أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - تامر وجيه - لماذا أرفض هذا الدستور؟















المزيد.....

لماذا أرفض هذا الدستور؟


تامر وجيه

الحوار المتمدن-العدد: 3932 - 2012 / 12 / 5 - 09:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


بعد قراءة متأنية للمسودة النهائية للدستور المصري الجديد أصبحت على يقين أن هذا الدستور لا يستجيب للحد الأدنى من أمنيات الجماهير المصرية التي دفعت دماء الآلاف من أبنائها طلبًا للعدل والحرية خلال العامين المنصرمين.

وأنا لا أظن أن أفضل أسلوب لنقد الدستور هو التقاط مواده، مادة وراء مادة، ونقدها منفردة. فهذا الأسلوب، رغم فائدة التفصيل غير المنكورة، يخفي أكثر مما يظهر.

فأنا، وإن كنت أوافق على أن مسودة الدستور وثيقة تعكس قدرًا كبيرًا من عدم الكفاءة لدى كاتبيها وأنها يعوزها التماسك، إلا أنني مازلت أظن أنها تعبر عن فلسفة كامنة وراء وبين السطور؛ فلسفة تحتاج إلى من يستخرجها من ركام التفاصيل والرطان ليضعها أمام كادحي مصر وثوارها حتى يحكموا بأنفسهم على نص مقدّر له أن يكون، هو نفسه، حكمًا بيننا في السنوات الطوال القادمة.



وفي السطور القادمة، سأطرح أربع ملاحظات أساسية حول فلسفة الدستور، ناقدًا إياها ومحاولاً فضح الافتراضات الضمنية وراءها.

تدور تلك الملاحظات حول القضايا التي أظن أن أي دستور ينشغل أساسًا بطرح إجابات منضبطة وواضحة لها:

القضية الأولى هي المرجعية الأساسية للدولة، وهي تتعلق بالتصور الذي حكم كُتّاب الدستور حول وظيفة الدولة ومعناها. ويمكننا القول إن هذه القضية الأولى هي الإطار العام الذي يحكم القضايا التالية والذي يتجسد تفصيلاً فيها.

القضية الثانية هي نظام الحكم، وهي تدور حول طبيعة النظام السياسي والتوازن بين سلطاته وعلاقاتها ببعضها البعض وبالمجتمع السياسي.

القضية الثالثة هي الحريات العامة والشخصية، وهي حقوق المواطن إزاء السلطة وإزاء باقي أطراف المجتمع.

القضية الرابعة والأخيرة هي البعد الاقتصادي لدور الدولة ومدى التزامها الاجتماعي تجاه مواطنيها وتجاه مسألة العدل الاجتماعي بعامة.

بقراءة أبواب الدستور، خاصة تلك المتعلقة بمقومات الدولة، يمكن للمرء أن يستنتج أن كُتاب الدستور اتفقوا على تصور عام عن طبيعة الدولة ودورها يمكن تلخيصه كالآتي: «دولتنا ديمقراطية في نظام حكمها من الناحية الإجرائية، لكن ديمقراطيتنا يحدها قيميًا وعمليًا الإطار العام لشريعة الإسلام كما يفهمها أهل السنة والجماعة. وهذا ما يجعلنا نعطي مؤسسة غير منتخبة كالأزهر حق مراقبة المؤسسات التشريعية المنتخبة للتأكد من التزامها بهذا الحد غير المقبول تجاوزه للديمقراطية. كذلك فإن دولتنا الديمقراطية إجرائيًا ليست ملتزمة أو ضامنة لحقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية رغم إقرارها لها، لكنها في الوقت نفسه – يا للعجب – ستفعل ما بوسعها للتأكد من التزام هؤلاء المواطنين بالآداب العامة والأخلاق الحميدة والقيم الأصيلة والحفاظ على الهوية».

هذه إذن، بلغة علماء السياسة، «دولة حارسة» من الناحية الاقتصادية والاجتماعية تغل يدها عن التدخل النشيط في السياسات الاقتصادية وفي إعادة توزيع الدخل. فلا هي تحدد نسب دنيا للإنفاق على الصحة أو التعليم، ولا هي تضمن العمل لمواطنيها القادرين عليه، ولا هي تمنع عمل الأطفال، ولا شيء من ذلك.

لكن هذه الدولة ذاتها حريصة كل الحرص على تتبع أخلاق مواطنيها والتأكد من التزامهم بقيم تراها هي الأصوب والأنسب، رغم أننا لا نعلم بالضبط ما هي هذه القيم.

والأهم من ذلك أن مرجعية الدولة الدينية الفضفاضة تعطي مؤسسات كهنوتية – مؤسسات رجال الدين – حقًا في التدخل في الشأن السياسي العام.

هذه الفلسفة العامة تقف على طرفي نقيض مثلًا مع الفلسفة التي حكمت قادة الثورة الفرنسية حين وضعوا الدستور الأول لدولتهم. فهؤلاء كانوا يعلنون للكافة، قبل أكثر من قرنين، أن فلسفة دولتهم هي حرية الإنسان وأن القيمة الأعلى هي مقاومة القهر مهما وأيًا كان مصدره.

أما كُتّاب دستورنا، فقد كان هاجسهم الرئيسي هو التنصل من حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والتأكد من أن حرية الإنسان لا تتجاوز ما يرونه الأخلاق الحميدة والقيم الأصيلة.

أما بالنسبة لنظام الحكم، فرأيي أنه من الخطأ الشديد الاعتقاد أن مسودة الدستور وضعت نظامًا غير ديمقراطي للحكم.

فالحقيقة أن نظام الحكم، كما هو مفصل في الدستور، ديمقراطي تمثيلي بالمعنى المتعارف عليه دوليًا، لكنه، والحق يقال، أسوأ أنواع الديمقراطية، والأهم أنه لا يمثل الديمقراطية التي يطمح إليها شعب قام بثورة بعظمة ثورة الخامس والعشرين من يناير.

باختصار شديد، النموذج الذي وضعه الدستور لآليات الحكم نخبوي ومركزي إلى أقصى مدى ممكن. يبدو الأمر كما لو أن واضعي الدستور اضطروا اضطرارًا إلى الإقرار بديمقراطية الحكم، لكنهم وضعوا كل الضوابط الممكنة للتضييق على تلك الديمقراطية بحيث لا تنفلت الأمور وتتوفر للشعب فعلاً آليات حقيقية للتأثير والسيطرة.

علامات الشكل الديمقراطي للحكم واضحة في المسودة، فرئيس الجمهورية مُنتخَبٌ انتخابًا حرًا نزيهًا، وشروط الترشح ليست تعجيزية، وهو لا يحق له الحكم أكثر من مدتين، والبرلمان كذلك منتخب انتخابًا حرًا نزيهًا، وله سلطة سحب الثقة من الحكومة، ولابد أن يوافق على رئيس الحكومة الذي يختاره الرئيس، إلخ إلخ.

لكن كُتّاب الدستور حاولوا قدر المستطاع الإبقاء على مركزية ونخبوية السلطة. فنظام الحكم رئاسي إلا قليلاً، والرئيس على هذا الأساس يحوز قدرًا لا بأس به من السلطات، بل ويمكنه تجاوز كل السلطات واستفتاء الشعب مباشرة على القضايا الخطيرة، الأهم من ذلك أن غرفة البرلمان الثانية، المماثلة لمجلس الشيوخ في أنظمة أخرى، وهي الغرفة التي لها سلطات واسعة، على الأقل في إقرار القوانين وتعيين رؤساء الهيئات الرقابية، هي بالأساس مؤسسة نخبوية لا يحق إلا لأقل من ربع الشعب الترشح لها.

فإذا ما وضعنا تمركز السلطات في يد الرئيس مع الدور الكبير لغرفة برلمانية نخبوية جنبًا إلى جنب مع التقييد الكبير لنظام الحكم المحلي، لاكتشفنا أن العقل المدبر للدستور كان يمشي على هدي منظومة سلطوية في التفكير؛ منظومة ترى خطرًا كبيرًا في توسيع مجال الديمقراطية من أسفل وفي مد مجال السلطة أفقيًا.

هذا كله رغم أنه من المعلوم أن مبدأ السيادة للشعب، الذي انتزع حريته بيديه، يتجسد على أفضل ما يكون في نظام الحكم البرلماني الحر.

أما فيما يتعلق بالحريات، فهنا يتجسد هاجس دولة الأخلاق الحميدة على أفظع ما يكون. ما شعرت به وأنا أبحث هذه النقطة هو أن كُتاب الدستور سعوا لدغدغة المشاعر المحافظة لدى قطاع واسع من الطبقات الوسطى المصرية حتى يمرروا بنودًا أقل ما يقال عنها إنها خطر على أخص خصوصيات الإنسان: حريته الشخصية.

فالدستور يقول صراحة إن الحريات اللصيقة بالإنسان لا تُمس، ولكنها – وهنا مربط الفرس – لا تمارس إلا في حدود المقومات الاجتماعية والأخلاقية الوارد ضوابطها في الدستور.

الدستور كذلك يقول صراحة اعتقد ما شئت، لكن ليس من حقك ممارسة عقيدتك إلا لو كانت الإسلام السني، أو المسيحية كما ترضاها الكنائس المعترف بها حاليًا، أو اليهودية.

هذه ليست مسألة حريات شخصية فحسب، بل مسألة حقوق مضطهدين وأقليات أيضًا. فكل صاحب عقيدة لا تعترف بها الدولة مدان ومهدد. وبرغم كل الرطان، فإن وظيفة هذا التوجه في الدستور هي تأليب المواطنين على بعضهم البعض، بحيث يبدو أصحاب المعتقدات المختلفة كأنهم هم الأعداء وليس ناهبي الأقوات أو الظلمة والمستبدين.

وفي خصوص الحريات أيضًا نجد أن كُتّاب الدستور كانوا واضحين مع أنفسهم، فهم قد يتحملون إنشاء الأحزاب بالإخطار، لكنهم أبدًا لن يتحملوا إنشاء النقابات بالإخطار. وهذه رسالة سلطوية لا تُخطِئها العين: فتنظيم الطبقات الكادحة لنفسها أمر لابد أن يخضع لضوابط أكثر صرامة من تنظيم الجماعات السياسية لنفسها.

أما عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فحدِّث ولا حرج. هنا استخدم كُتّاب الدستور حِرفة الابتزاز العاطفي لتمرير دستورهم. فالرطان العاطفي حول الحقوق الاجتماعية والاقتصادية يرقق القلوب ويدمع العيون، لكن ضمان تلك الحقوق منعدم. حتى الأجر الذي درسنا في كليات الاقتصاد البرجوازية أنه لابد أن يرتبط بالأسعار، وضعوا له بندًا يربطه بالإنتاجية، في تصور ليبرالي جديد مبتذل لوضع وحقوق العامل. فالعامل عليه أن ينتج وينتج، وبمقدار ما ينتج سيحصل على أجر، حتى لو كانت الحقيقة أن تراجع إنتاجيته يرجع إلى عناصر لا علاقة له بها.

حرص الدستور إذن كل الحرص على ألا يتخطى حدود الليبرالية الجديدة في منظوره لحقوق المواطنين الاجتماعية. فالالتزام بالعلاج المجاني مشروط بعبارة «لغير القادرين»، وذلك دون تعريف واضح لها أو وضع ضمانات للتنفيذ. والصناعات الصغيرة ستتم رعايتها – إن شاء الله – دون أي شرح أو ضوابط. والعامل لا يجوز فصله «إلا في حدود القانون».. إلخ إلخ من البنود التي تتجمل وهي تكذب بلا خجل.

خلاصة قولي إن هذا الدستور هو نموذج لما يطلق عليه الديمقراطية المعادية لليبرالية بمعناها الإنساني والسياسي (أي الحريات العامة والخاصة) والمحبذة لليبرالية بمعناها الاقتصادي (بمعنى اقتصاديات السوق الحرة غير الراعية لحقوق المواطنين الاجتماعية)، كل هذا في إطار قيمي سلطوي يفرض هوية ما كسيف مسلط على رقاب الجماهير.

بسبب هذا كله أنا أرفض دستور الجمعية التأسيسية، وأدعو الناس كافة إلى رفضه.



#تامر_وجيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في البُؤس الإخواني
- الثورة على «كوكاكولا»
- البحث عن رئيس لمصر!
- لماذا أنا متفائل؟
- حي على الإضراب!
- هل أنت مع 23 يناير أم مع 25 يناير؟
- بعد زخم الأعوام السابقة.. ماذا تحتاج الحركة العمالية لكسب مع ...
- اتحاد اليسار من 4 أغسطس إلى 4 نوفمبر
- العنصرية ضد اللاجئين السودانيين: خطر يتهددنا قبل أن يتهددهم


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - تامر وجيه - لماذا أرفض هذا الدستور؟