مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3934 - 2012 / 12 / 7 - 15:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شك أن ما جرى أمام قصر الاتحادية كان أقرب إلى استعراض للقوة و لإثبات الاستعداد و القدرة على استخدامها أي باختصار الرغبة في مواصلة الصراع إلى أقصاه إن تطلب الأمر , كان هذا صحيحا سواء من جانب الإخوان أو من جانب الشباب الذي واجههم هناك .. إن هذا لن يكون إلا فصلا فقط في فصول لاحقة , في صراع ما زال يبحث عن شكل و نهايات يبدو أنها ما زالت بعيدة .. أرادت قيادة الإخوان إثبات استعدادها لاستخدام العنف , بالمستوى الذي يتطلبه الوضع .. كان العنف الإخواني أمام قصر الاتحادية عنفا جسديا أو باستخدام محدود جدا لسلاح متواضع , لأن الهدف المحدد هناك كان فض اعتصام عدة آلاف من المحتجين فقط و عوض الإخوان عن النوعية البدائية لتسلحهم بتفوق هائل في الأعداد البشرية .. لكن مع ذلك كشفت الاشتباكات أمام قصر الاتحادية على دوافع و هواجس متناقضة عند الطرفين المتواجهين سواء في هذه المواجهة بالتحديد أو في المواجهات القادمة بلا أي شك .. أولا أريد أن أؤكد على ضرورة الفصل بين الشباب المعارض للإخوان الذي خاض معارك الشوارع قرب قصر الاتحادية و بين ما تسمى القيادات السياسية للمعارضة المصرية التي تنتهج سياسة مهادنة نسبيا مما جعلها عمليا خارج التحكم بتلك المواجهة و سيؤدي إلى استبعادها عمليا من الصراع الذي يجري على الأرض .. باختصار لا تملك تلك القيادات ( البرادعي , صباحي و غيرهم ) أي خيال ثوري و لا استعداد للمضي في طريق ثوري حقيقي يسمح لها بأن توازن الرغبة الجارفة عند الإخوان في السيطرة على البلاد , إن المبدأ الأول في أي صراع يقول أن الطرف الأكثر تصميما و استعداد للمضي فيها هو صاحب الحظ الأكبر بالنصر , هذا لا ينطبق على ما تسمى بالمعارضة السياسية لنظام مرسي .. ثانيا , نظام مرسي المشار إليه هو نظام في حالة تشكل و خلق و قد تكون المعارك القادمة هي الأهم في عملية تشكله هذه .. من الواضح أن مؤسسات النظام القديم القمعية ( الجيش و الشرطة ) التي ما تزال وفية لمصالحها و ليس لسادتها السابقين كما يحلو للبعض أن يقول , هي ضد ولادة هذا النظام لكنها لن تشكل أيضا أية معارضة جدية له , إنها تعول على ما تملكه من قوة لا قبل للإخوان بها أولا و ربما على تفاهمات ما مع قيادات الإخوان أو أمريكا لتحافظ على الجزء الأهم من هذه المصالح بعيدا عن التأثر بقيام و تشكل نظام مرسي أو نظام الإخوان .. إذا انتقلنا إلى دلالات العنف الإخواني عند قصر الاتحادية يمكن القول أن العنف الذي مارسه الإخوان أمام قصر الاتحادية هو أكثر بكثير من مجرد عنف ضروري للوصول إلى السلطة , إنه يكشف عن سيكولوجيا الإخوان قيادات و جماعة , إنه يكشف عن عقدتها كأقلية جيدة التماسك و التنظيم و شديدة الطموح لكنها في نفس الوقت تنظر دائما بشك و ارتياب و خوف إلى الأكثرية التي تحيط بها و القادرة دائما على هزيمتها و استئصالها , هذه العقدة توجد أيضا عند أية أقلية تحمل نفس المواصفات و نفس المشروع .. قيل الكثير مؤخرا في سياق تفسير القمع الهمجي لنظام الأسد عن الهاجس الوجودي الذي يحكم تفكير الأقليات , الطائفية في الحالة السورية .. لا شك أن وجود هذا الهاجس ذا تأثير هائل في موقف كثير من أبناء الأقليات الدينية و الطائفية من النظام و الثورة في سوريا , لكن إذا مضينا بهذا التحليل أكثر فإنه يكشف لنا أن الإسلاميين أنفسهم هم أهم أقلية يتحكم هذا الهاجس بتفكيرها و تصرفاتها .. يجب ألا يخدعنا انتماءهم لطائفة أو دين الأكثرية , فهذه الأكثرية كانت محل نقدهم الأعنف و هي مصدر خشيتهم الأكبر و سيبقى تكريس سيطرتهم عليها هاجسهم الدائم , في الحقيقة يتمحور كل مشروع الإخوان حول إعادة إنتاج هذه الأكثرية بشكل يضمن سيطرتهم عليها و من خلالها على المجتمع ككل .. الحقيقة أن أي مشروع سيطرة أقلية على المجتمع محكوم دائما بهذا الهاجس الوجودي , إذا فشلت الأقلية في تكريس سيطرتها على الأكثرية و الاحتفاظ بها بكل الوسائل الممكنة فإن مصيرها سيكون محتوما .. لا توجد في تاريخنا الحديث أقلية على درجة عالية من التماسك الداخلي تعرضت في نفس الوقت على مدى عقود لقمع و اضطهاد عنيفين و استئصاليين بينما كانت غالبية المجتمع تكتفي بالتفرج كما جرى لقوى الإسلام السياسي .. لا شك أن هذا يفاقم هذا الهاجس الوجودي الذي يدفعها للقتال ضد خصومها أو من تتوهم أنهم خصومها حتى النهاية و ألا تقبل من محيطها أي شيء أقل من الخضوع الكامل , إن أية معارضة داخل هذه المحيط تكفي لتستثير عندها عنفا غريزيا منفلتا رهابي الطابع .. قد يمكن القول بأن الهاجس الوجودي عند كثير من علويي سوريا و مسيحييها يقوم على وهم عمل النظام على تكريسه في وعيهم بغرض أن يتماهى هؤلاء بالنظام الذي لا يمثلهم في الواقع بل استغلهم و قمعهم و همشهم كغيرهم من السوريين .. لا يمكن للنظام إنتاج مثل هذا التماهي بزعمه أنه يمثل العلويين أو الأقليات الطائفية في سوريا لأن هذا غير واقعي و مستحيل بالتالي , إنه ينتجه بمحاولة أن يؤكد لهم أنه هو من يحميهم من خطر وجودي محدق و حقيقي .. ينتج هذا فقط من خلال الشعور العالي بالانتماء لأقلية ما إلى جانب الشعور الدائم بالتهديد من محيط غير ودي أو قد يصبح معاديا في أي وقت .. يتساوى هنا أن تصف هؤلاء الخصوم بأنهم كفار أو مرتدين أو فسقة أو بالعكس تكفيريين و عراعرة الخ .. تاريخيا كانت ممارسة هذه الأقلية ( الإخوان ) للتكفير في مواجهة محيطها و وصفه بالجاهلية تعبيرا عن هذه السيكولوجيا التي تكشفت مرة أخرى في العنف الذي مارسوه عند قصر الاتحادية .. دستور الإخوان نفسه هو تعبير صارخ عن هذه العقدة الأقلوية أو الهاجس الوجودي الأقلوي .. يفترض بعد ثورة شعبية قامت بها جموع من البشر الغاضبين من تهميشهم السياسي و من نهب بلادهم , أن يمثل الدستور التالي لهذه الثورة على الأقل تقدما بالنسبة للوضع السياسي ما قبلها , لكن دستور مرسي ليس إلا إعادة لصياغة و قوننة منظومة القمع السياسي و العقيدي و الأمني بما يتناسب مع مشروع الإخوان المسلمين , إنه في الحقيقة إعلانا لديكتاتورية أقلية باسم الدين حراسها هم الإخوان .. خلافا للفكرة المركزية في الحرية الإنسانية التي تقول أن وظيفة الدولة أو التنظيم السياسي للمجتمع هو تحقيق مصالح أفراده و إشباعها , يذهب دستور الإخوان كما كان الحال في كل الدساتير المصرية السابقة , إلى أن الدفاع عن الهوية كما يفهمها الإخوان و فرض هذه الهوية هو هدف السلطة الفعلي .. من الوهم القول بأن هذا المنطق يستهدف الأقليات أساسا , هذا يهدف أولا لإخضاع الأكثرية نفسها .. يقوم الدستور و كل مشروع الإخوان السياسي على ربط هذه الهوية الواحدة للشعب المصري بهم مباشرة , و بالإصرار على ضرورة فرض هذه الهوية بالقسر و "الدفاع" عنها كحدود إلزامية للمجتمع , هكذا تخلق الأقلية ظروف هيمنتها على الأكثرية و ليس وهم تمثيلها لهذه الأكثرية .. لا يمكن للأقلية أن تثق أبدا بالشعب أو بالأكثرية , إنها ستحتفظ لنفسها بكل شيء ضروري لتستخدمه عند اللزوم ضد هذه الأكثرية إذا قررت يوما الخروج على سيطرتها و في الأوقات الأقل ثورية سيلعب عنف الأقلية الكامن و دستورية أو شرعية احتكارها للعنف و القمع دورا وقائيا ضد انتشار أفكار التمرد و العصيان بين تلك الأكثرية .. ما يفعله دستور مرسي هو منح هذه الأقلية هذا الحق الدائم في تكبيل الأكثرية و قمعها بكل شيء ضروري عند اللزوم .. أما الطرف الآخر في المواجهة , أي الشباب الذين دخلوا معترك السياسة من بابها الأوسع : الثورة , فدافعهم للمواجهة و الرد العنيف على محاولات الإخوان سرقة الثورة مختلف تماما .. أمام قصر الاتحادية كنت إلى جانب جيل جديد مختلف تماما , صحيح أن الجميع يحاول "كسبه" أو تدجينه لصالحه , لكن من دون أن يكون أيا منهم مستعد ليقدم لهذا الجيل و لو شيئا مما يريده : حياة كريمة و حرة , و ربما تكون الحرية هي الأهم عند كثير من هؤلاء الشباب , و هذا أخطر ما في الموضوع على المؤسسة الحاكمة في مصر و بقية المجتمعات العربية اليوم أيا كان رأسها .. طبعا لا يستطيع أي إنسان أن يصادر ظاهرة بهذا الاتساع و التنوع و يحاول تنميطها في إطار يناسب ما يعتقده , لكن منطق كثير من الشباب الذين رايتهم و هم يخوضوا معارك الشوارع قرب الاتحادية كان يقول أن الحرية ليست شيئا يعطى بل حق ينتزع و لا يبقى إلا بالاستعداد الدائم للنضال في سبيله , الأمر الذي أتفق معه تماما .. كان لسان حال هؤلاء الشباب يقول : ابحثوا عن حقنا في العيش بحرية في دساتيركم أو فلسفاتكم أو أديانكم , في كتبكم المقدسة أو تحليلاتكم السياسية و السيوسيولوجية و السيكولوجية الخ الخ , حيث شئتم , لكن هذه مشكلتكم , أن تجدوا مثل هذا التبرير لأن نعيش أحرارا أو لا هذا لن يغير شيئا على الإطلاق , إن حقهم في الحرية ينبع من إصرارهم على انتزاعها و ليس من أي تبرير لها قد يوجد في هذا الكتاب أو ذاك أو قدمه هذا الشخص أو ذاك .. كما أن طريقة ممارستهم لتلك الحرية لن يقرره أحد سواهم , لا دساتير و لا قوانين يضعها البعض و لا غيرها , سيستمرون في النضال في الشارع ما دامت حريتهم تلك لم تصبح واقعا , سيناضلون ضد كل من يهددها أو يرغب بالسيطرة عليهم , إنهم لا يعترفون لا بلعب ديمقراطية و لا بغيرها , على عكس النخب التي تحتاج إلى تلك الألاعيب لتسيطر عليهم , هذه الألاعيب لا تعنيهم , إذا كانت ستعني أن يعيشوا بحرية فحسنا و إلا فلتذهب و كل شيء يقف في طريق حريتهم إلى الجحيم .. هؤلاء الشباب لم يكونوا هناك لإسقاط إعلان دستوري أو دستور يكرس هيمنة أقلية ما على المجتمع , بل كانوا هناك ليقاتلوا في سبيل حريتهم , و حريتهم فقط و لا شيء آخر , لإسقاط اية هيمنة على الإطلاق .. و كل شيء في هذا العالم يخضع لذلك الشرط الصارم : إما أن يتماشى مع حريتنا أو فليذهب إلى الجحيم ..
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟