أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - إلغاء الإعلان الدستورى إلغاء مشروع الدستور مقاطعة الاستفتاء.. وليس التصويت ب -لا- إسقاط الرئيس الحاكم بأمر المرشد















المزيد.....


إلغاء الإعلان الدستورى إلغاء مشروع الدستور مقاطعة الاستفتاء.. وليس التصويت ب -لا- إسقاط الرئيس الحاكم بأمر المرشد


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 3933 - 2012 / 12 / 6 - 14:43
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


إلغاء الإعلان الدستورى
إلغاء مشروع الدستور
مقاطعة الاستفتاء.. وليس التصويت ب "لا"
إسقاط الرئيس الحاكم بأمر المرشد
1: تقوم أحزاب وقوى سياسية ليبرالية، فى سياق بحثها عن مخرج من مأزق الإعلان الدستورى والاستفتاء على مشروع الدستور، بالترويج لحلول وسط "معتدلة" فى سبيل تجاوز هذا المأزق واستعادة وحدة مزعومة للصف "الوطنى"، أىْ مع الإخوان المسلمين على رأس الإسلام السياسى. وفيما يتعلق بالإعلان الدستورى الجديد يجرى الترويج للابتعاد عن أخذه كحزمة واحدة نرفضها ككل أو نقبلها ككل إلى موقف نقبل فيه بنديْن من بنوده يُقال لنا إنهما من صميم أهداف قوى الثورة وهما إعادة محاكمة مبارك ورجاله (المادة الأولى) وإقالة النائب العام عبد المجيد محمود (المادة الثالثة). ويُقال لنا إنه باقتصار الإعلان عليهما وبالتراجع عن المواد الأربع الأخرى سيكون الإعلان الدستورى محققا لهدفيْن مهميْن من أهداف الثورة مع تنقيته من كل ما يمكن النظر إليه على أنه هدم للسلطة القضائية وإضافة سلطات رئاسية يمكن النظر إليها على أنها بمثابة فرض لحالة الطوارئ مع التفاف مكشوف حول قانون الطوارئ المرفوض شعبيا. ويروِّج نائب الرئيس المستشار محمود مكى لحِيلة بارعة حقا تتمثل فى التوقيع على وثيقة توافقية مكتوبة تشتمل على نصوص مواد دستورية بديلة قبل التصويت فى استفتاء الدستور، بحيث يجرى إحلالها محل موادَّ دستورية واردة فى المشروع الحالى، مع التمسك الصارم بإجراء الاستفتاء فى موعده الذى لا تراجُع عنه. وكل هذا لحفظ ماء وجه رئيس الجمهورية وحفاظا على كرامته حتى إنْ كان هذا ينطوى على إهدار صارخ لكرامة الشعب التى لا يفكر فيه وفى كرامته أحد حتى من زعامات القوى السياسية التى تروِّج لمثل هذه الحلول الوسط المتخاذلة.
2: والحقيقة أن هذا الحل الوسط قد يحفظ ماء وجه الرئيس الذى يصرّ على كل حال إلى الآن على التمسك بمواد الإعلان كحزمة لا تراجع عنها؛ غير أنه لا يقوم على أساس متين أو منطق سليم. ذلك أن كل مواد هذه الحزمة، المرفوضة شعبيا، لها هدف واحد هو توجيه ضربة قاصمة إلى السلطة القضائية مع الاعتذار بأنها هذه الضربة حالة مؤقتة على كل حال تمهيدا لتقويضها وإخضاعها لرئيس الجمهورية على رأس السلطة التنفيذية كما يتضح من مشروع الدستور المطروح الآن للاستفتاء العاجل. ويُقال لنا إن الرئيس فى عجلة من أمره إلى هذا الحد مدفوعا برغبة سامية نبيلة فى أن يردّ إلى مجلس نيابى منتخب سلطة التشريع التى آلت إليه على أساس إعلان دستورى رئاسى سابق أصدره بنفسه فى 12 سپتمبر الماضى. إنه يريد التعجيل بإقرار دستور يتمّ على أساسه انتخاب مجلس نيابى يقوم بالمهام الطبيعية لسلطة تشريعية منتخبة. وعلى هذا النحو يبادر الرئيس الذى تمّ انتخابه رئيسا للجمهورية ليس على أساس دستور، بل على أساس مجرد الإعلان الدستورى التأسيسى (30 مارس 2011) الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولم يُطرح حتى لاستفتاء، وأضاف إليه إعلانٌ دستورى آخر أصدره بنفسه كما سبق القول سلطة التشريع، ويُقال لنا إنه كرئيس ديمقراطى ممثل للثورة لا يريد الجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وإنه لذلك مضطر إلى السيطرة المحكمة على السلطة الثالثة أىْ القضاء جامعًا بين يديه كل سلطات الدولة مؤقتا، لمجرد تيسير إصدار الدستور وبالتالى انتخاب السلطة التشريعية (مجلس الشعب)، وإن هذا سيؤدى إلى تحرير السلطة القضائية من هيمنته المؤقتة عليها، وبالطبع فإن مشروع الدستور يوضح إلى أىّ حد ستكون السلطة القضائية تابعة له. ومن المحتمل أن ديكتاتورية الرئيس لا تصدر عن طبع شخصى بالضرورة، بقدر ما تُمليها وظيفته المتمثلة فى "تمكين" الجماعة فى الأرض.
3: وإذا تأملنا قليلا فى المواد الست فإننا نقف بسهولة على حقيقة أن نَصْلَها الحادّ موجَّه إلى القضاء والقضاة والسلطة القضائية؛ وهو الأمر الذى ردّ عليه القضاة بثورة شاملة عارمة ضد الإعلان الدستورى وضد مشروع الدستور وضد الإشراف القضائى على الاستفتاء عليه. ذلك أن تقويض القضاء هو جوهر المواد الست جميعا؛ الأمر الذى يمنحه كل السلطات اللازمة للاستبداد والطغيان وبالتالى الفساد المالى والإدارى. فالمادة الثانية تنص على أن "الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة نهائية ونافذة بذاتها وغير قابلة للطعن عليها بأىّ طريق، ولا يجوز التعرُّض لقرارات الرئيس بوقف التنفيذ أو الإلغاء من قبل أىّ جهة قضائية" (وهكذا جرى تحصين ممارساته القانونية وغير القانونية منذ تولِّيه وفى الوقت الحالى وفى المستقبل من كل مراجعة قضائية أو غير قضائية فهى غير قابلة حتى لمجرد الطعن أو التعرُّض). وتنص المادة الخامسة على أنه "لا يجوز لأىّ هيئة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية"، وهذا لتحصينهما ضد أحكام قضائية محتملة، حيث تمثل هذه الجمعية الإخوانية السلفية بغالبيتها أداة إعداد الدستور الملائم للعهد الإخوانى الجديد، على حين يمثل مجلس الشورى أداة طيعة مزدوجة الوظيفة كما يتضح من مشروع الدستور الذى يجعله مجلسا له سلطة تشريعية للمرة الأولى منذ قيام السادات بفرضه دون وظيفة تشريعية؛ بحيث يكون قادرا على التشريع بأغلبيته الإخوانية الساحقة فى حالة غياب مجلس "النواب"، وقادرا على تعطيل قرارات مجلس "النواب" فى حالة عدم تحقيق أغلبية إخوانية فيه.
4: كذلك فإن المادة الأولى (إعادة محاكمة مبارك ورجاله)، وإنْ كانت تبدو استجابة لهدف من أهداف قوى الثورة، رغم أنها مقصودة لتمرير الإعلان الدستورى ليس إلا، هجومٌ مباشر على قانون الإجراءات الجنائية، وهو بالتالى عدوان صارخ على القانون (السلطة التشريعية) والقضاء الذى أصدر أحكامه فى القضايا المعنية. والمادة الثالثة (إقالة النائب العام وبالتالى تعيين نائب عام جديد) عدوان مزدوج على القضاء بالإقالة ثم بالتعيين. ولا شك فى أن الهدف الثورى المتمثل فى محاكمة مبارك ورجاله على سياسات وتطبيقات وجرائم عهده يختلف تماما عن محاكمات قانون العسكر وعن محاكمات قانون الإخوان المسلمين، كما أن أمر النائب السابق واللاحق إنما يقرره القضاء بلا منازع، ما دمنا نتحدث فى الحالين عن شرعيتهم الدستورية والقانونية التى يتحصنون بأحكامها وأوهامها وليس بشرعية ثورية.
5: أما المادة الرابعة (مدّ عمل جمعية الدستور شهرين) فإنها قد تبدو "زائدة على اللزوم"، كما يُقال، بعد أن أنجزت الجمعية المذكورة ما هو مطلوب منها فى يومين، من خلال تصويتها الماراثونى الهزلى. غير أن المهم هنا هو أن هذه المادة أيضا اغتصاب للسلطة التشريعية وانقضاض على القضاء الذى ينظر قانونية تشكيل الجمعية التأسيسية؛ وكانت جماهير الإخوان المسلمين والإسلام السياسى هى التى حاصرت المحكمة الدستورية العليا ومنعتها من نظر الطعن على دستورية تشكيل الجمعية.
6: وتنص المادة السادسة على أن "للرئيس أن يتخذ يتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية البلاد وحماية أهداف الثورة"، وهى تقوم، فى التفاف واضح على فرض قانون الطوارئ، بتحصين "الإجراءات والتدابير" التى يتخذها الرئيس من أىّ طعن أو تعرُّض من أىّ نوع أو رقابة. وعن طريق إقصاء القضاء، تقوم السلطة التنفيذية بفرض قانون الطوارئ وحالة الطوارئ تفاديا لإصدار قانون جديد للطوارئ حاول وزير العدل المستشار أحمد مكى سلقه لتمرير فرضه باعتباره أفضل من القانون الحالى الذى اضطر المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى رفع حالته مع بقائه كقانون.
7: وكما سبق القول فقد أطلق الإعلان الدستورى ثورة عارمة واسعة النطاق بين رجال القضاء من قضاة ومحامين ووكلاء نيابة فى القاهرة ومختلف محافظات مصر، كما أطلقت ثورة جماهيرية كبرى لا نظير لها منذ ثورة يناير، وجذبت هذه الثورة إلى صفوفها قوى نقابية عمالية وفلاحية ومهنية؛ ومع الدعوة إلى الاستفتاء انضمّ إليها حتى الدپلوماسيون المصريون فى الخارج، والصحافة "المستقلة" والحزبية والفضائيات الخاصة، واتسع نطاق المظاهرات والمليونيات والمسيرات والاعتصامات والإضرابات وحتى الاتجاه بالتدريج إلى الإضراب العام والعصيان المدنى. ويتطور الصراع السياسى بسرعة مذهلة متخذا شكل الاحتجاج السياسى الجماهيرى السلمى من جانب القوى الثورية واليسارية والديمقراطية والليبرالية والشكل الجماهيرى من جانب الإسلام السياسى بميليشياته وبلطجيته الإخوانية، التى تنقض الآن على اعتصام القوى السياسية فى محيط قصر الاتحدية الرئاسى، بخناجرها وسكاكينها وسنجها وسيوفها وخراطيشها وأسلحتها النارية، فتُوقع قتلى وجرحى، فى بداية مشؤومة فى اتجاه الأسوأ. ويصل الاستقطاب والانقسام والاشتباك شيئا فشيئا إلى مستويات مرتفعة متصاعدة.
8: وتتعدد السيناريوهات المحتملة لتطور هذا الصراع السياسى الجماهيرى باشتباكاته المسلحة؛ وتتجه المخاوف نحو احتمال الانزلاق التدريجى إلى الحرب الأهلية، فيما ينعقد أملٌ مراوغ على إمكانية تفادى الحرب الأهلية. كما أن هذه السيناريوهات تستبعد أو لا تستبعد تدخلات ومواقف شتى من جانب مؤسسات أو جهات وقوى محلية وعربية وعالمية. ولا يتسع المجال هنا لتحليل لمخاوف اندلاع حرب أهلية أو للآمال فى تفاديها. ويمكن الاكتفاء هنا بإشارات قليلة موجزة. فقد أدى تحالف العسكر مع الإخوان المسلمين والسلفيِّين باعتبار هؤلاء وأولئك رأسىْ الحربة فى صراع الثورة المضادة التى تمثل الطبقة الرأسمالية التابعة الحاكمة ضد الثورة السياسية الشعبية إلى تعريض الشعب لدفع ثمن باهظ يتمثل فى احتمال معاناة ويلات دولة دينية بكل جبروتها وربما ويلات حرب أهلية. وصار من الجلى أن الثورة مستمرة وأن الطبقة العاملة والجماهير الشعبية والفقيرة لن تسلَّم بقيام الدولة الدينية الاستغلالية الاستبدادية المتسلحة بالإسلام كدين للدولة وباعتبار مبادئه المصدر الرئيسى للتشريع، وبالتالى فإنها تبدو غير مستعدة للتراجع عن أهداف ثورتها. كما تدرك أقسام واسعة من الرأسمالية المصرية رغم تخلفها و تبعيتها خصائص الحكم الدينى الإخوانى غير الملائمة لمصالحها وحياتها وعلاقاتها العالمية والدولية فى مختلف المجالات. ورغم الطابع المهادن للقوى السياسية التى تمثل هذه الأقسام من الطبقة الحاكمة ورغم الحلول الوسط المتخاذلة التى تروِّج لها حاليا وتميل إليها فى أكثر الأحيان فإنها ترث تاريخا طويلا من العداء للإخوان المسلمين وتُفْزِعها سياساتهم وممارساتهم الحالية القائمة على نصيب الأسد من الكعكة المتآكلة بفعل الأزمة الاقتصادية المحلية والعالمية. أما الإسلام السياسى فإن ممارساته جميعا تكشف عن عدم الاستعداد للتراجع عن تسريع السيطرة والهيمنة و"التكويش" و"التمكين".
9: وهذا الموقف المتحجر غير المستعد للتنازلات أو التراجع من جانب الإسلام السياسى منطقى للغاية ومفهوم للغاية، بعد انتظار طال أمده عقودا للانقضاض على السلطة بكل الأوهام الأيديولوچية الدينية السياسية، وبكل المصالح والمغانم الاقتصادية للأقسام التى يمثلها من الطبقة الرأسمالية التابعة للإمپريالية. وهنا يدور صراع بين إرادتين لقوتين عنيدتين كبيرتين: بين الثورة والثورة المضادة التى يمثل الإسلام السياسى قسما أساسيا من أقسامها. على أن القطاعات "الإسلامية السياسية" من الطبقة الرأسمالية الكبيرة ليست "كل" الطبقة وليست "كل" الثورة المضادة. ورغم أن الانقلاب العسكرى مرفوض شعبيا بعد انقشاع الأوهام الشعبية عن الجيش المصرى، ورغم أنه مرفوض دوليا فى عالم اليوم ولا يسهل بيعه أو بلعه، فإن المؤسسة العسكرية المصرية التى ما تزال تنعقد عليها ثقة الرأسمالية العالمية، وحتى الرجعية العربية، والتى ما تزال الممثل الموثوق لأوسع قطاعات الرأسمالية المصرية وقواها الليبرالية والحارس الأمين على مصالحها وليس على مجرد ما يسمى بالخروج الآمن لقياداتها وفقا لتصورات تحليلية مبتذلة، والتى تدرك جيدا أن الحرب الأهلية يمكن أن تعصف بالطبقة الرأسمالية الحاكمة ودولتها وسلطتها ونظامها، يمكن أن تلعب دورا حاسما لمواصلة تفادى الحرب الأهلية المدمرة. وبالطبع فإن خيار الحرب الأهلية ليس الخيار الأفضل فى رؤية الإخوان المسلمين وباقى أطراف الإسلام السياسى، بل إنهم يدركون تماما أنها كارثة، ليس فقط كما يفهمون من تاريخ الحروب الأهلية بل كما يرون حولهم فى بلدين على الأقل من بلدان ما يسمى بالربيع العربى.
10: ومع هذا فإن الانزلاق، رغم كل الروادع، نحو حرب أهلية لا تُبقى ولا تذر خطر وارد ولا يمكن استبعاده تماما. وإذا استطاع الإخوان والسلفيون، لا قدَّر الله، إخضاع الشعب وثورته عن طريق تصفية الثورة فإن هذا الشعب يعلم أبعاد المعاناة الكارثية التى سيكون وقودُها الناس والحجارة تحت الأحذية الدينية الفاشية. أما تراجُعهم، وإنْ كانوا يتحجَّرون، فهو خيارهم الأفضل حفاظا على مصالحهم فى الوجود السياسى والاقتصادى فى مصر فى المستقبل، على حين أن إسقاطهم فى سياق حرب أهلية سوف يعنى هلاكهم بين الهالكين وربما أكثر من الهالكين جميعا. ويبدو أن مصر، حتى إنْ تفادت الحرب الأهلية، قد تكون على موعد مع موجة جديدة كبرى من الإرهاب الجهادى الذى نرى بوادره بوضوح فى شبه جزيرة سيناء التى تتدهور نحو الصوملة الجهادية العاجلة التى بدأت منذ عهد مبارك وتفاقمت مع بداية عهد الرئيس الحاكم بأمر مرشد جماعة الإخوان المسلمين.
11: ونعود إلى الموقف المطلوب إزاء حكم الإخوان المسلمين، بعد أن تخطت الانقسامات والصدامات والاشتباكات التى ينظمونها خطوطا حمراء خطا بعد خط، ليس كمجرد قوى سياسية متصارعة مع غيرها، بل كميليشيات تعتمد عليها رئاسة الجمهورية كأدوات مباشرة جاهزة فى أيديها تمدُّها الجماعة بها دون تفكير عميق فى العواقب الوخيمة التى لن تدَّخر الجماعة أيضا. وأمام هذه المخاطر تتجه قوى سياسية إلى إظهار رغبتها الصادقة المتخاذلة وحتى المتواطئة بالنسبة لبعضها بحكم علاقات عضوية أو جبهوية سابقة مع زعم أن قوى الإسلام السياسى قوى ثورية شاركت فى ثورة يناير ووقفت جنبا إلى جنب وكتفا إلى كتف و"إيد واحدة" مع باقى قوى الثورة فى تلك الأيام المجيدة، متجاهلين أن الوقوف فى نفس المكان مع ترديد نفس الشعارات لا ينفى أن الغايات والأهداف المتعارضة التى فى النفوس والصدور والأرواح والعقول انطلاقا من تناقض المصالح، وليس مجرد التجاور المكانى، هى الفيصل فى تحديد حقيقة الوحدة بين قوى فى ميدان واحد أو فى خندق واحد فى إحدى اللحظات. ويمثل هذا وحده معيار تمييز ما يفرِّق بينهم رغم المكان الذى يجمعهم. والحقيقة أن قوى سياسية وحتى ثورية أو ثائرة كثيرة ساعدت فى تمكين العسكر فى مرحلة وفى احتضان الإخوان وتقوية شوكتهما وإنجاحهم فى الاتجاه نحو السيطرة والتمكين فى مرحلة تالية، بحكم مواقفهم المهادنة والمتخاذلة. ولا ينبغى أن تسمح القوى الحقيقية للثورة لزعامات ليبرالية وقومية وحتى يسارية بل حتى لزعامات من الثوار بأن تلعب هذا الدور من جديد. والحقيقة أن المواقف الحازمة من جانب قوى الثورة ضد قوى الثورة المضادة، وعلى رأسها الآن الدُّعاة الصريحون والمتنكرون للدولة الدينية أو للدولة ذات المرجعية الإسلامية، هى الكفيلة حتى بجعل الأمل فى تفادى الحرب الأهلية حقيقة واقعة.
12: ويحتاج مشروع الدستور الجديد الذى جرى إعداده بليل والمطروح للاستفتاء "هنا والآن"، بأبوابه الخمسة، وفصوله العشرين، ومواده المائتين وست وثلاثين، إلى تحليل تفصيلى معمَّق لا يتسع له المجال هنا، إلا أن طابعه الاستبدادى يقوم على التغوُّل الدستورى للسلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية وإحكام إخضاع السلطة القضائية لرئيس الجمهورية على رأس السلطة التنفيذية، كما يمنح حق استمرار الرئيس الحالى رئيسا للجمهورية لمدة أربع سنوات كاملة رغم إقرار دستور لم يتمّ انتخابه على أساسه فى تمسُّك سافر بالكرسى الرئاسى، بحجة أن الشعب اختاره ولا وقت نضيِّعه على الانتخابات المتواصلة. وذلك بعد الاتجاه بلا تردد نحو إقرار مشروع الدستور للنظام الرئاسى فى الحكم، وهو ما روَّج له كثيرون من النخبة الفكرية والسياسية من عَبَدَة عقيدة الرئيس "القوى" للدولة "خاصة فى هذه المرحلة الدقيقة"، كما كانوا يبررون، وكأن ثلاثة عهود من الرؤساء الأقوياء فى مصر لم تُثْبِت أن الرئيس القوى، المستبد العادل الذى لا يكون عادلا مطلقا، قاد مصر فى كل هذه العهود إلى الحالة المتدهورة التى ثار ضدها الشعب. ومشروع دستورنا، مثل وحتى أكثر من دستور السادات، دستور طائفى يقوم على التمييز بين المواطنين على أساس الدين والجنس فيقسِّمهم ويمزقهم كأمة وكشعب، ويمنح للرئيس سلطات استبدادية وسلطوية وديكتاتورية تفتح الأبواب واسعة نحو الفساد المالى والإدارى، بحكم تبعية السلطة القضائية والأجهزة والجهات الرقابية لرئيس الجمهورية، وسيطرة الفقر والجهل والمرض كشروط اجتماعية ثقافية عامة تطعن فى مصداقية كل الانتخابات العامة الپرلمانية والرئاسية والاستفتاءات فى مصر، ومما يدعو للسخرية أن يتباهى أنصار الرئيس بأنه أول رئيس مدنى منتخب فى انتخابات حرة نزيهة، وكأن مثل هذه الانتخابات ممكنة فى مصر، وكأن انتخابات أنزه فى ألمانيا فى الثلاثينات لم تؤدِّ إلى صعود هتلر والحكم النازى الذى تواصل اثنى عشر عاما.
13: وبالتالى فإن الأهداف المطروحة فى المدى المباشر هى إلغاء الإعلان الدستورى بكامله وكذلك ذيوله المتمثلة فيما يسمَّى بقانون حماية الثورة، وفى تعديل قانون النقابات العمالية 35 لسنة 1976، وإلغاء الاستفتاء على الدستور، وسحب مشروعه، ومقاطعة الاستفتاء وليس التصويت بلا، كما ينادى كثيرون. وينبغى أن يكون التركيز الرئيسى على الفعل الثورى المتمثل فى الإطاحة بحكم محمد مرسى وحزبه وجماعته، وعلى بناء مؤسسات الديمقراطية الشعبية فى مجرى هذا الفعل الثورى الذى يشمل أيضا مختلف الاحتجاجات الرامية إلى انتزاع الحقوق والحريات وأدوات النضال الحزبية والنقابية وحقوق التظاهر والاعتصام والإضراب والأجور العادلة المرتبطة بالأسعار والتأمين الصحى الشامل والتعليم المجانى الجيد والصحافة المستقلة واستقلال القضاء.
14: والحقيقة أن حكم الرئيس محمد مرسى قد سقط شعبيا بصورة نهائية بعد كل جرائمه هو وحزبه وجماعته وحلفائهم فى سياق تحالفهم مع المجلس الأعلى قبل وبعد الانتخابات الرئاسية، غير أن إسقاطه الفعلى الرسمى سيتقرر فى مجرى الصراع السياسى الراهن. ومع احتدام هذا الصراع مع الإخوان المسلمين والسلفيِّين والاشتباك فى مناطق شتى فى العاصمة والمحافظات مع ميليشياتهم، ومع شعارات المطالبة الشعبية بإسقاط حكم المرشد وحكم الرئيس الحاكم بأمر المرشد، يبرز سؤال إلى مَنْ تذهب السلطة فى حالة نجاح الثورة فى إسقاط النظام الحالى؟ والرد البديهى على مثل هذا السؤال هو أن القوى التى سوف تنجح فى إسقاط الرئيس الحاكم بأمر المرشد، بأوزانها وقدراتها وطاقاتها النسبية المختلفة، بحكم أولوية عليا للإطاحة بالدولة الدينية الناشئة وحلّ جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الأخرى وحلّ الأحزاب ذات المرجعية الدينية بوصفها أدوات تأسيس الدولة الدينية، هى التى سوف تحكم، بالاستناد إلى قوتها المادية الفعلية على الأرض من خلال مجلس رئاسى مدنى مؤقت وحكومة مؤقتة يستبعدان مشاركة الإخوان المسلمين والسلفيِّين فى الحكم، كما يستبعدان عودة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى الحكم. وتبقى بالطبع قضية مشاركة أو عدم مشاركة القوى الثورية فى مثل هذا الحكم قابلة للمناقشة وفقا للتحليل العينى للواقع العينى ساعتها. كما تبقى مسألة المحاسبة الثورية التى لا مناص منها للرئيس السابق مبارك ورجاله ولخلفائه من قادة الجيش والإخوان المسلمين. 6 نوڤمبر 2012



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسقط حكم المرشد.. والتراجع كارثة
- الكتب معرفة ومتعة - الجزء الثانى
- الكتب معرفة ومتعة - كتاب إلكترونى 1
- ادوار الخراط وإبراهيم أصلان وجمال الغيطانى مقال عن مجموعة قص ...
- عملية -عَمُود السَّحَاب- وأقدار مصر وسيناء وغزة بقلم: خليل ك ...
- روبرت ڤالزر (مقالان: 1: سوزان سونتاج، 2: كريستوفر ميدل ...
- كتاب سيد عويس: التاريخ الذى أحمله على ظهرى
- غزة وما بعد غزة
- بعيدا عن تأسيسية الدستور ودستور التأسيسية ضرورة الإطاحة السل ...
- كيف كتب دوستويڤسكى رواية الجريمة والعقاب؟ -إعادة قراءة ...
- مارسيل پروست (مقالان: مقال: أناتولى لوناتشارسكى، ومقال: أندر ...
- مصر وبلاد النوبة تأليف: والتر إمرى، ترجمة: تحفة حندوسة مقدمة ...
- مصير العالم الثالث تحليل ونتائج وتوقعات توما كوترو و ميشيل إ ...
- الأساطير والميثولوچيات السياسية(1) راؤول چيرارديه عرض: خليل ...
- تفسير الرئيس المصرى الدكتور محمد مرسى لآية الله والعلماء
- زيارة جديدة إلى -مزرعة الحيوانات- رواية -مزرعة الحيوانات- چو ...
- عوالم عديدة مفقودة
- الشرف والغضب لا يكفيان [مراجعة لكتاب: نعوم تشومسكى:-الحيلولة ...
- الكتب معرفة ومتعة - الجزء الأول
- حول الأسلوب فى السينما - أندريه بازان


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - إلغاء الإعلان الدستورى إلغاء مشروع الدستور مقاطعة الاستفتاء.. وليس التصويت ب -لا- إسقاط الرئيس الحاكم بأمر المرشد