتون في الوقت الذي يلائمهم ولا أحد يتساءل إن كان أصحاب العزاء
مستعدون أم مرهقون أم ؟؟؟خصوصا في البوادي حيث يكرر نفس الشخص عزاءه عدة مرات ، مرة مباشرة بعد الدفن ويحضر لأكل ما يسمى "صدقة" ثم يعود أغلبهم فرادى حاملا هو وزوجته وربما باقي أولاده "سكرا" ينتظر مقابله "عشاء باللحم حيث أن هدية
قد تصل 25 ده أو 50 ده يصرف مقابلها صاحب البيت ما بين 150 و250 ده ،أضافة إلى تعب النساء اللواتي يعددن الأكل ويغسلن الأواني ويبقين في هكذا أجواء صباح مساء بدون أية فرصة للراحة لأن الزوار يتقاطرون صباح مساء وبدون سابق إنذار .
ومنهم من يجدها فرصة للاستجمام إذا كان آتيا من "بعيد" فيحل ضيفا على "ناس متألمين " يقومون برعايته أكلا وشربا وتهييئا للوضوء وغسل الملابس ....الخ وتصوروا معي لو كان عدد الوافدين من بعيد مرتفعا كيف سيضمنون لهم الأغطية وأماكن النوم خصوصا في فصل الشتاء ولمدة أيام ؟؟؟؟
للأسف هذا النوع من البشر لا يطرح هكذا أسئلة ويعتر نفسه ضيفا جديرا بالرعاية بسلطة الكرم الاجتماعي التي قد لا تخلو من "استبداد " مثل باقي المكونات الثقافية

الزوار والطقوس :

أما من حيث الزوار فتفرض عليهم الطقوس الجديدة أيضا لباس أجمل ما عندهم وأن تكون الملابس تقليدية ، خصوصا النساء ،منهن من تهييء جلابة خاصة للعزاء ومعها حذاؤها المناسب وحقيبتها المناسبة بل منهن من تذهب عند مصفف الشعر كي تكون في كامل أناقتها وهي تخترق تجمعا بشريا تظن انه يهتم بفحص مظهرها أكثر من أي شيء آخر , وهذا ينطبق على سكان المدن خصوصا منهم الذين يحرصون على إظهار ما يعتبرونه "تمدنا "
قد يبدي هؤلاء بعض "مظاهر الحزن " في اللحظات الأولى ،وهم ينصتون لآيات القرآن تتلى ،بدون أن يستوعب الكثير منهم مضامينها ، لكن سرعان ما تنطلق الأسارير مع أطباق المأكولات المتعددة الألوان ،فيبدأون في التهام ما لذ وطاب مع حرص بعضهن على تسجيل مستوى خضوع صاحب العزاء للطقوس المتعارف عليها "جديدا" قصد استثمار هكذا ملاحظات في نميمة تؤثث مجلسا ما داخل الحي أو العائلة أو حتى الزملاء .
وبالطبع فالملاحظات تتجاوز الأكل نحو الفراش والتجهيزات والنظافة ونوعية الخدمات المقدمة بل قد تركز حتى على المشاعر الظاهرة إن كان أهل الميت حزينون جدا أم أقل حزنا
ومنهم من يعطي لنفسه صلاحية الخوض في شؤون الإرث ولو قبل الأوان مساهما في إشعال فتيل في غير أوانه .

من المؤكد أنه لا يمكن تعميم هذه التمظهرات على كل مناطق المغرب ،لكنها تتواجد في المدن الكبرى التي تعتبر نفسها متمدنة أكثر من غيرها خصوصا منها الساحلية
أما بالنسبة للعادات البدوية فهي تكاد تتشابه ما بين العديد من المناطق
هناك مناطق لازالت تحتفظ على قيم التضامن في نسخته المغربية الأصيلة وهي المناطق النائية نوعا ما ، التي ما أن يحل ضيف على بعضهم حتى يزوره أو يستضيفه باقي الجيران مرحبين بحضوره بينهم بأبسط الأشكال لكن أكثرها صدقا .
هذا التضامن يظهر أيضا من خلال مساعدة صاحب الحفل على استقبال ضيوفه واقتسام أعباء الحفل سواء كان عرسا أم عزاء .

يبدو لي أن اقتحام القيم الهجينة لثقافتنا الاحتفالية عمل على تشويهها وتعقيدها بل وتحريفها عن هدفها الأصلي وبالتالي علينا التنبيه لهذه المخاطر والحرص على حماية قيم التضامن الأصلية من كل الطفيليات وضخ قيم تدفع في اتجاه دعم ما هو إيجابي .
فلا يمكن للحزن أن يتوافق مع طقوس الولائم ، و ممارسة منتهى السادية على أهل الميت التي تزداد قسوة كلما ضاقت ذات اليد ونقصت وسائل تحقيق انتظارات جحافل المعزين .

لا نحتاج للكثير من الأكل لمواساة أهل الميت هذا إذا لم يكن من واجب الزائر حمل الأكل إلى هؤلاء الناس الذين يعانون وحشة الفراق وتداعيات الموت الكثيرة مع الحرص على أن تكون مدة زيارتنا قصيرة إذا كنا قريبين منه ، وكذا حراسة ألسنتنا مما قد يسيء لأهل الميت إن عاجلا أم آجلا ,

وعلى الكثير منا عدم الخضوع لسلطة هكذا أعراف سنها البعض منا وما فتئت تعرف انتشارا وتفرض إكراهاتها على الناس وذلك لأهداف استهلاكية ،فحتى الموت يستثمر من أجل الدورة الاقتصادية ، فوحدها البساطة قمينة بالحفاظ على اللحمة الاجتماعية .
لقد كان الكسكس ومازال الطبق الرئيسي الذي يتصدر أطباق المآتم ، وأغلب الاحتفالات
وهو طبق مغذي ورائع وفي متناول الأغلبية فلم نغيره لفائدة سلسلة من الأطباق البديلة ؟؟؟



#عائشة_التاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول منتدى فاس النسخة التاسعة :التربية والتعليم وتنمية المجتم ...
- نساء الربوة بالرباط يحتفين بإبداعات الفقيدة حفيظة الحر
- رحيق الشوك
- الكتابة و الخصوصية النسائية و صراع المواقع
- عسل الشوك
- غروب صحراوي ببصمة مرزوكة
- حول المؤتمر التركي الشمال إفريقي للعلوم الاجتماعية والإنساني ...
- . -. على هامش الندوة الصحفية للجنة الائتلاف الحقوقي الموفدة ...
- افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 ...
- قراءة في شريط الجوهرة السوداء
- فلسفة الحب كبديل حضاري مميز
- الاغتصاب السياسي في دولة الاستبداد على هامش أحداث تازة السود ...
- الاحتجاج ما بين النضال المتحضر ومأزق الغوغائية
- المرأة والحكومة الملتحية بالمغرب
- الحراك العربي ،ثورات أصيلة أم برمجة صهيو امبريالية ؟
- الانتخابات التشريعية بالمغرب تحديات جديدة في سياق الربيع الع ...
- لحظات ممطرة
- لخطاب الأول لمصطفى عبد الجليل،تحرير للوطن أم تحرير -للفحولة ...
- نهاية طاغية ، هل تفضي سقطة الذل لصحوة الضمائر ؟؟
- الربيع العربي ما بين الدفع التحرري و الدفع التدميري


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عائشة التاج - تقبل العزاء ما بين الواجب الإنساني و الإسراف الاجتماعي