أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مفيد بدر عبدالله - مهندسا في الصباح حمّالا في المساء














المزيد.....

مهندسا في الصباح حمّالا في المساء


مفيد بدر عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 3922 - 2012 / 11 / 25 - 12:44
المحور: المجتمع المدني
    


كم هو رائع أن نجد عند كثير من الحيوانات غريزة المحافظة على صغارها، فنجدها تتنقل بهم لأماكن أكثر أمنا أو أكثر دفئا وهذا السلوك غرائزي للمحافظة على النوع واستمراره.
إن أفعال هذه الحيوانات يشبه كثيرا ما يفعله أحد أصدقائي والذي يعمل مهندسا فهو يقضي أغلب الليالي الصيفية يتنقل بأبنائه مابين سطح المنزل وغرفة نومه تبعا لوجود الكهرباء أو عدمها، فبعد انقطاعها بدقائق تتحول غرفته تدريجيا إلى ما يشبه فرن الصمون فيشمر صديقي عن ساعديه ويبدأ بعملية النقل واحدا تلو الآخر من جحيم غرفة نومه إلى سطح المنزل وهو أهون الأمرّين رغم بعوضه ورطوبته العالية، وبعد أن يكمل المهمة يبدأ مع زوجته بالتناوب على أبنائه ( بالمهفة ) التي أصبحت حلقة الوصل ما بين الماضي والحاضر لحين عودة الكهرباء لتبدأ معها رحلة العودة لغرفة النوم.
إن تكرار هذه العملية وعددها تبعا لما هو مقرر في جدول القطع الغير منتظم في كثير من الأحيان ويحصل أحيانا قبل أن يكمل هذا الحّمال عمله كان ينقل اثنين من أبنائه الأربعة تعود الكهرباء تتذبذب وهنا يرجح صديقي السطح على غرفة نومه، أو يفعل مثل بعض جيرانه في منطقتهم الشعبية المكتظة المتلاصقة المنازل ذات الأزقة الضيقة فطريقتهم أجمل، ففي ساعات متأخرة من الليل تجد الأبواب المتقابلة مفتوحة والنساء يجلسن عند الأبواب مع أطفالهن الذين لا يرتدون غير السراويل (كالطرزانات) وحديث الجارات يكون أشبه بالصراخ ليعلوعلى أصوات المولدات معززا بالإشارات أما الرجال فيذهبون بعيدا في تجمعات ليلعبوا (المحيبس) وألعابا أخرى ، وينشغل البعض بإدامة مولداتهم المتعبة ذات المناشئ الرديئة والتي تصمت لأيام مثلما تصمت المولدات العملاقة للميسورين ذات المناشئ الجيدة، لكن الفرق أن الثانية تعود لتعمل بلمسة زر عند عودة صاحبها ومن معه من الاصطياف والاستجمام في لبنان أو أربيل.
إن معاناة الكهرباء استثمرت كثيرا من قبل المرشحين في دعاياتهم الانتخابية فصدق بعظهم بأن الكهرباء ستكون من أولى اهتماماته فلم يمر شهر على دخوله البرلمان حتى اشترى لمنزله مولدة عملاقة ، ولأن الكهرباء مشكلة حقيقية جلبت لصناديقهم الكثير من الأصوات بعد وعودهم الرنانة وحديثهم الأفلاطوني عن منجزات ستحصل في الغد الذي لن يأتي وعشنا معهم الأحلام مثلما يرسم البعض ومنهم صديقي المهندس برويته وميض آبار النفط القريبة والتي يراها من سطح منزله أحلاما جميلة ثم يفيق منها على صراخ أبنائه من لدغات البعوض.
أما آن الأوان لننعم بالكهرباء الحاضر الغائب ؟ فنحن شعب إلف الهم حد الخدر، فأنهكتنا الحروب بويلاتها وإفرازاتها من أرامل وأيتام وما فعله بنا حصار تسعينيات القرن الماضي، شاركنا حتى الحيوانات بأعلافها وبعنا كل ما في البيوت سوى العرض وافترشنا أرصفة بلدان لاتملك عشر ما عندنا من بترول واختلط الخبز بالدموع مرات ومرات، فلا طعم للزاد هناك سوى العلقم فما أشبه الغريب باليتيم وما أشبه ماضينا بالحاضر ليكون الإرهاب لنا الخاتمة وتزهق الأرواح البريئة في الأسواق والشوارع وتكون الكهرباء حلما بعيد المنال، فليس لنا سوى الصبر إن كان في العمر بقية.
نتطلع إلى اليوم الذي نرى فيه شوارعنا بلا ضجيج ولا دخان للمولدات ونتنقل بين شجيرات الورود بدلا من الحواجز الكونكريتية التي تثير الرهبة وتذكرنا بشبح الموت الذي نشاهده كل يوم من على شاشات التلفاز بأبشع صورة فيقض مضاجع الأطفال ويجعلنا في كثير من الأحيان نترك سفرة الطعام حتى قبل أن نبدأ.
برغم كل هذا وذاك يبقى الأمل، لأنه يعني الحياة ونبقى بانتظار اليوم الذي نحب فيه صيفنا مثل الشتاء وبانتظار أن تصل سلحفاة توفير الكهرباء هدفها ، حتى يترك صديقي المهندس مهنة الحمّال لينعم بنوم الليل و يبدع بعمله في النهار.



#مفيد_بدر_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجل بحاجة لحرب عالمية ثالثة
- هم ليسوا اغبياء
- مد ايدك للسمه اكرب
- لن اصفق لافتتاح المجسرات
- دولة سيد فرج
- ترحموا على جدي والنخيل
- ما تعلمت من القطة
- كفى تجاهلا للسياب
- ثلاثون مليون محلل سياسي
- جاسمية وهيلري كلنتن


المزيد.....




- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا
- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...
- الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول ...
- انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مفيد بدر عبدالله - مهندسا في الصباح حمّالا في المساء