قراءة وتعليق لرسالة احد قادة المخزن المغربي إلى سكان قبيلة لخصاص

محمد ارجدال

الحوار المتمدن-العدد: 3916 - 2012 / 11 / 19 - 21:51
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

نص رسالة القائد سعيد بن احمد الكَلولي إلى بعض سكان قبيلة الأخصاص :

(إخواننا قبيلة الأخصاص كافة قبيلة بني ياسين وال تيمولاي وأيت علي وأيت العربا خصوصا طلبتهم وكبرائهم وفقرائهم، وفقكم الله عن خير مولانا نصره الله وبعد فان أخاكم خديم سيدنا، القائد المدني ممن اخترنا لكم إسناد أمركم إليه . وتعويل صلاحكم عليه، لما نعلم فيه من القابلية والأهلية لمباشرة أموركم . وانه أحق بالواسطة بيننا وبينكم، بعد ما أخدنا فيه أن يسير بكم بسير الرفق ، ومراعاة جانبكم بما يليق بمقامكم، فكونوا إنشاء الله عند إشارته ومشورته، واجتهدوا في جمع رأيكم ولا تتفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم . وارجعوا إلى مواطنكم ومساكنكم. ولا يمنعكم منها الخوف، فقد أمناكم بأمان الله ما دمتم في طاعة السلطان نصره الله . وصدقتم في خدمته، ولا خوف إلا على من خان أو بدل، والله تعالى حسيبه . وهو حسبنا ونعم الوكيل . والسلام ، في متم شوال عام 1317 هـ)
تحته طابع القائد الكَلولي :(خديم المقام العالي بالله سعيد بن احمد الكَلولي وفقه الله)

*مصدر النص:

وثيقة تاريخية عبارة عن رسالة مخزنية .

*نوع الوثيقة :

رسالة من نائب المخزن بسوس القائد سعيد بن احمد الكَلولي الحاحي إلى سكان أجزاء من قبيلة الأخصاص ونخص بالذكر سكان كل من فخذ أيت بوياسين و قريتي تيمولاي العليا والسفلى وفخذ إذ العربا وفخذ ايت علي يولي عليهم القائد المدني الاخصاصي.

*ظروف النص:

خلال زيارتي السلطان الحسن الأول لسوس سنتي 1882 م و1986 م عين مجموعة من القادة على القبائل بظهائر سلطانية قصد استتباب الأمن والقضاء على التمرد ومن بين من تم تعينهم القائدين علي بن مسعود من فخذ ايت علي الاخصاصي و صهره القائد إبراهيم بوفوس البوياسيني الاخصاصي الملقب ب" بوهيا" اختصارا لاسم إبراهيم ، لكن بعد وفاة السلطان ألمولاي الحسن الأول عادت القلاقل إلى سوس مما دفع بالمخزن ألعزيزي إلى تعين القائد سعيد الكَلوي الحاحي من طرف الوزير الوصي احمد بن موسى عاملا على سوس لتأديب القبائل الثائرة و لجلب الجبايات سنة 1314 هـ / 1896م ، وتقرب المدني بن احمد البوفلني الاخصاصي من هذا الممثل ألمخزني بسوس في حين مال قائد الأخصاص الرسمي إبراهيم بوفوس إلى جانب القائد دحمان بن بيروك التكني ممثل المخزن بواد نون والذي كان يضايق الكلولي، مما دفع بالقائد الكلولي هذا إلى إعلان سخطه على القائد "بوهيا" ومحاربته إلى جانب الأفخاذ المناصرة له ( ايت بوياسين وإذ العربا و ايت علي ) ورحل بوهيا إلى واد نون وفر السكان إلى الجبال ثم عاد إلى داره بأمر من السلطان لكن الكلولي لم يكتفي بذلك بل عين القائد المدني على فخذه ايت بوفلن وايت ادغزال وكتب إلى مولاي عبد العزيز واعترف رسميا بالمدني قائدا على ادبوتاتن ( ايت بوفلن وايت ادغزال وايت إعلاتن و ايت اغرمان) بظهير يزكي تعينه بتاريخ 22جمادى الثانية 1317 هـ / 1899 م، بل كتب القائد الكلولي إلى سكان ايالة القائد بوهيا (ايت إسحاق من الأخصاص وهم ايت بوياسين وإذ العربا و ايت علي) وكذ سكان تيمولاي يطلب منهم طاعة القائد المدني ، لكن المخزن لم يطمئن على سياسة القائد الكَلولي فجلاه عن سوس وعين بدله القائد محمد انفلوس الحاحي سنة 1318 هـ/ 1900م الذي انتهج سياسة مغايرة لسياسة سابقه الكلولي فرجحت بذلك كفة القائد "بوهيا " وعاد إلى مركز قيادته وطرد القائد المدني الذي التحق بفاصك لاجئا بقبيلة ايت حماد ولم يعد منها إلا بعد جلاء القائد انفلوس عن سوس سنة 1321 هـ / 1903 م

*المصطلحات التاريخية في الوثيقة:

-- سعيد الكلولي: قائد مخزني ينتمي إلى قبيلة اداوكَلول الحاحية ، عين من طرف الوزير الوصي احمد بن موسى عاملا على سوس للقضاء على القبائل المتمردة سنة 1896 م واستقر بتزنيت وعرف ببطشه وفتكه بالكثير من القبائل المعارضة وفي سنة 1900 م تم عزله وعين محمد انفلوس الحاحي محله.
-- قبيلة الاخصاص: قبيلة جنوب المغرب بسوس تحدها شمالا قبيلتي أولاد جرار وايت برايم وغربا قبيلتي ايت عبلا وايت الخمس من ايت بعمران وجنوبا ايت حماد وادبراهيم وشرقا ايت رخا وايت افران، وإداريا فأراضي القبيلة مقسمة بين إقليم سيدي افني (جماعة سيدي مبارك وجماعة سيدي حساين اعلي وبلدية لخصاص) وإقليم كلميم ( جماعة ايت بوفولن و مركز جماعة تيمولاي" تيمولاي افلا ونيمولاي يزدار وتامينوت" وجماعة تاكانت وبلدية بويزكارن) .
-- بني ياسين : فخذ ايت بوياسين من قبيلة لخصاص يوجد بالجهة الغربية المحاذية لقبائل ايت بعمران ومركزه دوار تاعشو والى هذا الفخذ ينتسب القائد ألمخزني إبراهيم بوفوس المعين من طرف السلطان الحسن الأول بتزنيت خلال زيارته الثانية لسوس سنة 1886 م ، كما ينتسب إليه القائد والضابط العسكري المخزني والمقاوم الكبير الناجم الاخصاصي الشهير المزداد بدوار ادجلول بايت بوياسين .
-- ال تيمولاي: سكان تيمولاي و تيمولاي واحة تضم قريتان متجاورتان تحملان نفس الاسم تيمولاي يزداربمعنى تيمولاي السفلى و تيمولاي اوفلا بمعنى تيمولاي العليا، وتوجد القريتان بالسفح الجنوبي للأطلس الصغير بين منخفضي بويزكارن وافران على الضفة الغربية لوادي افران، وسميت بهذه التسمية نظرا لموقعها الطوبوغرافي على هذا السفح الظليل وبذلك يكون أصل تسميتها امازيغيا مركب من كلمتي: "تي"التي تعني ذات و "يمولا" جمع "امالو" التي تعني الظلال وتفيد تسمية القرية معنى "ذات الظلال"، وهي الرواية المرجحة لارتباطها بجيمورفولوجية المنطقة ولانتشار هذه التسمية بمناطق أخرى من المغرب تقع في مناطق مشابهة لموضع واحة تيمولاي وهناك روايات شفوية أخرى تربط أصل تسميتها بأحد الأعيان المسمى ب مولاي ونسبت إليه القرية فسميت باسمه "تي مولاي".
تقع قرية تيمولاي على الطريق المعبدة الرابطة بين بويزكارن وطاطا على بعد 14 كلمتر شرقا، ومنذ سنة 1992 م أصبحت مركزا للجماعة القروية لتيمولاي قيادة افران الأطلس الصغير دائرة بويزكارن إقليم كلميم جهة كلميم السمارة .
وللقرية تاريخ عريق يعود إلى عهود سحيقة، وخاصة نواتها الأولى بتيمولاي العليا والمعروفة بتاكاديرت بمعنى المحصنة أو القلعة وقد سكنها اليهود والامازيغ ثم توافد عليها السكان من أصول مختلفة ، نظرا لمركزها بين أربع قبائل: ادبراهيم وافران وايت رخا ولخصاص ولموضعها بين السهل والجبل وعلى ضفة وادي افران ذو التاريخ العريق .

-- ايت علي : فخذ من أفخاذ قبيلة الأخصاص بالجزء الشمالي الغربي المحاذي لايت برايم وهو موطن القائد ألمخزني على بن مسعود المعين من طرف السلطان الحسن الأول خلال زيارته الأولى لسوس سنة 1982 م وصهر القائد إبراهيم بوفوس الاخصاصي .

-- ايت العربا : إذ العربا فخذ( تقبيلت / sou tribu ) من أفخاذ قبيلة (اقبيلtribu) الأخصاص بالطرف الشمالي المطل على منخفض ميرغت واليه ينتسب مركز ثلاثاء الأخصاص الحالي . وتشكل هذه الأفخاذ مجتمعة ( ايت علي و ايت بوياسين وإذ العربا) حلفا صغيرا داخل القبيلة الكبرى الأخصاص يعرف باسم ايت إسحاق ضد حلف إذ بوتاتن الذي يضم كل من ( ايت بوفلن وايت اذغزال وايت اعلاتن ) في حين أن قبيلة الأخصاص تصنف ضمن حلف تاكَزولت الشهير بسوس ضد حلف تاحكَات.

-- القائد المدني الاخصاصي : ينحدر من دوار ايد عبلا الحاج بايت بوفولن. فقد كان أبوه من وجهاء حلف إيكيزولن الذين يحضرون ندوة شيخ زاوية تازروالت الحسين اوهاشم ممثل السلطة المخزنية نهاية القرن التاسع عشر، ومنذ سنة 1314 هـ / 1897 م
استرد المدني مكانة أبيه في القبيلة وذلك بعد مساندته لخليفة المخزن بسوس القائد سعيد الكيلولي الحاحي. وفي سنة 1323 هـ/ 1906 م أصبح المدني واحدا من الأعيان الكبار ضمن حلف تاكيزولت يتقاسم معهم السلطة وعائداتها، وساعدته على ذلك حركة الهيبة إلى سوس، والتي انضم إليها حيث التقى المدني والهيبة في فكرة الجهاد ومقاومة المحتل الفرنسي وعبر محمد المختار السوسي في كتابه المعسول، الجزء الرابع ص 168 عن ذلك بقوله: "للقائد المدني الاخصاصي يد طولى في زحزحة ذلك الكابوس المخيم على الناس في الجنوب". وقد شارك على رأس وفد قبيلته في حملة الهيبة إلى مراكش ولم يغادرها إلا صبيحة انهزام مقاومي الجنوب أنصار الهيبة بسيدي بوعثمان أمام القوات الفرنسية سنة 1912 م وتراجع مع الهيبة إلى موطنه الأطلس الصغير الغربي، حيث سيتولى إلى جانب زعامات سوسية أخرى تنظيم مقاومة جيوش الاحتلال بالأطلس الصغير وسوس. وقد تمنكنوا من دحض محاولات الفرنسيين ومساعديهم الخونة لاحتلال الأطلس الصغير والقضاء على جيوب المقاومة، حيث قتلوا القائد حيدا بن مايس المنبهي في معركة "تيزي" وهزمت جيوشه شر هزيمة سنة 1916 م. ويقول في ذلك الامانوزي: "لما بلغت جيوش حيدا الاودية المطلة على ايت باعمران طوقتها جيوش المسلمين (المقاومين) خصوصا الاخصاص ومجاط وناوشتها بالحرب واستطاع القائد مبارك البنيراني أن يسد الطريق من خلفها لتبقى محصورة في تلك الأودية الخانقة فدب الرعب في جيش حيدا ثم نهبتها جيوش المسلمين وقاتلتها... فقتل حيدا برصاصة طائشة وقطع رأسه وطاف به في القبائل ليعلق نهائيا في كردوس فحصل تركيز للمقاتلين المسلمين
وهذا ما أثار حفيظة الفرنسيين وجهزوا حملة عسكرية كثيرة العدد والعدة يقودها الجنرال دولاموط سنة 1917 م. لكن بسالة المقاومين وعلى رأسهم القائد المدني دفعت بهذا الجنرال إلى التراجع إلى تزنيت، واعتبر هذا الانسحاب في حد ذاته نصرا ثانيا بالنسبة للمقاومين الذين لاحقوا الجيوش الفرنسية المنسحبة وعملائها واستطاعوا الوصول إلى تزنيت حيث تمت محاصرتها وانتهى الحصار بعقد صلح بين الطرفين. وعبر الضابط جيستينار في كتابه عن القائد الكندافي عن ذلك بقوله: "إن المعارضة لم تلبث أن تعمقت ضد نائب المخزن... فتحرك المنشقون (المقاومون) تحت تأثير الدعاية الأجنبية وقاموا بعملية سطو على تزنيت"
ونستشف أهمية القائد المدني ضمن زعامات سوس من خلال رئاسته لوفد من الأعيان أسندت إليهم مهمة التفاوض مع التهامي الكلاوي المرافق لحملة دولاموط
وقد استمر المقاوم المدني الاخصاصي في تشبثه بمعاداة الاستعمار الفرنسي الذي كان يتابع تحركاته انطلاقا من تيزنيت دون القدرة على احتلال الأطلس الصغير إلى أن تمت وفاته في 7 رمضان 1352 هـ/13 يناير 1934م،
*التعليق :

تبين الوثيقة سياسة المخزن بسوس الذي انتهج سياسة تعين القواد المحلين بظهائر سلطانية من اجل مد نفوذه بهذه الأقطار الهامشية البعيدة عن المركز خلال حملات السلاطين إلى سوس كما فعل كل من السلطان مولاي إسماعيل والسلطان محمد بن عبد الله ثم السلطان الحسن الأول وكذا بتعين عمال ممثلين للمخزن على بعض حواضر سوس أو بإرسال حملات عسكرية يقودها قواد كبار ممثلين للمخزن قصد تأديب القبائل الثائرة بسوس ، كما فعل القائد سعيد الكَلولي الذي بطش بالقائد إبراهيم بوفوس المعروف ب" بوهيا" وخرب قريته وطرده إلى منطقة اكيسل بواد نون وحاول أن ينتزع منه منصب قيادة الأخصاص وتعين القائد المدني قائدا بديلا له ، أي بانتهاج سياسة "فرق تسود" أي بخلق نزاعات بين الأشقاء ليتمكن المخزن من السيطرة على هذه المناطق .

#محمد_ارجدال (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات