أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان مجيد - مطالعات في كتاب (( فلسفتنا )) للشهيد / محمد باقر الصدر القسم الثاني نظرية المعرفة















المزيد.....


مطالعات في كتاب (( فلسفتنا )) للشهيد / محمد باقر الصدر القسم الثاني نظرية المعرفة


سلمان مجيد

الحوار المتمدن-العدد: 3918 - 2012 / 11 / 21 - 19:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد ذهبنا في القسم الاول من الموضوع هذا الى استعراض المقدمات و الممهدات الخاصة بهذا الكتلب ، و المتمثلة : بالتقديم و المقدمة و كلمة المؤلف ، وهذه عبارة عن تعريفات بالكتاب و صاحبه ، اضافة الى ما تناولناه في مطالعتنا تلك ، المسألة الاجتماعية و المذاهب الاجتماعية ، ومنها الديمقراطية الرأسمالية و الاشتراكية و الشيوعية ، وبين هذه المواضيع تم التعريف بها و ما تنطوي عليه من امور قد تكون لها او عليها . اما في هذا القسم ، فستنصب المطالعة على موضوع محدد هو : التعريف بنظرية المعرفة ، من وجهة نظر الكتاب ، متناولين في ذلك المصدر الاساسي للمعرفة ، ثم سنأتي في القسم القادم على قيمة المعرفة ، مقتفين في هذه المطالعة ذات الطريقة التي اتبعت في القسم الاول ، وهي نقل ما نطالعه من الكتاب بكل امانة دون اضافة او نصقان ، و بشكل مختصر يتلائم و المساحة التي يتيحها هذا المنبر الحر و المحترم ( الحوار المتمدن ) و معلمين ذلك المنقول او المقتبس بعلامة قوسين مزدوجين ، كما التالي ((...... )) ، وبالتأكيد الذي يريد الاستزادة و التأكد من حقيقة الأفكار و الاراء ما عليه سوى الرجوع الى المصدر الاصلي ( كتاب فلسفتنا ) ، و الذي اوردت المعلومات الخاصة به في القسم الاول من هذا الموضوع يرى الكتاب ــ كمدخل ــ ان المعرفة الانسانية قد حظت بأهتمام كبير ، تمثل بالمناقشات الفلسفية الحادة ، وذلك لدور هذا الامر في اقامة فلسفة متماسكة ، تفسر معنى الكون و الحياة ، لانه بدون هذه المعرفة لايمكن القيام باي دراسة ، مهما كان شكلها ، و ان من اهم تلك الامور المتعلقة بهذه المناقشات هو العمل على معرفة مصادر المعرفة الاساسية ، لذلك برز السؤال التالي : (( كيف نشأت المعرفة عند الانسان ؟ )) و للاجابة على هذا السؤال ، يشير الكتاب الى : (( ان الانسان ــ كل انسان ــ يعلم اشياء عديدة في حياته ، و تتعدد في نفسه الوان من التفكير و الادراك ، ولا شك في ان كثيرا من المعارف الانسانية ينشأ بعضها عن بعض ، فيستعين الانسان بمعرفة سابقة على تكوين معرفة جديدة ،و المسألة هي : ان نضع يدنا على الخيوط الاولية للتفكير،على الينبوع العام للادراك بصورة عامة . )) و ينوه الكتاب الى ان الادراك ينقسم الى : 1 / التصور وهو الادراك الساذج ، و 2 / التصديق وهو : الادراك المنطوي على ـ حكم ـ ، (( فألتصور كتصورنا لمعنى الحرارة او النور او الصوت ، و التصديق كتصديقنا بأن الحرارة طاقة مستوردة من الشمس ، وان الشمس أنور من القمر ، وان الذرة قابلة للانفجار . ))
التصور و مصدره الاساسي // ما يقصده الكتاب بكلمة ( الاساسي ) هو (( المصدر الحقيقي للتصورات و الادراكات البسيطة )) حيث ان العقل البشري يتضمن قسمين من التصورات ، اولهما : (( المعاني التصورية البسيطة ، كمعاني الوجود و الوحدة و الحرارة و البياض ، وما الى ذلك من مفردات التصور البشري )) اما القسم الثاني من التصورات البشرية ، التي تتضمن معاني مركبة ، و التي هي عبارة عن ناتج الجمع بين مجموعة من التصورات البسيطة ، و يضرب الكتاب مثالا بسيطا لتوضيح الفكرة ، و ذلك ففي حالة تصورنا لجبل (( من تراب ، نتصور ( قطعة من الذهب ) ثم نركب بين هذين التصورين فيحصل بالتركيب تصور ثالث ، وهو ( تصور جبل من ذهب ) و هكذا ترجع جميع التصورات المركبة الى مفردات تصورية بسيطة )) و ان الغاية التي يستهدفها الكتاب من ذلك هو الوصول الى المصدر الحقيقي لهذه المفردات او التصورات البسيطة من الادراك البشري ، و يؤكد الكتاب على ان هذه المسألة لها تاريخ طويل في جميع مراحل نمو و تطور الفلسفة عامة ، كألفلسفة اليونانية و الاسلاميةو الاوربية المعاصرة ، و كان نتيجة ذلك كله ان ظهرت عدة حلول او رؤى تمثلت بعدد من النظريات منها :
1 // نظرية الاستذكار الافلاطونية : (( وهي النظرية القائلة : بأن الادراك عملية استذكار للمعلومات السابقة ، و قد ابتدع هذه النظرية افلاطون ................ فكان يعتقد ان النفس الانسانية موجودة بصورة مستقلة عن البدن قبل وجوده ، و لما كان وجودها هذا متحررا عن المادة و قيودها تحررا كاملا اتيح لها الاتصال بألمثل ، اي : بألحقائق المجردة عن المادة و امكنها العلم بها ، وحين اضطرت الى الهبوط من عالمها المجرد للاتصال بألبدن و الارتباط به في دنيا المادة ، فقدت بسبب ذلك كل ما كانت تعلمه من تلك المثل و الحقائق الثابتة ، و ذهلت عنها ذهولا تاما ، لكنها تبدأ بأسترجاع ادراكاتها عن طريق الاحساس بألمعاني الخاصة و الاشياء الجزئية .............. فمتى احست بمعنى خاص انتقلت فورا الى الحقيقة المثالية التي كانت تدركها قبل اتصالها بألبدن ، و على هذا الاساس يكون أدراكنا للانسان ــ اي : لمفهوم الانسان بصورة كلية ــ عبارة عن استذكار لحقيقة مجردة كنا قد غفلنا عنها ، و انما استذكرناها بسبب الاحساس بهذا الانسان الخاص او ذاك من الافراد التي تعكس من عالم المادة تلك الحقيقة المجردة )) و الملاحظ مما تقدم ان هذه النظرية تركز على مسألتين فلسفيتين هما : أ / ان البدن وجد بعد وجود النفس ، حيث حظت بمكانة اسمى من المادة . . ب / (( ان الادراك العقلي عبارة عن ادراك الحقائق المجردة الثابتة في ذلك العالم الاسمى ، و التي يصطلح عليها افلاطون ـ المثل ـ )) ، ويشير الكتاب خظأ هاتين النظريتين ، استنادا الى أراء ناقدي الفلسفة الافلاطونية ، و ذلك من وجهة نظر هؤلاء ، ان النفس (( في مفهومها الفلسفي العقول ليست شيئا موجودا بصورة مجردة قبل وجود البدن ، بل هي نتاج حركة جوهرية في المادة ، تبدأ النفس بها مادية متصفة بخصائص المادة و خاضعة لقوانينها ، و تصبح بالحركة و التكامل وجودا مجردا عن المادة لا يتصف لصفاتها و لايخضع لقوانينها وان كان خاضعا لقوانين الوجود العامة ............... و اما المفهوم الافلاطوني ــ الذي يفترض للنفس و جودا سابقا على البدن فهو أعجز ما يكون عن تفسير هذه العلاقة )) ، اما بالنسبة للادراك العقلي ــ يوضح الكتاب ــ حيث يمكن توضيحه مع استبعاد فكرة ــ المثل ــ عن البحث على ضوء شرح أ رسطو في بحوثه الفلسفية ، وذلك (( من ان المعاني المحسوسة هي نفسها المعاني العامة التي يدركها العقل بعد تجريدها عن الخصائص المميزة للافراد و استبقاء المعنى المشترك )) .
2 / النظرية العقلية : ان هذه النظرية لا تقتصر على عدد قليل من الفلاسفة او فيلسوف واحد ، كنظرية الاستذكار المنسوبة الى افلاطون ، بل ان هذه النظرية يتبعها عدد غير قليل من الفلاسفة الذين هم على قدر كبير من الاهمية بالنسبة للفلسفة المعاصرة في اوربا ، ومن اشهرهم ــ ديكارت ــ و ــ كانت ــ ، و ان فحوى هذه النظرية يتمثل بوجود مصدرين للتصورات ــ موضوع البحث ــ و هما : 1/ الاحساس ، فأن تصور الاشياء ، كألحرارة و الضوء و الطعم و الصوت مثلا من خلال احساسنا بتلك الاشياء . 2/ الفطرة : وهذا يعني ان الذهن او العقل البشري يمتلك قدرات و تصورات لم يكن مصدرها الحس (( و انما هي ثابتة في صميم الفطرة ، فالنفس تستنبط من ذاتها ، وهذه التصورات الفطرية عند ــ ديكارت ــ هي فكرة ( الله و النفس و الامتداد و الحركة ) وما اليها من افكار تتميز بألوضوح الكامل في العقل البشري . و اما عند ــ كانت ــ فألجانب الصوري للأدراكات و العلوم الانسانية كله فطري بما يشتمل عليه من صورتي الزمان و المكان و المقولات الاثنتى العشرة المعروفة عنه )) ، وعلى هذا الاساس اتخذ مريدي هذه الفلسفة ( العقلية ) ليس ( الحس ) فقط كمصدر للتصورات بل ( الفطرة ) ايضا ، و التي تنبثق عنها طائفة من التصورات التي ليس لها ادنى صلة بالحس ، و ان الذي (( اضطر العقلين الى اتخاذ هذه النظرية البسيطة في تعليل التصورات البشرية هو : انهم لم يجدا الطائفة من المعاني و التصورات مبررا لأنبثاقها عن ــ الحس ــ لأنها معان غير محسوسة ، فيجب ان تكون مستنبطة للنفس أستنياطا ذاتيا من صميمها )) ، و الذي يتبين من ما تقدم ــ حسب رأي الكتاب ــ ان الدافع الفلسفي الى ايجاد النظرية العقلية يزول تماما ، اذ استطاع الكتاب ان يفسر (( التصورات الذهنية تفسيرا متماسكا من دون الحاجة الى افتراض افكار فطرية )) و لأجل ذلك يقوم المؤلف بتفنيد النظرية العقلية عن طريقين هما : الاول / (( تحليل الادراك تحليلا يرجعه برمته الى الحس و ييسر فهم كيفية تولد التصورات كافة عنه . )) و الثاني / (( هو الاسلوب الفلسفي للرد على التصورات الفطرية ، ويركز على قاعدة : ان الاثار الكثيرة لا يمكن ان تصدر عن البسيط بأعتباره بسيطا ، و النفس بسيطة فلا يمكن ان تكون سببا بصورة فطرية لعدة من التصورات و الافكار ........... )) و يضيف الكتاب بأن نقد هذين البرهانين يستوجب شرحا للقاعدة التي قام على اساسها ، اضافة الى ضرورة اعطاء ايضاح عن حقيقة النفس و بساطتها ، الا ان ــ و كما يشير الكتاب ــ المجال لا يعطيه متسعا ، الا انه يجد ضرورة الاشارة الى : 1 / (( ان هذا البرهان اذا امكن قبوله فهو لا يقضي على نظرية الافكار الفطرية تماما ، لانه انما يدلل على عدم وجود كثرة من الادراكات بألفطرة )) 2 / (( ان النفس بسيطة بألذات ، فكيف و لدت ذلك العدد الضخم من الافكار الفطرية ؟ )) . 3 // النظرية الحسية : ان هذه النظرية فيها شئ من النظرية السابقة ( العقلية ) وخاصة ما يتعلق بدور الحس كمصدر من مصادر التصورات و المعاني ، الا ان الفرق قد يتمثل بتأكيد النظرية هذه بأثر القوة الذهنية في اتخاذ الدور العاكس لتلك الاحساسات المختلفة في الذهن البشري ، وعلى هذا الاساس ليس للذهن الا التعامل في صورة المعاني المحسوسة (( و ذلك بألتركيب و التجزئة )) و كذلك (( بألتجريد و التعميم : بأن يفرز خصائص الصورة و يجردها عن صفاتها الخاصة ليصوغ منها معنى كليا )) ، وان المبشر بهذه النظرية هو ( جون لوك ) و الذي عارض في نظريته ( ديكارت ) ، في انه ارجع كل التصورات و المعاني المدركة الى الحس رافضا ان يكون للفطرة التي نادى بها ( ديكارت ) اي دور في ادراك المعاني و التصورات في الذهن البشري ، و لقد انساق مع افكار ( جون لوك ) البعض من فلاسفة اوربا ك ( باركلي ) و ( دافيد هيوم ) ، ومن الفلسفات التي تبنت هذه النظرية ( الماركسية ) متخذة منها منهجا في تفسير الشعور البشري ، بأعتباره انعكاس للواقع الموضوعي ومن المرتكزات التي ترتكز عليها هذه النظرية هو التجربة ، الا ان الكتاب يضع عقبة امام قبول هذه النظرية قبولا تاما ، حيث يورد : بأن هذه (( التجارب ــ اذا صحت ــ انما تبرهن عمليا على ان الحس هو الينبوع الاساسي للتصور ، فلولا الحس لما وجد تصور في الذهن البشري ، و لكنها لا تسلب عن الذهن قدرة توليد معان جديدة ــ لم تدرك بألحس ــ من المعاني المحسوسة ، فليس من الضروري ان يكون قد سبق تصوراتنا البسيطة جميعا الاحساس بمعانيها كما تزعم النظرية الحسية )) ، و من الدلائل التي يسوقها الكتاب في النيل من هذه النظرية ، بأن يوضح (( فشل النظرية الحسية في محاولة ارجاع جميع مفاهيم التصور البشري الى الحس على ضوء دراسة عدة من مفاهيم الذهن البشري ، كألمفاهيم التالية : العلة و المعلول ، الجوهر و العرض ، الامكان و الوجوب ، الوحدة و الكثرة ، الوجود و العدم ، و ما الى ذلك من مفاهيم و تصورات ))
4 // نظرية الانتزاع : ان هذه النظرية تلك التي حلق حولها الفلاسفة المسلمين ، محاولين الاحاطة بكل ما تنطوي عليه من اسس و مبأدئ تتلائم مع عقيدة الاسلام ، اضافة الى انها قادرة على محاورة الفلسفات و الفلاسفة منذ نشأتها و الى يومنا ، وهذا دليلنا بين اليد متمثلا بفلسفة السيد الشهيد و كتابه ( فلسفتنا ) ، و ان ملخص هذه النظرية انها تتناول موضوعة التصورات الذهنية من خلال تقسيمها الى قسمين وهما : التصورات الاولية و التصورات الثانوية ، و الاولية تلك تتجسد من خلال الاحساس بصورة مباشرة و ذلك عن طريق الحواس الخمسة ــ السمع و البصر و اللمس و الشم و الذوق ــ و تلك الحواس هي التي توصل لنا التصورات و المعاني ، و (( تتشكل من هذه المعاني القاعدة الاولية للتصور و ينشئ الذهن بناء على هذه القاعدة التصورات الثانوية ، فيبدأ بذلك دور الابتكار و الانشاء ، وهو الذي تصطلح عليه هذه النظرية بلفظ ــ الانتزاع ــ فيولد الذهن مفاهيم جديدة من تلك المعاني الاولية ، وهذه المعاني الجديدة خارجة عن طاقة الحس و ان كانت مستنبطة و مستخرجة من المعاني التي يقدمها الحس الى الذهن و الفكر . )) ويؤكد الكتاب أهمية هذه النظرية و ذلك : 1 / (( ان هذه النظرية تتسق مع البرهان و التجربة ، و يمكنها ان تفسر جميع المفردات التصورية تفسيرا متماسكا )) 2 / لهذه النظرية دور في فهم انبثاق مفهومي العلة و المعلول ، و الجوهر و العرض ، و الوجود و العدم ، و الكثرة و الوحدة في الذهن البشري ، و ان تلك المفاهيم ماهي الا مفاهيم قد تم انتزاعها الذهن من المعاني المحسوسة عن طريق الحواس .
التصديق و مصدره الاساسي : بعد ان يستوفي الكتاب موضوع الادراكات الساذجة ــ بحثا ــ من خلال نظرة بعض النظريات ، القديم منها و المعاصر ، ينتقل الى دراسة الادراكات التصديقية ، و التي تنطوي على اصدار الاحكام التصديقية ، لكي يحصل الانسان على المعرفة الموضوعية ، و المطالع لهذا الجزء من الموضوع يلاحظ انه على درجة عالية من الرصانة ، لذلك تجد نفسك مضطرا على ايراد النص كما هو ، لصعوبة اجتزاء جزء منه دون ان يمس بوحدة الفكرة ، لذلك سنحاول اقتطاع بعض النصوص لتوضيح الفكرة معتمدين على قدرة القارئ في ادراك المعنى ، ان كان معها او عليها . المهم يورد الكتاب ــ كمدخل ــ الى ان كل واحد من البشر يدرك قضايا عديدة يصدقها تصديقا تاما ، منها قضايا فلسفية كقولنا : الكل اعظم من الجزء ، و قضايا طبيعية كقولنا : الحرارة تولد الغليان ، و قضايا رياضية كقولنا : ان محيط الدائرة اكبر من قطرها ، و ان هذه القضايا تسمى بالقضايا الكلية و العامة ، وان المشكلة ــ من وجهة نظر الكتاب ــ هي : (( مشكلة اصل المعرفة التصديقية و الركائز الاساسية التي يقوم عليها صرح العلم الانساني )) و للوصول الى مصدر اصل الاحكام و العلوم و الاصول التي تنتهي اليها المعارف البشرية في التعليل ، و التي تعتبر معيارا اوليا للتميز بين الحقيقة من عدمها ، و حتى تتحقق تلك الغايات ، يشير الكتاب الى ان لهذه المسألة اثنين من وجهات النظر الفلسفية و الفكرية ، و التي سيتناولها بالدرس و البحث الاول المذهب العقلي الذي تتبناه الفلسفة الاسلامية ، و الثاني هو المذهب التجريبي و هو الذي تتخذه عدة مدارس مادية ، و منها الماركسية منهجا لها .
اولا // المذهب العقلي : و هو المذهب الذي تبناه الفلاسفة المسلمون كما ذكر اعلاه ، و ان هذا المذهب يقسم المعارف البشرية الى قسمين : اولهما تلك المعارف الضرورية ، التي تصدقها النفس دون الحاجة الى الدليل او برهان ، ومن هذه المعارف او القضايا مثلا : (( النفي و الاثبات لا يصدقان معا في شئ واحد ، و الحادث لا يوجد دون سبب ......و الكل اكبر من الجزء ...... )) الى غير ذلك ، اما القسم الثاني من المعارف او القضايا تلك التي تعرف بألنظرية لا تؤمن النفس بصدقيتها دون ان تكون هناك معارف و معلومات سابقة عليها ، حتى يمكن صدور حكم التصديق بها ، ومن تلك القضايا : ( الارض كروية ، و ان الحركة سبب الحرارة ، و زوايا المثلث تساوي قائمتين .... وغير ذلك من القضايا الاخرى المماثلة في الفلسفة و العلوم ، اذن بموجب ذلك فأن المعارف النظرية تستند في صدقيتها الى المعارف الاولية او الضرورية (( فلو سلبت تلك المعارف الاولية من الذهن البشري لم يستطع التوصل الى معرفة نظرية مطلقا )) ومن الامثلة التطبيقية لأختبار صحة هذه العملية ، اي ارتباط صدقية المعارف النظرية او الثانوية على اساس المعارف الاولية او الضرورية ، و يورد الكتاب مثالا على ذلك يتمثل في (( ان الانسان حين يحاول ان يعالج قضية جديدة كقضية ( حدوث المادة ) مثلا ــ ليتأكد من انها حادثة او قديمة يكون بين يديه امران : احدهما الصفة الخاصة وهي ( الحدث ) ، و الاخر الشئ الذي يريد ان يتحقق من اتصافه بتلك الصفة و هو ( المادة ) ، ولما لم تكن القضية من الاوليات العقلية ، فألانسان سوف يتردد بطبيعته في اصدار الحكم و الاذعان بحدوث المادة ، و يلجأ ــ حينئذ ــ الى معارفه السابقة ليجد فيها ما يمكنه ان يركز عليه حكمه ، و يجعله واسطة للتعرف على حدوث المادة ، و تبدأ بذلك عملية التفكير بأستعراض المعلومات السابقة . )) و بناء على تلك المعطيات التي يتبناها المذهب العقلي يترتب ما يلي : 1 / (( ان المقياس الاول للتفكير البشري بصورة عامة هو : المعارف العقلية الضرورية ، فهي الركيزة الاساسية التي لا يستغني عنها في كل مجال ، و يجب ان تقاس صحة كل فكرة و خطؤها على ضوئها . و يصبح بموجب ذلك ميدان المعرفة البشرية اوسع من حدود الحس و التجربة )) 2 / (( ان السير الفكري في رأي العقليين يتدرج من القضايا العامة الى قضايا اخص منها ، من الكليات الى الجزئيات ، و حتى في المجال التجريبي الذي يبدو لاول وهلة ان الذهن ينتقل فيه من موضوعات تجريبية جزئية الى قواعد و قوانين عامة ، يكون الانتقال و السير فيه من العام الى الخاص ))
ثانيا / المذهب التجريبي :
ان هذا المذهب ، كمذهب العقليين ، فيما يتعلق بالبحث عن الاصل في معارف الانسان ، الا ان الفرق بينهما هو الطريقة التي يحصل فيها الانسان على معارفه و علومه ، فبعد ان عرفنا بأن العقليين يرجعون هذه المعارف الى الفطرة او ما تعرف بألاولية او النظرية ، وكذلك الثانوية التي لا يتاح لها ان تكون صادقة الا بألاستناد الى المعارف الاولية . ما نقوله :ان هذه الطريقة لا يعترف بها اصحاب المذهب التجريبي ، حيث انهم يعتقدون بأن مصدر معارف البشر يعتمد على التجربة ، فعندما يكون الانسان (( مجردا عن التجارب بمختلف الوانها لا يعرف اية حقيقة من الحقائق مهما كانت واضحة ، و لذا يولد الانسان خاليا من كل معرفة فطرية و يبدأ ادراكه بأبتداء حياته العملية ، و يتسع علمه كلما اتسعت تجاربه ، و تتنوع معارفه كلما تنوعت تلك التجارب )) و على هذا الاعتبار فألتجريبيون لا يعترفون بأي معرفة سابقة ، حتى المعارف الاولية التي اعتبرها العقليون المعيار او المقياس لكل معرفة ، و نتيجة لذلك ستنشأ ثوابت عند التجريبين هي : أ / (( تحديد طاقة الفكر البشري بحدود الميدان التجريبي )) . ب / (( انطلاق السير الفكري للذهن البشري بصورة معاكسة لما يعتقده المذهب العقلي ))
نقد المذهب التجريبي // بعد استعراض ما يتعلق بألمذهب التجريبي ، يؤكد مؤلف الكتاب بأنه يجد نفسه مضطرا الى رفض هذا المذهب ، و ذلك لما يراه من الاسباب التالية : 1 / حيث يبدأ اعتراضه بسؤال ، بأعتبار ان التجربة هي المقياس الاساسي لتميز الحقيقة ، و التساؤل هو : هل ان تلك القاعدة معرفة اولية قد يحصل عليها الانسان من دون تجربة سابقة ، او انها كغيرها من المعارف البشرية ليست فطرية و لا ضرورية ؟ (( فاذا كانت معرفة اولية سابقة على التجربة بطل المذهب التجريبي ، الذي لا يؤمن بألمعارف الاولية ..)) 2 / ان الفلسفة التي يعتمد عليها المذهب التجريبي ، غير قادر على اثبات المادة (( لأن المادة لا يمكن الكشف عنها بألتجربة الخالصة ، بل كل ما يبدو للحس في المجالات التجريبية انما هو : ظواهر المادة و اعراضها ، و اما نفس المادة بألذات ــ الجوهر المادي الذي تعرضه تلك الظواهر و الصفات ــ فهي لا تدرك بألحس )) 3 / (( ان الفكر لو كان محبوسا في حدود التجربة و لم يكن يملك معارف مستقلة عنها لما اتيح له ان يحكم بأستحالة شئ من الاشياء مطلقا ، لأن الاستحالة ــ بمعنى عدم امكان وجود الشئ ــ ليس مما يدخل في نطاق التجربة ، و لايمكن للتجربة ان تكشف عنه )) 4 / ان المذهب التجريبي غير قادر على اثبات ميدأ العلية ، كما النظرية الحسية غير قادرة على اعطاء تعليل صحيح للعلية كفكرة تصورية ، المذهب التجريبي كذلك عاجز عن البرهنة على صحة تلك العلية ، بأعتبارها فكرة تصديقية ،فألشئ الذي تقدر عليه التجربة ــ فقط ــ هو التعاقب بين ظواهر معينة لا غير .
و اخيرا بألنسبة لنا ، نشير الى تلك اللمحة التي يعطيها الكتاب عن الماركسية و التجربة ، حيث يرى ان المذهب التجريبي الذي عرضه الكتاب يطلق على رأيين في قضية المعرفة و هما : ا / ان المعرفة البشرية بعمومها تتوفر في المرحلة الاولى ، اي ما يعرف بألأحساسات و التجارب البسيطة . ب/ اما الرأي الاخر ، الذي يقول بأن للمعرفة البشرية خطوتين الاولى : الخطوة الحسية و الثانية العقلية ، او ما تطلق عليه الماركسية ، بألتطبيق و النظرية ، اي مرحلة التجربة التي تعقبها مرحلة المفهوم و الاستنتاج (( فنقطة الانطلاق للمعرفة هي : الحس و التجربة و الدرجة العالية لها هي : تكوين مفهوم علمي و نظرية تعكس الواقع التجريبي بعمق و دقة )) و ان الرأي الثاني المشار اليه اعلاه هو الذي تبنته الماركسية في سبيل الوصول الى المعرفة ، و ان هذا الموقف الذي يتخذ الكتاب منه وسيلة لتفنيد هذا الموقف و الذي يتمثل ، بأن الماركسية (( لاحظت ان هذا الرأي سوف ينتهي بها بصورته الظاهرة الى المذهب العقلي ، لأنه يفرض ميدانا و مجالا للمعرفة الانسانية خارج حدود التجربة البسيطة ، فوضعته على اساس وحدة النظرية و التطبيق و عدم امكان فصل احدهما عن الاخر )) و استنادا الى ذلك يشير الكتاب الى ان الماركسية تعترف بوجود مرحلتين للمعرفة البشرية ، الا انها لا ترغب بالأعتراف بوجود معرفة منفصلة عن التجربة ، وهذا هو (( التناقض الاساسي الذي تقوم عليه نظرية المعرفة في المادية الديالكتيكية . ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة // في القسم القادم (( قيمة المعرفة ))



#سلمان_مجيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مطالعات في كتاب (( فلسفتنا )) للشهيد محمد باقر الصدر
- السياحة و السواح
- السياحة و انواعها
- لحظات ما قبل ( النوم ) او ما بين ( اليقظة ) و ( النوم )
- لو اختفى البشر عن الارض
- (( الكوسموبوليتية و منظومة هارب )) و اخافة الشعوب
- (( التفاح )) و الفرز الاجتماعي و تداعيات اخرى
- (( الدين )) الفطرة و الحاجة
- (( السرعة و التسارع )) و نقيضيهما ، واثرهما في مستقبل الامم ...
- (( شاي العروس )) و ثنائيات الحياة .
- (( الماء )) وطبائع البشر
- اشكالية (( الفقر ))
- (( غيبوبة ))
- عناوين ثقافية
- (( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثالث / السيا ...
- (( محمد النبي (ص) و الواقعية السياسية ) القسم الثاني / ثالثل ...
- (( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثاني / ثانيا ...
- (( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثاني / اولا ...
- (( محمد النبي (ص) و الواقعية السياسية )) القسم الاول
- الفلسفة : ( حب ) و ( حكمة )


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان مجيد - مطالعات في كتاب (( فلسفتنا )) للشهيد / محمد باقر الصدر القسم الثاني نظرية المعرفة