أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - الفن والابداع فى زمن الاخوان















المزيد.....

الفن والابداع فى زمن الاخوان


حمدى السعيد سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3905 - 2012 / 11 / 8 - 20:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقول برتراند راسل فى كتابه " السلطة و الفرد " أن " من فضائل السلطة الحفاظ على التماسك الاجتماعى و تحاشى الفوضى لكن التقدم و النهضة لا تتحققان الا عن طريق الابداع الفردى "... فلابد أن نترك المجال للابداع الفردى و لا نسعى الى قولبة المجتمع اذا أردنا النهضة لمصرنا الحبيبة .... لقد ازدانت بقيمة الحرية و تجملت ثورة 25 يناير .... فأجمل ما فيها هو روح الحرية و التسامح التى شهدها ميدان التحرير و كافة ميادين الثورة المصرية ... فقد جاءت الثورة بثلاثة مطالب أساسية وهى عيش ، حرية ، عدالة اجتماعية و كرامة انسانية .... اذن فالحرية شكلت ضلعا أساسيا للثورة و عمادا أساسيا لها .... نتساءل اذن ما هى الحرية التى طالب بها جموع الثوار ؟ أليست هي حرية الرأي و الفكر والاعتقاد ، أليست متضمنة لحرية الابداع ؟...فبعد مرحلة الحلم الرومانسى للثورة المصرية التى تمثلت فى الأيام الثمانية عشر حتى سقوط الرئيس السابق حسنى مبارك ، أطلقت حرية الابداع الفنى المعارض للسلطة فى كافة ميادين و شوارع مصر و تشهد الجدران المصرية على هذا من خلال الجرافيتى كما يشهد على ذلك أشكال آخرى من الفنون مثل الأغانى الثورية و غيرها!! أيضا شهدت ميادين مصر مثل ميدان عابدين مهرجان الفن ميدان الذى هدف الى تقريب الفن من الشارع فالفن للجميع ...

مما لاشك فيه ان الثورة ليست عملية انقلاب على منظومة حكم و استبدال اليات ادارة بآليات اخرى.... ان ذلك جزء بسيط من العملية الثورية و لكنه لا يختزلها.... الثورة هي قبل كل شيء انقلاب على مفاهيم و قيم و استبدالها بمفاهيم و قيم جديدة... و اذا كان التطور الثقافي و الاجتماعي هو عبارة عن تحول بطيء و تراكمي للمفاهيم المعرفية و القيمية في المجتمعات البشرية يؤدي الى تغيرها مع الوقت, فان الثورة هي قفزة نوعية تحرق المراحل و تنقل المجتمع من طور الى طور في زمن قياسي.... هكذا عملية لا تحصل من دون تحطيم بعض الاطر و تغيير اطر اخرى تغييرا جذريا.... انها عملية مؤلمة و تسير وفق جدلية معقدة بين الهدم و البناء و بين التوتر و الاستقرار حتى تتمخض عنها حالة مستقرة جديدة مبنية على مكتسبات قيمية و هيكلية على حد سواء.... و ثورة 25 يناير ليست استثناء على ما تقدم و قد افرزت و هي تفرز كل يوم مفاهيم و قيم جديدة....

قبل الثورة كان الانسان العربي يفكر عموما بالسياسة بشكل تلقائي ... فهو ضد فلان و مع فلان و هو دائما في مواجهة هذا الطرف او ذاك .... و يرى السياسة من منظار موقعه في هذه الجماعة أو تلك ... رؤيته للعالم أحادية الأبعاد و أحيانا ثنائية و لكنها دائما قاصرة عن استيعاب تعقيدات الأمور ... لم يكن الفكر السياسي العربي قبل الثورة قادرا على تلمس الواقع المركب لمعظم الظواهر الاجتماعية السياسية... و كان هذا الفكر الأحادي، أو الثنائي في أفضل الأحوال، يسبح في فضاء من المطلقات، يكره النسبية و ما تفرضه من عمق و ضبط للنفس ... انه عقل مجتمع مقموع مدجن ، فاقد لوعيه بذاته ناهيك عن وعيه بظروفه و مشاكله...الان و فى ظل هذه الأجواء الثورية والابداعية الايجابية و مع استخواذ التيارات الاسلامية الاخوانية و السلفية على السلطة تسرب القلق الى عدد كبير من الفنانين و المبدعين و كل من يدافع عن قضية حرية الابداع من هذا الصعود الاسلامى الذى لا يرونه اسلاميا و لكن متأسلما و بالتالى اتخذوا خطوات احترازية عن طريق مسيرة سميت بمسيرة الابداع التى توجهت الى مجلس الشعب فى بداية انعقاده يوم (23 – 1 -2012 ) و قد كانت بمثابة مسيرة وقائية إن جاز التعبير، و الوقاية هنا مما يمكن أن يسنه البرلمان من تشريعات تنتهك حرية الرأى و الابداع .... فنص بيان جبهة الابداع الذى تم تسليمه الى مجلس الشعب بأنه " لن نقبل بإرهاب العقول وتكفير التفكير واعتبار أن من يعارض المجلس العسكرى خائناً، أو من يهاجم التيارات التى تسمى نفسها بالدينيه كافراً، ولأننا من نسيج هذا المجتمع فإننا حماة ثوابته ونرفض استخدام كلمة (ثوابت المجتمع) كذريعة للحد والتقييد من حرية الإبداع "....


و بالفعل كان للشكوك و الظنون مدعاها و قد وضح هذا للعيان مما أثارته مؤخرا قضية محاكمة الفنان عادل امام و غيره من الفنانين ... فقد تقدم أحد المحامين المنتمين الى التيار الاسلامى الذين يعرفون بمحاميى الحسبة برفع قضيتين دون أن يكون له أي صفة او مصلحة في تلك الدعوي الأمر الذي يجعلها تضاف في قائمة قضايا الحسبة السياسية والدينية .... مضمون الادعاءات فى القضيتين هو القول بأن تلك الاعمال هدفت الى ازدراء الدين الإسلامى ...في القضية الأولي اختصم الفنان عادل إمام وحده ونظرت القضية محكمة جنح الهرم وأصدرت حكماً يقضي بحبسه 3 أِشهر وتغريمه كفالة 1000 جنيه بعد أن أيدت المحكمة الحكم الغيابى الذى صدر فى مطلع العام الجارى ... و هذا فى تطور سلبى خطير تجاه قضايا حرية الرأى و الابداع ...أما فى القضية الثانية رفعت القضية ضد كلا من عادل امام ، نادر جلال ، لينين الراملى ، شريف عرفة ، وحيد حامد ، محمد فاضل – وهم مخرجى و مؤلفى ومنتجى أعماله السينمائية و المسرحية ( من تلك الاعمال الارهابى ، طيور الظلام ، الزعيم ، مرجان أحمد مرجان ) أمام محكمة العجوزة الجزئية الخميس 26 إبريل و قضت المحكمة بعدم قبول دعوى ازدراء الأديان المرفوعة ....فقد أصدرت محكمة جنح العجوزة حكمها بعدم قبول الدعوي والزمت رافعها بالمصروفات وأتعاب المحاماة....و شددت المحكمة أن "توجيه الانتقادات لأي تيار فكري غير مجرّم وأن بعض المتشددين يصرون على تنصيب أنفسهم أوصياء وحراساً ومدافعين عن العقيدة ضد الأخطار"...وتساءلت المحكمة: "على فرض أن تلك الأعمال الفنية تتناقض مع فهمهم للعقيدة فهل معني ذلك أن يختزل الدين في فهمهم وتأويلهم؟ لماذا صوروا ما جاء في الأعمال الفنية على أنه خطر على العقيدة وهو في الحقيقة خطر على فهمهم وتأويلاتهم؟ لأن الدين والعقيدة في نفوس المصريين كشعب متدين أقوى من أن يهددها عمل فني و كانوا بوعيهم هذا قادرين على التصدى لهذا قبل أن ينوب عنهم أحدا بهذا ؛ لكن ضعف موقفهم المستمد من الظلام والجهل هو الذي صور لهم ذلك ...

فأمامنا الآن حكمان على الفنان عادل امام ، حكم خاص به وحده يقضى بادانته و حكم آخر خاص به مع غيره من المبدعين يقضى ببراءته .... فهل الحكم الأخير سوف يؤدى الى حصول عادل امام علي البراءة أمام محكمة جنح مستأنف الهرم وإسقاط حكم اول درجة الصادر بحبسه وتغريمه ...و بصرف النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع افلام الفنان عادل امام ، التساؤل يظل واحدا و المبدأ يظل واحدا وهو هل نقبل او لا نقبل بمحاكمة الفنانين عن أعمالهم الفنية التى بذلوا فيها الجهد فى مراحله المختلفة ابتداء من التأليف ثم الاخراج و الأداء؟ فالفنان الذى يحمل هموم وطنه و يفنى عمره للتعبير عن قضاياه و يسعى الى انتقاد تلك الأحوال بل و يستشرف ما قد يواجهه وطنه من مشكلات من أجل الوصول الى مجتمع أكثر مثالية ، هل نقوم بمحاكمته اذا اختلفنا معه فى وجهة النظر ؟...فقد تمثلت التهمة الأساسية للفنان عادل امام انه قام بازدراء الأديان بصرف النظر عن كونه مؤدياً فقط و لا تقع عليه المساءلة القانونية لأنه ليس مؤلف أو مخرج تلك الأعمال، لكننا لا نهتم بالأشخاص و لكن بالقضية بصورة عامة ... فتهمة ازدراء الأديان شاعت فى مصر و عادة ما كانت تستخدم في مصر لقمع الفكر المخالف فقد صارت تهمة ازدراء الأديان سلاحاً بيد السلطات الرسمية تؤدب به المعارضين، و أيضاً صارت سلاحاً بيد الجماعات التكفيرية ... ففى كل عصر يوجد تهمة ان جاز التعبير و تهمة ازدراء الأديان طالما ما استغلت لتكفير الآخر المختلف ...

هذه النوعية من الأفلام قيل انها تقوم بازدراء الأديان أيا كانت اهداف اصحابها ، سواء بتوجيه من النظام السابق او بقناعات اصحابها لمواجهة فكر الاخوان و الحد من انتشارهم و كشف دورهم الافعوانى السياسى الذى يهدد استقرار و امن و سلامة الوطن .... فهل جاء الوقت و سنحت الفرصة عندما تغير ميزان القوة و أصبحت الكرة فى ملعب الاخوان و السلفيين أن ينتقموا من ثأر قديم مازالوا يضمرونه و يكون درس لما تسول له نفسه ان ينتقدهم و ينتقد هذا الفكر بغض النظر عن فكرة ازدراء الأديان التى تبنوها لأنه لا يوجد فى أية من هذا الافلام نقد لرسول الاسلام او الذات الالهية او الشرع الذى يؤمن به عموم المسلمين .... فقد كان فكر هذه الافلام و هذا النقد متمحورا حول منهج هذه الجماعات فى الظاهروالباطن و أساليب عملها سواء فيما بينها او على أرض الواقع و نظرتهم المختلفة عن عموم مجتمعهم .... و الدليل على هذا أن هذا الفكر كان غريبا عن المجتمع فلم يظهر من المعتقدات الداخلية سوى الملبس الدخيل على المجتمع المصرى و اسلوب الحياة و طرح الافكار الا فى عقد الثمانينيات و بالتحديد بعد اغتيال الرئيس انور السادات فقد بزغ نجم الجماعات الدينية فى فترة حكم السادات و تفاقم هذا الانتشار بعد اغتياله ....

فاذا افترضنا أن أعمال عادل امام كانت تساند النظام البائد و كان مبدعوها يقدمون افكارا مضادة للاسلاميين خادمين بذلك هذا النظام و مؤازرين له .... هل بعد ذلك يقوم التيار الاسلامى باستغلال تغير الاوضاع السياسية من أجل منع افلام كانت تنتقد موقفهم السياسى تحديدا و توغلهم فى المجتمع من أجل التأثير عليه و قولبته بطريقة معينة و معاقبة مبدعى هذه الأعمال ؟ فالموضوع اذن سياسيا من الطراز الأول و لا يتصل بالدين بأى شكل من الأشكال ... اذا كان الموضوع دينيا فلماذا لم يرفع هذا المحامى القضية وقت عرض تلك الأفلام .... نعم نفهم الشعور لكل من اعتقل أو سجن بسبب أفكاره و عقائده و لكن هل يصح عندما يخرج من السجن و تصبح السلطة فى يده أن ينتقم ممن انتقده أو حتى أساء اليه تماما مثلما حدث معهم و ذاقوا مرارته ؟ ففى تبرير رفع القضية لم يكن يصح الاشارة الى أن الفنان كان ينتقد الذات الالهية أو يزدرى الدين لأن ذلك لم يحدث .... فيمكن أن يكون قد انتقد الاسلاميين بناء على فكره الشخصى أو بايعاز من النظام لو تصوروا ذلك ... لكن ادخال الله و الذات الالهية فى هذا الموضوع لا يصح اطلاقا .... ولو فعلنا ذلك نكون قد أزدرينا الدين فى المقام الأول و فتحنا الباب لما يهدد التماسك الاجتماعى و الوحدة المطلوبة لبناء المجتمع ... و يجب أن نفهم ان هذا التسامح ليس تساهلا فى أمور الدين فى شىء ....

من هنا نرى أن الأمر الذى يثير الدهشة حقا هو استصدار قانون من مجلس الشعب المنحل ذو الأغلبية التى تنتمى الى تيار الاسلام السياسى لاعادة رقابة الاعمال الفنية بأثر رجعى فمعظم تلك الأعمال مر على عرضها عقود من الزمان ... و كانت قد حصلت على موافقة الأزهر الشريف و الجهات الرقابية المختلفة ... حيث أن أى عمل فنى يتعرض لشيوخ او لرجال الدين عموما او الموضوعات الدينية لابد ان يحصل على موفقات الازهر ... ألا تكفى موافقة الأزهر الشريف وهو الجهة العلمية و الفقهية الوسطية المعتبرة و المعتمدة ليس على مستوى مصر فقط ولكن على مستوى العالم ؟ فكأنهم بذلك يضعون فكرهم فوق علم وفقه و شرعية العلماء .... فاذا كانت الأعمال تتعرض الى ممارسات معينة من شخصيات ترتدى ثياب الاسلام و تتمسح بمظهره و يكشف من يتلاعبوا بأموال الشعب و مصيره فى ممارسات دنيوية باسم الاسلام ، فبالتأكيد هذا لا يتعرض لصحيح الاسلام بأى صورة من الصور كما جاء فى الحكم الصادر ...و يبقى موقف الأزهر جليا و هو ما أكدت عليه وثيقة الأزهر للحريات التى صدرت يوم (8-1-2012) لكل ما يخص الحريات و قد تطرقت وثيقته الى عدة أمور خاصة بحرية الابداع و الفن ... فقد أكدت الوثيقة أن القاعدة الأساسية التي تحكم حدود حرية الإبداع هي قابلية المجتمع من ناحية، وقدرته على استيعاب عناصر التراث والتجديد في الإبداع الأدبي والفني من ناحية أخرى، وشددت الوثيقة على عدم التعرض لكل أشكال الفنون ما لم تمس المشاعر الدينية أو القيم الأخلاقية المستقرة ....


فى ظل كل هذا الشد و الجذب نتساءل حول مستقبل محاكمات الفن فى المرحلة المقبلة ؟ كل موازين القوى تشير الى أن التيارات الاسلامية الحائزة على السلطة سوف تستمر فى محاكمة كل من يرون أنه عارضهم سياسياً في الأعمال الفنية حتى لو بذريعة ازدراء الدين .... فقد تقدم نواب من البرلمان المنحل بمشروعات قوانين ضد حرية الابداع وللرقابة على الأعمال التلفزيونية و السينمائية بدعوى مخالفتها للاخلاقيات العامة ... و قد ترددت اقاويل بأن ثمة اعمال كثيرة رفضتها الرقابة لمغازلة التيارات الاسلامية .... فهل كل هذا نوع من بالونات الاختبار لأمور يمكن أن تحدث فى المستقبل ....هل نتوقع ان نرى هيمنة على الفن ، كما شهدنا على سبيل المثال هيمنة و ديكتاتورية المجتمعات القمعية على الفن مما يشكل عودة لمحاكم التفتيش و السيطرة على الفكر و تنميطه و قولبته ؟ و هل سيقمع كل من هو غير اسلامى من وجهة نظرهم الشخصية ؟...و التساؤل الأكثر أهمية الآن : هل هذا وقت الانتقام و تصفية الحسابات ووعيد لمن يفكر فى محاربتهم او انتقادهم و لتصبح هذه الابداعات هى الابداعات المحظورة ؟ أليس من الأفضل مقارعة الفكر بالفكر و مجابهة الحجة بالحجة ؟..هل تتغير رسالة الفن نحو محاربة هذا الفكر ام تجبره ان ينساق فى نظام معين مثلما عمل آخرون فى نظم سابقة ، ام ان الاحكام التى صدرت بتحميل المحامين ستكون رادعة لأى شخص يفكر فى رفع قضية سواء أكان يبحث عن الشهرة أو يتبنى هذا الفكر ؟...و ها نحن نرى فى مواجهة ادعاءات تيار الاسلام السياسى يطالعنا صناع فيلم طيور الظلام بخبر استكمال جزء آخر منه ليعلنوا تمسكهم بمبادئهم و فكرهم مهما تعرضوا لأحكام قضائية ....فهل نحن الآن بعد الحكم القضائى الأخير فى مفترق طرق بين المبدعين و تيارات الاسلام السياسى و انذار بتوسع الهوة بينهم أم أن الحكم نقطة التقاء لرأب الصدع ... فماذا سيفعل انصار تيار الاسلام السياسى بعد هذا ،هل سيلجأون الى العنف بعدما خذلهم القضاء من وجهة نظرهم !!...

يجب ان يعلم التيار المتأسلم انهم لن يستطيعوا فهم الثورة إلا من خلال منطقها الجديد .... ليس بالأمكان ان نفهمها بمنطق الأنظمة التي قامت ضدها و لا بمنطق المجتمع السابق عليها و الذي زلزلته ... الثورة المصرية انتجت منظومة معرفية وابداعية جديدة و معايير جديدة أسست لثقافة جديدة ما زالت قيد التشكل...فواقع الأمر الابداعى والفنى يقول : ان مجتمعا مكبوتا و مقموعا و منتهك الكرامة و الكيان ، فور أفلاته من قبضة طغاته ، سيخرج كل ما فيه من ترسبات و أشكالات ... الثورة تجعل كل ما في مجتمعنا من أمراض ، كل ما ترسب في القعر منذ قرون ، كل العقد التي لم تحل، كل المظلوميات و كل المكنونات … كل ذلك يطفو من القعر الى السطح و ذلك فعلا أمر مخيف ... و لكن علينا ان نفهم ألا مجال لإخراج الجميل دون إخراج القبيح و لا مجال للاستقرار من دون المرور بالتوتر... و لا مجال لاقفال ملفات تاريخية من دون فتحها أولا...و بين هذا و ذاك ننتظر فى الأيام المقبلة الدستور المصرى و ما ستئول اليه المواد الدستورية بخصوص حرية ابداء الرأى و حرية الابداع بشكل عام الذى سيحدد موازين القوى ... ترى فلمن ستكون الغلبة ؟!..

هكذا هي الثورات, بعد مرحلة الفوضى و الصراعات و الاضطراب الاولى و بعد ان يصعد كل شيء الى السطح سيتم فرز ما يريده الشعب فعلا مما لا يريده... و ثقتنا كبيرة بان الشعب المصرى يريد حريته و تقدمه و مستقبل اطفاله و يريد كرامة امته... مثال صغير انصار مقولة “فلسطين هي البوصلة” يريدون من الثورة ان ترفع شعار تحرير فلسطين و دعم المقاومة لكي يعطونها شهادة في الوطنية .... و هم لا يدركون لانهم معرفيا ينتمون الى حقبة سابقة قيد الاحتضار ان الثورة المصرية هي اهم من قضية فلسطين ...و ان فعل التغيير الجذري الذي تحمله هو اهم من فعل المقاومة بدرجات عديدة... مما لاشك فيه ان فلسطين هي قضية الامة المركزية حسب ما تعلمنا ان نقول.. الا ان واقع الامر هو ان النهضة و الوجود هي قضية مصر المركزية.... قضية مصر هي ان نكون او لا نكون... التهديد الوجودي لا ينحصر بفلسطين و انما هذا التهديد الوجودي يستشعره المواطن العربي في الرباط و بيروت و القاهرة و سيدي بوزيد و مصراتة و تعز و كل ارجاء الوطن العربي... أمة مشتتة محكومة من اللصوص و القتلة و الفاسدين, تاكل ما لا تزرع و تلبس ما لا تنسج و تستعمل ما لا تصنع و تقرأ ما لا تكتب... أمة خرجت من العصر و التاريخ و الجغرافيا فباتت هباء منثورا, أمة كهذه ليست فقط عاجزة عن تحرير فلسطين... انها عاجزة عن منع احتلال و تقسيم و تفتيت باقي اقطارها.... انها مجموعة مزارع و ليست اوطانا و لا دول... الثورة اتت ضد هذا الواقع و من اجل تغييره و انتصرت تحت شعار تغيير هذا الواقع و ليس تحت اي هدف آخر, الا ان هذا الواقع يشمل كل واقع اشكالي آخر... ان عملية التنظيف و البناء و التجديد االتي تنتجها الثورة اهم بكثير من عملية الصمود و استنزاف العدو التي تمثلها المقاومةيا مرسى ... لان عملية الصمود هي فعل سلبي و ان كان ضروريا و نحن بحاجة للانقضاض على العدو و تمزيقه اربا و ليس فقط للصمود في وجهه.... و هذا الانقضاض لا يستطيع الا ان يكون نتيجة لعملية تنظيف كبيرة تكنس امراض مجتمعاتنا و دولنا و تكنس الحكام الطغاة جميعا ....

حمدى السعيد سالم



#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شبكة التوريث والمصالح العائلية الاخوانية تحكم مصر
- واحد عضنا
- حروب المنطقة واضطراباتها وتغييراتها بدأت بميلاد قناة الجزيرة
- الجزيرة والرقص مع جماعة الخرفان المسلمين
- الخيانة اخوانية
- مصطلح التغيير هو (الأخونة) مخطئ من ظن يوما أن للاخوان دينا
- أنت متحرش ... اذا أنت حيوان
- هل تنتبه القوى السياسية المصرية لما يجري على حدودنا؟
- الدستور باطل وغير شرعي ومصيره الحتمي السقوط
- 17سبب تجعلنى ارفض الدستور الجديد
- مرسى والاخوان اوجعتهم الحقيقة
- يسألونك عن الثورة( قل : الوطن او الموت)
- الافعى الاخوانية تسعى لكى تنهار الدولة مدنيا وتقوى اخوانيا
- روسيا وسوريا خير مثال على ان الطبيعة هى التى تحكم
- ثقافة طبق الفول وحمير الاخوان
- مريم المقدسة
- صرخة فى وجه الحسبة
- ائتلاف شباب الثورة ورقة التوت الاخيرة التى فضحت الجميع
- لا حذاء للديمقراطية يامرشد الاخوان
- عفوا نحن فى زمن جاهلية الاخوان


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - الفن والابداع فى زمن الاخوان