أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - سوريا ... الدبابة ليست قارب إنقاذ















المزيد.....

سوريا ... الدبابة ليست قارب إنقاذ


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3924 - 2012 / 11 / 27 - 17:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



ماذا سيحدث لو أننا أدرنا عقارب الساعة إلى الوراء وأوقفناها عند الخمسينات أو الستينات من القرن الماضي, هل سيكون من الخطأ الإعتقاد أن الجماهير التي تخرج اليوم مناهضة للنظام البعثي الحاكم في دمشق ستكون هي نفسها من سيصفق لهذا الحزب ونظامه.
أتخيل أن رجلا, تكاد لحيته تغطي كل مساحة وجهه, تاركة لجبهته فرصة أن تنعم بزبيبة إيمانية ثلاثية الأبعاد, هو ذاته المرشح لكي يقود مظاهرة سبعينية شعارها الكبير بالروح بالدم نفديك يا أسد.
والحال إن من يدعي, على أساس ذلك, أن شارعنا السياسي هو شارع مهزوز وإن إنساننا العربي متقلب الوفاء هو إنسان تعوزه الكثير من الفطنة, فإن ينقلب هذا الشارع على ولاءاته القديمة ويتخذ مواقف هي بالضد تماما من سابقتها هو أمر لا يدعو إلى البحث عن الخلل في مواقف هذا الشارع بل في مواقف الأنظمة التي إنصرف عنها ذلك الولاء. أما الحقيقة فهي تلك التي تقول أن مصدر الخلل الحقيقي إنما يكمن في واقع إن كل شيء قد تغير, بداية من الإنسان نفسه وإنتهاء بالأشياء التي حوله, أما الأنظمة العربية , وعن سوريا نتحدث الآن, فقد بقيت ثابتة عند شعاراتها وأهدافها وحتى خططها وبرامجها السياسية, حتى كأنها دقت نفسها إلى أرض زمان النشأة والتأسيس بمسامير جعلتها ثابة ثبات الجبال الرواسي.
غير أن جبال السياسة ليست كما هي جبال الطبيعة, إنها معرضة أكثرإلى عوامل التعرية بفعل الرياح التي لن تتوقف والأمطار التي لن تخف, وما لم يفطن ساكنوا قممها إلى ذلك فسيجدون أنفسهم معلقين في الهواء ومتدحرجين بعد ذلك إلى قعر الهاوية.
لا حاجة مطلقا للتساؤل عما إذا كان حزب البعث حزبا جماهيريا أم لا. إن السؤال الحقيقي يجب أن يدور حول ما إذا ظل هذا الحزب جماهيريا أم لا, وعما إذا ما كان هذا الحزب ونظامه قد تطور وتغير وتكيف وتعدل وتحور بالإتجاهات التي تجعله بن اليوم وليس فقط بن مرحلة التأسيس وما بعدها من عقود ملاصقة.
ولعل بعض إختلاف البعث عن الكثير من الأحزاب الأيديولوجية هو في كونه لا يمتلك سوى نظريته العقائدية التي تفسر نفسها بشروحات السياسة وليس بشروحات الإقتصاد وعلم الإجتماع. وفي مرحلة التأسيس كانت الشعارات التي طرحها والأهداف التي سعى لتحقيقها ترتبط بشكل راسخ مع ظروف مرحلة التأسيس تلك, وربما كانت جديرة بالتناغم مع حاجات تلك الظروف أكثر من أهداف وبرامج غيره من الأحزاب. ومن هنا كانت تأتي حينها قوة البعثيين وكان يأتي بعض تفوقهم على الأحزاب الأخرى.
لكن - في هنا - أيضا كان يكمن أيضا سر الضعف البعثي الذي كان إنتظر الزمن الآخر لكي يطل برأسه ولكي يعبر عن نفسه بأشد صورة ناقلا الحزب من موقع القوة إلى موقع الضعف وناقلا نظامه في سوريا تماما من موقعه الجماهيري إلى موقعه المعادي للجماهير.
في الأعوام التي نشأ فيها الحزب والعقود التي تلته كانت الظروف السياسية قد جعلت الحزب أكثر قدرة سياسية للتعبير عن حاجات الأمة, فالدعوة إلى توحيد العرب كانت حينها دعوة قوية وكاسحة كما أن هدف تحرير فلسطين من البحر إلى النهر كان جرى تصنيفه في خانة القدسيات التي لا يجوز مناقشتها, ثم أن النضال من أجل التحرر من الأشكال القديمة للإستعمار كان على أشده. غير أن الظروف لم تبقى على حالها أبدا وصارت مشكلة الحزب الحقيقية أنه ظل على حاله دون تغيير حقيقي وكأن ظروف المراحل الحالية هي نفسها ظروف مرحلة التأسيس والنشأة.
ليس حزب البعث لوحده من يعاني في مواجهة ذلك وإنما سبقه إلى ذلك الحزب الشيوعي الروسي ذاته, وسيواجه كل حزب أيديولوجي نفس المصير حينما يبقى على تمسكه المطلق بنظام الأيديولوجيات والحتميات, وحينما لا يوفر من داخله أدوات وآليات وبرامج الإصلاح التي تعينه على تجديد نفسه, لكي لا يبقى متناغما فقط أو معبرا عن ظروف النشأة والتأسيس, وغير قادر على تحقيق نقلة إلى ظروف ما بعدها. وفي حين أن الشيوعية كانت عثرت على كثير من قوتها الثورية في نظرية دكتاتورية البروليتاريا فإن هذه القوة سرعان ما تحولت إلى بؤرة ضعف خطير حينما بدأت الآلة والكمبيوتر وكل وسائل التكنولوجيا الحديثة مضافا إليها قيم الحداثة نفسها تنقل شعار ومفهوم دكتاتورية البروليتاريا من مكانه المقدس إلى مكانه المقرف.
لقد إنتهى عصر دكتاتورية البروليتاريا, لكن حزب ونظام تلك الدكتاتورية ظن أن بإمكانه الصمود دونها. والأحزاب غالبا ما تسقط عقائديا وسياسيا, ومن ثم فإن سقوطها وزوالها القانوني لا يحتاج سوى إلى تجمع الظروف. ولا يختلف البعث في ذلك عن غيره من الأحزاب الأيديولوجية حينما تزول الظروف السياسة والعقائدية التي كانت تحيط بمرحلة التأسيس والنشوء وحينما لا يحرص الحزب الأيديولوجي على توفير وسائل وآليات وبرامج إصلاح ذاته من داخله.
وفي حالة البعث فإن لا أحد في الحقيقة بات اليوم مهتما بأفكار الوحدة العربية بالشكل الذي ما زال يتمسك بها الحزب, في حين أن التحرر من الأشكال القديمة للإستعمار لم يعد يشكل مصدرا للأناشيد الحماسية, أما قضية فلسطين فقد إقتنع أهلها ذاتهم بمشاريع ظل الحزب يرفضها تارة بإسم جبهة الرفض وتارة أخرى بإسم جبهة الصمود والتصدي وصولا إلى جبهة الممانعة.
الواقع إن المقدسات التي نشأ البعث على أساسها لم تعد موجودة, على الأقل بالشكل والصيغ التي كانت عليه أثناء مرحلة التأسيس والنشأة, وهكذا تحول الحزب لكي يكون ممثلا لأشياء لا وجود لها إلا في عقول محاربيه القدماء. ولأن أحزاب الأيديولوجيات لا تملك عقيدة إصلاح ذاتية تناغما مع مستجدات كل مرحلة, فإن العجز عن أصلاح الخلل المتراكم سرعان ما سيسمح لذلك الخلل أن يتحول من إستثناء إلى قاعدة ولكي يسود شامرا إلى خلفه كل ما كان يمكن أن يعتبر إيجابيا, أما نظام الحزب فلن يبقى منه سوى مؤسسة أمنية وجهاز سلطة نفعي سرعان ما ينزل إلى الشارع لكي يوجه رصاصاته دفاعا عن شعارات لم يعد لها وجود أصلا وإلى صدور ناس لم تعد قادرة على أن تتعرف سوى على الوجه القبيح لسلطته.
إن رجلا بلحية كثة وزبيبة ثلاثية الأبعاد كان من الممكن أن يكون بعثيا لو أن ظروف المرحلة ومعطياتها هي نفس ظروف ومعطيات مرحلة النشأة والتأسيس ولو أن البعث كان يمتلك عقيدة ووسائل وبرامج وآليات الإصلاح. لكن الحزب الحقيقي كان قد إنتهى في حينه حينما لم يجد من ينتشله من الغرق, أما أولئك الذين يدعون أنهم يمثلونه الآن في سوريا فهم أشبه بفريق إنقاذ يستعمل الدبابة بدلا من القوارب وأجهزة العوم والسباحة وذلك من أجل إنقاذ غريق لم يعد لهم علاقة به حتى قبل أن يغرق



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحالف الشيعي الكردي الذي إنتهى.. ضد من كان قائما
- الغزو الإسرائيلي لغزة .. محاولة للقراءة
- الفساد في العراق.. موروث أم مكتسب
- الأغلبية السياسية.. بين أزمة المفهوم وعبثية النوايا
- لا تنتظروا المعجزة ... العلمانية هي الحل
- من هو الطائفي تحديدا
- مجلس القضاء يفعلها مرة أخرى
- الطائفية.. شتيمة العصر الأولى
- ثقافتنا .. بين التلقي والاستجابة
- العلمانية والإلحاد
- العراق وإزدواجية جنسية الحكام.. وطن أم فندق
- الفلم المسيء .. بين الفعل الرخيص ورد الفعل الأرخص, وما بينهم ...
- أمريكا.. حرية تعبير أم حرية تفجير
- الحب على الطريقة الغوغائية
- القدس.. عاصمة إسرائيل
- بين حمد والعلقمي وبن سبأ .. ثلاثية القراءة الممسوخة
- هلهولة ... دخول العلم العراقي في كتاب غينيس للأرقام القياسية
- الحمار الطائفي
- هل كانت الدول الإسلامية .. إسلامية
- الدولة العلمانية لا دين لها.. ولكن هل هي ضد الدين


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - سوريا ... الدبابة ليست قارب إنقاذ