أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - التشغيل والبطالة والأنتاجية في العراق : فضائيّون .. ومقنّعون .. وأشباح















المزيد.....


التشغيل والبطالة والأنتاجية في العراق : فضائيّون .. ومقنّعون .. وأشباح


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3921 - 2012 / 11 / 24 - 16:30
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


التشغيل والبطالة والإنتاجية في العراق
فضائيّون .. ومقنّعون .. واشباح


تمهيد
لا تقف التحديات الأقتصادية التي تواجه المجتمع العراقي بمختلف فئاته ( وخاصة فئة الشباب فيه ) عند محدودية التشغيل , وخلق الوظائف , مقارنة بحجم البطالة ( المطلق ) , أو ارتفاع وانخفاض معدلاتها ( النسبية ) .
ان عملية " صنع السياسة " , في هذا الأطار , يجب ان تتجاوز مقارباتها المبسطّة المعمول بها حاليا وعلى نطاق واسع . وان تحاول النفاذ من السطح ( حيث لايوجد في الأفق غير استحداث الوظائف ورصد تخصيصاتها في الموازنة العامة للدولة ) إلى حلول أكثر جدوى , تتجاوز ولو قليلا , الفهم السائد لأزمة التشغيل والبطالة ( حيث لا تقدم الحكومة , ومنظمات أخرى , للعاطلين غير " وجبات " التمكين النمطية , والتأهيل " الأجباري " لما يفترض انه انخراط لاحق في سوق العمل , وبناء جزئي ومبتسر وشكلي للقدرات , وتمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة قصيرة الأجل , مبدّدة للمال العام والجهد الخاص , لاتستطيع توفير الحد الأدنى من متطلبات الحصول على دخل دائم , ولا تمتلك أدنى فرصة للأستدامة ) .
ان أكثر النشطين اقتصاديا .. نشاطاً ( اذا صح التعبير ) , أي الشباب , لا يعانون فقط من تضاؤل فرص التشغيل الكافية , التي تتناسب مع ثقلهم ودورهم ومكانتهم ضمن القوى العاملة الكلية , ولكنهم يعانون ايضا من انخراطهم , وعلى نطاق يتسع باستمرار , في بيئة وقيم العمل غير اللائق ( وما يرتبط بها من احباط واغتراب وأهانة للكرامة البشرية ) . كما ان عددا لابأس به من الشباب المتعلمين , تعليما اوليّاً وعاليّاً , لا يعانون من الحصول على عمل لائق , بل يعانون من الأقصاء عن الدور , وتهميش القدرة على الأبتكار والقيادة , نظرا ً لكونهم مجرد " موظفين على الملاك الدائم " في مجالات عمل محدودة القيمة والأثر , تتركز في القطاع الحكومي , وتنتمي الى نمط وظائف اوائل القرن العشرين , وتتراجع , وأحيانا ً تنعدم فيها , انتاجية العاملين الى حدود غير مقبولة .
وعندما نُسقط العمل غير اللائق , والتشغيل الناقص , والبطالة المقنعّة , والعمل غير المنتج , من معادلة الأحتساب الحالي لمعدل البطالة , سنجد ان هذا المعدل مرتفع في العراق الى حدود خطيرة . والخطورة هنا لا تتجسد في معدل البطالة " الحقيقي " بحد ذاته , بل في بنيّة هذا المعدل , وابعاده , وتداعياته الحالية والمستقبلية السلبية بجميع المقاييس . فالشباب في أطار هذه البنيّة , أما عاطلون تماما عن العمل , او يمارسون عملا ً غير لا ئق , أو يغطون في نوم عميق على أرائك الريع النفطي , حيث لا أنتاجية , ولا تحقيق للذات , في دهاليز المؤسسات الحكومية .
ان العمل غير اللائق يكرّس اليأس والأحباط وانعدام الأمل . والعمل غير المنتج يكرّس الفشل والكسل وقيم الأتكاليّة والرعاية الأبوية , وعلاقات الأذعان , وليس المشاركة , بين أطراف العقد الأجتماعي . كما ان جميع اشكال العمل هذه هي تجسيد لسلوكيات سلطويّة مبددة للموارد المادية والبشرية , تقوم من خلالها الدولة الريعية بدفع " اعانات بطالة " شهرية , ولكنها باهظة التكلفة , إلى نسبة ضئيلة من العاطلين الشباب , وتحويلهم الى موظفين مقنّعين , واشباح , لا ضرورة لهم , يتم حجزهم في غرف حكومية جيدة التجهيز لثمان ساعات في اليوم , تلافيا لما قد يمارسه هؤلاء من سلوكيات ضارة سياسيا ( وليس اجتماعيا أو ثقافيا ً ) , فيما لو تم تركهم مع اقرانهم , العاطلين تماماً , خارجها .
أما الأكثر خطورة , والابقى اثرا ً , فهو تنامي الاحساس بانعدام الأفق . وبأن لا اختراق للبنية الصلدة للبطالة ( أو" العطالة " بمختلف اشكالها وتجلياتها ) إلا من خلال الأجراءات النمطية العقيمة التي تلفّ وتدور حول نواة الفشل ذاتها , حيث تتحالف الحكومة مع الرصيف , ومع ادبيات التنمية والتمكين الدولية , وتكتيكاتها القاصرة , والقصيرة الأجل , لتمنحنا في المحصلة النهائية خليطا من " العمل الناقص " و " العمل غير اللائق " والعمل غير المنتج " و " البطالة المقنعّة " .
ولا تنبثق السياسات المصممة لمواجهة هذه التحديات ( طويلة الأجل ) , ولا سياسات حل " أو تعليق " المشاكل ( قصيرة الأجل ) من الفراغ . كما انها لن تهبط علينا من سماوات اخرى . لذا فان على المهتمين بالشأن التنموي في العراق أن يعملوا على اعادة تعريف وتوصيف مفاهيم اساسية لفئة مجتمعية كبيرة في عددها , وهائلة في تأثيرها , لأن هذه الفئة ( على اختلاف مدركاتها , ومستوى تعليمها , وبيئتها الحاضنة ) , لم تعد تعرف شيئا ً , ولا تؤمن بشيء , ولا تسعى لشيء خارج اشتراطات وضعها الحالي .
وبالنسبة لهذه الفئة , فقد تساقطت , بالتقادم , جميع " الحقوق " التي تكفلها الدولة للأنسان في المجتمع البشري . لم يعد هناك سوى اولوية واحدة تتجسد في حق واحد , هو كسر القيد المهين للبطالة والحصول على فرصة عمل . ولا يهم فئة الشباب , بعد ذلك , لاالكيفية التي ستعمل بها .. ولانوع العمل , ولن يهمها , بل وليس من مصلحتها في شيء , ان تكون هناك علاقة ما , وان كانت طفيفة وسطحية , بين أجرها وانتاجيتها ( سواء أكان ذلك سلبا أم ايجابا ) . وبذلك سيكون مفهوم " الأنتاجية " قد طواه النسيان , ولم يعد ذو أهمية تذكر , لا للموظَف , ولا للقائم بالتوظيف .
لقد نجح نموذج الدولة في البلدان المتخلفة في استثمار تسقيط الحقوق بالتقادم , لتحويل اغلب " الحقوق الأنسانية " الى " مطالب فئوية " . ومن هذا المنطلق تحول " الحق في العمل " الى " مطلب للتشغيل " . وسرعان ما اصبح هذا المطلب هو الشغل الشاغل للجميع ( اي الدولة والمواطن والمجتمع الدولي على حد سواء ). والخطير في هذه المقاربة هو ان " البطالة " قد نجحت في اختزال مشاكل الشباب كلها ( وهي أهم وأكثر تعقيدا وأبلغ أثرا من مشكلة البطالة بكثير ) الى " مشكلة توظيف " . وبهذا تم " تقزيم " الموضوعات والسياسات المعنية بقضايا الشباب , وحرفها عن مساراتها , من خلال وضعها في خدمة هدف نهائي هو " خلق الوظائف " .
وضمن هذا السياق غابت الأهداف الأهم , والمشاكل الأهم , والتحديات الأكثر خطورة . وعلى سبيل المثال نجد ان الكثير من الدراسات قد تناولت البطالة بعدّها نتاجاً لنوعية غير ملائمة من التعليم لأحتياجات سوق العمل . غير أن لا أحد ( كما اعرف .. وقد اكون مخطئا في ذلك ) قد عمل على دراسة " بطالة الشاب " بعدّها نتاجا ً لقبوله , أو " إذعانه " لنوعية تعليمه . اي بأعتبار هذا الشاب ( وليس الحكومة و / أو الدولة ) مسؤولا ً عن خياراته الخاطئة , من خلال قبوله للأنخراط في هذا النمط المختّل من التعليم ( بكافة مراحله ) .
أنني اعرف طبعا( كما تعرفون انتم ايضا ) الأسباب التي تحول دون ذلك . غير ان احدا لم يجرّب ان يخوض غمار مقاربة كهذه , إلاّ في اضيق نطاق ممكن . ان الشباب بحاجة ماسّة لأعادة تعريفهم بحقوقهم من منظور مختلف . وهذا المنظور يتيح للشاب رفض الحق في التعليم , اذا كان هذا التعليم لا يتيح له أيّة فرصة توظيف في سوق العمل . ورفض التوظيف , اذا كان هذا التوظيف عقيماً وغير منتج . ورفض العمل , اذا كان هذا العمل غير لائق بالبشر . ورفض السياسات , اذا كانت قاصرة , و" شعبويّة " وآنيّة , ومحدودة الأثر , وغير ضامنة للأستدامة .
ان هذه الورقة تحاول ان تقدم لجميع العاطلين عن العمل ( وللشباب منهم خاصة ) , عرضا ً مبسّطا ً للمفاهيم والرؤى ذات الصلة بتشغيلهم وبطالتهم . وايضاحاً لوسائل واساليب التحليل والقياس الشائعة , والمستخدمة في بلدهم . اما الهدف من ذلك , فهو ان نقترب , ولو لخطوة واحدة , من فهم أفضل واعمق لخصائص وطبيعة إشكالية البطالة والتشغيل في العراق .
ان هذا الفهم, قد يساعد على رصد مشاكل أكبر واكثر تعقيدا ًمن مشكلة البطالة ( وخاصة بين الشباب ) . ان البطالة , في نهاية المطاف , هي نتيجة , وليست سببا , للكثير من المشكلات , التي لا تحظى بالقدر الذي تستحقه من الأهتمام . وهذه المشاكل المهملة ربما كانت هي المسؤولة ( وليس البطالة والفقر وحدهما ) عن الكثير من تفاصيل هذا الوضع الملتبس الذي يعيشه العراقيون ( بكافة فئاتهم ) الآن .



اولا ً : معدل البطالة
يبلغ معدل البطالة ( حسب مسح التشغيل والبطالة الذي اجراه الجهاز المركزي للأحصاء عام 2008 ) 15.3 % . واستناداً لبيانات الجهاز ذاته فقد انخفض معدل البطالة الى 8% في عام 2011 . وقد يكون لدينا ولدى غيرنا الكثير من التحفظات على مثل هذه التقديرات ( فهي في افضل الاحوال تقديرات مبنيَة على مسوح احصائية وليس على تعداد فعلي للسكان ) . إلا أن التحفظ الرئيس على احتساب هذا المعدل يعود الى قيام الجهاز المركزي للأحصاء بأستخدام معيار منظمة العمل الدولية في احتساب العاطلين . وهذا المعيار يعرَف العاطل بأنه : " الشخص الراغب والقادر والباحث عن العمل , وأن لا يكون قد عمل لأكثر من ساعة واحدة في الاسبوع السابق للمسح " .
ولا جدال في أن هذا المعيار لا يصلح لقياس معدل البطالة في بلد كالعراق لأسباب عديدة اهمها أنخفاض أجر الساعة الواحدة , وغياب نظام الحماية الاجتماعية للعاطلين , ووجود عدد كبير من العاطلين الذين ملَّوا من البحث عن فرصة عمل لاعتقادهم بعدم توفرها اصلاً . وهؤلاء هم من تطلق عليهم الأدبيات الاقتصادية صفة " العمال المحبطون " . وفي حال تم أخذ هذه التحفظات بالإعتبار فأن معدل البطالة سيكون أكبر بكثير من المعدل المذكور( كما سنشير الى ذلك لاحقا في سياق هذه الورقة) .
تشكّل الفئة العمرية (15-24 سنة ) 30% من اجمالي قوة العمل . وفي عام 2004 بلغ معدل البطالة لهذه الشريحة 43.8% انخفض الى 35% في عام 2006 , و.الى 26.14% في عام 2008 . وتتركز هذه البطالة بشكل رئيس في المناطق الحضرية .
أن نسبة كبيرة من الافراد ضمن هذه الفئة العمرية قد توقفوا عن ممارسة آخر عمل بدوام كامل منذ سنوات . وهذا يعد بمثابة مؤشر عن طبيعة سوق العمل , وضيق الفرص الدائمة التي تتاح امام الافراد للحصول على فرص عمل في القطاع الخاص .
وتتناسب البطالة عكسيا مع ارتفاع المستوى التعليمي . وطبقا لنتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة العراقية في عام 2007 , شكّل العاطلون عن العمل من حملة الشهادة الاعدادية فما دون ما نسبته 57.9% من مجموع العاطلين عن العمل . في حين بلغت نسبة العاطلين ممن يحملون شهادة اعلى من الاعدادية 29.1% . وتعكس النسبة المرتفعة للعاطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا (5.4%) وشهادة البكالوريوس ( 13.9%) هيكل الطلب على هذه الاختصاصات , وعدم ملائمة مخرجات التعليم العالي لاحتياجات سوق العمل .


ثانياً : هيكل قوة العمل
يتوزع النشطوَن اقتصاديا ضمن الفئة العمرية (10-30) سنة بنسبة 48% في قطاع الخدمات و 20% في القطاع الزراعي و 16% في القطاع التجاري و 13% في القطاع الصناعي ( 2007 ) . أما معدل غير النشطين اقتصاديا ً للفئة العمرية من ( 15- 24 ) سنة فيبلغ 42% . ويعود ذلك لاسباب عديدة اهمها الرغبة في اكمال الدراسة 61% , واعتبارات اجتماعية وظروف خاصة 30% , وعدم توفر فرص العمل 8% ( 2007) .
في عام 1985 كانت مساهمة القوى العاملة في الزراعة 24.5 % وفي الصناعة 23.5% , انخفضت الى 13.6% و 13.8% على التوالي في عام 2008 . بينما ارتفعت نسبة مساهمة القوى العاملة في قطاع الخدمات من 52% الى 71.7% للعامين المذكورين . وتعكس نسب المساهمة هذه الانخفاض المستمر في حصة القطاعين الزراعي والصناعي في الناتج المحلي الاجمالي . فقد بلغت حصة الزراعة من الناتج المحلي الاجمالي 4.4% والصناعة 2.4 % والخدمات 17.9 % مقابل 40.1% للنفط الخام (2009) .
أن قطاع الخدمات يجتذب ذوي المستوى التعليمي الاعلى ليصل ذروته بالنسبة لحملة الشهادات الجامعية الأولية والعليا . وهذا أمرٌ يبدو متسقاً تماماً مع واقع سوق العمل , ودور القطاع العام الكبير فيه , حيث يتركز تشغيل هؤلاء في قطاع الخدمات العامة . ويوظف القطاع العام حوالي ثلث القوى العاملة النشطة اقتصادياً , واكثر من نصف النساء النشطات اقتصاديا , ألا أنه لا يوظف سوى 4% من الشباب , وذلك بسبب طبيعة القانون الذي يمنع التوظيف في القطاع العام لمن هم دون سن 18 عام , مما يعني استبعاد الافراد بعمر من 10-17 عاما من العمل فيه .
ثالثاً : الفقر بين الشباب
تبلغ نسبة الفقر بين الشباب ضمن الفئة العمرية 15-24 سنة 22% . وهي قريبة جداً من نسبة الفقر الاجمالية البالغة 23% . وتنخفض نسبة الفقر مع التقدم في العمر . وتعكس هذه النسب الظروف السيئة التي تقيد فرص الشباب , وتحد من امكانية حصولهم على مصدر دائم للدخل .

رابعاً : التشغيل من خلال الموازنة العامة للدولة
بلغ عدد الدرجات الوظيفية المستحدثة ضمن الموازنة العامة للدولة 136000 درجة في عام 2007 . و 115000 في عام 2010 و 40000 في عام 2012 .
وعلى وفق بيانات قوانين الموازنة العامة الاتحادية فأن عدد القوى العاملة للوزارات والدوائر المموَلة مركزياً ارتفع من 2.060مليون للسنة المالية 2007 الى 2.468مليون (2010) والى 2.750مليون للسنة المالية 2012 . وتعمل النفقات التشغيلية في الموازنة العامة على تمويل كلفة الوظائف القائمة , وعلى خلق الوظائف الجديدة ايضاً , في ظل ضعف وتراجع دور القطاع الخاص في مجالات النشاط الاقتصادي كافة .
لهذا فقد بلغ متوسط حصة النفقات التشغيلية من اجمالي نفقات الموازنة العامة الاتحادية 70% للسنوات المالية 2008 – 2012 مقابل 30% للنفقات الاستثمارية . وكانت اكبر حصة للنفقات التشغيلية في موازنة عام 2009 اذ بلغت 78% ، وادنى حصة لها في عامي 2008 و 2012 اذ بلغت 67% و 68.4% على التوالي .
خامسا ً : البطالة والتشغيل الانتاجية
مع كل ما تم عرضه من بيانات ، فأن أغلب النسب والارقام المذكورة في سياق هذه الورقة ستبقى مشوبة بالتحفظ وعدم الدقة . ويعود ذلك لعدم وجود معطيات اقتصادية واجتماعية دقيقة في غياب الارادة السياسية اللازمة لتنفيذ تعداد عام للسكان (حتى وان كان ذلك لأغراض تنموية) ، وذلك بالرغم من توافر جميع الامكانات المادية والبشرية المطلوبة لاجراء هذا التعداد ، وتحليل نتائجه .
غير ان هناك نوعا ً من الاتفاق بين الكثير من الباحثين والمهتمين بالشأن الاقتصادي في العراق على ان العدد الفعلي من العاطلين عن العمل (لغاية عام 2007) تزيد على 1.3 مليون عامل من اصل 8 مليون عامل . وهذا يعني ان هناك معدل بطالة بحدود 15% من اجمالي قوة العمل وفق معايير منظمة العمل الدولية. ويمكن ان يرتفع هذا المعدل الى 40% اذا ما أضفنا " البطالة الناقصة " التي تقدر نسبتها بـ 25% من قوة العمل الاجمالية . اما السياق العام الذي تدور في اطاره هذه البطالة (بأشكالها المختلفة) فهو التدني الكبير في انتاجية القطاع الحقيقي , وتراجع مستوى الانتاج (كما ً ونوعا ً) كما تعكسه حالة القصور الواضح في نشاطات العرض الكلي للقطاعات السلعية في الاقتصاد .
ولن تتغير هذه المعطيات كثيرا ً في عام 2012 , اذا أخذنا بنظر الاعتبار معدل زيادة السكان وحجم القوى العاملة الداخلة سنويا ً الى سوق العمل.
وفي الوقت الذي تتراجع فيه حصة الصناعة التحويلية والزراعة من الناتج المحلي الاجمالي الى نسب تتراوح ما بين 2% و 5% ، على خلاف معدلاتها التاريخية التي كانت تتراوح بين 9% و 22% على التوالي قبل خمسة عقود ، فأن القطاع النفطي الذي تتراوح حصته ما بين 60% الى 70% من الناتج المحلي الاجمالي لا يشّغل من قوة العمل إلا مانسبته 2% فقط , في حين ان 98% من قوة العمل تنزوي وتتضاءل انتاجيتها الى حدود مخيفة في نشاط انتاجي سلعي وخدمي لا تتعدى مساهمته 30% من الناتج المحلي الاجمالي .
وعند استبعاد القطاع النفطي من تركيب معادلة الاقتصاد الوطني , فأن مساهمة الخدمات في تكوين الناتج المحلي الاجمالي لن تقل في افضل الاحوال عن 50% . مما يعني ان الاقتصاد العراقي قد أمسى اقتصادا ً خدميا ً ضعيف الانتاج والتنوع , وتغلب عليه النشاطات الخدمية الهشة التكوين.

خامسا ً : السلوك الريعي للدولة , والركوب المجاني "للمواطنين"

شجع السلوك الريعي المركزي في الانفاق (عبر ضخامة حصة النفقات التشغيلية في الموازنة العامة للدولة) ظاهرة "الركوب المجاني" على نطاق واسع .
ان الفرد في العراق لا يزال يعيش على مخيلة حقه في الريع النفطي مقابل التجنب الضريبي ، وبالتالي تحصيل مشاركة سياسية مثلى ، كشرط مسبق لتحقيق مشاركة مثلى في بناء الانتاج والدخل وتقوية أواصر التنمية والتطور الاجتماعي والاقتصادي.
ولا يزال النمط الريعي المركزي - الرعوي - الديمقراطي يوفـرّ افراطا ً مجتمعيا ً مشوها ً في العدالة على حساب الكفاية الانتاجية . واصبح هذا الأفراط في العدالة بعد العام 2003 تجسيد للتكلفة الحقيقية للديموقراطية في الاقتصاد السياسي للعراق .
وهكذا وفــّرت "العدالة الريعية" دخلا ً لقرابة (5) ملايين مواطن ، من موظفين ذو انتاجية متدينة ، ومتلقين للرعاية الاجتماعية ، والمتقاعدين .
وتشكل النفقات التحويلية والرواتب والاجور الحكومية مصدر العيش والدخل الوحيد تقريبا ً لحوالي 25 مليون مواطن عراقي من أصل 30 مليون نسمة . وعلى هذا الاساس فقد تكرست دالة من دوال الرفاهية الاجتماعية في العراق تشكل في جوهرها تكريسا ً للمجتمع الريعي (غير المنتج) وذلك من خلال بلورتها لنظام مختلّ للحوافز الاجتماعية الفردية تتفوق فيه قيم الاستهلاك والمضاربة على اخلاقيات الانتاج والاستثمار والولاء للعمل المنتج .
ان اعتماد الموازنة الريعية على مرتكز تشغيلي قوامه توليد طبقة واسعة من شاغلي الوظائف الحكومية سيعمل على صياغة هيكل توظيف يتمتع بالحصانة والتصلب المؤسسي .
ويتسع هذا الهيكل باتساع الموارد الريعية في فترات النمو والازدهار الاقتصادي ، ولكن لا يمكن المساس به في فترات الركود والانتكاس . كما يتمتع هذا الهيكل بكيان مؤسسي " حمائي " ، تكون الدولة فيه قريبة الشبه من "شركة تأمين اجتماعي" تعمل باتجاهات ثلاث , هي :
• لا تسريح من العمل لافراد هذه الطبقة , حتى وان كان ذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية هامّة وحاسمة.
• تخفيض المساهمة الضريبية لهذه الطبقة الى ادنى حد ممكن ، مع احتفاظها في ذات الوقت بجميع مكاسب الركوب المجاني ، ولأبعد مدى ممكن .
• عدم استعداد هذه الطبقة ، وبشكل قاطع ، للتنازل عن اي امتيازات تحققت لها في ظروف اقتصادية مؤاتية ، على صعيد الرواتب والدعم , والرعاية الاجتماعية ، والنفقات التحويلية الاخرى كافة .
سادسا ً : الفضائيّون .. والمقنـّعون .. والاشباح
افرزت انماط الادارة الهجينة وسياسات التشغيل "الشعبويّة " , والتقلبات الحادة في دورة الموازنة العامة الريعّية ، ومن خلال آثارها السلبية على السياسة المالية ؛ مظاهر جديدة لم يشهدها الاداء الوظيفي من قبل .
• فقد تعمقت وتنامت ظاهرة البطالة المقنّعة ؛ وتفشت في جميع مؤسسات الدولة الى حدود وصلت فيها انتاجية الكثير من العاملين الى الصفر . لقد اصبح هؤلاء "الموظفون المقنعّون " يتقاضون اعانات اجتماعية شهرية باهظة التكلفة من "شركة التأمين الاجتماعي" التي فتحت لها الدولة العراقية فروعا ً كثيرة في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي ، ومعظمها مجالات خدمية غير منتجة ,على وفق السمات والاختلالات التي أشرنا اليها في سياق هذه الورقة .
• ان نصف الموظفين العراقيين لايلتحقون بأعمالهم يوميا ً . والكثير منهم لايعملون فعلا ً اكثر من ساعتين او ثلاث كل يوم . وبعضهم يحضر الى مقر عمله يوميا ً ، ولايعمل على الاطلاق .
وعلى وفق تقارير دولية موثوقة ، ومن خلال الخبرات الشخصية للعديد من الباحثين , فأن ثلث الوزارات العراقية , تعاني من تفشي ظاهرة "الموظفين الاشباح" ، وهؤلاء هم "الاشخاص الذين تدفع لهم الرواتب بانتظام ، لكنهم لا يأتون (أو لا يتواجدون) مطلقا ً في مقرات عملهم" .
• اما على صعيد المؤسسة العسكرية والأمنية (وزارتي الداخلية والدفاع) والتي تستحوذ على 25% من تخصيصات الموازنة العامة للدولة ، فثمة مؤشرات ، وشبهات فساد , تحوم حول ما يسمى بالمنتسبين "الفضائيين" . وهؤلاء هم "الاشخاص الذين يتم تعيينهم شريطة استحواذ مسؤولهم الاعلى المباشر على نصف رواتبهم (او اي نسبة يتم الاتفاق عليها معهم) مقابل عدم الالتحاق بوحداتهم أصلا ً، او مقابل اعفاءهم من واجباتهم التقليدية.. او منحهم اجازات طويلة بشكل دائم" .
ان المقنعون والفضائيون والاشباح هم بمثابة "متلازمة مرضيّة" تنخر في الجسد الهش للاقتصاد وفي هيكله المختلّ ، وانتاجيته الميّتة .
وعندما تتعايش هذه المظاهر ، مع اتساع ظاهرة العمل غير اللائق ، خاصة في اوساط الشباب ، فأنها ستعمل على تكريس النزعات الاتكاليّة على الدولة الريعيّة ، وتساعد على تفشي الكسل المعرفي والانتاجي ، وتنزع عن الحوافز الاجتماعية والاقتصادية مضمونها التنموي ، وستجعل استدامة عملية التنمية بأسرها متوقفة على مصادفات النفط الخام . وهي مصادفات غير سارّة في اسوأ الاحوال ... وغير مستدامة في أفضلها .


المصادر

1- د.مظهر محمد صالح . مدخل في الاقتصاد السياسي للعراق . الدولة الريعية , من المركزية الى ديموقراطية السوق . بيت الحكمة . بغداد 2010
2- د.كمال البصري . الموازنة الفدرالية وتحديات الاقتصاد العراقي. المعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي. بغداد 2011 .
3- وزارة التخطيط . دائرة السياسات الاقتصادية والمالية . تقرير الاقتصاد العراقي لعام 2009 . كانون الأول 2010
4- وزارة العمل والشؤون الاجتماعية / منظمة العمل الدولية . وثيقة سياسة التشغيل الوطنية . 2010 .
5- الجهاز المركزي للاحصاء / الامم المتحدة / مسح شبكة معرفة العراق . نظام مراقبة الظروف الاجتماعية والاقتصادية في العراق . بغداد 2011 .
6- وزارة الشباب والرياضة / الجهاز المركزي للاحصاء / هيئة احصاء اقليم كردستان . التقرير التحليلي للمسح الوطني للقوة والشباب . نحو استراتيجية وطنية لشباب العراق. بغداد 2011.
7- شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية . الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية . الحق في التعليم . الحق في العمل . بيروت 2012 .
8- وزارة التخطيط . اللجنة الوطنية للسياسات السكانية . تحليل الوضع السكاني في العراق 2012 . بغداد 2012 .
9- جريدة الوقائع العراقية . قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2007 . العدد 4036 في 12-3-2007 .
10- جريدة الوقائع العراقية . قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2010 . العدد 4145 في 22-2-2010 .
11- جريدة الوقائع العراقية . قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2012 . العدد 4233 في 12-3-2012 .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضدّ النَسَق والنظام .. والحزب والثورة
- النفط ُ والدين .. وما أكل َ السبع ُ منه
- ها أنذا .. أبلغ ُ الستّين َ للمرّة ِ الألف ِ .. وأحبو إليها
- قصص قصيرة
- حكاية ُ حمار ٍ يُدعى ( سموك )
- عيوب عاديّة
- جئت ُ كالماء ِ .. و كالريح ِ أمضي
- الموازنة العامة المستجيبة للنوع الأجتماعي
- الأكاديمية العراقية لمكافحة الفساد : مقترحات ورؤى أولية حول ...
- ليس َ الآن
- الأقتصاد العراقي : قيود ومحددات صنع السياسة في مرحلة الأنتقا ...
- وقائع ُ الجَمْر ِ .. في بلاد الرماد
- مباديء الأستثمار .. في سوق النخاسة
- ليل الجيش .. وليل النفط .. وليل الأوديسة
- ستالين هنا .. تحت الجلد .. فوق المسامة
- الحمار الصغير .. والحمار الكبير
- حكاية الديك باشا
- عندما كنت طفلا .. وعندما كبرت
- التعديل الأخير لقانون غريشام
- في تلك الليلة


المزيد.....




- فيديو خاص: تعرف على أرض الذهب الأسود في إيران
- -نحن بحاجة إلى معجزة-: الاقتصادان الإسرائيلي والفلسطيني متضر ...
- بركان في القارة القطبية الجنوبية -ينفث الذهب-!
- هل ستؤدي زيارة رئيسي لإكمال مشروع نقل الغاز إلى باكستان؟
- بوتين يحدد أولويات السلطات في التعامل مع أضرار الفيضانات
- مستقبل التكنولوجيا المالية في منطقة المشرق العربي
- بعد تجارب 40 سنة.. نجاح زراعة البن لأول مرة في مصر
- كندا تسمح لـ-إيرباص- بشراء التيتانيوم الروسي
- -أرامكو- السعودية توقع صفقة استحواذ ضخمة
- مشروع ضخم جديد بين مصر والسعودية


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - التشغيل والبطالة والأنتاجية في العراق : فضائيّون .. ومقنّعون .. وأشباح