أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين عاشور - فاتحةٌ لروايةٍ لمْ تبدأْ بعدُ














المزيد.....

فاتحةٌ لروايةٍ لمْ تبدأْ بعدُ


ياسين عاشور
كاتب

(Yassine Achour)


الحوار المتمدن-العدد: 3918 - 2012 / 11 / 21 - 09:26
المحور: الادب والفن
    


جلس رشد إلى منضدته مكدّسًا أمامه رزمةً من الأوراق و أقلام الحبر الأنيقة و قد جعل من دخان سجائره و عبير قهوته العربيّة السّوداء مجالا للتأمّل . كانت غرفته مدعاةَ لمتعةٍ لا يظفر بها خارجًا , فالكتب المبعثرة على السّرير و على الأرض لم تجد لها مكانًا في مكتبته الصّغيرة , و لوحات " دالي " و " فان غوغ " و " رونوار " و " مونيه " الممزّقة لبياض الجدران , كمنجته المهجورة , و مزيج من روائح التّبغ و العطر و البنّ ... كان كلّ ذلك مدعاةً لبهجته المعزوفة على وتر وحدته كلّما اختلى بذاته .
جلس يومها و قد اعتملت في ذهنه فكرة كتابة رواية , كانت رغبةً محمومةً أخذته صبيحة ذلك اليوم بينما كان في قاعة المحاضرات يستمع إلى أستاذ النقد الأدبيّ و هو يتحدّث عن كتّاب الرّواية و اختياراتهم الفنيّة في إنشاء نصوصهم .
"لمَ لا أكتُب رواية تكون فاتحة لمشوار أدبيّ محلوم به من أيّام الصّبا ؟" كان قد فتح ذائقته على أقاصيص المنفلوطي و شذرات جبران و روايات نُعيْمة , و قد مثّلت رواية " اليوم الأخير " لميخائيل نعيمة منعرجًا حقيقيا في مطالعاته , إذ استجابت لتحوّلاته و حفّزت ثورته و فورته الوجوديّة , و ها هوّ الآن تجاوز العشرين من عمره , يدرُس اللّغة العربيّة و آدابها و يقرأ لسارترْ و كامو و كولن ولسن و المسعدي , ثمّة شيء ما يشدّه إلى تلك المناخات الوجوديّة .
أمسك القلم بعد طول تأمّل و أخذ يخطّ أسطرًا معوجّة من الكلمات المضطربة في تتاليها , مرتشفًا بين الفينة و الأخرى من قهوته اللّذيذة , استغرق ساعتين بين تسطيرٍ و تشطيبٍ حتّى نسي الموعد الذي ضربه مع صديقه أشرف , كان عليه أن يتّجه صوب المقهى المعتاد ذلك المساء , إلا أنّ استغراقه في الكتابة أنساه ذلك , حتّى رنّ هاتفه :
_ آلو, عذرًا يا أشرف فقد كدت أنسى موعدنا ...
_ لا تعتذر عمّا فعلت , هلا أتيت ؟
_ أحبّذ المكوث في البيت هذا المساء , يمكنك المجيء , ها أنا أستدعيك لفنجان قهوة عندي , أنا بانتظارك .
_ حسنًا رشد لك ما أردت .
صعد أشرف إلى غرفة رشد بعد أن فتحت له السيّدة ليلى - أم رشد - الباب , وجد صديقه في غمرة ضبابه و أوراقه , لفافة التّبغ في فمه و القلم بين أصابعه يهوي به على القرطاس فيسوّده ثمّ يشطب ما يخطّه في عصبيّة .
_ أراك منهمكًا في الكتابة يا صديقي , ماذا عساك تخطّ ؟ - قال أشرف بعد أن استلقى على السّرير -
_ اجتاحتني رغبة عارمة اليوم في كتابة رواية , و ها هوّ القلم لا يطاوعني في رسم فاتحةٍ لها , تكاد تراني عاجزًا أمام هذه الحزمة من الأوراق البكر ...
_ رواية ؟ لم أعهدك روائيًّا ... بل عهدتك متفلسفًا, هل تظنّ أنّك قادر على هكذا مشروع ؟
_ لمَ لا ؟
_ ليس هذا تشكيكًا في قدرتك على الكتابة صديقي , حاشا و كلّا , لكن لكلّ درّ معدنه , و أخشى أن يرميك أحدهم بالتقحّم على ميدان الرّواية بعد قراءة عملك . ثمّ إنّي على علمٍ بأنّك كارهٌ للتنظير الأدبيّ , و الكتابة الرّوائيّة تستلزم دراية واسعة بنظريات النقد الأدبيّ في مجال الرّواية و تاريخ كتابتها و أنماطها و مدارسها و و و ...
_ نعم أما كاره للتنظير الأدبيّ , هذا رأيي و لن أتنازل عنه , ثمّ إنّ نظريّات الأدبيّة ما هيّ إلا أدوات للفصل الإجرائيّ بين حدود الأجناس , و ليست لصناعة الأصفاد المقيّدة للإبداع , فلا تكون الرّواية روايةً إلا إذا توفّر فيها كذا و كذا و كذا ... أنا على يقين بأنّ وجود الجنس الأدبيّ سابق على ماهيّته , تلك الماهيّة التي يحاول النّاقدون ضبطها , و ضبطهم يكون على أيّة حال نسبيّا , و لا ينبغي لمحاولاتهم في الضبط و التوصيف أن نتقلب أصفادًا و قيودًا تلزم المبدعَ ...
_ ممم ها قد صرت بدورك منظّرًا أدبيّا من حيث لا تدري !
_ فلأكن ما أكن, فليكن ما أكتبه نصّا و كفى , لا يهمّني إن صنّفتموه روايةً أو لم تفعلوا , حسبي أنّي أكتب تنفيسًا عن قلقي و تأريخًا لذاتي ...
واصل الصّديقان نقاشهما في مواضيع شتّى حتّى وقتٍ متأخّر من اللّيل , ثمّ غادر أشرف تاركا صديقه رشد ليعاود الضياع في غمرة ضبابه و أوراقه , لم يكن يعلم أنّ الكتابة جهد و عناء و مكابدة , و أنّ الحرفَ عصيّ و شحيح , إذ لم يكمل صفحةً واحدةً إلا بعد ليلة مضنيّة قضّاها في غرفته مستأنسًا بموسيقى موزارت , متأملا بين اللحظة و اللحظة إحدى لوحات " سلفادور دالي " السرياليّة الممزّقة لبياض الجدران .





#ياسين_عاشور (هاشتاغ)       Yassine_Achour#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكينونةُ مأساةً و استحالةً


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين عاشور - فاتحةٌ لروايةٍ لمْ تبدأْ بعدُ