أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - صبحي حديدي - غلطة السيد... بألف ممّا نعدّ















المزيد.....

غلطة السيد... بألف ممّا نعدّ


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1138 - 2005 / 3 / 15 - 10:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


سجايا الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله، مثل تضحياته ومواقفه المشرّفة، لا تعدّ ولا تحصى، بينها بالطبع أنه قائد سياسي حكيم وبعيد النظر. ولهذا فإنّ غلطة السيد، وهو الماهر الشاطر، بألف مما نعدّ لغيره من القادة والساسة. وفي يقيني أنه ارتكب غلطتين في خطابه، الذي كان في الإجمال متعقلاً ومسؤولاً وسياسياً بامتياز، أمام الجموع المحتشدة في ساحة رياض الصلح الأسبوع الماضي.
الأولى أنه فضّل مديح سوريا النظام قبل سورية الشعب، وسوريا الحاكم قبل سورية الجيش، وإلا كيف يمكن أن نقرأ هذه العبارة: "اجتمعنا اليوم للأهداف التي أعلناها في المؤتمر الصحافي، وفي مقدمها توجيه الشكر لسوريا الأسد، لسوريا حافظ الأسد، لسوريا بشار الأسد، لسوريا الشعب الأبي الصامد، لسوريا الجيش العربي المقاوم الذي كان معنا وما زال في كل سنوات الدفاع والمقاومة".
ولعلّ السيد خير مَن يدرك أنّ هذا الترجيح لـ "سوريا الأسد" و"سوريا حافظ الأسد" و"سوريا بشار الأسد" لا يرضي سوريا الشعب، أو على الاقلّ ليس هذا ما ينتظره ملايين السوريين من زعيم مقاومة يناهض الظلم والاستضعاف والاستبداد والفساد والإفساد. ندرك، غنيّ عن القول، الشرط الدقيق الخاص الذي يدفع السيد إلى مديح الأسد الأب والأسد الإبن، وكنّا سنتفهم على مضض قليل أو امتعاض كثير لو أنه عكس معادلة المديح فبدأ بمديح الشعب وانتهى إلى شكر الحاكم. والمؤكد أنّ ملايين السوريين الذين يحبّون السيد شعروا بغصّة، لكي لا أتحدّث عن عتب أو خيبة أمل أو غضب أو سخط، حين بدا زعيم المقاومة اللبنانية وكأنه لسان حال رجال من أمثال عاصم قانصوه!
غلطة الشاطر الثانية أنه رفض أي تشبيه بين لبنان وأوكرانيا. لماذا؟ لقد جرت في ذلك البلد انتخابات رئاسية مزوّرة، فخرج السواد الأعظم من الشعب إلى الشارع، واعتصم المواطنون أو تظاهروا سلمياً ومدنياً حتى أجبروا السلطة على الامتثال لقرار المحكمة الدستورية العليا وإعادة إجراء الإنتخابات. هل في هذا ما يعيب؟ وهل يعقل أن السيد تناسى أنه إنما يخطب في جموع حشدها حزب الله من قبيل إسماع صوت الشعب والاحتكام إلى سلطة الشارع، على نحو نظير لصوت آخر للشعب وسلطة أخرى للشارع في ساحة الشهداء المجاورة؟
غير أنّ الكلام الحماسي الخطابي الوردي، مثل ذاك العقلاني الملموس الواقعي، لا يخفي الحقائق الصلبة التي تجثم على الأرض مثل صخور ثقيلة راسخة. واليوم، مع غياب الدولة اللبنانية عن الجنوب، سواء تمثّل ذلك في غياب الجيش الوطني أو في غياب مشاريع الإنماء والتطوير المركزية؛ ومع تعثّر، أو تعطيل، المصالحة الوطنية الشعبية بين مختلف طوائف وفئات الجنوب؛ واستمرار سياسة دمشق الهادفة إلى إبقاء الجنوب ساحة شدّ وجذب وحيدة مع الدولة العبرية (حين يسود الهدوء التامّ سهول وهضاب الجولان المحتل)؛ وإعلان حكومة شارون تبديل قواعد اللعبة مع الجيش السوري المرابط في لبنان... هل من الإجحاف القول إن الجنوب اللبناني، في غمرة هذه المعطيات، يبدو بمثابة أرض تحرّرت من الإحتلال العسكري لا لشيء إلا لكي تقع ــ ثانية، ومن جديد ــ أسيرة المعادلات الإقليمية القديمة ذاتها، تلك التي يديرها الآخرون فقط، وتلك التي لا تُدار دائماً لاعتبارات تخصّ الأمن العربي أو تحسين شروط الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟
وهل من إجحاف كبير في القول إنّ حزب الله، بوصفه فصيل المقاومة الأهمّ و"وارث التحرير" الأبرز، هو أيضاً المسؤول الأوّل عن حال كهذه؟ لا أحد، ممّن وافقوا ويوافقون على موقع حزب الله في سيرورة التحرير، ينازع الحزب حقّه في استكمال التحرير حتى الإنسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا، سواء أكانت هذه المزارع سورية أم لبنانية. ولا أحد، ممّن باركوا ويباركون دور حزب الله في سيرورة التحرير، ينازع الحزب حقّه في مواصلة هذا الدور عبر أقنية أخرى مثل دعم الإنتفاضة أو مساندة الموقف السوري في كلّ ما يخصّ استرجاع الأرض المحتلة.
ولكنّ أبسط حقوق التحرير على أبطال التحرير هو الإلتفات إلى البشر على الأرض المحررة، أو استكمال المهمّة عن طريق تحرير الآدمي المقيم على التراب المحرّر، ومنحه فرصة التمتّع بمغانم التحرير، وتلمّس المعنى الإنساني الملموس لفكرة التحرير. هذا حقّ لا يُنازع أيضاً، وهو ثمن طبيعي مقابل التضحيات الجسام التي بذلها معظم اللبنانيين، أينما كانوا وبصرف النظر عن مواقفهم من حزب الله أو حتى من خيار المقاومة بالمعنى العريض. والمراوحة هكذا في المكان، بعد خمس سنوات على التحرير، وبعد المتغيّرات النوعية التي شهدتها المنطقة، لا تبخس اللبناني حقوقه فحسب، بل هي تستبدل معنى التحرير النبيل والإنساني بآخر أقرب إلى الإتجار بالمعادلات.
وليست مصادفة خالية من دلالات عديدة أنّ ذكرى التحرير مرّ ت العام الماضي مقترنة بحدثَين أساسيين يخصّان الشارع اللبناني في هواجسه القاعدية: الانتخابات البلدية التي أعادت حركة "أمل" إلى اللعبة السياسية (على حساب شعبية حزب الله في نهاية المطاف، رغم أنّ الحزب لم يخسر مواقعه في الجنوب، واهتزّ قليلاً في النبطية)؛ والإضراب العمالي والتربوي والنقابي والقطاعي الواسع الذي غاب عنه حزب الله عملياً، أو بالأحرى لم يستثمر فيه ما يكفي من رصيد شعبي يملكه في صفوف اللبنانيين.
ذلك يعيد المرء ذاته ــ الذي لا ينازع حزب الله موقعه ودوره في التحرير ــ إلى الأسئلة القديمة ذاتها: إلى مسائل ما قبل التحرير... ما قبله بكثير في الواقع! وكأنّ انتصار المقاومة تحقّق عسكرياً وعملياتياً، ولكنه ما يزال ينتظر التحقّق سياسياً واجتماعياً ومعنوياً أيضاً، وهذه مستويات ليست أقلّ أهمية من مستوى الإنتصار الأوّل.
المسألة الأولى هي أنّ حزب الله صعد أوّلاً على خلفية انتصار الثورة الاسلامية الإيرانية، ثم تبلور وجوده العسكري والعقائدي بعدئذ على خلفيات الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، ومجازر صبرا وشاتيلا، واحتلال الجنوب اللبناني. وكان خطّه العقائدي العام مناهضاً على نحو راديكالي لـ "الإمبريالية والصهيونية وعملائهما المحليين" كما جاء في البيانات الأولى. وهو الخطّ الذي يظلّ ساري المفعول بدرجة عالية، خصوصاً بعد أن اتسع نطاق توصيفه لطبيعة الخصوم المحليين وشمل حركة "أمل" والتيارات والمنظمات الشيعية التقليدية الأخرى. ساري المفعول، ولكن إلى متى؟ وكيف، في ظلّ انحطاط العرب، واحتلال العراق، وتعاظم الضغوط على دمشق، وبدء الإنسحاب العسكري السوري دون اقتران بانسحاب سياسي أو أمني، وانقسام الصفّ الشيعي داخل العراق أو حتى في إيران؟
المسألة الثانية تشير إلى تمتّع الحزب بمرونة تحالفية عالية لأنه لا يُلزم المنتسبين إلى صفوفه بأية قواعد تنظيمية، وإنْ كانت تقاليد العمل الداخلية تجعله أقرب إلى مزيج من الميليشيا العسكرية والحوزة الدينية. وهو تجمّع عقائدي عريض أكثر من كونه منظمة سياسية واضحة المعالم، الأمر الذي أتاح له مرونة استثنائية في الانتشار الشاقولي، واحتضان قضايا "المعذبين" و"المستضعفين" و"الفقراء". وإذا أضيفت إلى ذلك عناصر أخرى مثل الحميّة العقائدية الشيعية، وتقاليد إمامة الفقيه، وثقافة السعي إلى الجهاد والاستشهاد، فإن صيغة حزب الله تصبح فريدة في التراث الحزبي العربي الحديث، وتغدو نسيج وحدها في استراتيجيات التغطية الدينية للحركات التنظيمية. ولكنّ هل من الحكمة أن تظل هكذا زمناً طويلاً، بعد التحرير؟ ثمّ بعد احتلال بغداد؟ واستقرار الشارونية على الخيارات النازية، وما جري وسيجري بعد اغتيال رفيق الحريري؟
المسألة الثالثة هي أنّ الحزب بدأ مع الثورة الاسلامية الإيرانية، وكان مجرّد نواة صغيرة في كتلة عريضة امتدّت ظلالها إلى مختلف أرجاء العالم الاسلامي. وإذا كانت صفحة تصدير الثورة عن طريق إيفاد ونشر الحرس الثوري (الإيراني إجمالاً) أو تشكيل فصائل عسكرية ـ عقائدية محلية من نوع "جند الله" و"الجهاد"، قد طُويت مع التطورات الموضوعية اللاحقة التي شهدتها ساحات الصحوة الاسلامية إجمالاً، فإن ذلك كان في مصلحة حزب الله وليس العكس. لقد جرّد الحركة من طابع ارتباطها بالخارج وزجّها مباشرة في عمق المعادلة الداخلية كفريق ينبغي أن يكون له برنامجه اللبناني والعربي والإسلامي المستقل. فهل تحقّق شيء من هذا؟ هل تحقّق على نحو يليق بفصيل كان طليعة التحرير؟
المسألة الرابعة، والأهمّ ربما، هي أنّ الحركة الشعبية في الجنوب اللبناني لا يمكن أن تظلّ مجيّرة باسم تنظيم سياسي واحد بعينه، وهي استطراداً ليست حكراً على طرف شيعي واحد بصفة امتيازية أو شبه امتيازية. إنها حركة معقدة للغاية، والعوامل التي أسهمت في بناء فرادتها تبدأ من الخصائص الإجتماعية والإقتصادية والثقافية للسكان، ولا تنتهي عند عقود احتكاكهم بالحركات السياسية والدينية (من الحزب الشيوعي اللبناني، إلى المقاومة الفلسطينية، مروراً بزعماء تاريخيين من أمثال معروف سعد والإمام الصدر)، وعقود عيشهم تحت الإحتلال الإسرائيلي ومقاومتهم له. وليس انتصار قائمة سعد ـ البزري على قائمة رفيق الحريري في صيدا العام الماضي سوى مؤشّر بليغ على انقلاب الموازين، واحتمال انقلابها أكثر فأكثر...
ونحن، مع التقدير الشديد، بعيدون كثيراً عن فورة الفرح التي جعلت الشيخ حسن نصر الله يعلن أنّ عصر هزائم العرب قد انتهى وبدأ عصر انتصاراتهم، في حين انتهى عصر الإنتصارات بالنسبة إلى الصهاينة وبدأ عصر هزائمهم. لم يكن الأمر هكذا تماماً تلك الساعة، وهو ليس هكذا الآن أيضاً، بعد قرابة خمسة أعوام على انتصار تاريخي ثمين. وللمرء أن يقول، ليس دون أسى عميق: هيهات أن يكون انتصار واحد، على أهميته الفائقة ومجيئه بعد عقود عقم طويلة، بمثابة نذير جامع مانع يختتم عصر هزائم العرب. ومن جانبي أقول، بالتقدير الشديد ذاته، إنّ بين أحدث الهزائم العربية اضطرار السيد، لأنني لا أريد الاعتقاد بأنه يتطوع، إلى هذا الطراز من مديح حاكم مستبدّ وابنه الوريث المستبدّ!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تظاهرة دمشق «الشبابية» واستئناف الهستيريا القديمة ـ المقيمة
- هويات غير قاتلة
- زائر غير منتظر في انتفاضة لبنان: رفعت الأسد
- واشنطن وحقوق الإنسان: لا عزاء للدالاي لاما و-الثورة الصفراء-
- إيهاب حسن وعذابات إدراك الأدب ما بعد الحديث
- خصال رجاء النقاش
- جمال مبارك بعد بشار الأسد: ما جديد الجمهورية الوراثية؟
- صمت بنات آوى
- دمشق إزاء اغتيال الحريري: اشتدّي أزمة تنفرجي
- موت أمريكي عاق
- شجرة فقراء الله
- فرانكنشتاين الكويت الذي ينقلب اليوم على خالقه
- قصيدة محمود قرني: غوص بالمعنى إلى قيعان الحسّ المحض
- شهادة القطرس
- سؤال الهولوكوست: مَن سيكون في غُرَف الغاز القادمة؟
- الجحيم الموعود
- بوش بين السلام الأمريكي والخلافة الجديدة
- الفولاذ أم الذاكرة؟
- محمود عباس الرئيس: أيّ فارق... أفضل؟
- أبو عنتر الشعلان


المزيد.....




- جريمة غامضة والشرطة تبحث عن الجناة.. العثور على سيارة محترقة ...
- صواريخ إيران تتحدى.. قوة جيش إسرائيل تهتز
- الدنمارك تعلن إغلاق سفارتها في العراق
- وكالة الطاقة الذرية تعرب عن قلقها من احتمال استهداف إسرائيل ...
- معلومات سرية وحساسة.. مواقع إسرائيلية رسمية تتعرض للقرصنة
- الفيضانات في تنزانيا تخلف 58 قتيلا وسط تحذيرات من استمرار هط ...
- بطائرة مسيرة.. الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال قيادي في حزب ال ...
- هجمات جديدة متبادلة بين إسرائيل وحزب الله ومقتل قيادي في الح ...
- مؤتمر باريس .. بصيص أمل في دوامة الأزمة السودانية؟
- إعلام: السعودية والإمارات رفضتا فتح مجالهما الجوي للطيران ال ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - صبحي حديدي - غلطة السيد... بألف ممّا نعدّ