|
النفاق أو لغة الكون
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 3939 - 2012 / 12 / 12 - 19:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
النفاق أو لغة الكون ************* هي لا ريب علامة غير فارقة ، بل هي تعتبر من مؤشرات ما بعد الحداثة ، اذ كلما تجزأت القضايا والمشاكل ، وتفرعت الى أجزاء نووية ،ا لا شاركتها كثير من مظاهر الزيف والغش والتدليس . وهو ما أسماه كثير من المثقفين العالميين بعنف العولمة ، لكنه هنا يأخذ بعد العنف المعنوي ، الى جانب العنف المادي الذي كانت الحروب الكبرى التي دخلتها أمريكا وحلفاؤها الطبيعيون من عرب وعجم . والآن يعقد في مراكش عاصمة الملتقيات الدولية بالمغرب ، ما يسمى زورا وبهتانا ب"أصدقاء الشعب السوري " ، هذا الشعب الذي يدرك أكثر من غيره أن قادة العالم أجمع هم عدوه الخلفي ، بعد عدوه المباشر ، نظام بشار الأسد . فالغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وسائر المنظومة الأوربية وبعض الدول العربية ، عدو مقنع بلغة الحسابات الضيقة ، وروسيا والصين وايران عدو واضح يمتلك شجاعة مناصرة طرف ضيق ،هو النظام السوري على طرف أوسع ، هو الشعب السوري ، وان تم تطهير وتقتيل كل الباحثين عن الكرامة والحرية ، فلغة المصالح تأتي قبل لغة الانسانية والقيم السامية . لكن وكما قال جورج أورويل من لا ينحني لا يتلون... ومن لا ينحني ولا يتلون ،تنحني أمامه الأشياء. وهذا ما صنعه الشعب السوري الأبي ، لم يركع لأحد ، ولم ينحن لغير ارادته ، فانحنت له الولايات المتحدة الأمريكية أخيرا واعترفت على لسان رئيسها بالمجلس الائتلافي السوري ، لأن حسم المعركة بات شبه أكيد لصالح الشعب السوري الذي قدم ما لم تقدمه أي ثورة عربية أخرى من تضحيات مست كل المستويات ، أرقاها النفس ، وأدناها البنيان ، وما بينهما من علاقات وذكريات انسانية ، من أجل فكرة لا أكثر ، فكرة الحرية والكرامة . مؤتمر أصدقاء الشعب السوري ، يلتئم يمراكش ، والمغرب يعرف أكبر عملية تحايل على شعبه بعدما تم الالتفاف على مطالب شباب 20 فبراير ، وتوهيم الشعب المغربي أن دستور 2011 قد يلبي بعض مطالبه وانتظاراته ، وهو الدستور الذي طبلت له كل الدول الحاملة للواء النفاق العالمي ، واعتبرته فاتحة عهد جديد للمغرب ، وحاولت تسويقه كدواء مسكن لباقي الأقطار العربية ذات البنية السلطوية الواحدة . وللتدليل على تهافت النظام المغربي وجميع دول النفاق العالمي ، نسوق مثالا حيا على لسان وزير العدل المغربي الذي كان بالأمس القريب من أشرس المدافعين عن حقوق الانسان ومن أعدى أعداء النظام المخزني ، فاذات به يصرح قبل يومين أن "الأوضاع المادية للقضاة يجب أن تتحسن ،اذاك يمكن أن نحاسب القاضي حتى على الشبهة " ، مما يعني أن القضاة معفيون من المحاسبة على جميع أخطائهم ما لم تتم ترقية دخلهم الشهري . وهو منطق لم نسمع له من سابقة الا في عهد وزير العدالة والتنمية ، وفي دولة اسمها المغرب . في حين أن أدبيات القضاء والعدل في كل الحضارات والتشريعات تعتبره من أشرف المسؤوليات وأخطرها ، أما اذا عدنا الى أدبيات التشريع الاسلامي ، فان هذا الوزير عليه أن يستقيل حالا . ولن أحيل هنا الى خطب الملك محمد السادس والوعود التي تحبل بها ، وما تمثله من ميثاق بينه وبين الشعب المغربي ، لكنك حين تراسله كأمير المؤمنين وحامي الملة والدين ، لن تجد له عنوانا أو اجابة ، وهو الذي يدعي أنه الحكم الأسمى . كلما علت لغة الخطاب السياسي ، كلما انحطت الممارسة ، سواء على الصعيد القطري ، أو الكوني ، فلغة المؤتمرين الآن في مراكش تنضح بالوعود وبالمشاريع والمساعدات ، لكنها جميعها تبقى أسيرة أثير مكان الاجتماع ، ولنا في الاجتماعات السابقة خير دليل على ما ندعيه ، بل ان العودة الى الوعود التي منحت الى الصومال ،ثم افغانستان واليمن ، وغيرها من الدول المنكوبة ، تكفي للتدليل على مستوى النفاق الكوني الذي نعيشه في زمن ما بعد الحداثة . هكذا أصبح من لا يجيد حربائية السياسة بكل تلويناتها البادية والخفية ، لايمكن له أن الا أن يتخندق في خندق المقاومة المسلحة أو الابتذال الوجودي . وقد مرت بنا أكذوبة اللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الأوسط التي لاتزال حية بصيغة الموت ، والتي يرأسها رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير أحد مهندسي كذبة القرن بتوفر العراق على أسلحة الدمار الشامل ، وقد كان ترشيحه من أستاذه بوش الصغير ، لتتبدى قدرة النفاق والميوعة في أجلى معانيها وأقذر أشكالها من سيادة العالم والتحكم في مصيره . ان تحسس ما ينكمش اليه العالم من قيم دونية ومنحطة ، يعري زيف الخطابات والتجمعات والملتقيات التي يدبج فيها النظام العالمي الجديد ، الذي سرعان ما انهار بفعل تحولات كونية متسارعة ، ترسانته الفضائحية اللاأخلاقية : وعود زائفة ، شعارات براقة ، ازدواجية الخطابات وتعددها ، قتل وتدمير مجاني ، اعتقالات مشبوهة ، خرق لأبسط حقوق الانسان ، كالحق في العمل والكرامة....الخ ، من فضائح العولمة الشرسة ، التي لا تلجم طغيانها أي حدود أو سياجات . من هنا يمكن أن نقرأ اندفاع الرئيس المصري في اصدار قراراته التي أسماها الاعلان الدستوري ، وان سلمنا معه جدلا بحسن النوايا ، الا أن الاخراج كان صادما ، ولا يعني الا شيئا واحدا هو تخليه عن وعوده وتأكيده ؛ سيرا على مبادئ أسمى الدساتير الكونية ، المكتوبة والعرفية ، في احدى خطبه بأن السيادة للشعب ، فاذا به ينفي هذا الشعب ، ويغيبه ، في قرارات لا يسندها قانون أو شرع أو منطق وعقل . اننا مقبلون على صراعات أشد فتكا بالانسان ، وان لم تكن صراعات حربية ودموية ، فهي صراعات ستنتج الكثير من الاقصاء والتهميش ، وهو ما سيؤدي حتما الى تدمير جزء هام من هذا العالم .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب والانقسام الأزلي
-
شهود لا متأثرون
-
الشريعة أم السياسة_2_
-
في مفهوم التواضع
-
اعدام شاعر
-
الجزء 12 من رواية -أمطار الجحيم
-
الشريعة أم السياسة...
-
الشعوب وما أدراك ما الشعوب
-
الشعر والدين ، وتجاوز المتن القديم _1_
-
من المسؤول...؟
-
طريق أبيض
-
بنية- نظام المخزن - بالمغرب
-
الشوهة
-
أغاني العربي
-
دروس حرب الأسبوع
-
سفر في سحب الحب
-
للورد أن يقرأ ....عطره
-
ميزانية القصر وروح العصر
-
مزامير الجمر
-
هل عادت الطيور الى أعشاشها ؟
المزيد.....
-
الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
-
لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
-
مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال
...
-
في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار
...
-
الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
-
وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات
...
-
لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
-
البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا
...
-
المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م
...
-
تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|