|
مرسي وفخ النوايا الحسنة
عمر أبو رصاع
الحوار المتمدن-العدد: 3926 - 2012 / 11 / 29 - 12:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاشكال الذي وقع فيه الرئيس مرسي وحزبه وجماعته، هو نتاج خطأ جذري في مقاربة التصور العام لممارسة للسلطة من جهة وتشكيل الدولة من جهة أخرى، وإذا ما افترضنا حسن النية في الاعلان الدستوري الأخير وأنا فعلاً افترضه، فإن مؤداه النهائي في الجزء الخاص برفع قرارات الرئيس فوق مستوى النقد والقانون، لا يمكن أن يثير إلا المخاوف الكامنة من صناعة ديكتاتور جديد، والعودة إلى نهج الاستبداد بالسلطة. النوايا الحسنة وحدها لا تكفي، فانقلاب الضباط الاحرار بدأ فعلاً بمجموعة من النوايا الحسنة، وعندما وصلوا إلى السلطة وعدوا الناس بالعودة إلى ثكناتهم بعد ستة أشهر، وهو الأمر الذي لم يحدث أبداً، اليوم معظم القوى الثورية تتفق مع الدكتور مرسي على أن استمرار النائب العام في منصبه مشكلة تواجه الثورة، لكن اغلبها ايضاً تنظر إلى الاعلان الدستوري بصفته دس للسم في العسل، ذلك انه خلط بين ابعاد النائب العام من ناحية وتحصين قرارات الرئيس واطلاقها من أي اسار قانوني من ناحية أخرى. المنطق الذي سمعناه على ألسنة الكثير من انصار الجماعة حول المتواجدين في الميدان ضد الاعلان منطق خطير، منطق يعمق من مأزق الرئيس ويجعله وجماعته في كفة وبقية القوى السياسية مجتمعة بكفة بما فيها القوى الثورية التي صوتت لمرسي بالأمس القريب، وآزرته ضد شفيق في معركة الرئاسة، فهل للرئيس فعلاً مصلحة في أبلسة كل من وقف في الميدان ووضعه تحت خانة "الفلول" واعداء الثورة؟! احياناً يضعك الخطاب الرسمي لجماعة الاخوان في مواجهة حالة من عدم اليقين، حول ما إذا كانوا فعلاً يدركون الفرق بين تفويض الاغلبية عبر الانتخاب لممارسة السلطة وانفاذ ارادة الأمة، وبين المظلة التي تمكن ذلك المفوض من أن يفعل، تلك المظلة التشريعية التي سنامها التوافق الوطني حول الدستور ومجموعة الحقوق والحريات الأساسية للافراد والجماعات والنظام الانتخابي. أن تؤيدك الاغلبية لا يعني بحال أن لك الحق في الانفراد في وضع الدستور مثلاً، لأن هذا معناه أنه كلما اتت سلطة منتخبة جديدة يكون لها الحق بذلك، فنصير أمام دولة يغلب فيها الفائز الشعب بالاغلبية بدلاً من أن يحكمه باسمها، وهذا المنطق الذي تشعر فعلاً أنه يهيمن على الجماعة اليوم، فكأن الفوز في الاغلبية الانتخابية معناه الفوز بالدولة لا الفوز في حق حكمها وشتان بين هذه وتلك. باسم الاكثرية انتجت اعتى الدكتاتوريات في التاريخ، والفرق الجذري بين الديمقراطية الشمولية التي تنتج الاستبداد بالضرورة والديمقراطية المدنية الدستورية التعددية، هو تماماً الضمانات الدستورية التي تحول دون تمكين كائن من كان من أن يستبد بالسلطة. هكذا فإن الاعلان الدستوري الأخير، وخاصة الشق الذي حصن قرارات الرئيس ووضعها فوق القانون، يسير بعكس الاتجاه الصحيح، ولا يجوز قبوله أياً كانت الذريعة، وذريعة "حماية الأمة والثورة" عبارة مطاطة يستطيع الشيطان أن يكيف لها المضمون الذي يريد، فالأصل الذي لا مندوحة عنه هنا هو أن الغاية لا تبرر الوسيلة أبداً، وهنا تماماً وعلى نحو دقيق تنطبق القاعدة النّاصة على أن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". ألم يكن بامكان الرئيس تقديم اعلان دستوري تتشكل بموجبه محكمة ثورة، يتم التشاور حولها مع مختلف مكونات المشهد السياسي والقضائي، ويعتلي منصتها مجموعة من القضاة الذين يحوزون توافقاً وطنياً حول نزاهتهم وكفاءتهم؟! لقد اهدر الرئيس مرسي فرصة تاريخية في أن يكون قائداً تجمع عليه الثورة، وفي أن يحتشد التأييد العام لرؤيته وبرنامجه، والنتيجة التي افرزها المشهد الحالي هو أن الرئيس وجماعته اليوم باتوا في كفة وباتت مصر ببقية قواها السياسية في الكفة الثانية للاسف، فحتى حزب النور السلفي في بيانه لم يوافق على ذلك الجزء من الاعلان. المشهد الحالي يشي بالكثير، والدرس الرئيس الذي يستقى منه هو أن مرحلة الانتقال التي يحتاج المجتمع إلى انجازها، تتطلب اعلى درجات التنسيق والتوافق الوطني الممكنة بين القوى السياسية المختلفة، فحيث تخضع الدولة للتشكيل ينبغي أن يحوز شكلها هذا على التوافق الوطني، حيث الاغلبية في كل مكون من مكوناتها أكان جهوياً أو عرقياً أو طائفياً أو سياسياً، عند إذ تستطيع السلطة التي تفرزها اغلبية انتخابية أن تعمل وفق معطيات ذلك الشكل الذي توافق عليه الجميع، والاغلبية هذا إذا افترضنا أن هناك أغلبية تؤيده فعلاً هذا الاعلان الدستوري، ليس لها هنا أن تفرض الشكل الذي تريده هي على بقية المكونات، اللعبة الديمقراطية تحتاج أولاً إلى توافق اللاعبين حول قوانينها وشروطها حتى تعمل، غير ذلك ستمضي بنا التجربة نحو الاستبداد بالضرورة. الاعلان الدستوري بنواياه الحسنة فخ خطير، ومرسي اجتهد فاخطأ وتصحيح الخطأ هنا لا ينتقص أبداً من قيمته أو كرامته، بل العكس هو الصحيح، والاصرار على المضي قدماً فيما يفعل سيجعله هو تماماً الخاسر الأكبر.
#عمر_أبو_رصاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طبيعة الاستبداد
-
تلك ليست مهمتي
-
قراءة في الثورة العربية المعاصرة
-
الحراك الشعبي الأردني- بؤس المشهد أم بؤس القراءة؟!
-
إني اراني اعصِرُ نفطاً
-
رفع الدعم وسعر صرف الدينار الأردني
-
الأردن- الغاز المصري واكاذيب الاستبداد
-
دولة الرئيس
-
الأردن- شرعنة الاستبداد
-
مصر- كشف الحساب أم رأس النائب العام؟
-
الأردن- ماذا بعد حل مجلس النواب؟
-
أين ذهبت أموال الشعب الأردني؟
-
قراءة في الانتخابات الأردنية
-
لماذا أقاطع الانتخابات البرلمانية الأردنية؟
-
نحن والغرب على طرفي نقيض، بين الحداثة وما بعد الحداثة
-
تاريخية المصحف -3- (في نقد المرجعية التراثية: أ- الأسس العقي
...
-
تاريخية المصحف -2- (القطيعة المعرفية وعمى الزمن)
-
تاريخية المصحف -1-
-
نكون أو لا نكون
-
العودة لمنطلقات الثورة المصرية الحديثة
المزيد.....
-
مدير الموساد يغادر الدوحة بعد مشاركته بمحادثات وقف إطلاق الن
...
-
تناول هذه الخضار النيئة يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالأمراض
...
-
شاهد.. البسمة ترتسم على محيا زعيم كوريا الشمالية بعد عملية إ
...
-
بيسكوف: محاولات -الناتو- توسيع نفوذه في القوقاز لن تفيد المن
...
-
دراسة: -حلقة النار- تحت مضيق جبل طارق قد تبتلع المحيط الأطلس
...
-
-ستورمي-.. وثائقي يروي قصة -العلاقة المزعومة- بين ترامب ونجم
...
-
الخارجية القطرية: أي هجوم على رفح سيؤثر سلبا على التوصل إلى
...
-
خبير فرنسي: ماكرون يقود فرنسا إلى حرب مع موسكو
-
الجيش الإسرائيلي يكشف عن مناطق عملياته العسكرية في قطاع غزة
...
-
بكين تدعو واشنطن لاتخاذ إجراءات جدية لنزع السلاح النووي بدلا
...
المزيد.....
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
-
شئ ما عن ألأخلاق
/ علي عبد الواحد محمد
-
تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|