أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (9)















المزيد.....

الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (9)


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3908 - 2012 / 11 / 11 - 17:44
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (9)

كثيرون هم الذين استهجنوا قولي أن مسيرة البشرية في التطور هي اليوم معطلة بسبب الظروف السائدة وأولها علاقات الانتاج غير الطبيعية والشاذة والتي تعمل على إضعاف قوى الانتاج وتهميشها والتي هي المحرك الوحيد للتطور والتقدم الاجتماعي والحضاري. هؤلاء المستهجنون هم من الممتهنين للسياسة وليس لديهم مهنة أخرى والممر المحكم الإغلاق في هذه الحالة من شأنه أن يفقدهم مهنتهم الوحيدة ويضيّع بالتالي مستقبلهم. البشرية لا تأبه بمستقبل البورجوازية الوضيعة أكانوا شيوعيين بالدمغة أم غير شيوعيين. من واجب الماركسيين الأقحاح وبحكم مسؤوليتهم التي ارتضوها لأنفسهم تجاه مستقبل الإنسانية أن يقفوا طويلاً وطويلاً جداً أمام هذا الإغلاق المحكم للبحث في عناصر تركيبته التي معرفتها الدقيقة وحدها تمكن من تفكيك مثل هذا الإغلاق الفريد عبر التاريخ.
عندما يكتب الماركسي من باب التخمين والتخرّص يفقد إدعاءه الماركسية. كتابتي عن الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل ليست من باب التخمين والتخرص فهي تستند إلى التحليل الماركسي الواعي للوقائع على الأرض. يقول لنا كارل ماركس أن التقدم الإجتماعي للمجتمعات البشرية عبر التاريخ ينطلق من قاعدة واحدة وهي التناقض بين قوى الإنتاج من جهة وعلاقات الإنتاج من جهة أخرى، أي تلك العلاقات التي يقيمها أفراد المجتمع بين بعضهم البعض كي ينتجوا. الإنتاج، وهو سبب الحياة للبشرية، يتطور ويتعاظم وفق تطور وتعاظم القوى الفاعلة فيه، قوى الإنتاج، وهي قوى العمل (العمال)، والآلات والمكائن والطاقة الصناعية غير العضوية. تنمو وتتعاظم قوى الانتاج دون توقف كما هو ديدن البشرية جمعاء، ولذلك فإن علاقات الإنتاج التي كانت تتناسب مع قوى الانتاج في مرحلة سابقة لا تعود مناسبة في مرحلة لاحقة حققت خلالها قوى الإنتاج تطوراً ملحوظاً وهو ما يستوجب تغيير علاقات الإنتاج وإلا غدت هذه العلاقات سداً منيعاً أمام نمو وتطور قوى الإنتاج الذي لا تقبل به الطبيعة البشرية.

الرأسمالية فيما بعد انهيار أكبر إمبراطوريتين استعماريتين، بريطانيا وفرنسا، بفعل الحرب العالمية الثانية وانفجار ثورة التحرر الوطني في العالم كله بعد الحرب مباشرة، لم تعد الرأسمالية تعطي أرباحاً لأكثر من سبب؛ أولها بالطبع فقدان المحيطات حيث كانت مراكز الرأسمالية تتخلص من فائض إنتاجها، ومنها أيضاً تنامي الطبقة الوسطى حتى استلمت السلطة وشكلت دولتها الخاصة بها، دولة الرفاه (Welfare State)،عوضاً عن الدولة الرأسمالية. ولما كانت الطبقة البورجوازية الوضيعة لا تنتج غير الخدمات التي لا تجدد قوى العمل (Labour Power) مهما تنوعت أشكالها، قوى العمل التي هي مادة الثروة وسببها الوحيد، لذلك استحال على دولة الرفاه أن تتدبر أمرها بغير الإستيلاء على قسم متزايد من إنتاج العمال. مع استمرار سياسة الرفاه والاستيلاء أكثر فأكثر على إنتاج العمال، عن طريق فرض الضرائب المتنوعة وضريبة المبيعات المتزايدة، تدهورت الصناعات الرأسمالية الأمر الذي أدى ليس إلى تضاؤل فائض القيمة فقط الذي هو مبعث تطور النظام الرأسمالي، بل وإلى التراجع الفعلي لأجور العمال أيضاً. لم يعد من مناص أمام الصناعات الرأسمالية في ظل دولة الرفاه سوى التوقف عن العمل أو الهجرة إلى الأطراف حيث لم تتواجد دولة الرفاه أصلاً وحيث العمالة الرخيصة والمواد الخام وفي كلتا الحالتين يظل عمال المركز بلا وظائف ليتحولوا مرغمين إلى إنتاج الخدمات . هكذا كانت العولمة (Globalization) التي أساء تفسيرها المحللون والإقتصاديون البورجوازيون على اعتبار أنها مرحلة أعلى من مراحل الرأسمالية؛ وزادوا في ذلك فقالوا بقدرة الرأسمالية على تجديد نفسها بنفسها، بينما حقيقة الأمر هي العكس تماماً مما ادّعي هؤلاء القوم البورجوازيون. إنها في الواقع سكرات الموت للنظام الرأسمالي، فأطراف مراكز الرأسمالية غير مؤهلة بفعل تركيبتها الطبقية والاقتصادية لأن تنقلب بين عشية وضحاها لتكون مراكزاً للرأسمالية. البنية الإقتصادية الرأسمالية بنية تاريخية تشكلت تحت ظروف تاريخية لم تعد قائمة. وهكذا ماتت الرأسمالية كنظام عالمي يمسك بزمام العالم منذ سبعينيات القرن الماضي.

خديعة حواء لآدم التي ألقت بالجنس الآدمي إلى عالم الخطيئة والآثام، كما في الأسطورة، لم يماثلها في الأرض سوى جريمة العسكرية السوفياتية التي انتصرت في الحرب على النازية الهتلرية وكانت تفاحتها الشيطانية التي قدمتها إلى قيادة الحزب الشيوعي الغفل في سبتمبر 1953 ، بعد رحيل ستالين أو الأحرى ترحيله، هو إلغاء البرنامج الإقتصادي والسياسي الذي أقره الحزب في مؤتمره العام التاسع عشر في نوفمبر1952، البرنامج الذي وعد الطبقة العاملة السوفياتية بالخير العميم، والاستعاضة عنه ببرنامج العسكرية السوفياتية المرتكز على التصنيع العسكري وحرمان الطبقة العاملة السوفياتية من إنتاجها ومردود عملها الموعودة به سخيّاً كما في برمامج الحزب. تلك التفاحة المسمومة فتحت الطريق واسعة إلى جهنم أمام البشرية جمعاء، واستُبدِلت دولة دكتاتورية البروليتاريا بدولة دكتاتورية البورجوازية الوضيعة التي ما زالت قائمة في روسيا حتى اليوم. وما جرى في العام 1991 إنما هو إعلان هوية الطبقة الحاكمة الحقيقية التي ظلت مخفية منذ العام 1953 وليس انقلاباً كما صوّر إعلامياً وكما بدت صورته من الخارج. وليس أدل على ذلك من أن كامل أعضاء المكتب السياسي للحزب تقريباً ظلوا هم الحكام في جهورياتهم الخمس عشرة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وإعلان هؤلاء الأعضاء في قيادة الحزب أنفسهم استنكارهم بكل وقاحة للشيوعية. وما يستوجب الإضافة هنا هو أن علاقات الإنتاج الهجينة التي فرضتها البورجوازية الوضيعة غصباً على المجتمع الاشتراكي غير قابلة بطبيعتها الهجينة إلى التحول إلى علاقات إنتاج رأسمالية كما تسيء القول بعض التحليلات الفجّة.

أُستُكمِلت هذه الجريمة التاريخية الشنعاء بحق البشرية جمعاء، والتي تسببت بخروج عربة التاريخ عن سكتها، بجريمة أخرى ترتبت عليها. فبعد أن تحقق دهاقنة الرأسمالية العالمية من انهيار نظامهم الرأسمالي المحتوم مع بداية سبعينيات القرن الماضي تنادوا إلى مؤتمر لهم في قلعة رامبوييه/ باريس في نوفمبر 1975 حضره رؤساء الخمسة الأغنياء في العالم الرأسمالي (G 5)، ألمانيا وفرنسا وانجلترا وأميركا واليابان، واتخذوا أخطر قرار في تاريخ النظام الرأسمالي، قرار يقول للشعوب التي تحررت من نيرهم الاستعماري .. طالما أنكم منعتمونا من استغلالكم بعد أن تحررتم من التبعية الاستعمارية فنحن بالمقابل نعلن متضامنين أن عملاتنا الخمسة ستعتبر منذ اليوم كما لو أنها ذهب خالص قيمتها الفعلية هي نفس قيمتها الإسمية دون أدنى اعتبار لما نملك من ذهب أو من أي غطاء آخر لها !!! هكذا كانت رصاصة الرحمة حتى لفظ النظام الرأسمالي أنفاسه الأخيرة. وهكذا كان ذلك القرار الطريقة الوحيدة المتبقية لنهب العالم من قبل الذين اعتادوا نهبه بالطريقة الإمبريالية. ممتهنو السياسة كلعبة يلعبونها مجردة من الصراع الطبقي يسيؤون فهم ذلك القرار وأبعاده اللامتناهية في علاقات الإنتاج. في النظام الرأسمالي الإمبريالي كان الرأسماليون ينهبون الشعوب من خلال مبادلة فائض الإنتاج المتحقق في المركز والمجسد لفائض القيمة، يبادلونه بالمواد الخام في البلدان الأطراف وبأسعار تفضيلية لصالح المركز بالطبع. أما اليوم وفيما بعد النظام الرأسمالي واعتبار عملات السادة الخمسة الأغنياء ذهباً، قيمتها بذاتها، وهي في الحقيقة شكلاً ومضموناً ليست أكثر من ورق، اليوم يتم نهب العالم تحت مظلة الدولار الزائف. ممتهنو السياسة كلعبة مستقلة بحد ذاتها، خلافاً لطبيعتها، لم يمايزوا بين النهب الإمبريالي والنهب من خلال النقد الزائف حيث الأول بالرغم ن كل مساوئه إلا أنه لا يخلو من فوائد للبلد المنهوب أو المستعمرة حيث تقوم للضرورة صناعات تكميلية للصناعات في المركز كالصناعات الاستخراجية، على العكس من الثاني الذي يتم على حساب قوى العمل في البلد المنهوب إذ يتم نهب إنتاجها دون مقابل. الفرق كبير جداً ونوعي بين الحالتين ومواجهتهما مختلفتان كل الإختلاف. عدم التمييز بين الحالتين له تداعيات خطيرة أو حتى مصيرية وقاتلة.

في المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي في نوفمبر 1952 كانت الطبقة العاملة السوفياتية تتهيأ لتستأنف مسيرتها عبر برنامج طموح يعمل على تحويل طبقة الفلاحين إلى عمال وينتهي إلى الوصول إلى عتبة الشيوعية. عند ذلك المنعطف المصيري الخطير والحاسم هبت البورجوازية الوضيعة تقوم بثورة مضادة فتغتال ستالين في الأول من مارس 1953، وقبل أن يوارى جثمانه الثرى تلغي القيادة المشبوهة القرارات السياسية للمؤتمر العام للحزب متجاوزة كل الأنظمة والقوانين. وفي سبتمبر من ذلك العام النحس تلغي تلك القيادة، قيادة خروشتشوف، الخطة الإقتصادية لمؤتمر الحزب التي لا تنتهي في العام 56 قبل أن تكون البروليتاريا السوفياتية قد وصلت أوج قوتها عند عتبة الشيوعية فلا تسمح بأية إنتكاسة أو رجوع عن الاشتراكية. حينذاك، في ذلك المنعطف الحاسم، هبّت طبقة البورجوازية الوضيعة تستولي على قيادة الحزب والدولة ولم تحرص كثيراً على إخفاء هويتها البورجوازية فشنت هجوما وقحاً على باني الاشتراكية في أول دولة للعمال في التاريخ والقائد الاستثنائي العظيم لبروليتاريا العالم يوسف ستالين، وقامت في يونيو 57 بانقلاب عسكري بالتعاون مع وزير الدفاع المارشال جوكوف وطرد جميع البلاشفة من المكتب السياسي وهو أعلى سلطة في الدولة وعددهم أكثر من نصف أعضاء المكتب، قامت بذلك بعد أن صدعت رأس العالم بدعواها الديموقراطية نقضاً لدكتاتورية ستالين المزعومة ! وفي المؤتمر العام الاستثنائي للحزب في فبراير 1959 وقف خروشتشوف على منصة المؤتمر يعلن بخيانة صفيقة إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا ليستبدلها بدولة البورجوازية الوضيعة وأسماها " دولة الشعب كله ". البورجوازية الوضيعة السوفياتية وطليعتها الجيش " الأصفر " لا الأحمر وضعت حداً لتطور البروليتاريا السوفياتية. الحقد الذي تكنه البورجوازية الوضيعة السوفياتية على البروليتاريا وعلى الإشتراكية فاق حقد النازية الهتلرية.

الإنقلاب ضد البروليتاريا في العالم الرأسمالي كان إنقلاباً ناعماً في الظاهر إلا أنه في الحقيقة مؤلم ونازف. فدهاقنة الرأسمالية عندما اجتمعوا في رامبوييه في العام 1975 قرروا قراراً غريباً، أغرب من كل غريب، قرروا أن لا قيمة لعمل العمال وأن النقد، نقدهم، هو القيمة الكليّة وأن إنتاج العمال يستمد قيمته من النقد. هم بذلك قلبوا المعايير المتعلقة بمفهوم النقد والتي تقول أن قيمة النقد تتأتى من قيمة البضاعة بل هو مجرد معاير لقيمتها. وهكذا تحول العمال إلى كتلة زائدة في المجتمع تثقل على كاهل مالكي النقود وهو ما يعني أن البورجوازية التي تملك النقود وتسكها هي التي تطعم البروليتاريا وليس العكس.

ماذا يعني كل هذا، سواء ما جرى في الاتحاد السوفياتي في الخمسينيات أو في الدول الرأسمالية في السبعينيات ؟ ـ هذا يعني تحديداً أن قوى الإنتاج المتنامية في المعسكرين حرمت من بناء علاقات إنتاج تتناسب مع درجة نموها وتسمح لها بالنمو المضطرد. من الغريب حقاً ومما لا يخطر في البال أن تحل محل علاقات الانتاج الرأسمالية القديمة المستهلكة علاقات هجينة شوهاء هي الأحرى علاقات اللاإنتاج وليست علاقات الإنتاج. هي علاقات من خارج دائرة الإنتاج، علاقات فرضتها البورجوازية الوضيعة بهدف تكريس سيادتها في المجتمع واستيلائها على القسم الأعظم من إنتاج الطبقة العاملة دون مقابل حقيقي. ما علاقة البورجوازية الوضيعة بالإنتاج الرأسمالي أو الاشتراكي؟ لا شيء، لا شيء على الإطلاق. البروليتاريا في العالمين الرأسمالي والإشتراكي تقوم بالإنتاج بعيداً عن كل ما يمت إلى البورجوازية الوضيعة بصلة. كانت البروليتاريا تقيم علاقات مباشرة مع الرأسماليين في العالم الرأسمالي ومع الدولة البروليتارية في العالم الاشتراكي للمشاركة في عملية الإنتاج. لكن لم يحدث ولا يمكن أن يحدث أن تقيم شراكة مع البورجوازية الوضيعة في الإنتاج.
"علاقات الإنتاج" القائمة اليوم في سائر المجتمعات هي علاقات هجينة لا علاقة لها بنظام الإنتاج المعمول به حيث بموجب القانون الإجتماعي تفرز قوى الانتاج وفقاً لتطورها علاقات الإنتاج المناسبة لها. أما العلاقات القائمة اليوم فهي مستوردة من خارج قوى الإنتاج، وهي علاقات استهلاك وليس علاقات إنتاج، هدفها الأول هو الحؤول دون تطور قوى الإنتاج وتقدمها. البروليتاريا تنتج السلع بعيدا عن البورجوازية الوضيعة التي تنتج بدورها الخدمات بعيداً عن البروليتاريا أيضاً. وتقتضي الحاجة أن يتبادل الطرفان منتوجاتهما مباشرة، سلعاً مقابل خدمات، بعد أن كان التبادل بين الطرفين يجري عن طريق وسيط ثالث هو الرأسمالي الذي كان حدياً في تقدير قيمة الخدمات. لكن هذه المبادلة تجري اليوم تحت الضغط والإكراه فالخدمات بالكاد تضيف شيئاً إلى قوى العمل بينما السلع تستهلكها البورجوازية الوضيعة لتتحول بالكامل إلى خدمات، أضف إلى أن الخدمات ليست من الثروة بشيء، على العكس من السلع التي تكتنز كل الثروة. أسوأ ما في هذه المبادلة هو أن الخدمات ليست ذات قيمة معروفة ومحددة عبر ساعات العمل المبذولة في إنتاجها بل تبعاً لقيمة المعرفة المزعومة في السوق المنهارة غير الرأسمالية، والمعرفة ليست سلعة يجري تبادلها في الأصل ولذلك لا قيمة لها مجردة من الشغل. لكن في السوق اللارأسمالية، سوق البورجوازية الوضيعة تغدو ذات قيمة هائلة غير محدودة قد تصل إلى ألف ضعف من قيمة الشغل المبذول في تحقيقها. ومن هنا بتنا نجد أرهاطا من الأطباء تحولوا إلى تجار عقارات ومضاربين في البورصة بعد أن باعوا للعمال معارفهم بذهب وفير ثم هجروا معارفهم الطبية ولم يعودوا يستخدمونها.

علاقات الإنتاج الرأسمالية كانت تسمح بتحويل فائض القيمة إلى مصانع جديدة وتحويل أعداد إضافية من الناس إلى عمال بروليتاريين. ولذلك قال ماركس أن الرأسماليين يحفرون قبورهم بأيديهم. بل وتسمح أيضاً في ظروف خاصة بزيادة أجور العمال وتحسين شروط حياتهم وشروط العمل. أما في علاقات الإنتاج الهجينة القائمة الآن والتي حلت محل شروط الإنتاج الرأسمالية فهي لا تسمح بأدنى شيء من كل هذا، لا بالتمدد الرأسمالي (Capitalism Expansion) ولا بتحسين أحوال العمل والعمال، بل العكس تماماً من هذا ما يتحقق، الإنكماش المتزايد للإنتاج الرأسمالي وانحطاط أحوال العمل والعمال.
عندما تفرض البورجوازية الوضيعة مبادلة خدماتها مع البروليتاريا بأضعاف قيمتها خارج السوق الرأسمالية فذلك يعني أن البورجوازية الوضيعة دفعت إلى السوق بقيم زائفة وهي الخدمات والنقود البديلة لها هي بالضرورة نقود زائفة. تزييف النقود، أي النقود التي لا تعاير قوة العمل ولا تمثلها أخذت تكون قانون العصر. فليس مراكز الرأسمالية الإمبريالية سابقاً فقط هي التي فرضت عملاتها الساقطة نقوداً من ذهب تحمل قيمتها بذاتها وهو ما ييسر لها نهب العالم من خلال مبادلة إنتاجه بنقود ساقطة لا قيمة لها، بل والبورجوازية الوضيعة في شتى أنحاء العالم أيضاً أخذت تزيف إنتاجها من الخدمات وتبيعه بأضعاف أضعاف قيمته الحقيقية أي أن لها نقدها الزائف أيضاً.

النظام العالمي اليوم أشبه بمغارة علي بابا والأربعين حرامياً. الطبقة العاملة في العالم تحول قوى العمل المتجددة فيها يومياً إلى ذهب على شكل سلع من كل الأنواع. يختزن العمال ذهبهم في مغارة تقوم مقام السوق. يأتي إلى المغارة علي بابا يحمل خلفه أكياساً من الأوراق الخضراء المطبوعة كدولارات. يحمل علي بابا (الولايات المتحدة) ما وسعت أكياسه الحَمْل من ذهب العمال بدل أوراقه الخضراء. الحرامية الأربعون الآخرون تعلموا من علي بابا فن السرقة فدولروا عملاتهم الوطنية وأخذوا يستبدلون نقودهم الزائفة زيف الدولار بالذهب من مغارة العمال. البورجوازية الوضيعة لها طريقتها الخاصة بنهب الذهب من مغارة العمال فهي تبادل الخدمات عديمة القيمة التبادلية بالذهب من مغارة العمال. كل هؤلاء ينهبون ذهب العمال دون مقابل يعوضهم عن قوى العمل المبذولة في إنتاج ذهبهم. وهكذا تتخلف قوى الإنتاج ويتخلف العمال وتنكمش مساحتهم في المجتمع يوماً بعد الآخر وإلى ما لا نهاية.

قوى الإنتاج المتنامية التي عوّل عليها كارل ماركس لتقوم بالثورة الإشتراكية باتت اليوم بحال يرثى لها. مراكز الرأسمالية الكلاسيكية التي كانت تعج بمئات الملايين من البروليتاريا وتموّن العالم بفائض إنتاجها باتت اليوم تعج بالبورجوازية الوضيعة بدل البروليتاريا وبعجزٍ متفاقم في الإنتاج وتحتاج العالم لأن يسدّ هذا العجز. وهكذا باتت البروليتاريا تواجه ممراً محكم الإغلاق إلى المستقبل. ما حيلة الماركسيين الشيوعيين طلائعيي البروليتاريا أمام هكذا ممر مغلق. الشيوعيون قسراً هم المسؤولون عن تفكيك هذا الإغلاق ليس لآنهم هم وحدهم طلائع البروليتاريا فقط،، بل لأن من تسبب بداية بهذا الإغلاق المحكم كان فريقاً منهم وهو جيشهم "الأحمر" وعصابة المنحرف والمرتد خروشتشوف في قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي.

عبثاً يقال أن هذا الممر محكم الإغلاق إلى المستقبل وانكماش أعداد البروليتاريا أمامه لا يشيعان الشعور بالإحباط بين الشيوعيين. للحقيقة هما يفعلان ذلك بصورة مأساوية خاصة وأن الإحباط يدهم أول من يدهم أولئك الذين لا يعون الأسباب الحقيقية لنشوء هذا الإغلاق المحكم للممر. الشيوعيون الذين لم يعوا تلك الأسباب أخذ الإحباط منهم كل مأخذ وانقلبوا إلى وطنيين يعنون بقشور السياسات المحلية من مثل الديموقراطية البورجوازية ومختلف الحقوق البورجوازية للإنسان. هؤلاء الوطنيون الجدد لم يعد يربطهم بالحركة الشيوعية أي رابط حتى وإن استخدم بعصهم اسم الشيوعية للخداع. أما أولئك الذين يعون الأسباب فإن ذلك يدفع بهم إلى إلتزام أقوى حميميةً بقضية البروليتاريا خاصة وأن قضيتها هي بالنهاية قضية إنسانية بامتياز.
فيا شيوعيي العالم اتحدوا من أجل تفكيك الإغلاق المحكم للممر إلى المستقبل الشيوعي.

(انتهى)
www.fuadnimri.yolasite.com



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (8)
- الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (7)
- الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (6)
- الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (5)
- الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (4)
- حقيقة الوضع في سوريا
- الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (3)
- الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (2)
- الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل
- أنصاف الماركسيين ومتثاقفو البورجوازية الوضيعة .. !
- الصهيونية نبتة جذورها الخيانة
- بطلان العمل السياسي
- عَالَمية الثورة الإشتراكية وعِلم الثورة
- لا حرية مع العمل المأجور - بشرى الحرية لنساء العالم -
- الشيوعيون المرتدون
- ونستون تشيرتشل يفضح مجندي البورجوازية الوضيعة
- الأميّة في السياسة
- المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة ودورها
- ماذا علّمنا ستالين ؟
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (3)


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (9)