أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيمة بلقاس - حذاء جرفته السيول














المزيد.....

حذاء جرفته السيول


رحيمة بلقاس

الحوار المتمدن-العدد: 3944 - 2012 / 12 / 17 - 23:05
المحور: الادب والفن
    


حذاء جرفته سيول الأمطار

فجأة تلبّدتِ السماء بالغيوم ،أبْرقت..أرْعدت..اكفهرّ وجهها ، منْذِرةً بليلة شاتية حينها أسدل الليل ستائره ،في جوف هذه الظلمة البهيمة ، هبت الرياح عاتية تلوي أغصان الأشجار وتدفقت الأمطار غزيرة رهيبة ، دقت الساعة السادسة مساء موعد انتهاء الدراسة ، فرنّت الأجراس تعلن ساعة الخروج .تأبط الأطفال محافظهم وهرولوا نحو الباب مسرعين خائفين ،كلٌّ منهم ارتمى في حضن أبيه ليعودوا إلى دفء البيت وأمانه ،إلا سميرة الصغيرة كانت تقف وحيدة على قارعة الطريق وأبوها بالضفة الأخرى مع أخويها ، فضّل أن ينتظرها بعيدا عن الزحمة لكي لا تتوه عنه ، لكن سميرة أحست بحزن شديد وخوف كبير .كيف تركها وحدها تصارع هذا الغمر العجيب ؟؟.. إنه أقوى من أن تتحداه تلك الطفلة الضعيفة . الخوف ملأ جوانحها. وشعور قاسٍ اعتراها .لو كان أبوها يحبها لأتى ليحملنها مثلما فعل مع أختها وأخيها؟...لماذا يعتبرها قوية ؟؟.. أنها لسيت لهذا الحد؟؟ وقفت لحظات وهي تتساءل وتجهل الإجابات؟؟ فقط الحشرجات وتنهدات ودموع بلّلت وجنتيها ...عفوا كانت مبللة من أخمص القدم إلى رأسها التصق شعرها بوجهها وهي تبكي وتصرخ و لا أحد يسمعها . كل الناس يجرون يمينا ويسارا ولا من يحس بها . الرعب يتملكها والانهمار يزداد عنفا.تراجعت للخلف ،فكرت أن تقطعه عدوا علّها تتغلب عليه وتهزمه.أظهرت قوة الواثق من نفسه، ذاك الشجاع الذي لا ينهزم أبدا.انطلقت كما السهم جريا ، وفي وسط الطريق وهي تجذِّف برجليها ، تدفعهما بصعوبة لتشق طريقها بين طوفان المياه المندفعة بقوة ، وهي بكل قوتها تدفع وتدفع وتتقدم للأمام ،ومحفظتها بينها وملابسها لكي لا تقع منها ، تمسكت بها جيدا وهي تحميها من الماء . سارت حتى اقتربت من النجاة ، لكنها فجأة فغرت فاها بذهول ،إنها مأساة . مشكلة أكبر مما يمكن تصورها وأنتم تسمعون الحكاية ، المسكينة لا تملك غير هذا الحذاء ،هي تعي تماما فقر أسرتها ، رغم سنها الصغير كانت ذكية ، وحنونة ..رقيقة وحساسة..كانت تشعر بمدى ضآلة راتب الأب ، وكثيرا ما كانوا يكملون الشهر بالديون.
فكيف ستذهب إلى البيت وهي برجل حافية ؟ وماذا ستخبر أمها ؟؟ وغدا يوم دراسة فكيف ستحصل على حذاء لتعود به إلى المدرسة ؟؟ وكان وقتها ليلا وفي الصباح لا تفتح الأسواق باكرا؟؟
لم تتمالك سميرة نفسها ،، أجهشت في البكاء وصوتها يختنق ،نشيج يزداد ويزداد .وانحنت إلى الأرض تبحث عن حذائها الضائع ،تجول ببصرها وتنقب بيدها حتى كادت بالوعة الصرف تلتهمها . هربت المسكينة مذعورة فزعة،لم تذهب عند أبيها الذي كان ينتظرها، بل توارت عن أنظاره ،وتركته ينتظر ،لتنطلق كما البرق والرعب يملأ فؤادها والخوف يشلّ خفقاتها . ذهبت وحدها إلى البيت وهي تكاد تقع من الوجل والاضطراب والروعة تأكل قلبها الفتي.ووجنتيها احمرتا خجلا من منظرها المضحك .. رجل بحذاء وأخرى حافية.
ذكريات لا يمكن لقلب أن ينساها ،ولا اللاشعور أن يتلافاه ،تنعاد كوابس تؤرق جفناها ،كثيرا ما تعود تلك الصورة إلى عينيها ،تتأملها حلم يقظة في جوف الليل وهي تتندى عرقا من كابوس قضّ مضجعها.
وصلت سميرة للبيت قبل أبيها وأخويها ،وجدت أمها بالباب تنتظر وقد هيأت كالعادة الملابس الجافة وموقد الفحم مضرم يبعث الدفء بالبيت ،
عانقتها بحرارة وهي تبكي . ضمتها لصدرها وخففت من صدمتها ،ويا لها من مفاجئة ،لم تؤنبها ،لم تعاقبها كما اعتقدت،بل قبلتها قُبْلتها أنستها كل المعاناة ..وكم كانت سعيدة حين غيرت ملابسها وتدفأت بحضن الأم الحنونة والحرارة المنبعثة من الموقد الملتهب، لم يصل الأب حتى وجدها قد هدأ روعها واستعادت هدوءها ، لكن لاحظ عينيها كانتا كما الجمرة حمرة ، فأحس بخطئه وضمها بقوة وهو يقبل وجنتيها وجبينها معتذرا عن خطئه، ليتربع وسط الغرفة وهي على ركبته كأميرة صغيرة وصينية الشاي أمامه كما العادة في المساء، وبعد أن تجتمع الأسرة حول الشاي الفريد والعجيب الذي كان يهيؤه بخلاف عن الكل، وذاك اليوم وقد كان استثناء قدّم الكأس الأول لسميرة البطلة.
كل هذا الحنان والعطف ..لم يكن ليحلّ المشكلة في نفسية الصغيرة، إنها تحمل هموم العالم ، وتجرّ معها عربة كون بأسره ، ماذا عن الغد، كيف ستذهب إلى المدرسة حافية القدمين ، أتلبس وزرتها وتصفّف شعرها ،وتلتحق بزميلاتها حافية بدون حذاء؟؟ حقيقة إنها معضلة ولو بدت لكم بسيطة ..حينها كانت كما كارثة، أتتها من حيث لا تعلم؟ ما العمل ؟ وضعية مشكلة ومأزق لا تحسد عليه.
استيقظ الجميع في الصباح ، وطبعا استيقظت سميرة مرعوبة من هول الكارثة. لكنها تفاجأت بأمها تقبلها وبأبيها يحضنها ويقولان لها عودي للنوم بنيتي! اليوم لن تذهبي الى المدرسة ، حتى نشتري لك حذاءا أحسن منه.
كان يوما من أسعد أيامها ، قضته مع أمها ، تارة تساعدها وأخرى تلعب بدمية صنعتها من القصب ، وهي تتصور شكل الحذاء الجديد، وتبتسم فرحة بالهدية القادمة..وكم كانت دهشتها حين وصل أبوها من العمل وهو يحمل علبتين : حذاء ومعطف! والأجمل تلك القبلة التي صالحها بها أبوها حين رسمها على جبينها مقدما لها ما جلبه في كيس أحمر يبهج القلب من جماله ..أما الحذاء والمعطف فكانا أجمل بكثير..

رحيمة بلقاس



#رحيمة_بلقاس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ياكسرى
- صريخ معلم
- يا طير الوروار
- كن رحيما يا حلمي
- على بعد دقة ونبضة
- ليلنا يشتاق لأقمار
- عيدك نوارس بحري
- ما حيلة الشاة؟
- عهد بخطوط كفي
- بلا ثمن
- هكذا كان التلاقي
- القبلة وأخواتها
- حين اشتاقك
- حين أشتاقك
- ما انتهيت !..ما انتهيت!..
- وميض بالقلوب
- مدينة النور
- ياذابح النغم
- تلاشت السحب
- العدو في امان


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيمة بلقاس - حذاء جرفته السيول