أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد ناشيد - الكتابة بالدم والألم














المزيد.....

الكتابة بالدم والألم


سعيد ناشيد

الحوار المتمدن-العدد: 3919 - 2012 / 11 / 22 - 18:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في لحظة مُعبّرة وعابرة، دهمني سؤال جدِّي حول جدوى الكتابة عن ربيع عربي تتخلله أعاصير؟ وما تُجديه الكتابة بالحبر البارد حين يُكتب التاريخ بدماء الأبرياء والعقلاء والبسطاء والدّهماء أيضاً؟ ألا تكون الكتابة وسط رائحة الموت مجرّد جُبن مُبطن؟ أم تراها أنانية كاتب يستخلص من آلام النّاس مادّة للكتابة؟ أم أنها ترف تسجيل مواقف ترجيحية أمام القرّاء أو هواة القراءة؟ أم هي وهم العقل المجرّد الذي ينظر إلى الجموع من علياء شرفته، لغاية الكلام عمن لا يحب الكلام إليهم؟ وفي الأخير؛ هل هي مجرّد رغبة في ترك أثر للعبور عبر العبارات، على طريقة «عابرون في كلام عابر»؟

كنت غارقاً في لجّة السؤال عندما جاءني الجواب من ذروة الحدث. الرّاوي، ناشط سوري سلمي، مرهف الحس، مفعم بالمشاعر الإنسانية، صديق قريب من الروح والقلب. لكنه أيضاً طبيب متدرب، كان وقت الواقعة في حراسة ليلية في أحد مستشفيات العاصمة السورية. لكنه الآن معتقل من طرف أجهزة الاستخبارات السورية. أرجو له السلامة والحرية.

تقول الحكاية: في يوم «الجمعة العظيمة» (22 نيسان/ابريل 2011)، اقتحم رجال الأمن مستشفى في العاصمة السورية، وسلّموا للأطباء جثة شاب مضرّجة بالدماء ثم انصرفوا. وجرّاء الظروف الأمنية، بادر الطاقم الطبي إلى وضع الجثة داخل برّاد الأموات. في الغد، عاد الأطباء للقيام بإجراءات الفحص والتوثيق. ولما فتحوا درج الجثة لاحظوا وجود عبارة مكتوبة بالدم تقول: «أنا حي». على الفور أخرجوا الجريح من البراد. لكنه كان قد صار جثة هامدة.

وقتها أدرك الجميع هول ما حدث: عند تسلمه، لم يكن ذلك الشاب قد فارق الحياة بعد، لكنه كان في غيبوبة عميقة. ومن الواضح أنه استفاق في إحدى اللحظات، وأحس بجسمه يتنمل وسط ظلام بارد، وربما راوده الشك في ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة. وقد يكون تحسّس بعض أطراف جسمه المنزوف، فاهتدى إلى موضع الجرح، ثم بدأ يلامس الدم البارد وهو يكاد يتجمد، ما أيقظ فيه الإحساس بالألم. ووحده الألم كان دليله على أنه لم يفارق الحياة.

ربما... لكن، كيف يعبر عن هذا الكشف الغامض والمشفوع بأمل خافت وبألم ينبض قليلاً؟ كيف يحكي عن ذلك الكشف ولو بعد فوات الأوان؟ وهل ثمّة من معنى لذلك الرعب الذي يحدث له إذا لم يصر حكاية تُحكى ورواية تروى؟

كانت أمام ذلك الجريح فرصة أخيرة لينقذ الحدث: أن يكتب، ولو بالدم الذي بدأ يبرد ويتجمد، وبالألم الذي يدل على بقايا نبض حياة. كلمة واحدة تكفي لتقول كل شيء، لا سيما حين تكتب بدماء نزيف هو في الأصل ثمن شعب أراد الحياة: «أنا حي». مات الجريح أخيراً في عزلة قاتمة. ربما الجسد لم يتحمل ضيق الدرج وبرودة الصندوق. وإذا لم يكن للكتابة بالدم البارد أن تغير من قدر الموت شيئاً، فإنها على الأقل، بل وعلى الأرجح، جعلت من هذا الموت الصامت حدثاً مدوياً وقويّاً. هنا الإجابة: قد لا تغير الكتابة من قوّة الأشياء شيئاً. لكن، لا يصبح أي شيء حدثاً قوياً إلا بفعل قوّة الكتابة. لذلك، لم يولد التاريخ إلا مع ظهور الكتابة، ولن ينتهي التاريخ إلا بموت الكتابة. ولذلك أيضاً، يحدث لنا أن نكتب.



#سعيد_ناشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية الدينية أولاً
- أنا أتَّهمكم أيُّها الأمريكيُّون
- سعيد ناشيد- كاتب ومفكر حر من المغرب - في حوار مفتوح مع القار ...
- في حاجة أرض الحرَمين إلى الإصلاح الديني
- خمس فرضيّات حول القرآن
- رائف بدوي: شاب سعودي يواجه الظلام
- خمس فرضيَّات حول الوحي
- أخلاق الحداثة و-أخلاق- النفاق
- لماذا أقول: أنا مسلم؟
- عندما نسينا ماركس
- ما هو القرآن؟
- وسائل الإعلام وثقافة الجموع (3
- من بيروت إلى التراث.. تأشيرة عبور باسم جورج طرابيشي
- الاعتذار عن الاستعمار: هل نستحق الاعتذار؟
- النّار والمَعبد
- هل العلمانية مجرّد خدعة بَصرية؟
- ما نتعلمه من سيون أسيدون وما تعلمناه
- الحادي عشر من شتنبر.. مرتين: أضواء على معمار ما بعد الحاثة
- هل ستكون هناك حرب عالمية خامسة؟
- العلمَانية المَعْطوبَة بين الهَوَسُ الجِهَادِي والهَوَسُ الص ...


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد ناشيد - الكتابة بالدم والألم