أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فارس محمود - مجتمع مصر وثوريوه نبراس انطلاقة جديدة لدحر الاسلام السياسي!















المزيد.....


مجتمع مصر وثوريوه نبراس انطلاقة جديدة لدحر الاسلام السياسي!


فارس محمود

الحوار المتمدن-العدد: 3945 - 2012 / 12 / 18 - 22:39
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    



حوار مع فارس محمود رئيس مركز البروليتاريا في العالم العربي حول التحولات الثورية الاخيرة في مصر
الى الامام: هل الاعلان الدستوري الذي جاء به الرئيس المصري محمد مرسي هو دكتاتورية برجوازية لعبور المرحلة الانتقالية التي تشوبها عدم الاستقرار السياسي في مصر؟
فارس محمود: اتاحت اوضاع تاريخية معينة السلطة للاخوان المسلمين، وهو الامر الذي لم يحلموا به اطلاقاً في حياتهم السياسية منذ التاسيس في عام 1928. تمثل كل حلمهم لعقود طويلة بان يكون لهم حصة في السلطة، فقط ان يشاركوا في السلطة. ان يسمح القوميون من امثال الناصر والسادات ومبارك لهم بحصة، ولو بفتات، من السلطة وثروة المجتمع. لحد تملق هذه السلطة والتمسح باذيال السادات ومبارك وامثالهم.
ان تطيح الجماهير المليونية بمبارك، هذه الديكتاتورية القومية البشعة، ويرون ان ابواب السلطة، ولاول مرة مفتوحة بهذا الشكل امامهم، وان الطريق للسلطة يتم عبر تلك العملية الهزيلة المسماة "انتخابات" و"صناديق الاقتراع"، راوا هذه الامكانية الواقعية لمجيئهم للسلطة، وبالاخص حين وضعت امريكا والغرب ثقلهما على الاخوان المسلمين بوصفهم انسب طرف واكثر طرف جاهز لوأد الثورة وانهاء عمرها، ولهذا قام الغرب والخليج باغداق الاموال الطائلة عليهم كي يفوزوا بالانتخابات، طبعاً مقابل تنازلات ضخمة لم يقم بها سوى الاخوان المسلمين من اجل تثبيت سلطتهم.
ولهذا، فان هاجس والخشية من افلات سلطة انتظروها لعقود يخيم على كل ذهنية الاخوان المسلمين، ولهذا تجدهم يحثون الخطى باستعجال قل نظيره من اجل "اخونة الدولة" عبر السيطرة على السلطات الثلاث، وان ماعجل في طرح الاعلان الدستوري في 21 نوفمبر هو الاحتجاجات التي جرت في ذكرى مذبحة شوارع محمد محمود، قصر العيني والشيخ ريحان ومحيط مجلس الوزراء (19 نوفمبر). اي طرح الاعلان بعد يومين فقط من هذه الاحتجاجات والتي تمثل الخلفية السياسية له. في هذا الاعلان الذي تم "سلقه" بسرعة متناهية يمنح سلطات للرئيس مرسي تضاهي سلطة الديكتاتوريات في اوضاع "اعلان حالة الطواريء". اذ وفق الاعلان الدستوري هذا، قرارات الرئيس محصنة بصورة تامة، ذا هيمنة تامة وبدون اي محاسبة او مسائلة على الاجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويحق له التنصيب والاعفاء لكل المناصب الحكومية، قرار يفرض اوضاع عبودية قل نظيرها على الطبقة العاملة ويمنع حق التنظيم الاضراب والتجمع والخ.
ان مايتعقبه مرسي هو مسالتين: اخونة الدولة ومؤسساتها واعادة ملامح المجتمع السياسية والاجتماعية بما يناسب هوية الاسلام السياسي. وفي هذا السياق، يسعى بديكتاتوريته هذه الى عبور ماتسميه المرحلة الانتقالية غير المستقرة. غير المستقرة من الناحية السياسية وفي الوقت ذاته من ناحية خلق ظروف افضل لاستغلال الراسمال وربحيته في مصر. وان هذا لايتم في بلدان مثل مصر دون فرض الاستبداد السياسي، دون الهجمة الشاملة على الحقوق والحريات السياسية والمدنية، دون السعي لقمع الحركة العمالية وحقوقها في التنظيم والاضراب.
بيد ان مرسي والاخوان قد ابتلعوا فاكهة اكبر من قدرتهم كثيرا. لم يؤدي الى ادامة انعدام الاستقرار، بل ادى الى وضع سلطتهما على المحك، وضعهما في وضع ليس بافضل من وضع مبارك قبل سقوطه، بل اسوأ بكثير. اذ ان المزاج الثوري للجماهير، والوعي والنضج والوضوح السياسي للجماهير المحتجة الذي تشكل من مايقارب السنتين، لايقارن اساساً بمرحلة مبارك.

الى الامام: كيف سيتعامل الغرب وخصوصا الادارة الامريكية مع هذه الازمة في خضم شعارات اسقاط او رحيل مرسي والاخوان، وانكم تعلمون ان ادارة اوباما هي من وقفت ودعمت محمد مرسي سياسيا وماديا؟
فارس محمود:
مثلما تعلمون ان الغرب والادارة الامريكية هما جزء اساسي من قوى الثورة المضادة. لهذا دعمت الاخوان المسلمين، بوصفهم اكثر قوة بوسعها كبح جماح الثورة وتصفيتها. ولهذا دعمتهم ومولت حملاتهم الانتخابية بمئات الملايين من الدولارات. كل هذا بهدف تثبيت سلطة وحكم طبقة وادامة عجلة الراسمال باكثر الاشكال انسيابية.
بيد ان امريكا والغرب اليوم امام وضع جديد لاتعرف ماذا تعمل تجاهه بالضبط. العملية كانت اسهل في السابق بالنسبة لها. "هناك ثورة، اطيح بالديكتاتور، ينبغي ان يقرر الشعب وان سبيل ذلك هو الانتخابات، وها اتى مرسي رئيساً شرعياً للبلد"! ودعمته سياسيا ومالياً عبر الاشارة لصندوق النقد الدولي بمنحه القروض. ولكن ماذا يقولان الان؟! الاتحاد الاوربي، اتخذ موقفا اكثر وضوحاً وبابتعاد قليلا عن امريكا، عبر عن عدم ارتياحه تجاه خطوات مرسي، ولكن امريكا في انتظار الان.
امريكا تدعم كثيرا نظام مرسي والاخوان وهي تسعى بكل طريقة لتثبيت سلطته. لان الدور الذي بوسع الاخوان ان يلعبوه اخوان مصر في المنطقة، وبالاخص مع تيارات الاخوان المسلمين في المنطقة وتاثير اخوان مصر عليها، ذا اهمية كبيرة لامريكا. ان مصر كمصر تهم امريكا كثيرا، وهي-اي امريكا- تعمل مع من هو على راس السلطة. وبالاخص ان الاخوان المسلمين مستعدين على تقديم التنازلات تلو التنازلات وكسب رضا وود امريكا حتى ولو باي ثمن من اجل بقاء سلطتهم. وفي الحقيقة قدموا مالايجرأ رئيس مصري على تقديمه.
ان الاخوان مركز مهم لامريكا للتعامل مع ملفات المنطقة. ان تفاهمات الاخوان المسلمين مع امريكا هي معروفة وقوية. على سبيل المثال، حققوا خطة امريكا باقناع حماس بتهدئة مستديمة على الحدود بين اسرائيل وغزة من جهة، ويسعوا لان يكونوا لهم يد في اوضاع سوريا عبر تاثير اخوان مصر على الاخوان الموجودين في سوريا.
ان امريكا في علاقة جيدة مع الاخوان. اربكت التطورات الاخيرة حسابات الحكومة الامريكية. اذ ان هذه العلاقة عرضة لتاثير اوضاع مصر اليوم. تحاول امريكا وتسعى الى مساعدة مرسي على تهدئة الاوضاع في مصر باسرع وقت ممكن. وتدخلت بذلك عبر سفيرتها في القاهرة التي تدخلت لعقد مرسي اجتماع مع الاطراف المعارضة. ان اوضاع مايسمى بـ"الشارع المصري" دور مهم في التاثير على موقف امريكا وذلك لثقل هذه التطورات وحجمها وابعادها. من جهة اخرى تعرف امريكا ان النخب الحقيقية المؤثرة اليوم في مصر هي النخب الموجودة في الشارع المصري، في التحرير وميادين مصر ومليونياتها.
مثلما هو معروف ان امريكا ليست كلية القدرة. لاتمشي الامور وفق رغبتها ومشيئتها لان ثمة عوامل اخرى موضوعية وخارجة عن ارادتها، واولها جماهير مصر المليونية المنتفضة. ان جماهير مليونية غاضبة وناقمة على الجوع والفقر والعوز والبطالة وانعدام الحريات هو عامل حاسم الى ابعد الحدود.
ان تعامل امريكا والغرب هو براغماتي في حالات مثل هذه. لايستطيعون اتخاذ موقف مرسي لان هذا يزيد عزلتهم ويعمق سخط الجماهير ضدهم (وفي المنطقة ثمة غضب عارم تجاه امريكا بالذات! وهو ماتدركه جيدا) وفي الوقت ذاته انها ليست على استعداد لوضع كل "بيض"ها في سلة مرسي والاخوان! ولهذا، فانها تنتظر مسارات الامور وتوازن القوى السياسي وتغيراته. هل يطاح بمرسي مثلاً، من القادم الذي تستطيع ان تمد يدها له وتتعامل معه ودعمه للخروج من هذه الوضعية المتازمة والخطرة لان استمرار هذه العملية قد يؤدي الى الحاق ضربات جدية اكثر بالطبقة الراسمالية الحاكمة وسلطتها وراسمالها وارباحها، وقد يكون في وجودها نفسه.
ولهذا فان سياستها هي الانتظار. وليس قصدي الانتظار السلبي بالضرورة. بل انتظار مراقب، انتظار داعم لمرسي، انتظار ساع لدفع الامور نحو الحاق اقل مايمكن من ضرر واقل مايمكن من انفلات الاوضاع من ايدي مرسي والاخوان.
الى الامام: ما هو تفسيركم للاقرار على الدستور خلال 48 ساعة بالرغم هناك انسحابات من الجمعية التأسيسية من قبل القوى العلمانية واليسارية والليبرالية والمسيحية من الجمعية؟ اي ما هو الاختلاف او الفرق بين الاعلان الدستوري والدستور؟ هل يصح اذا نقول ان الاعلان الدستوري هو تثبيت لديكتاورية فردية اما الدستور تتوييج لدكتاتورية الاخوان المسلمين على اعتبار هناك اغلبية من لاشعب المصري صوتت لمرسي في الانتخابات الرئاسية الاخيرة؟
فارس محمود: بعد رحيل مبارك، وبعد اي ثورة جماهيرية، تكون مسالة الدستور واعادة كتابة الدستور امراً على جدول اعمال القوى التي تاتي للحكم. ومن الواضح ان يعاد كتابة الدستور، ومن المؤكد من قبل القوة او القوى السياسية التي الت اليها السلطة، من زاويتها وزاوية مصالحها السياسية وهويتها الفكرية والسياسية.
فبعد دستور مبارك، اصدر المجلس الاعلى للقوات المسلحة تعديلات دستورية حجم فيها وبوضوح صلاحيات رئيس الجمهورية، بعد ان ادرك مجيء الاخوان الى السلطة. وما ان اتى مرسي للسلطة في حزيران-يونيو من هذا العام، الغى الاعلان الدستوري الذي اصدره المجلس العسكري واحال عنان والمشير طنطاوي على التقاعد. اي باختصار ان كتابة الدستور او الاعلانات مرتبطة بهذا الصراع وتوازن القوى وغيرها. وكل طرف يسعى لترسيخ اكثر مايمكن من مصالحه واهدافه وصلاحياته وغيرها.
المسالة ليست تثبيت ديكتاتورية فردية، بقدر ماتثبيت سلطة الاخوان المسلمين والاسلام السياسي اجمالاً لان لا يعتقد احد ان مرسي قادر على ارساء ديكتاتورية فردية دون دعم الاخوان المسلمين او الاسلام السياسي عموماً. بل انه نفسه يتبع مرشد الاخوان المسلمين، وان مرشد الاخوان والاخوان من يزودوه ويمدوه بالمليشيات والبلطجية للدفاع عنه امام معارضي اعلانه الدستوري وسلطته.
انهم ولتعطشهم لترسيخ سلطة الاخوان، هرعوا سريعا للتطاول على كل مؤسسات الدولة يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة بما يناسب تيارهم، يغيرون الموظفين الكبار هنا وهناك، وياتون بجماعاتهم، يدفعوا بالقرارات تلو القرارات في كل مؤسسات الدولة بما يناسب تقوية وضعهم وسلطتهم، اي ماسمي عن حق "اخونة الدولة" كل هذا تحت مبرر ان الرئيس منتخب من الشعب!! ولا يحق لاحد يعترض بحجة فوزهم الانتخابي الذي يعرفه الجميع جيدا كيف قد تحقق.
ان هذا الفهم هو فهم وتفسير "اخواني" للديمقراطية، فهم منظومة استبدادية لاتقر بالحد الادنى المتعارف عليه في الديمقراطيات. الديمقراطية هي، في جانب منها، او على الاقل ظاهريا، تبادل السلطة بين احزاب عبر العملية الانتخابية، بيد اننا لم نسمع ان يفوز احد ما في انتخابات يغير كل طابع الدولة! في امريكا حصل هذا؟ في فرنسا؟ في اي بلد حصل هذا؟ انه فهم استبدادي للمنظومة الديمقراطية الغربية.
اما لماذا تم اقرار الدستور خلال 24 ساعة، فالامر واضح ومعلوم، هو السعي لتمرير هذا القرار من قبل المجلس التاسيسي الذي يسيطر عليه تيارات الاسلام السياسي باخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم، السعي لـ"سلقه"-وهو الوصف الشائع لدى المصريين وفي الوقت ذاته المناسب للاعلان-. انهم على عجلة من تثبيت امورهم واهدافهم وغاياتهم حتى اذا اقتضى الامر ارتكاب الحماقات السياسية تلو الاخرى. انهم يسعون لتمريره في اوضاع يعرفون انه لو تم تقديمه للاستفتاء سيحصلوا له على "نعم" بعدة طرق ومكائد وحيل والاعيب وتزييف. وهو الامر الذي خبروه جيدا من تجاربهم السابقة، واقربها مسالة الانتخابات. انهم يريدون الجماهير "تبصم" على هذه الوثيقة وهي مكبلة الايدي ومعصوبة الاعين، ودون تمتعها باي درجة معقولة ومناسبة من وضوح الرؤية وفي غمرة الضجيج العام والقضايا الاخرى الحساسة الكثيرة المطروحة اليوم في مصر. في ظل هذا السياق، يسعون الى تمريره. ولكنهم اخطأوا في حساباتهم كثيراً.
الى الامام: الا تعتقدون من خلال هذه الاحتجاجات بأن بريق الاخوان سيبدء بالافول ليس في مصر فحسب بل على صعيد المنطقة وكيف ستؤثر هذه الاحداث على مزاج المنطقة والعالم؟
فارس محمود: بغض النظر عن نتيجة ومآل مسالة الاعلان الدستوري، وبغض النظر عن رحيل مرسي والاخوان المسلمين الفوري من عدمه، لقد وجهت التحركات الاحتجاجية الاخيرة ضربة جدية وموجعة لمرسي وللاخوان من الصعب ان ينهض منها دون اضرار جدية وبالغة.
لقد بينت اقل من 6 اشهر من حكم مرسي والاخوان حقيقة وماهية هذه الجماعة المناهضة لجماهير مصر. ان احتاج الامر لسنوات طويلة حتى يتكشف طابع حكم السادات او مبارك، فانه احتاج لاقل من اشهر معدودة كي تتبدى الماهية الرجعية والاستبدادية لهذه السلطة. وان احتاج الامر لعقود للانتفاض على مبارك او السادات، فانه احتاج الى 5 اشهر حتى تصدح الملايين في مصر مرة اخرى بـ"ارحل" اخر، ولكن هذه المرة بوجه مرسي والاخوان.
لقد بين مرسي والاخوان انهم مليشيا وعصابة وبلطجية دموية، يتاتي كل شيء اجرامي على ايديها دون رحمة او ضمير. لم تتم مجابهة الاسلام السياسي بهذا الشكل في المنطقة منذ اول ظهوره في السبعينات ولحد الان. رغم كل الاحتجاجات التي شهدتا البشرية ضد الاسلام السياسي وممارساته الارهابية والقمعية والوحشية بحق مجتمعات المنطقة على وجه الخصوص، الا انه لم يتلق الاسلام السياسي ضربة جدية وموجعة بقدر تلك التي يتلقاها الان في مصر على ايدي الجماهير المتعطشة للحرية والمساواة. لقد بلغت حدة الغضب الجماهيري ان داهمت مقرات الاخوان واضرمت النار فيها. ان بدأت التظاهرات بمطلب "الغاء الاعلان الدستوري"، فانها وبغضون ايام قليلة، تحول الشعار الاساسي الى "الشعب يريد اسقاط النظام"، "يسقط حكم المرشد" و"ارحل!" ليرتفع سقف المطاليب للذروة.
ان كنست الجماهير المحتجة في مصر مرسي والاخوان المسلمين، سيكون لذلك ابعاد عظيمة على صعيد المنطقة والعالم. سيعطي صورة اخرى عن هذه التيارات، بخلاف التصورات الكاذبة والمخادعة التي سُعِيَ لترسيخها بكون هذه المجتمعات "اسلامية" و"ان الهوية الاسلامية هي جزء لايتجزأ من هذه المجتمعات"، صورة اكثر واقعية واكثر اجتماعية وحقيقية الا وهي ان مجتمعات هذه المنطقة هي مجتمعات انسانية ذا طبقات ومصالح وهموم واقعية في المطاف الاخير، والتيارات السياسية لاتعدوا ان تكون تيارات ضمن مجتمع، ولايسير المجتمع هوية بقدر ماتسيره صراعات سياسية واجتماعية واقعية.
ستكون تحولات مصر مقدمة لفرض التراجع على الاسلام السياسي ككل في المنطقة، وبدء عملية ومسار سياسي جديد اكثر مدنية وعصرية. تدفع التحولات هذه بالمسارات العلمانية والمدنية للامام، يطرأ تغير على وضعية المراة وحقوقها، على الحريات السياسية والمدنية والحقوق الفردية. ستكون جماهير المنطقة، مئات الملايين، مدينة لثوريي مصر، وسيتحول مجتمع مصر وثورييها الى نبراس انطلاقة جديدة لدحر الاسلام السياسي مرة وللابد ويخلص البشرية من عقود قرووسطية مظلمة وكالحة. اي مجتمع يمكن ارسائه دون وطأة هذه التيارات وخرافاتها، وارهابها وقمعها ومصادرتها للحريات؟!!
في هذا السياق، ينبغي ان لايغيب عن بالنا ان هذه التحركات المناهضة للاسلام السياسي تجري على صعيد المنطقة. ان التحركات الاحتجاجية للجماهير الثورية المتطلعة للحرية والمساواة في تونس كذلك ضد حركة النهضة وغنوشي اللذان ركبا تيار الثورة هي في تعاظم مستمر. ان تصاعد هاتين الحركتين في تونس ومصر تنبع من الاساس ذاته، وهي عجز الاسلام السياسي عن الرد على الازمة الاقتصادية والسياسية للمجتمع والرد على مطاليب الجماهير المنتفضة التي اطاحت بسلطات برجوازية استبدادية ودموية من مثل مبارك وبن علي. وتبين هذه الوضعية بجلاء للجميع ان "الاسلام ليس الحل"، بل ان غنوشي ومرسي والاخوان ماهم الا امتداد لنظام واجندة نظام مبارك وبن علي المعبرة عن مصالح طبقة معينة وطفيلية متعفنة وفاسدة في المجتمع، البرجوازية. وكغيرهم من قوى الاسلام السياسي، تعد مهمتهم هي صيانة سلطة الراسمال من ضربات الطبقة العاملة والجماهير المضطهدة في مصر وتونس.
وضعت تحولات مصر وتونس الاسلام السياسي عارياً حتى من هرطقاته السابقة بالدفاع عن "المظلومين" والتشدق الكاذب ضد "الثراء والاثرياء"! وهي خطوة مهمة واساسية في تهميش هذه القوى وانزوائها المتعاظم وبالاخص في بلد مثل مصر الذي يتمتع بثقل سياسي واجتماعي وثقافي كبير في المنطقة.
الى الامام: الا تعتقد ان اكسير الانتخابات التي تستخدمها الحكومات الغربية لاحتواء الازمات الثورية فقد مفعوله، وهذه الحالة نراها اليوم في مصر وفي تونس؟
فارس محمود: ان احد السمات الاساسية لهذه المرحلة، ولمراحل الاوضاع الثورية عموماً، هي التسارع المضطرد للكثير من الامور، سرعة التحولات والتطورات، تسارع الاستقطابات السياسية والاجتماعية، ومن ضمن ذلك ايضاً التسييس السريع للجماهير ونضجها وبلوغها السياسي وانفضاح وانكشاف الاوهام السريع. على سبيل المثال، من يتصور ان يتعفر وجه المؤسسة العسكرية في مصر ذات التيار القومي القوي بهكذا سرعة، في غضون اشهر قلال. لولا الثورة، لايعلم المرء كم من العقود نحتاج لتنكشف ماهية هذا الجهاز القمعي للبرجوازية.
الامر يصح كذلك على مسالة الانتخابات. لقد شاع الوهم، وبالاخاص ابان عملية الاطاحة بمبارك والحال ذاته مثلما جرى في العراق، ان بديل الديكتاتوريات والانظمة العسكرية هو ان "تقرر" الجماهير "مصيرها" السياسي وطبيعة نظام الحكم ومن يقف على راسه، وان هذا يتم عبر "انتخابات". بيد ان هذه "الخديعة" ليس بوسعها ان تنطلي دوماً والى الابد على الجماهير.
لقد تبين اليوم بصورة اكثر من اي وقت اخر ان الانتخابات هي اسلوب لتزييف ارادة الجماهير، لسلب حقها في القرار. تعد امريكا المعارضة البرجوازية الليبرالية والقومية بانها ستاخذ تعهد على مرسي بـ"نزاهة الاستفتاء!!"، بيد ان جماهير مصر والعالم يعرفون اليوم ان تزوير الانتخابات هو اخر واصغر حلقة في الموضوع. ان تزييف ارادة الجماهير هي اوسع واشمل بكثير وكثير من "تزوير" الانتخابات. ان الاخيرة تعد لاشيء مقارنة بعملية التزييف ككل.
لاورد حالات توضح قصدي، وهي حالات معروفة وشائعة في مصر مثلا. لكي يمرروا الدستور، الذي تحول الى ازمة سياسية واجتماعية حقيقية وواقعية كبيرة ذات نتائج سياسية بعيدة، بدأت تيارات الاسلام السياسي من الان، وفي الوقت الذي لايعرف احد هل يجري الاستفتاء ام لا، نظمت قناة "الناس" الفضائية التابعة للتيار السلفي في مصر حملة بيع مواد غذائية اساسية مثل الرز والزيت والسكر باسعار تقل كثيرا عن اسعارها في السوق في الوقت الذي اضطرم السوق بارتفاع الاسعار جراء قرار حكومة مرسي بالزيادات الضريبية على المواد الغذائية، وقد قاموا بالبيع عبر شاحنات محملة بهذه المواد. انها عملية متاجرة صريحة بفقر الناس وجوعها.
من جهة اخرى، رفض القضاة في مؤتمر عام قضاة مصر الاشراف على الاستفتاء، علما ان مرسي قد خصص مكافئة قدرها بقارب (10) الاف دولار لكل قاضي يشرف على الاستفتاء على مسودة الدستور، اي لمدة يوم واحد. بالمناسبة رغم هذا رفض 1526 قاضي من اصل 2017 الاشراف على الاستفتاء. ان هذا اسلوب يبعث على الاشمئزاز للالتفاف على الاحتجاج الاجتماعي الواسع ضد الدستور والاستفتاء عليه عبر رشوة القضاة!!
في تونس الامر كذلك. يرون ان انتخاب حكومة لايعني انها تسير وفق متطلبات حياة من اعطوها صوتها. يرون الان ان الوعود الانتخابية امر وقرارات مابعد تسلم السلطة امر اخر. يرون ان التشدق بالدفاع عن الفقراء والمظلومين ماقبل الانتخابات، يعقبه رفع الاسعار وتشديد حياة الاغلبية الساحقة من هؤلاء الفقراء والمضطهدين وخامة. يرون ان نظام وشبكات المعونة الاجتماعية للاخوان المسلمين الذي تشيد به التحليلات الغربية (وهو خير معين لكسب اصوات الناخبين الفقراء وشراء ذممهم) يعقبه هجمة اقتصادية شرسة لحكومة مرسي على الحياة المعيشية للجماهير.
ان تراجع هذا "الاكسير" هو امر واقعي يستند الى التجربة الحية لجماهير المنطقة قبل اي شيء اخر.

الى الامام: هل تستطيع الطبقة العاملة استغلال هذه الاوضاع لصالحها، ما هو الدور الذي من المفترض ان تقوم بها، وهل تستطيع ان توصل الثورة الى توازن للقوى بحيث تفرض الحريات السياسية ورفع المستوى المعاشي لها ولجموع الجماهير..الخ؟
فارس محمود: العمال كافراد تدخلوا ويتدخلوا بشكل يومي في هذه الاحداث، ولكن حضورهم في اغلب الاحيان كافراد اكثر مما هم كطبقة ذات مصالح تختلف، اكثر جذرية. رغم هذا ان تحركات المنظمات العمالية عبر نقاباتها في هذه الاوضاع وحركاتها الاحتجاجية مشهود لها ايضاَ. بيد انها لم تتدخل بكل عنفوانها الذي شهدناه ابان نضالاتها للاطاحة بمبارك.
ينبغي ان لايفوتني ان اذكر مسالة جدية وهي ان الطبقة العاملة لاتدخل الميدان بسرعة، تدخل بدرجة من التاخير عموماً، بيد انها حين تتدخل، فانها تتدخل بقوة وبصورة اكثر مؤثرة وتقلب الموازين في احيان كثيرة.
ان الدور الذي بوسع الطبقة العاملة ان تلعبه هو حضور الميدان بصورة حازمة وراسخة بوصفها حاملة راية "لا" كبيرة بوجه الدستور المعادي للعمال، المعادي للمدنية والعصرية، المناهض للمراة، المناهض للحرية والمساواة. تجاه الاعلان الدستوري هذا، من الضروري ان لاتتحول الى ملحق للمنتقدين الجزئيين وغير الراسخين وغير الحازمين من امثال جبهة الانقاذ الوطني ببرادعيها وصباحيها وغيرهم وفصل صفها بصورة تامة عن مجمل التيارات البرجوازية، ليس هذا وحسب، بل ان لاتسمح لمثل هذه التيارات ان تركب موجة الاحتجاجات الجماهيرية ونضالات الجماهير الساعية للحرية والمساواة وتصب الماء في طاحونة مصالحها التي لاتمت باي صلة بالمصالح الاساسية للجماهير.
من جهة اخرى، ان توحيد صف الطبقة العاملة ونضالاتها سواء حول مطاليبها الاقتصادية والسياسية وحشد قوى خلف راية وافق تحرري وراديكالي وعمالي هو امر لاغنى عنه في هذه التحولات. ان الاوضاع مؤهلة للطبقة العاملة للعب دور كبير. انها تقوم بمهمتها في اوضاع ليست عادية، في اوضاع ثورة ومد ثوري والاحساس العالي للانسان بكرامته وبطبيعة الحياة التي ينشدها. انها ليست في اوضاع ركود، اوضاع ارتقاء المزاج الثوري والحس الثوري، اوضاع الايمان العالي بالعمل الجماعي والمشترك، اوضاع تبيّن وتكشّف الاوهام والاصطفاف الطبقي الحاد وادراك العمال لمصالحهم العمالية الاقتصادية والسياسية، وارتقاء وتصاعد حسهم التنظيمي ورغبتهم بالتنظيم من جهة والنفق المظلم الذي تمر به السلطة البرجوازية الحاكمة والعزلة السياسية التي يمر بها مرسي والاخوان على صعيد اجتماعي واسع و..... غيرها من جهة اخرى كلها ارضية مساعدة لان تلعب الطبقة العاملة هذا الدور الخاص والاستثنائي، وبالتالي تدخلها في صراع السلطة الجاري اليوم في مصر. انها بامس الحاجة لحزبها الاشتراكي والعمالي لتأدية مهمامها ودورها في اوضاع مثل هذه.



#فارس_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فارس محمود - عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي العراق ...
- أ للانحطاط حدود؟!!
- نقد لبيان صادر من قبل الاشتراكيين الثوريين
- انها اسلمة للمجتمع بالقوة، لن تجلب ثمارها!
- تنامي الثورة في مصر من جديد.... مسار بدء وبحاجة ماسة لافقه ا ...
- ان -مركز الشيوعية البروليتارية- هو ضرورة سياسية ملحة!
- طنطاوي... ان مايجب ان تستعد له جماهير مصر هو حربها ضد قوى ثو ...
- ليس لهذه البضاعة المستهلكة من شارٍ!
- انه تفسخ سلطة وليس -افراد-! ان هذه السلطة هي من يجب ان تولّي ...
- الاهداف الحقيقية وراء قرار اعدام مسؤولي النظام السابق!
- انها القومية... وليس لوث عقل اندريس بريفيك!
- بصدد تنظيم العمال!
- للرد على الامبريالية... ينبغي ادامة الثورة وتعميقها!
- لايستأصل ارهاب بارهاب! (حول مقتل بن لادن)
- عالم مقلوب بوسع الطبقة العاملة، وفقط الطبقة العاملة، ايقافه ...
- نداء الى جماهير مصر المنتفضة: ينبغي حل الجيش لا حكمه!
- اوضاع تونس ومصر وانعكاساتها على العراق!
- طالباني وبؤس -الريس-!!!
- نداء الى عمال وكادحي مصر! أي نور اشعتم في ظلمة المنطقة كلها!
- حول الشعبوية المنفلتة العقال اثر احداث تونس!


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فارس محمود - مجتمع مصر وثوريوه نبراس انطلاقة جديدة لدحر الاسلام السياسي!