أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاروق عطية - طرقات على جدار الذاكرة















المزيد.....

طرقات على جدار الذاكرة


فاروق عطية

الحوار المتمدن-العدد: 3918 - 2012 / 11 / 21 - 00:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كنت مستلقيا على سريرى بين متيقظ وبين حالم, أجترّ فى ألم ككل المصريين حسرة اللحظة الرهيبة لمصاب الوطن فى أعز ما يملك, خسارة أكثر من خمسين طفلا كانوا هم الأمل لمصر ولزويهم فى لحظة إهمال فارقة, كثيرا ما تتكرر فى بلادنا, نثور لها ونحزن وبعد أيام ننسى ولا نعتبر, فتتكرر المأساة مرات ومرات ويتكرر الانفعال والحزن, وتعود دائما ريما لعادتها القديمة, وكأن ريما هى قدرنا لا نستطيع منها الفكاك. استيقظت من تأملاتى الحالمةعلى صوت تهلل العربى وأم العربى ففتحت عينىّ وأذنىّ أستطلع سر هذه الفرحة المباغتة وقلبى يقول كما كُلنا نقول فى لحظات الفرح: خير.. اللهم اجعله خيرا.
قال العربى وعلى شفتيه شبه ابتسامة: فعلها الأهلى وخالف كل التوقعات وتحدى الإحساس باليأس وانتصر على الترجى فى رادس وعاد بكأس أفريقيا ليحقق المعجزة لسابع مرة ليكون هذا الانتصار هدية متواضعة لأرواح شهداء بورسعيد.
حقا قد يولد الفرح من جوف الحزن, فنحن شعب مقدر له الأحزان ويأتيه الفرح بالقطرات. رحت أتأمل وربما أتفلسف, حدثين فى يوم واحد, أولهما مأساة تحدث فى الصباح الباكر نتيجة إهمال لا يغتفر, تمرق حافلة تقلّ ستون طفلا لتوصيلهم لمدرستهم خلال مزلقان مفتوح فيدهمها قطار قادم بسرعته فيصطدم بها ويدفعها لمسافة كيلومترين مزهقا أرواح أطفال كانوا أمل أهاليهم ومستقبل مصر أيضا, مخلفا حزنا عميقا ليس لأهاليهم فقط ولكن لكل مصر وأهلها. والحدث التالى يحدث فى نفس اليوم ولكن عصرا, ينتصر فريق كرةالقدم للنادى الأهلى على منافسه فريق الترجى التونسى فى عقر داره بمدينة رادس ليعود بكأس أفريقيا, فيحدث فرحة ليس لعشاق الأهلى فقط ولكن لكل المصريين. رحت أبحث عن العلاقة بين الحدثين فوجدت العلاقة بينهما وثيقة. الحدث الأول ناتج عن إهمال متأصل فى بلادنا لا نحيد عنه وكأننا نعشقه, حوادث القطارات والطرق كثيرة ومتعددة ويموت فيها ويصاب بعاهات مستديمة عشرات الآلاف سنويا ولا تتخذ الحكومة ـ كل الحكومات قبل الثورة وبعدها ـ أى إجراء لحل المعضلة والتخلص من هذه الآفة التى أدمناها. والحدث الثانى هو انتصارات فريق النادى الأهلى دون غيره من الأندية وأصبحت إنتصاراته عادة قد أدمنها ولا يستطيع الحياد عنها كأنه يعشقها. إذن الرابط بين الحدثين هو العادة والإدمان, سيان كانت العادة أو الإدمان سلبية أو إيجابية.
ورحت أفكر مرة أخرى وأتساءل ما سبب فشل الحكومة فى القضاء على الإهمال أو إيجاد حلول لعدم تكرار هذه المآسى المفجعة ؟ وما هو سبب انتصارات النادى الأهلى المتوالية حتى أصبح هو نادى القرن وأفضل أندية أفريقيا ومن أفضل أندية العالم أيضا ؟ وبعد تفكير اكتشفت أيضا العلاقة بينهما. الحكومة فى مصر للأسف حكومة ضعيفة لا حلول لديها وتفتقر للحزم والجدّية, أى انها تسّير الأمور بالفهلوة وبدون خطة مدروسة أو حلول جاهزة للتنفيذ, ولذلك تتوالى الانتكاسات وتعم مصر الانفلاتات والاحتجاجات ولا من يلبى أو يجيب. وعلى عكس ذلك يدير النادى الأهلى مجلس إدارة واع وقادر وحازم, لديه الوسائل والحلول الجاهزة لحل المشكلات والتخلص من المعوقات فدانت له الانتصارات. إن مصر فى حاجة لحكومة حازمة وقادرة, حكومة وطنية تفعّل المواطنة وتحل المشكلات بالأساليب العلمية وليس بالدروشة والآيات القرآنية, مصر أكبر من جماعة كانت محظورة وطوال عمرها تعمل تحت الأرض بأساليب ملتوية لا تصلح للحكم, حكم دولة ذات حضارة وتاريخ تليد فى حجم مصر المحروسة.
عُدت للإستلقاء على سريرى بين متيقظ وحالم, فعن على خاطرى منظر الشيخ حسنى الضرير (محمود عبد العزيز) فى فيلم الكيت كات. الشيخ حسنى لا يريد أن يصدق أنه ضرير لدرجة أنه يمتطى موتوسيكلا وينطلق به فى الحارة دون أن يأبه للمخاطر التى قد يسببها لجيرانه. تماما يعمل السيئ الرقيص الحاج الشيخ البشمهندز مرزى الذى رزانا به القدر فى غفلة من الزمان. الشيخ مرسى يتقمص شخصية الشيخ حسنى تماما لكن بصورة مغايرة, فهو أيضا لا يريد أن يصدق أنه رئيس لكل المصريين, ويتصور أنه فقط رئيس لأهله وعشيؤرته من الأخوان فى مصر أو غزة. لا يريد أن يصدق أنه رئيس لدولة منهارة إقتصادية وعلى الحديدة وبتقول عشانا عليك يا رب, يتصور أننا أغنى من دول البترودولار. لا يريد أن يصدق أن أكثر من 60% من شعب مصر تحت خط الفقر وأن سكان غزة معظمهم أكثر منا ثروة ويكسبون الملايين من تهريب البضائع المصرية المدعمة والسيارات المسروقة منا ومن تجارة المخدرات والسلاح عبر الأنفاق المفتوحة على البحرى. لا يريد أن يصدق أن مستشفياتنا لا يوجد بها شاش أوقطن أومحاليل لعلاج الحالات الحرجة وحوادث الطرق. لا يريد أن يصدق أن بمصر أزمة طاحنة فى الغاز والسولار والبوتاجاز والكهرباء. وبكل أريحية وسفه يمد أهله وعشيرته فى غزة بما ينقص مصر من مواد تموينية وغازوسولار بآلآلاف من الأطنان. بعد المعارك بين غزة وإسرائيل التى راح ضحيتها أربعون شهيدا فى أربعة أيام بسبب سفه حكومة حماس, يرسل لهم أطنانا من المواد الطبية كالشاش والقطن الطبى والمحاليل والمعقمات والأدوية, وعندما أزهقت أرواح أكثر من خمسين تلميذا ومات فى حوادث طرق أخرى فى نفس اليوم العشرات حتى وصل العدد لأكثر من ثمانين قتيلا ومئات من الجرحى لم تقم المستشفيات بواجبها فى العلاج لنقص هذه المستلزمات التى أرسلت لغزة بالأطنان, ونسى أو تناسى السيئ الرقيص المثل الشعبى الذى يقول: ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع.
نحن لسنا ضد معاونة غزة فى محنتها التى وضعت نفسها فيها بنفسها, ولكن لا يقدر على القدرة غير الله القادر. ولماذا دائما مصر الأخت الكبرى هى دائما المنوط بها أن تحارب لآخر جندى مصرى وتعاون ماليا لآخر جينيها فى خزائنها, ودول البترودولار الغنية تكتفى بالشجب وحلو الكلام؟ الفلسطينيون المهاجرون لشتى بقاع المعمورة وهم من أشطر التجار صاروا بليونيرات وفى مصر منهم الكثير, لماذا لا يعاونون ببعض من أموالهم لنصرة أخوتهم فى الوطن ؟ ولكنهم فقط يتكلمون ويحاربون حنجوريا ولا يدفعون.
فى يومالذكرى اتلأولى لشهداء شارع محمد محمود (19 نوفمر), رغم كبر سنى وبلوغى من العمر أرزله صممت على المشاركة فى المسيرة السلمية. أعددت لافتة كبيرة من خمسة أمتار من البفتة البيضاء وكتبت عليها: الإستقلال التام من حكم الأخوان اللئام أو الموت الزؤام. حملت اللافتة أنا وأم العربى وسرنا مع المتظاهرين السلميين نهتف ونشجب حكم المرشد. وفجأة ظهر العنصر الثالث الذين يطلقون عليه اللهوالخفى, والذى يختفى تماما فى مليونيات الأخوان والسلفيين, ويظهر بأعداد كبيرة فى المسيرات المضادة لهم. ظهروا وبأيديهم الخناجر والهراوات. إختطفوا لافتتى ومزقوها واقترب أحدهم, شاب مفتول الضلات عريض المنكبين وصاح فى وجهى قائلا: خسئت يا كافر ثكلتك أمك, ثم نزل على رأسى الخالى من الشعر بهراوته فأحسست بها تنفلق نصفين فصرخت من الألم, لأستيقظ وأجد أم العربى راكعة على ركبتيها تحت صورة السيدة العذراء وتردد: شفاعتك يا عذراء يا أم النور, شفاعتك يا أم المخلّص, ساعديه أن يشفى من الهلاوس والكوابيس التى تنتابه ليلا وتكاد تقضى عليه وتقضى على أنا أيضا..!!



#فاروق_عطية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باطل ألأباطيل الكل باطل وقبض الريح
- أنفاق الفوضى المظلمة
- نفاق الفوضى المظلمة
- المد الإسلامة والخريف العربى
- العنصرية بين الدولة اليهودية ومؤتمر القمة الإسلامية
- حكايتى مع النظام 4- ( أنور السادات ):
- الخلط بين الديانة والقومية
- النصب بين الأمس واليوم
- آنست يا دك...تووور
- أنا مسيحى سافل ولى الشرف
- جامعة الدول العربية وشفرة النهاية.
- العرشزوق والرئيس الملزوق
- الحرية الجامحة بين الشباب
- بين الثورة والهوجة وركوب الموجة
- حكايتى مع النظام 3 (عبد الناصر)
- الكاميرا الخفية
- الذكرى الثالثة لمذبحة الخنازير
- وطن يعيش فينا
- موسى وإشكالية العبور
- إسرائيل بين حقائق التاريخ وشطحات المؤرخين


المزيد.....




- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاروق عطية - طرقات على جدار الذاكرة