أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - مآزق الأيديولوجيات الأممية















المزيد.....

مآزق الأيديولوجيات الأممية


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 3916 - 2012 / 11 / 19 - 02:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأيديولوجيات الأممية التي تصدرتها الشيوعية لعقود طويلة من القرن العشرين، ثم ورثتها الإسلاموية الحركية على الأقل في منطقتنا، تعرض نفسها على الضد من منطق الدولة- الأمة، أي nation-state. وتفترض هذه الأيديولوجيات نهاية ما للتاريخ تعلن انتصارها على غيرها، وتوحيدها للعالم تحت رايتها. والدولة الحديثة ذات السيادة والجغرافيا المحددة تعتبر مجرد مرحلة عابرة وغير مستديمة، من وجهة نظر هذه الأيديولوجيات. وفي البدايات التأسيسية لأي نظرية أيديولوجية أممية تكون القناعات والمكونات المؤسسة صلبة وغير مساومة. ولكن سرعان ما يعمل الزمن والتجربة وصلابة فكرة الدولة الحديثة على تعرية تلك الأيديولوجيات وتثبت طوباويتها مقارنة بالواقع.

وفي المنطقة العربية في حقبة ما بعد "الربيع العربي" ليس أمام الإسلاموية الحركية إلا أن تتحول من أيديولوجيا كلية ما فوق دولتية، أي متكونة من جماعات عديدة في بلدان مختلفة تتبع نفس القيادة في مصر بشكل فعلي أو رمزي إلى شكل مختلف تماماً بحيث تصبح فيه كل جماعة في بلد من البلدان حزباً سياسياً مستقلاً لا علاقة تنظيمية أو هيكلية له بالبنية العابرة للحدود. وهناك عدة أسباب جوهرية، كانت دوماً متواجدة تستدعي هذا التحول وتتحدى الأيديولوجية الأممية ولكنها اليوم تتبلور بحدة أكثر في زمن وصلت فيه جماعات الإسلاميين إلى سدة الحكم، أو المشاركة فيه. والسبب الجذري والأهم الذي تتفرع عنه بقية الأسباب هو اصطدام فكرة "الجماعة العابرة للحدود الوطنية" مع فكرة السيادة الوطنية التي تجسدها الدول الحديثة القائمة على أساس الدولة- الأمة. فالدولة الوطنية الحديثة هي البنية القانونية والدستورية الناظمة للعمل السياسي، الذي يشتغل بدوره تحت سقفها ويهدف إلى تقويتها والدفاع عنها، ويقر بكونها بوصلة الولاء السياسي والناظم الأول والأهم في شكل الاجتماع السياسي وآلياته. وعندما تكون هذه الدولة الوطنية الحديثة ديمقراطية فإن أهم آليات الاجتماع السياسي تتمثل في الأحزاب التي تتنافس ديمقراطياً للوصول إلى الحكم، وفق القانون والدستور المرتبط عضوياً بالدولة الوطنية. وكل الولاءات التي هي أدنى من مستوى الولاء للدولة، بما فيها الولاء للقبيلة والولاء للطائفة الدينية، والولاء للإثنية، يجب أن تأتي في مرتبة ثانية بعد الولاء للدولة لأن كل فرد من الأفراد مُعرف بكونه مواطناً ذا حقوق وواجبات بسبب وجود هذه الدولة. وكل الولاءات التي هي فوق مستوى الولاء للدولة، بما فيها الولاء للأيديولوجيات العابرة للحدود أو الولاء لجماعة أو حزب ذي هدف وامتداد إقليمي، كل ذلك يجب أن يأتي في مرتبة ثانية وأن يتم إخضاعه للولاء للدولة. وهذا الافتراض النظري في تصويب الولاءات باتجاه الدولة لترسيخها وتكريسها لا يقوم في واقع الأمر بهذه السهولة وخاصة عندما تكون الدولة غير ديمقراطية وغير عادلة ومستبدة. وفي هذه الحالة، أي عندما تكون الدول باطشة، تصبح مصدراً للعداء وليس للولاء للأفراد، وهؤلاء بدورهم يهربون منها بحثاً عن مصادر حماية أخرى قد تكون في القبيلة والطائفة أو الجماعة العابرة للحدود. وفي حالة الدولة الباطشة تتشتت ولاءات سكانها وتصعب "بوصلتها" باتجاه "وطني موحد" قائم على أفكار المساواة القانونية والدستورية التي تضمن العدل والحرية والكرامة للمواطنين. وهذا ما كان وما زال عليه الوضع في الأغلبية الكاسحة من بلدان العالم العربي. وفي هكذا وضع تنشأ كل التشوهات السياسية الممكنة ومن ضمنها ميوعة الولاءات السياسية للدول والاستهزاء بها، وترسخ بنى حزبية وسياسية تكون ولاءاتها موجهة إلى مرجعيات وربما دول أخرى.

والتغير الكبير الذي أحدثه "الربيع العربي" في بعض الدول يتمثل في إدراج هذه الدول ومجتمعاتها وأحزابها في عملية انتقال قد تكون طويلة الأمد من مرحلة الدولة الباطشة إلى مرحلة الدولة الديمقراطية القانونية والدستورية. ولضمان حدوث هذا الانتقال الذي يحدث على مستوى الدولة لابد من سلسلة من "الانتقالات" والتغيرات الجذرية على مستويات أخرى، ومن ضمنها مستوى الآليات السياسية والحزبية. وبمعنى آخر، وفي ما يخص الأحزاب والجمعيات السياسية، يجب أن تتخلص هذه من الوسائل والمناهج التي كانت تتبعها في مرحلة البطش والاستبداد وخلال تطبيق استراتيجيات الهرب وتفادي جبروت السلطة الحاكمة. مثلًا، الجمعيات والجماعات التي كانت ترتكز على قواعد طائفية أو عشائرية أو دينية لتحقيق حماية لأفرادها من تغول الدولة يجب أن تعيد تشكيل نفسها، لتعمل على المساهمة في ترسيخ الشكل القانوني والمساواتي والدستوري للدولة الديمقراطية الجديدة. وينطبق الأمر نفسه على الأحزاب والجماعات التي كانت تتوسل آليات امتداد خارجي يمنحها بعداً حمائياً وأيديولوجياً، فهذه الأخرى يجب أن تعيد تشكيل نفسها لأن إبقاءها على تلك الآليات معناه إضعاف، لا ترسيخ، الشكل القانوني والدستوري الجديد الذي أنتجه "الربيع العربي".

والإبقاء على أية أيديولوجيا أممية عابرة للحدود في المنطقة العربية معناه الإبقاء على شكوك عميقة تحيط بطبيعة الولاء وجهته لكل من ينتمي إلى تلك الأيديولوجيا، وهي شكوك لا يمكن دحضها بسهولة. والانفتاح السياسي في المنطقة، وخاصة في دول "الربيع العربي"، يوفر إغواءً كبيراً، للقوى السياسية الدينية، كي تطلق من قمقم الأحلام والأوهام، طروحات تدميرية لا علاقة لها بواقع السياسة ولا تعمل على تكريس الشكل القانوني والدستوري والديمقراطي لدول الربيع.

والأمر المهم ذو العلاقة هنا هو مصير الجماعات الإسلامية في بقية الدول العربية الأخرى. ففي هذه الحالات تتفاقم الإشكالية فمن جهة لم تصل هذه الجماعات للحكم كما وصلت نظيراتها في البلدان الأخرى، ومن جهة ثانية تنظر بعين الولاء إلى الجماعة الأم، في مصر على سبيل المثال، التي وصلت إلى الحكم، على حساب الولاء "الوطني" الذي يشوبه الغموض الناتج عن الاستبداد وفقدان الحرية السياسية. وقد تتطور علاقة "استقواء" بحيث تأمل الجماعات الضعيفة بدعم "مصر الإخوانية" لها لتمكينها من الحكم. وكل ذلك يطور علاقات حزبية جماعاتية "إخوانية" هي فوق حدود "الدولة الوطنية" بما لا يكرس صيغة هذه الدولة في مرحلة اندراجها في الدمقرطة والدسترة والقوننة. ومعنى ذلك أن القفز الدائم بالولاء خارج حدود الدولة الوطنية معناه تحدي الدولة الوطنية حتى في صيغتها الديمقراطية. وفي ذات الوقت يثير مخاوف كبيرة في بقية الدول العربية ويعيق علاقاتها مع مصر الجديدة، أو الدول التي وصل فيها الإسلاميون للحكم بشكل عام. طبعاً من حق كل الأحزاب الدعوة والترويج ديمقراطياً واختيارياً لأي صيغة من صيغ التكامل والوحدة على مستوى العالم العربي، ولكن يجب ألا يكون ذلك فوقياً ومفروضاً بقوة السلطة، كما حدث خلال عقود مريرة من حكم البعثيين وأدعياء القومية العربية، وعلى كل دعوة فوق دولتيه أن تستفيد من تلك التجربة التي دفع العرب ثمنها غالياً وباهظاً جداً.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حل «جماعة الإخوان المسلمين»: الضرورة التنظيمية (3)
- -دسْترة- الشريعة... ضرورة أم ذريعة؟!
- حل «جماعة الإخوان المسلمين»: الضرورة الإقليمية والدولية (2)
- حل «جماعة الإخوان المسلمين»: الضرورة الوطنية (1)
- -ملالا- إيقونة الحرية... تهزم -طالبان--!
- الإسلاميون والحكم: الانحياز للماضي أو الانفتاح على المستقبل
- الإسلاميون والانزياح المخيف
- فيلم تافه وتطرف مرعب
- الدستور المصري الجديد بين الدولة المدنية والدولة الدينية
- ثقافة الدم... -الأسدية- نموذجاً
- العلمانية والمواطنة... والخيار البديل
- سيناء: ضرورة تعديل المنظومة الأمنية
- -حزب الله- وإضاعة الفرصة
- خالد الحروب - كاتب وباحث أكاديمي / مدير مشروع الاعلام العربي ...
- إعلان قطاع غزة -محرراً-: خطوة في المجهول!
- الوسط السياسي: ارتطام الشعار بأرض الواقع
- ليبيا: قيام الجمهورية الأولى
- فوز مرسي: بداية عقلنة الإسلاموية ونهاية أدلجتها؟
- هيكل وتدمير سوريا وشعبها من اجل روسيا والصين
- كيف دمر نظام الأسد سوريا؟


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - مآزق الأيديولوجيات الأممية