أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبدالله المدني - بلوشستان كبؤرة توتر جديدة















المزيد.....

بلوشستان كبؤرة توتر جديدة


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 1138 - 2005 / 3 / 15 - 10:44
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


يشهد إقليم بلوشستان الباكستاني منذ مطلع العام الجاري احتقانا لم تشهده منذ نجاح نظام الرئيس الأسبق ضياء الحق في سحق حركة تمرد يسارية مسلحة في بداية الثمانينات. ولو أن الأمر اقتصر على التوتر السياسي لربما كان المشهد غير ملفت لنظر المراقبين في الخارج ، خاصة وان البلاد كلها تعيش في أجواء سياسية غير سوية بسبب الصراع الدائر منذ عام 1999 حول الديمقراطية ما بين نظام الرئيس برويز مشرف و خصومه من الأحزاب و القيادات المدنية الكبرى.

ما أثار الانتباه هو أن الأوضاع في الإقليم بدأت منذ الشهر الماضي تأخذ منعطفا خطيرا بحدوث سلسلة من الاعتداءات المسلحة و أعمال التفجير ضد مواقع و أهداف حيوية مثل وسائل النقل العام و خطوط الاتصالات و محطات الطاقة و معسكرات الجيش و الأمن ، و إعلان جماعة غير معروفة تطلق على نفسها اسم "جيش تحرير بلوشستان" مسئوليتها عن تلك الحوادث مع توعدها بالمزيد. و لعل ما يؤكد هول هذه الضربات أنها تسببت في انقطاع التيار الكهربائي عن ثلث الإقليم بما في ذلك عاصمته كويتا ، وتوقف خطوط إمدادات الغاز و تعثر حركة السكك الحديدية ما بين كويتا و زاهدان عاصمة بلوشستان الإيرانية.

وجاء رد الحكومة المركزية في إسلام آباد بإرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى بلوشستان مع تهديدات من الرئيس مشرف بأنه سوف يتصدى بطريقة تجعل البلوش ينسون أصولهم ، و تلميحات أخرى بإمكانية فرض الحكم العسكري المباشر على الإقليم أو إجراء تغييرات ديموغرافية ينقل بمقتضاها سكان الإقليم الأصليين بعيدا عن نطاق المواقع و البنى و المشروعات الاستراتيجية ، ليصب الزيت على النار و ينقل بلوشستان إلى واجهة الأحداث كبؤرة توتر جديدة في جنوب آسيا.

ومن يقرأ صحف باكستان اليومية هذه الأيام يجدها مليئة بمانشيتات و مقالات تتحدث عن تدهور الأوضاع هناك و بلوغها حدا يهدد وحدة البلاد ، أو تنتقد أسلوب الحكومة في معالجة الأزمة و تتهمها بالتصعيد المفضي إلى عواقب وخيمة. ومما كتب في هذا السياق أن الباكستانيين ملوا من لجوء الحكم إلى الإشارة إلى الأصابع الأجنبية كلما حدثت أزمة، وأنهم ينتظرون إقرارا منه بارتكاب الأخطاء ووعدا بتصحيحها ، إن لم يكن من اجل بلوشستان فمن اجل ديمومة و وحدة الكيان الباكستاني.

والحقيقة انه لا يمكن انتقاد حكومة الرئيس مشرف على موقفها. فهي ملزمة بالتصدي لأعمال العنف و التخريب و المحافظة على هيبة الدولة مثلما تفعل أية حكومة في مثل هذه الظروف. إلا أن ما يؤخذ عليها هو لجوءها إلى القوة و التشدد المفرط وحدهما دون محاولة نزع فتيل الأزمة بإزالة الأسباب التي أدت إلى ظهورها و تفاقمها. وهذا مأخذ لا يجمع عليه البلوش وحدهم وإنما أيضا قطاعات واسعة من الشعب الباكستاني و أحزابه و تنظيماته المدنية. فلئن كانت احزاب المعارضة لها اسبابها الخاصة للغضب والتنديد بسياسات الرئيس مشرف في بلوشستان و استغلال ما يجرى هناك لتسجيل نقطة ضد النظام و المؤسسة العسكرية التي يتهمونها بالغطرسة و الفساد ، فان الرأي العام الباكستاني بحسب ما تبينه الصحافة اليومية غاضب لأنه يخاف من تكرر السيناريوهات التي افضت إلى انسلاخ الجناح الشرقي للكيان الباكستاني. وهو محق في مخاوفه هذا ، لا سيما و أن هناك تشابها بين ما يجرى اليوم و ما جرى قبل 35 عاما في باكستان الشرقية (بنغلاديش حاليا) ، سواء لجهة وجود العسكر في الحكم ، أو استخدام القوة و البطش في علاج الأزمة ، أو وجود مناخ إقليمي و دولي ملتهب ، أو لجهة أسباب التمرد.

و من الواضح أن صبر البلوش قد نفذ مما يعتبرونه تهميشا لهم و تمييزا ضدهم من قبل الأنظمة الباكستانية المتعاقبة و استغلالا لثروات إقليمهم لصالح الآخرين. و قد عبر السيناتور المعارض صنعة الله بلوش عن هذا كله في بيان تفصيلي قدمه مؤخرا إلى مجلس الشيوخ الباكستاني تحت عنوان " عملية اغتصاب بلوشستان سياسيا و اقتصاديا و نفسيا". و في السياق نفسه كتب آخرون تحليلات تضمت معلومات مثل أن بلوشستان هي مصدر نحو 40 بالمئة من إجمالي ثروة باكستان من الغاز لكنها لا تستفيد إلا من 2 بالمائة منها ، بل حتى هذه النسبة المتواضعة لم يبدأ استفادتها منها إلا منذ عام 1986 على الرغم من اكتشاف الغاز في الإقليم في عام 1952 . و من الحقائق الأخرى التي يعزى إليها أسباب غضب البلوش و امتعاضهم أن منسوبي الجيش و الأمن و حرس الحدود في الإقليم هم بالكامل من غير العنصر البلوشي.

وهكذا يمكن اختزال أسباب الأزمة الراهنة في بلوشستان في جملة واحدة هي شعور مواطنيها بالحرمان الطويل و التهميش الذي وصل – طبقا للقوميين البلوش – إلى ما يشبه علاقة البيض بسكان استراليا الأصليين.

لكن لماذا انفجرت الأزمة الآن طالما أن شعور البلوش بالحرمان موضوع قديم و ليس وليد اليوم؟

الإجابة ربما تكون في شروع إسلام آباد منذ عام 2001 في التدخل بصورة أقوى من كل الحقب السابقة في تقرير مستقبل الإقليم الإنمائي دون استشارة أبنائه أو اخذ مرئياتهم و اشتراطاتهم في الاعتبار. من ذلك خطط باكستانية طموحة جارية على قدم وساق بمساعدة الصينيين لتحويل غوادر إلى ميناء عميق و مركز اقتصادي إقليمي. و المفترض أن تؤدي هذه الخطط إلى ازدهار الإقليم و جذب الاستثمارات إليه و بالتالي تحسن أوضاع البلوش المعيشية و ارتفاع أسعار أراضيهم. لكن القوميين البلوش تساورهم الشكوك و يوردون قصصا كثيرة طازجة للتأكيد على أن الفوائد ستذهب كما كان الحال دائما إلى جيوب غيرهم من النخب البنجابية المهيمنة و الجنرالات المتنفذين ، ولن ينالهم سوى الفتات.

تقع غوادر، التي كانت حتى عام 1964 مجرد مرفأ متواضع لصيادي الأسماك ، على بحر العرب في مواجهة مضيق هرمز و على بعد 400 كيلومتر من هذا الممر الاستراتيجي الهام الذي يعبر منه نحو 40 بالمائة من إمدادات النفط العالمية ، الأمر الذي يؤهلها للتحول إلى نقطة جذابة للشحن والإمداد والتجارة مع الخليج و أفغانستان و دول آسيا الوسطى حينما تستكمل تجهيزاتها و ترتبط بشبكة طرق برية مع المدن الباكستانية و الأفغانية و نظيراتها في آسيا الوسطى. و هي من ناحية أخرى تبعد عن كراتشي ، ميناء باكستان الرئيسي و قاعدتها الصناعية ، بنحو 725 كيلومترا مما يجعلها في مأمن من أي تهديد هندي بالحصار على خلاف كراتشي التي هدد الهنود بفرض حصار بحري عليها أثناء أزمة كارغيل 1999 .

و بالنسبة للصينيين الذين انفقوا حتى الآن نحو 400 مليون دولار على تطوير الميناء و ربطه بكراتشي بطريق سريع ، ولهم فيه 450 مهندسا (قتل ثلاثة منهم في مايو الماضي بواسطة قنبلة يعتقد أن المتمردين البلوش زرعوها) تبدو غوادر أيضا ذات أهمية استراتيجية. فعبرها يمكنهم الإشراف على 60 بالمائة من وارداتهم النفطية و التي تأتي من الخليج ، ومراقبة تحركات الأسطولين الأمريكي و الهندي في بحر العرب و المحيط الهندي ، بل و التدخل للدفاع عن مصالحهم في حالة قيام الأساطيل الأمريكية في الخليج بأي تحرك من شأنه معاقبتهم بسبب تطورات القضية التايوانية مثلا. وطبقا لأحد المحللين الاستراتيجيين الأمريكيين ، فان بكين باشرت بالفعل بتركيب أجهزة و معدات عسكرية في الميناء لأغراض مراقبة حركة السفن العابرة في بحر العرب.

و مما لا شك فيه أن ما يخطط لغوادر يثير انزعاج الأمريكيين المهتمين باحتواء تصاعد النفوذ الصيني فيما وراء البحار. غير أن واشنطون ليست وحدها القلقة. فطهران تشعر بالشعور ذاته ، لكن لأسباب أخرى تتعلق باحتمال أن تنافس غوادر ميناء تشاهبهار الإيراني الذي يجرى تطويره بمساعدة الهند لتكون منفذا بحريا لتجارة أفغانستان و دول آسيا الوسطى الغنية بالغاز و النفط. وربما استنادا إلى هذا سارعت إسلام آباد إلى اتهام جهات أجنبية بالوقوف خلف اضطرابات بلوشستان.

د. عبدالله المدني
*باحث أكاديمي و خبير في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 10 مارس 2005
[email protected]



#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تزال أفغانستان هدفا للتنافس الإقليمي
- من الخلاف حول العراق إلى الخلاف حول الصين
- عندما تغضب كبرى الديمقراطيات ممن يمسون الديمقراطية
- نجاح جديد للهند في سباقها على مصادر الطاقة
- الأخ الآسيوي الأكبر يضيع فرصة ذهبية لتأكيد نفوذه
- التسونامي يخلق فرصا للسلام في آسيا
- 2004 ، عام آسيوي متميز لولا -التسونامي-
- استراليا كنموذج للحيرة ما بين الشرق و الغرب
- آسيا تتجه نحو التوحد على خطى أوروبا
- آسيا تفتح باب الترشيحات لخلافة كوفي عنان
- نزع صور - الزعيم المبجل-
- فيما العرب مكانك سر الآسيويون يتجاوزن ثورة المعلوماتية إلى - ...
- عظيمة أنت يا بلاد غاندي - الهند إذ تمنح قيادتها لسيخي من الأ ...
- في الذكرى الأولى لاستشهاد الزعيم بعد تحرير العراق من جلاديه ...
- عزاء للعرب.. الهند و-إسرائيل- بين زمنين


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبدالله المدني - بلوشستان كبؤرة توتر جديدة