أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - الدولة العزيزة .. من فضلك لاتحمي الوحدة الثقافية















المزيد.....

الدولة العزيزة .. من فضلك لاتحمي الوحدة الثقافية


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 3915 - 2012 / 11 / 18 - 16:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الصحافة تعشق القضايا الحية والمواضيع الحية المرتبطة باللحظة . وعندما تتوهج غزة بنيران القصف الأمريكي الإسرائيلي فإن القارئ يبحث عن تفسير لحقيقة مايجري، بل ويبحث أيضا عن موقف محدد مما يجري، لأن الصحافة كانت ومازالت كما قال سلامة موسى " رسالة " ، وهي أيضا كما تخيلها يوسف إدريس " إشعاع يكشف الزيف ويصارع التلفيق ". لكن الصحافة نفسها وهي أداة لمعرفة الحقيقة مهددة بالخطر الذي يتهدد حرية التعبير عامة. ولعل أبرز ما يهدد الصحافة الآن هو المادة الحادية عشرة من مسودة الدستور المقترح التي تقول " تحمي الدولة الوحدة الثقافية " . وقد دار جدل لتعديل تلك المادة لتصبح " تحمي الدولة التنوع الثقافي "، لكنه لم يسفر عن شيء .
حسب الدستور المقترح إذن فإن الدولة " ستحمي " – " الوحدة الثقافية ". لكن أحدا لا يتطوع ويقول لنا كيف " ستحمي " الدولة تلك الوحدة ؟ بإغلاق قناة الفراعين وقناة دريم ؟ أم بمحاكمة رؤوساء التحرير؟ أم بمصادرة أعداد من الصحف؟ أم بفرض رقابتها على الانترنت؟ أم بإغلاق الصفحات الثقافية في الجرائد؟ . من ناحية أخرى فإن مفهوم " الوحدة الثقافية " يظل مطاطا وفضفاضا وبدون تحديد، ولا يستطيع أحد أن يفيدنا على وجه الدقة بماهية تلك الوحدة. هكذا نجد أنفسنا أمام " حماية " غير محددة لمفهوم غير واضح، مما يعني في الواقع الفعلي أن يكون كل ذلك خاضعا لمئات من التفاسير تصب كلها في قبضة الدولة . يقولون إن الشياطين تكمن في الماء الراكد ، وهي تكمن أيضا في العبارات الفضفاضة حمالة الأوجه مثل " حماية " و " وحدة ثقافية ". وفي تجربة انتكاسات وانتصارات حرية التعبير والإعلام لجأت كل النظم الشمولية عبر التاريخ لصك مصطلحات من ذلك النوع واستخدمتها لإنهاك الحرية ومطاردتها وخنقها. إن الدور الوحيد الذي يمكن للدولة به أن تحمي الوحدة الثقافية هو أن تتكرم ولا تحميها ولا تقترب منها. ويمكن للدولة إذا أصرت على حماية الثقافة ووحدتها أن ترعى مشروعا قوميا كبيرا لمحو الأمية، وفي ذلك خدمة جليلة للتطور المصري على كافة المستويات، ولها إذا شاءت أن تتكرم بتطوير نظام التعليم ، لأن التعليم كما قال طه حسين هو " مستقر الثقافة "، ولا يمكن الحديث عن الثقافة بمعزل عن مستوى التعليم، ولها أيضا – إذا كانت الوحدة الثقافية تؤرقها – أن توحد مناهج التعليم فلا يصبح لدينا مناهج في المدارس والجامعات الخاصة تختلف تماما عنها في المدارس والجامعات الحكومية . إن الحديث عن " الوحدة " يعني فقط أن هناك مفهوما واحدا لا ينبغي لأحد أن يخرج عنه ، وهو أمر يثير القلق العميق. ولهذا صدر في 6 نوفمبر بيان عن لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة يشير إلي أنها " تتعرض لسياسة ممنهجة تستهدف القضاء على حرية الرأي والتعبير وحق المجتمع في المعرفة " . والصحافة كتيبة أمامية إذا تم قصفها فسوف يعقبها قصف الأدب والسينما والمسرح وكافة أشكال حرية التعبير الأخرى. والمعركة التي تدور الآن بشأن المادة 11 من الدستور، وخارج إطاره، هي حلقة في سلسلة المعارك التي خاضها الضمير المصري دفاعا عن حرية الكلمة. وعندما أقرت الحكومة عام 1881 قانون مطبوعات لتطويق بوادر الثورة العرابية ، أطلق يعقوب صنوع صيحته العزيزة " اكسروا أقلامنا وسدوا أفواهنا فسوف نكسر أنف أظلم حكامنا"! وفي حينه كتب شاعر القطرين خليل مطران يحتج على قانون المطبوعات :
كسروا الأقلام هل تكسيرها .. يمنع الأيدي أن تنقش صخرا ؟
قطعوا الأيدي هل تقطيعها .. يمنع الأعين أن تنـظــر شـذرا ؟
أطفئوا الأعين هل إطفاؤها .. يمنع الأنفاس أن تصعد زفرا ؟
أخمدوا الأنفاس،هذا جهدكم .. وبه منجاتـنـا منكم .. فـشكرا !
وعلى امتداد تارخي الضمير المصري خاضت الصحافة معاركها من أجل المؤرقين بالشوق إلي الحرية ضد المؤرقين بالخوف من الحرية ! وولدت صحف لا حصر ، كانت تظهر وتقول كلمتها في وجه الدولة وتغلق وينفى أصحابها، فيصون التاريخ كلماتها وتهمل الذاكرة أسماء الطغاة . وقد بقيت لنا كلمات أديب اسحق في صحيفة " مصر القاهرة " التي أصدرها من باريس بعد أن نفته الحكومة وقوله " سأكشف حقائق الأمور وأوضح معايب اللصوص الذين نسميهم اصطلاحا أولي الأمر، ومثالب الخونة الذين ندعوهم وهما أمناء الأمة وقصدي أن أثير بقية الحمية ، وأرفع الغشاوة عن أعين الساذجين ، ليعلم قومي أن لهم حقا مسلوبا فيلتمسوه ، ومالا منهوبا فيطلبوه ، وليستصغروا الأنفس والنفائس من أجل حقوقهم " . لم يعد أحد ألان يذكر أية حكومة نفت أديب اسحق ولا أي حاكم أغلق صحفه لكن كلماته مازالت حية واسمه باق في الضمائر. وعندما قرر السلطان عبد الحميد الثاني عزل إسماعيل باشا وتعيين توفيق كانت نذر الثورة العرابية تتجمع في سماء مصر ، ومعها احتشدت الجماعة الصحفية دفاعا عن الوطن وتألقت الجرائد التي أصدرها عبد الله النديم " التبكيت والتنكيت " في يونيه 1881 ، ثم " الطائف " ، وجريدة " الأستاذ " ، وفيها كلها حمل النديم على طغيان الحكام. وفي حينه كان عبد الله النديم يصدر جريدته " الطائف " حين تعرض لوعكة صحية ، فلم يتمكن من تحرير أحد الأعداد ، لكنه برغم المرض أتم مقالا هاجم فيه إسماعيل باشا هجوما عنيفا ، وبرر ذلك بقوله " أعتذر عن تحرير باقي الجريدة ، إلا ما كان خاصا بتاريخ إسماعيل باشا فإني أكلف نفسي بكتابته .. لأن نشره علاج لما بي " !
يستعيد الضمير الصحفي الآن وهو يتعرض لتلك الهجمة تاريخ آبائه ، ومواقفهم، ويستمد منها القوة للمضي قدما. وعندما يعرضون الآن على الصحافة والثقافة مادة عن " الوحدة الثقافية " لا تعني سوى الخضوع لمفهوم الدولة ، فإن بوسع الجماعة الصحفية أن تقول للدولة " الدولة العزيزة . شكرا . من فضلك لا تحمي الوحدة الثقافية " ذلك أن الدولة حين تتحدث عن الوحدة الثقافية وهي تغلق القنوات التلفزيونية ، وتصادر الصحف، وتضيق على حرية التعبير ، فإن الوحدة الثقافية حينئذ لا تعني سوى أمر واحد : خنق الحرية . ودولة من غير صحافة حرة دولة بلا ضمير . أما الطريق لحماية لوحدة فهو أن ندع ألف زهرة تتفتح في وطن تتنوع ثقافته الإسلامية ، والقبطية ، والنوبية ، وتتعدد طبقاتها من الفرعونية مرورا باليونانية والعربية والأوربية وغيرها. إن دولة من غير صحافة حرة دولة بلا ضمير.
وبوسع الجماعة الصحفية أن تقول للجميع الآن ، وغدا ، ما قاله يعقوب صنوع " اكسروا أقلامنا وسدوا أفواهنا فسوف نكسر أنف أظلم حكامنا ".



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفاشية في مصر تدق الكعب !
- إسرائيل تدك غزة .. لن نغفر ولن ننسى
- - بوس الواوا - .. تهدد الأمن القومي المصري ؟!
- نجيب سرور .. ذكرى الرحيل
- الرئيس مرسي : مظهر قرآني - جوهر أمريكاني
- دراما الثورة والبشر .. من تاريخ الحركة الطلابية
- سنوات عبد الناصر والوحدة الوطنية
- إوعى الأجنحة تكون صيني ؟
- في ذكرى رحيل سعاد حسني
- انتخبوا أنفسكم !
- جلباب أزرق
- انتخابات الرئاسة بمصر - الانقاذ الوطني مهمة عاجلة
- لماذا تقف الثورة وحيدة عزلاء في الانتخابات الرئاسية بمصر ؟
- نداء إلي مرشحي اليسار والديمقراطية في مصر
- عبد الرحمن الخميسي .. والدي .
- سعد القرش وكتابه - الثورة الان -
- رحمة - قصة قصيرة
- رؤوف نظمي .. رحيل فارس مصري
- في الأدب تجد نفسك كاملا
- الطابق الرابع - قصة قصيرة - أحمد الخميسي


المزيد.....




- بآخر تحديث للجيش العراقي.. هذه نتائج انفجارات قاعدة الحشد ال ...
- شاهد اللحظات الأولى لانفجارات ضخمة داخل قاعدة للحشد الشعبي ف ...
- فيدان: زيارة السيسي لتركيا ضمن جدول أعمالنا
- الميكروبات قد تحل ألغاز جرائم قتل غامضة!
- صحة غزة: 4 مجازر خلال 24 ساعة وإجمالي ضحايا الحرب تجاوز 34 أ ...
- الحرمان من النوم قد يقودنا إلى الإصابة بـ-قاتل صامت-
- مكمّل غذائي شائع يمنع الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا
- العثور على -بكتيريا مصاصة للدماء- قاتلة متعطشة لدم الإنسان
- -واتس آب- يحصل على ميزات شبيهة بتلك الموجودة في -تليغرام-
- لجنة التحقيق الروسية تعمل على تحديد هوية جميع المتورطين في م ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - الدولة العزيزة .. من فضلك لاتحمي الوحدة الثقافية