أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم جبار عباس - محمود عبد الوهاب وليالي الأربعين















المزيد.....

محمود عبد الوهاب وليالي الأربعين


هيثم جبار عباس
شاعر ، كاتب، صحفي

(Haitham Jabbar Abbas)


الحوار المتمدن-العدد: 3925 - 2012 / 11 / 28 - 16:19
المحور: الادب والفن
    


محمود عبد الوهاب وليالي الأربعين
هيثم جبار عباس
عرفت محمود عبد الوهاب سنة 2002 , وتعرفت علية أكثر بعد عام 2007 حيث لا يوجد يوم من الأيام لم نر فيه محمود عبد الوهاب في المقهى , واستطيع ان أقول إني عرفت الكثير عنه خلال الأربعين ليلة التي قضاها راقدا في المستشفى , اذ كنت مرافقا له في كل يوم او بين يوم وآخر من الساعة الثامنة صباحا الى الساعة الثانية بعد الظهر او من الساعة الثانية بعد الظهر الى الساعة الثامنة مساء او من الثامنة مساء الى الثامنة صباحا , وربما خدمني ظرفي وطريقة عيشي , غير متزوج , ولا مرتبط بعائلة تحاسبني أين قضيت ليلك او نهارك , سأتحدث عن هذا الرجل الباسق كسنبلة صفراء خلال الليالي المعدودة التي قضيتها معه .
كان محمود عبد الوهاب صعب المراس عنيد الى درجة الملل , لا يقنع بأي كلام ولا يأخذه من أي كان , لم يتعود في يوم من الأيام ان يقاد , بل كلمته هي التي تنفذ خطأ كانت ام صوابا , , وربما أسلوبه هذا هو الذي جعل اغلب أدباء البصرة ينفرون من مراعاته , فالرجل يحتاج الى رجل قلبه من حديد ليقوم برعايته , فمن بات معه ليلة واحدة او وقف معه يوما لن يعود إليه مرة ثانية , عناده وعدم قناعته وأسئلته الكثيرة عن برنامج الدواء وعن وجبات الغذاء وطريقة أكله , لا يطيقها اي كان خصوصا في كل يوم , فهو لا يستطيع ان يرفع يده الى فمه ولا يرضى ان يساعده احد في الأكل وهذه مشكلة ابتلى بها المعنيون برعايته .
كان يمشي في صعوبة من غرفته ( في الطابق الخامس ) الى المرافق الصحية لقضاء حاجته والتي تبعد عشرة أمتار عن الغرفة التي يرقد بها , ولكن هذه العشرة أمتار يراد للشخص المرافق له 45 دقيقة على الأقل لكي يكمل محمود قضاء حاجته , حيث أقول له : يا أستاذ محمود دعني اجلب لك العربة فهي أسرع وأريح لك , يقول : كلا أريد أن امشي , وحين امسك يده لأسنده يترك يدي ويقول اتركني امشي لوحدي , أريد ان اختبر نفسي , كان في صراع وتحد مع الموت الذي يدنو منه قليلا فيبتعد , يدنو فيبتعد , حتى قضى الرجل نحبه .
عرفته متشبثا بالحياة , طويل الأمل , لم يفقد ذاكرته ولم يخرف حتى آخر خمسة ايام التي فقد فيها الوعي وقطع الكلام , حين أرسل له فخري كريم مليوني دينار عراقي كان يتكلم بجد وفي كل قواه العقلية ويقول (( انا حين اخرج من المستشفى اذهب الى بغداد لأعمل هناك في مؤسسة المدى )) علما ان عشرة أمتار يقطعها بأكثر من نصف ساعة مع شخص مرافق له يتركه مرة ويسنده أخرى , وكلامه هذا لا يدل على الخرف او فقدان الذاكرة بل يدل على طول الأمل , كان يظن انه سيعيش سنوات كثيرة بعد وعكته الأخيرة , بل كان يسخر من الموت ولا يبالي به ولا يفكر به على الإطلاق , كان يفكر ماذا يفعل بعد خروجه من المستشفى .
محمود عبد الوهاب في الفترة الأخيرة أحسست انه أحبني كثيرا , أقولها ليس فخرا او رياء , ولكن لم يعتن بمحمود عبد الوهاب مثل ما اعتنى به انا والقاص محمد خضير ورئيس الاتحاد الشاعر كريم والشاعر علي نكيل ابو عراق والشاعر كاظم اللايذ هؤلاء الذي تعبوا أكثر مني بمراعاة الأستاذ الكبير القاص محمود عبد الوهاب لان المسؤولية الكبرى تقع على عاتقهم , لكن اغلب ما كان مبيتي في الليل مع محمود والذي يبات مع محمود معناه ان يبقى ساهرا حتى الصباح فهو في كل ساعة او ساعتين يريد ان يقضي حاجته وغالبا ما تكون قضاء حاجته هي الإدرار فقط في الليل , كان هناك شخصا يعمل مع مهندس حسين ابن اخت محمود عبد الوهاب اسمه ( علاء ) وهذا الـ (علاء ) شاب بليد ولا يعرف من هو محمود عبد الوهاب , حيث كان يعده كأي مريض من المرضى فقد كان محمود يتشكى منه كثيرا ويطلب مني دائما ان أبات معه لان ( علاء ) كان مزعجا وغير مطيع ناهيك عن غبائه , فإذا أراد القاص محمود عبد الوهاب في منتصف الليل ان يذهب لقضاء حاجته يقول لــعلاء (( تعال خذني الى المرافق الصحية )) يرد عليه الأخير بهذه اللهجة (( والله ذبحتني كل ساع للمرافق كل ساع أريد اتبول خلينا نايمين )) ان الأستاذ محمود هو الذي نقل لي هذا الكلام , كنت أتألم وأتأسف حين اسمع مثل هذا الكلام واعتب على اتحاد أدباء البصرة الذين يبلغ عددهم أكثر من 200 أديب .
أما انا فلا استطيع ان أبات معه ليلتين متتاليتين لا بد ان استراح في الليلة الثانية او الثالثة لأبات في الليلة التالية , فمراعاة القاص محمود عبد الوهاب من الساعة الثامنة صباحا الى الثامنة ليلا في كفة والمبيت معه في كفة أخرى , في احدى الليالي ابتلى الشاعر كريم جخيور بمن يبات معه اذ بقي الرجل وحده في المستشفى فذهب رئيس الاتحاد الى مقهى الأدباء وطلب من الحاضرين المبيت لليلة واحدة فقط فقال لهم (( في ليلة البارحة بات هيثم جبار والليلة التي قبلها بات ولدي محمد وهذا الــ(علاء) رفض المبيت معه , وانا لو استطيع المبيت معه لما قلت لكم ذلك فمن يبات معه هذه الليلة )) فلم يجيبه احد قال : من يريد مني مبلغا من المال ليبات مع الأستاذ محمود انا مستعد ان اصرف له انه استأذنا وكبيرنا ومعلمنا , وكالكل رفض المبيت ولم يرد عليه احد من الأدباء و المثقفين , فاضطر الرجل ان يتصل بي , قال لي ان محمود عبد الوهاب لوحده في المستشفى , علما إنني الليلة الماضية كنت قد بت معه , ذهبت الى المستشفى ووجدت ( حارس الاتحاد ) ( سجاد ) خارج الغرفة وهو متذمر ويصرخ : انا صاحب عائلة منذ الساعة الثالثة مساء الى السابعة لم يات احد منكم تركت عائلتي وستوتتي لأجلكم واجل صاحبكم , قلت له اهدأ واذهب لعائلتك وستوتتك واتركني ومحمود , دخلت على القاص محمود عبد الوهاب حين أبصرني رسم ابتسامة لطيفة استقبلني بها قال : هل ستبات انت معي هذه الليلة قلت نعم .
مما ابهرني قبل وبعد وفاة القاص محمود عبد الوهاب هو ان الكثير من الأدباء والأصدقاء من يزور محمود زيارة عابرة وخلال هذه الزيارة يلتقط معه صورا وهو على سريره الأخير ثم ينشرها في الصحف والمجلات ومواقع الانترنت ومواقع الاتصال الاجتماعي كالفيسبوك ليثبت للآخرين بانه هو المعني بمرض محمود عبد الوهاب , بانه صديقه الحميم الذي لا يفارقه حتى في المستشفى , علما انا اعمل صحفي وكامرتي معي أنى ذهبت ولم التقط اي صورة معه , الا واحدة وانا احمل نعشه أثناء مراسيم التشييع ولا اعلم من هو الذي التقطها لي وقد وصلتني عن طريق الفيسبوك , كان بإمكاني ان التقط معه عدة صور وهو في المستشفى ولكنني اعد نفسي حديث العهد بمعرفته , بل لا أريد ان افعل شيئا غير مقتنع به .
اما بعد مماته هي التصريحات المغسولة بالدموع التي خرجت على شاشات القنوات الفضائية من أشخاص لم يطئوا عتبة باب المستشفى . نعم بعض الأدباء من وقف للقاص محمود بثلاث ساعات او اربعة او يوم او يومين فلا نستطيع ان ننكر وقفة الأخ , القاص علاء شاكر في الأسبوع الأخير من الاربعين ليلة ومبيت القاص باسم الشريف ليلة كاملة معه , بل كان في كل يوم يتصل بي الاستاذ حاتم العقيلي ليطمئن على صحة القاص محمود عبد الوهاب .
حقيقة حين قلت ان محمود عبد الوهاب في المستشفى أحبني حبا كبيرا لم أكن مبالغا , اذ انني حين اكون معه لا افارقة لحظة واحدة حتى حين أريد ان اشرب سجارة خارج المستشفى او كوب شاي لا اذهب الا اذا كان نائما او استأذن منه قبل ذهابي أحسست انه كابي تماما لا استطيع ان ارفض له اي طلب , بل هو لا يتحرج ان يطلب مني اي شي فكنت دائما ما أدلك ساقييه النحيلتين فيقول لي (( انا احبك كابني وان لم يكن لي ولدا ))
دمعتان على محمود عبد الوهاب قبل وفاته
لم ابك على محمود حين سمعت بوفاته , ربما لأنني كنت متوقعا هذه الوفاة غير الفجائية , ولكن بكيت عليه مرتين قبل الوفاة الأولى في الأسبوع الأول حين كنت مرافقا له صباحا او مساء ورأى معاملتي معه وعدم تضجري من اي شي يطلبه مني فأرادني ان أكن معه دائما , ولكنني في الحقيقة اتعب وأتذمر ولا اجعله يحس بهذا التعب او التذمر فاتصل بالشاعر علي أنكيل ابو عراق او الشاعر كريم جخيور ليهيئوا لي شخصا ينوب عني , جاءني القاص محمد خضير وقال : اذهب يا هيثم أنت تعبت اليوم , أردت أن استأذنهما لأخرج وإذا بمحمود عبد والوهاب يؤمي الي بكلام لم افهمه فدنوت منه واذا يقول لي (( هل سترجع الي )) سكت ولم اعرف ماذا أجيب وأنا لم ارجع اليه الا في اليوم الثاني , ثم قلت له نعم نعم سأرجع إليك خرجت من الغرفة ولم استطيع ان امسك الدمعة الأولى التي نزلت عليه .
الثانية في الأسبوع الأخير حين نقل الى العناية المركزة , كنا في مدينة النجف (ملتقى عالم الشعر) وعند عودتي اتصلت بالشاعر ابو عراق وسألته عن محمود فأجاب : حالته متردية وهو في العناية المركزة ولا يسمح لأحد الدخول عليه , قررت ان اذهب اليه كل يوم عصرا بعد الانتهاء من عملي , وبشق الأنفس في اليوم التالي دخلت عليه فوجدته كأنه شبح مسجى , الكلية عاطلة عن العمل والرئتان واقفتان وبجنبه جهاز تنفسي يعمل عمل الرئتين , سالت الطبيب المقيم عن حالته قال نعد له أياما وساعات , تركت رقم هاتفي عند الطبيب وقلت له اتصل بي اذا حصل اي شي للأستاذ او اذا تحتاج اي شي , وفي نفس اليوم الساعة الحادية عشر ليلا اتصل بي الطبيب قال هل انت أقارب الأستاذ محمود ام مرافقه قلت نعم أقاربه ومرافقه تفضل قال تعال فورا الى المستشفى قلت له هل توفي الأستاذ ؟ قال كلا ولكن لابد ان تأتي الآن انه بحاجة الى دم , قلت في نفسي ان محمود قد مات ولكن الطبيب لم يخبرني الحقيقة , وانا في خروجي من البيت اتصلت بالشاعر كريم جخيور قلت له أظن ان محمود قد توفي ورويت له حديث الطبيب , قال انتظرني نصف ساعة لأتي معك قلت لن استطيع الانتظار سأتصل بك لاحقا , وانا في سيارة (التكسي) حيث أفكر في محمود وقد ظننته ميتا قلت لماذا محمود سيموت وحيدا ؟, لماذا لا يوجد احد من أهله او أصدقائه يغمض عينيه ويغطي وجهه ؟ , لم لم يكن له أولادا يبكون عليه او بنات يندبنه ؟ , ان وجدته ميتا هل سيبات هذه الليلة لوحده في ثلاجة الموتى , لم لا يموت بين عياله , ماذا فعل يا محمود بنفسك ؟؟؟ أحسست اني بحاجة للبكاء , فلم اشعر الا وقد اغرورقت عينان بالدموع .



#هيثم_جبار_عباس (هاشتاغ)       Haitham_Jabbar_Abbas#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( صحراء نيسابور ) استنساخ سردي من كتب الخرافة والخيال
- ملابسات تأخير ملتقى الرواية العراقية الدورة الثانية
- رئيس اتحاد الادباء والكتاب العراقيين في البصرة كريم جخيور ين ...
- رسالة الى السيد علي الخامنئي
- انعقاد مهرجان المربد الشعري التاسع في البصرة لعام 2012
- وقعت في ما كنت اخشاه
- الانانية في ميزان الدكتور سعد صلال
- الرد على مقال الاستاذ جاسم العايف الموسوم ب(ملتقى قصيدة النث ...
- اسماء المدعوين الى ملتقى قصيدة النثر الثاني في البصرة
- كريم جخيور يتحدث عن ملتقى الرواية الأول في العراق
- حروف مجلة إلكترونية
- حدائق الغرف
- اتحاد الادباء يحتفي بأوديسة البصرة (عدن الخاوية )
- مؤسسة السياب تكرم القاص محمود عبد الوهاب
- الادباء المدعوون الى مهرجان المربد
- ايفان الدراجي تعرض حواسها الانثوية
- ضحكتك حدائق خربة
- 25 فبراير تظاهرات حق يراد بها باطل
- المثقف ليس هو المسؤول عن تغيير المجتمع
- الكتابة من الداخل , شعرية المغايرة في كتاب حدائق الوجوه


المزيد.....




- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم جبار عباس - محمود عبد الوهاب وليالي الأربعين