أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عماد يوسف - في تجربة لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا -- الضرورة- التحديات ودرب الألف ميل-















المزيد.....

في تجربة لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا -- الضرورة- التحديات ودرب الألف ميل-


عماد يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1132 - 2005 / 3 / 9 - 11:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ربيع دمشق مصطلح ’أطلق في عام 2001 تعبيراً عن الحراك الديمقراطي الوليد الذي أطلقه نشطاء الحريات والديمقراطية في سوريا وغالبيتهم كانوا من نشطاء المجتمع المدني بعد اصدار الوثيقة الأساسية الأولى "بيان الألف" الذي ساهم فيه ألف مثقف من أنحاء سورية أتوا من ينابيع وتيارات شملت ربما كل أطياف السوريين المعنيين بقضايا الشأن العام والغيورين على مصلحة البلاد لنقلها من حالة الشمول الغارقة فيه بسبات عميق إلى الحالة النقيض التي تحيي مبدأ المشاركة السياسية والاقتصادية في بناء مجتمع خمول، متكاسل عن السياسة وآلامها الطويلة في سوريا خلال الأربعين عاماً من حكم النظام، الذي تجلىّ بشمولية توتاليتارية بداية، حملت أهدافاً قومية وجدت لها تربة خصبة على الصعيد المجتمعي السوري والعربي حتى، وتحولت فيما بعد إلى نظام شمولي، توتاليتاري، قمعي؛ ما أدى إلى قتل كل الممكنات المجتمعية السورية والمقدّرات البشرية، من ثقافية و سياسية واقتصادية. وذلك لأن بنية هذه المقدّرات التي من أهم شروطها أن تكون مستقلة تتمتع بحرية مطلقة حتى تنهض، تتنافى بالمطلق مع طبيعة النظام الشمولي الذي يقوم بتركيبته على تحييد كل القوى المجتمعية الأخرى التي تتنافى ولو جزئياً مع طروحاته. من هنا كان من الضروري أن تكون نواة المجتمع المدني الرضيع في الخمسينات من القرن الماضي في سوريا إحدى ضحايا هذا النظام الشمولي. فهذا النظام يقبض على كليّة المجتمع ويحوله إلى أداة لخدمة توجهاته الايديولوجية التي لا تخلو من الديماغوجيا التي تخدم شروط استمراريته أمام الناس في شتى مجالات الحياة المجتمعية، وهذا ما يتنافى مع طروحات ومفهوم المجتمع المدني الذي يحمل في تعريفه مفهوم الحالة المدنيّة الحرّة، القائمة على مبادىء الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وغيرها، وهذا ما يتعارض بالمطلق ً مع مبادىء ونمطية النظام الشمولي ..
استمرارية هذا النظام حتى أيامنا هذه بآلياته القمعية ومنظماته الصورية وأجهزة مخابراته القابضة كلياًَ على كل البلاد والتي شكلت أحد أهم أدوات عمله، ومبررات استمراريته، قامت بالأساس على مبدأ تدمير منظومة القيم المدنية و السياسية في المجتمع، ثم تحويل المجتمع من حالة ابداعية، ذاتية، متجددة ، إلى حالة من الركود والكمون السياسي والاقتصادي والاجتماعي. على خلفية ذلك قامت قوى اقتصادية هجينة، طفيلية، ريعية لتحل مكان برجوازية وطنية ليبرالية حملت في زمنها فكرة الارتقاء بالمجتمع الصناعي السوري قدماً إلى الأمام . جانبَ ذلك الإلغاء والقمع الشامل لكل القوى السياسية الأخرى بما فيها القومية التي تشارك هذه السلطة الأهداف والمبادىءفي الايديولوجية التي شكلت جوهر منطلقاتها كأحزاب قومية عربية وحدوية..
إن فكرة المجتمع المدني تقوم بالجوهر على حرية الأفراد كذوات حرّة "مستقلّة" تمارس حقوقها الطبيعية في مجتمعاتها بما يتناسب مع تطلّعات كل منها ضمن منظومة مؤسساتية ديمقراطية، لا يحكم قراراتها أو يرسم حدود لنشاطها وعملها إلاّ دستور الدولة، ومجموعة القوانين القائمة على الحقّ في التعاطي مع كافة تلوينات مجتمع "ما "على أساس مبدأ المواطنة في الإنتماء لهذا الوطن بوصفه أمّة واحدة تحددها جغرافيا سياسية وهوية وطنية مشتركة تجمع كافة أطياف مجتمع بذاته، له دلالاته القوميةوالوطنية، وتعبيراته الاجتماعية والثقافية والسياسية من خلال نظام سياسي يكون المحور الضابط لدوران هذه المجتمعات في فلك المصالح الوطنية العليا. وهذا ما يميز هذه المجتمعات عن الأنظمة الشمولية تمييزاً كبيراً من حيث أن الأولى مطالبة بتحقيق المصلحة الوطنية العليا، بينما الثانية تبحث في تحقيق المصالح الفئوية والفردية لنخبة تتشابه في كل شيء وتتماثل في الطروحات والتفكير وخلق آليات قمع لمن يتعارض مع طروحاتها.
لذلك كانت فكرة الإحياء للمجتمع المدني السوري المقتول في المهد منذ أربعين عاماً ربما هي الملاذ الوحيد لاستعادة هذا المجتمع من أنفاق التبعية التي وضعها فيها النظام، ولذلك سارع بعض المسؤولين الكبار في هذا النظام إلى محاربة فكرة المجتمع المدني " كمفهوم" بداية؛ وكفكرة وتطبيق تالياً وذلك في توجيه سيل من الاتهامات العشوائية على نشطاء المجتمع المدني وخاصة في البدايات من ربيع عام 2001 وحتى هذا التاريخ مع بعض التغاضي في الفترات الأخيرة بعد أن اكتشفت هذه السلطة ربّما بأننا محقّون( وأقصد هنا بعض تيارات السلطة وليس كلها، وقد اكتشفوا ربّما بأننا لسنا على الأقل عملاء لأمريكا وإسرائيل بحسب الآتهامات التي وجههوها لنا طيلة عدة سنوات وحاولوا أن يغذ ّوا الشارع السوري بها حتى يقف لنا بالمرصاد .
ما أكد صحّة قرائتنا ومراهنتنا على أن تفعيل المجتمع المدني في سوريا هو المرحلة الانتقالية الصحيحة والسليمة لتحفيز الناس للمساهمة بقضايا الشأن العام والنظر إلى هذه القضايا على أنها واجبات وطنية، وليست مهنة تختارها طبقة من المثقفين والسياسيين في المجتمع وحسب، وهذا ’يعتبر دوراً تثقيفياً بالدرجة الأولى وهو ما لاتستطيع أن تقدمه الأحزاب السياسية، لأن هذه الأحزاب تقوم على العمل على برامجها وموضوعاتها التي تبني طروحاتها عليها، ولذلك هي تعني فئة واحدة من الناس وقد تكون قليلة وهي الفئة التي تتفق مع طروحات وبرامج هذا الحزب أو ذاك، بالإضافة إلى واقع الأحزاب السياسية المعارضة وعجزها عن تقديم أية بدائل سياسية لا على مستوى الشارع وحسب بل على مستوى السلطة أيضاً، وحتى بعض البرامج التي قدمتها هذه الأحزاب كانت متواضعة جداً تفتقر إلى الكثير من الخبرة والحنكة السياسيين إن كان على الصعيد الفكري في مصادر ومنابع هذه الأحزاب وفي تحديد هويتها الفكرية والنظرية، أو على صعيد آليات العمل الحزبي الذي ما زال يفتقر إلى الحد الأدنى من روح الديمقراطية وفن الحوار بين أعضاء الحزب ذاته، فما بالك مع طبقات الشعب عامة ، وظلّت هذه الأحزاب عاجزة عن تقديم إجابات للأسئلة الكبيرة التي تحتل الساحة السياسية السورية والعربية المطروحة على كافة الأصعدة ، وللتحول الحاصل في المجتمع ، هذا عدا عن فقدان أي قواعد شعبية لها في الشارع السوري الذي مازال النشاط السياسي فيه حكراً على النخبة المثقفة أو "الأنتلجنسيا" بتعبير آخر، وكذلك عجز هذه الأحزاب عن قراءة التطورات العالمية الهائلة، ابتداءً من سقوط جدار برلين وانتهاءً بالعولمة الأمريكية وسيطرة الدول الثماني على القرار العالمي، وما تبقى من دول العالم تدور في فلكها. لذلك كان من الطبيعي أن يتم التفكير والتوجه على أن المنعطف الحاد جداً الذي يتوجب على سوريا أن تعبره لا يمكن لجماعة واحدة، مهما كانت، حزباً، أو قوة سياسية معينة أو هيئات، أن يعبروه لأنهم لا يمتلكون الأدوات والآليات القادرة على تجاوز هذه الأزمة و يجب العمل على استثمار كافة طاقات المجتمع دون استثناء لاستعادة دوره في مواجهة استحقاقاته، وانجاز مشروعه المجتمعي الوطني والحضاري المبني على أسس الديمقراطية المعاصرة.
أستطيع القول بصفتي أحد أعضاء لجان إحياء المجتمع المدني بأن هذه التجربة قد حققت خطوات هامة تركت بصماتها وآثارها على طريق التغيير الديمقراطي في سوريا، وربما سيسجل تاريخ سوريا المعاصر "كما أتصور" بأنه كان لها الفضل الكبير في اختراق جدار الصمت وايقاظ المجتمع من سباته الطويل الذي تآلف معه وأصبح من بديهيات حياته اليومية. فقد حققت هذه اللجان أهدافاً أستطيع أن أطلق عليها كلمة قياساً بإمكانياتها المتواضعة جداً، وكادرها القليل ، وتمويلها الذي يعتمد على أعضائها بالمطلق بالرغم من امكانيات هؤلاء الأعضاء المتواضعة و الشحيحةً، وبالرغم أيضاً من محاولة تشويه أفكار الشارع السوري ضد هذا المفهوم، عدا عن الرقابة الأمنية الصارمة على نشاطات أعضاء هذه اللجان، و الصراع المرير مع الناس على اجتثاث رهاب الخوف الذي تغلغل عميقاً في كهوف ذاكرتهم .بالرغم من كل ذلك فإنني أستطيع أن أقول بأن ما تحقق حتى اللحظة هو خطوات حفرت عميقاً في دربنا المنشود" درب الألف ميل الذي بدأناه "بخطوة " في ربيع دمشق من العام 2001.
فعلى الصعيد المجتمعي، تغيرت فكرة الناس عن مفهوم المجتمع المدني بعد أن فشلت السلطة في تصويره على أنه انتاج أميركي يناهض الشعارات الخاوية التي مارسوها خلال زمن طويل على الناس، واكتشف الشارع السوري بأن دعاة المجتمع المدني هم أناس وطنيون بإمتياز، غيورون على مصلحة الوطن، حريصون على ترابه أكثر من كل أجهزة المخابرات التابعة للسلطة، وأصبح الناس يمارسون الكثير من الاهتمام بقضايا الشأن العام ولو على مستوى بسيط ومتواضع، كما أن الشعب السوري بدأ شيئاً فشيئاً يتجاوز رهاب الخوف الأمني ليشارك بندوات ومنتديات، وهو يقرأ ويتابع أدبيات المعارضة، ويهتم بالشؤون العامة للبلد من خلال المنابر المتوفرة، والأهم من ذلك كله بأن هؤلاء الناس قد أصبحوا على يقين بأن لا شيء يمكن أن يسير بهذا المجتمع نحو الأمام سوى النهج الديمقراطي التعددي لنظام الحكم وهذه المبادىء هي من روح المجتمع المدني المنشود ..
أمّا على صعيد المنظمات التي لم يكن أحد يتجرأ على تأسيسها قبل سنوات قليلة فقد أصبح اليوم في سوريا العشرات من المنظمات المدنية التي تحوي عدداً كبيراً من الأعضاء "وهي كلّها غير مرخصة وتعمل تحت سياسة غض النظر" لهم أدبياتهم، ومواقعهم الألكترونية، ونشاطهم بين الناس، وهم يؤسسون لمرحلة انتقالية لهذا المجتمع الحيّ والقادر على التفاعل والتطور مع الشروط الجديدة لحياة سياسية ديمقراطية، حرّة، تؤكد مبدأ سيادة القانون، والتوزيع العادل لثروات البلاد وبأحقية الناس في التعبير والتحزّب والنشاط السلمي لكافة الطروحات المجتمعية التي تساهم في بناء أمة ما . وهذا لا يعني بالضرورة أن الفضل في كل هذا يعود إلى لجان إحياء المجتمع المدني ولكن اللجان ساهمت بشكل أو بآخر بدفع الناس للتأطر في تنظيمات تعبّر فيها عن ذاتها بشكل مستقل عن نظام الحزب الواحد الذي يقوم على مبدأ نكران الآخر الذي لا يماثله .
على صعيد قوى المعارضة، كانت اللجان وما زالت إحدى القوى الأساسية في سوريا ، و التي تطرح المبادرات السلمية في التفاعل مع القضايا الوطنية المحلية، والعربية، والإقليمية والدولية، وقد ساهمت في طرح رؤيا جديدة للتعاطي مع قضايا سوريا الملّحة تحت سقف الاصلاح حيناً والتغيير حيناً آخر في بعض القطاعات، أما على صعيد الداخل السوري ؛ فقد طالبت ونادت بقانون أحزاب، وبإلغاء محاكم أمن الدولة العليا والمحاكم الاستثنائية، وطالبت بحل مشكلة البطالة، واطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وسيادة القانون على الجميع، وإلغاء قانون الطوارىء والأحكام العرفية، وبالترخيص لمنظمات المجتمع المدني الوليدة، وبالديمقراطية منهجاً وأساساً وفيصلاً في الحوار مع أجهزة السلطة ومع قوى المعارضة الرديفة.. وزّعت الأدبيات وطرحت محاور كثيرة وكبيرة فكرية وسياسية وثقافية من خلال المنابر المتوفرة وخاصة موقع لجان الإحياء الإلكتروني، مما ساهم بشكل كبير في إيصال مفهوم المجتمع المدني ودلالاته إلى الناس بكافة انتماءاتهم ومشاربهم، كما أن اللجان كانت وما زالت على مسافة قريبة جداً بل وملتصقة بقضية الوطن الواحد الأم " سوريا" وطناً واحداً منيعاً لكل أبناءه بكل انتماءاتهم العرقية والدينيةوالطائفية، وقد تعرضت لإمتحانات كثيرة في هذا الخصوص و نجحت فيها جميعاً ما أدى إلى منحها المصداقية والثقة عند الأغلبية في الشارع السوري .
وبالرغم من أن اللجان بقيت منهجاً ثقافياً تبشيرياً تحتفظ بمسافة أمان جيدة بينها وبين التحزّب، وبينها وبين نظام الجمعية أو المؤسسة التي تحكمها الحالة التنظيمية التراتبية للأمور، وبقيت فضاءً واسعاً يضمّ كل الأطياف الوطنية التي ’تعنى بالشأن العام السوري تجمعها توافقات ذاتية وطنية حرّة، تعمل على تحقيق الهدف المنشود في توسيع دائرة الحراك المجتمعي السوري، فقد عملت اللجان دوماً على عدم الدخول في عصبيات أو صراعات فئوية، أو سياسية أو شخصية إلاً في فترة قريبة من تاريخها حيث نشأ هناك خلافاً بوجهات النظر حول بعض القضايا التي تمس العلاقة بالخارج، وهذا لم يكن فقط في تجربة اللجان وحدها ! بل تعدّى ذلك ليطال كافة أطياف المعارضة السورية وليتحول إلى منهجية عمل في تعاطي هذه المعارضة الحبلى بأزماتها لتجد فيها اجهاضاً مبكراً لهذه الأزمات . ما يمكن توصيفه بأنه أحد أهم معالم تحول هذه المعارضة بكافة تلاوينها وشقّها في اتجاهين، وخاصة بعد سقوط بغداد في 9 نيسان 2003 بيد الأمريكان ، فقسم مهم من أعلام هذه المعارضة السورية وجد في سقوط بغداد نهاية عصر الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية وخاصة في المنطقة العربية والشرق الأوسط تحت اسم مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي المنبت، والإسرائيلي الأهداف الاستراتيجية، وحتى لو جاء هذا المشروع على حساب الإنتماء القومي والسيادة الوطنية، مبررين ذلك بأنه نتيجة انحسار أمواج المد الاصلاحي التي وعد بها النظام والتي يبدو أنها لن تكون منجزة أبداً.. وهذه الرؤية رتبت مجموعة من الاستحقاقات الهامة على دعاة هذا المشروع من أهمها ايجاد اتصالات وتواصل مع بعض السفارات الأجنبية في البلاد، وقراءتهم للنموذج العراقي على أنه بشير خير يحمله هذا الغرب إلينا، وإنه شرّ لابد منه ويجب علينا أن نستفيد من الظرف التاريخي الكليّ ..أمّا الإتجاه الثاني فقد بقي يراهن على الخلاص المجتمعي من الداخل > وكنت أنا مع هذه الرؤية وآخرون بالحضور للمشاركة في هذه الحوارات وقد لاقت هذه التجربة صدى جيداً على الصعيد المجتمعي السوري من خلال تعميق وايضاح الكثير من الطروحات والمفاهيم الحداثوية وخاصة ما يتعلق منها بمفهوم الدولة، المواطنة، الديمقراطية، والقوانين والمشاريع المطروحة من الخارج لتغيير خارطة المنطقة جغرافيا وديمغرافياً واستراتيجياً، والتي وللأسف الشديد لا يراها البعض من الزملاء في سوريا، أو ربما هم يتجاهلونها لسبب أو لآخر. وكانت هذه الندوات منتشرة في المحافظات السورية الأخرى، فاعلة، مؤثرة، وقيّمة، تستقطب الناس للحضور والمشاركة وطرح وجهات النظر والتي كانت دائماً مفيدة وقيمةّ، وكان هدف اللجان من خلال ذلك مبدأين رئيسيين؛ الأول هو تكريس مبدأ الحوار وتعلّم آلياته، والثاني هو الاستفادة من كافة الأفكار المطروحة و استعادة هذا الوعي عند الناس لإطلاق أفكارهم للآخرين حتى نتعلم نحن وهم كيف نعبّر عن أفكارنا إنطلاقاً من إيمان لا يتزحزح بحرية التعبير والمشاركة عند الناس جميعاً ودون استثناء.
لا شك بأن تجربة اللجان قد أثارت بعض التحفظ لدى الغالبية الكبرى من أعضاء أحزاب المعارضة التي تنتمي بمجملها إلى جيل الستينات والسبعينات من تاريخ سوريا في القرن الماضي، وهذا يعود إلى طبيعة هذه الأحزاب الايديولوجية بمعظمها، والتي تحمل كلّها مشاريع طرحت سلطات شمولية بديلة، ولو أن بعضها قد تطعّمَ قليلاً ببعض منطلقاته النظرية ببعض الكلمات والمصطلحات التي تنتمي إلى الخطاب الديمقراطي، ولكنها أي هذه المصطلحات بقيت على وثائق هذه الأحزاب لم تتجاوزها إلى وتيرة الفعل وردّ الفعل، وإلى آلية التطبيق والممارسة، عدا عن أن مفهوم المجتمع المدني بحد ذاته كان غريباً وجديداً على الكثير من كوادر وفكر هذه الأحزاب وخاصة القومية والماركسية والدينية منها، أضف إلى ذلك طبيعة المجتمع المدني الذي يتطلب بيئة ليبرالية كشرط أساسي من شروط انجازه، وهو ماكان مقيتاً عند تيارات سياسية عديدة تصبو إلى تحقيق نظام اشتراكي يسيطر على وسائل الانتاج ويعيد إنتاج المجتمع بما يتوافق مع تطلعّاته . لذلك كانت هذه الرؤية القاصرة في الكثير من الأوقات عائقاً أمام تطور آليات عمل هذه اللجان، التي ظنّوا بأنها ستسحب البساط من تحتها وهي "أي الأحزاب" التي قدمت الكثير من التضحيات في السجون والمعتقلات السياسية، كما أنهم فقدوا عدداً كبيراً جداً من كوادرهم في عمليات النفي القسري والطوعي وهذه كانت من الأسباب الرئيسية في تراجع هذه الأحزاب وعجزها عن ممارسة دورها بشكل فاعل كقوى سياسية توفر البدائل لنظام قائم يضم أغلبية الشارع السوري تحت مظلته.
وبرغم كل ذلك فإن تجربة لجان إحياء المجتمع المدني مازالت وليدة برغم مرور ما يقارب الخمس سنوات على تأسيسها، وهذا يعود لأسباب كثيرة لسنا بوارد تحليلها الآن، ولكن أهمها هو القمع الأمني لنشاطات هذه اللجان وفقر الموارد والإمكانات المادية وهي عامل لا ’يستهان به أبدأً في أي نشاط مجتمعي يحمل بين طياته مشروعاً وطنياً كالذي تحمله وتطرحه لجان الإحياء، ولكن ما يقوي إرادتنا هو عزمنا الدائم على متابعة هذه التجربة النوعية والفريدة على صعيد الشارع العربي كله، وهذا ليس غريباً ولا جديداً أو استثنائياً على شعب كالشعب السوري، فهو وريث السياسة، وهو دوناً عن شعوب الأرض قاطبة يهتم حتى بسياسات الدول البعيدة عنه في قارات أخرى، فما بالك في شأنه الداخلي، ولكن الأسف كبير على فقدان مرحلة هامة من الحياة السياسية السورية خلال الأربعين عام الذين مضوا من تاريخها، ولذلك نحن كلّنا أمل بأن الزمن قد يعود إلى الوراء أحياناً طالما أن التاريخ حركة متجددة دوماًُ، فقد يعيد التاريخ نفسه بعد أن نكون قد استلهمنا من تجاربنا وخيباتنا ومراراتناالدروس و العبر التي ’تنقذ مجتمعاً ’عرفَ عنه بأنه من صدّر الحريات وبذور الديمقراطية الأولى إلى بقاع الأرض .



#عماد_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في التفاصيـــل ؟
- في بعض قضايا المعارضة السورية
- المجتمع المدني ودلالاته الوطنية


المزيد.....




- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عماد يوسف - في تجربة لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا -- الضرورة- التحديات ودرب الألف ميل-