أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ليث العبدويس - الحَبلُ السُرّيُّ العَرَبي














المزيد.....

الحَبلُ السُرّيُّ العَرَبي


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3905 - 2012 / 11 / 8 - 18:20
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لَمْ يَدُرْ بِخُلدي يوماً أنَّ دُروبَ الحياةِ وأزِقّة الأيامِ سَتقودُني إلى ذلكَ المُنعَطَفِ الموبوءِ بِتقاطُعات المَصائِر المَجهولة وِقطع الدَلالة الغامِضةِ الاتجاه المُبهَمةِ اللُغة، فنحنُ العَربُ، وبشكلٍ استثنائيٍ من بَقيّة الخَلائِقِ، لا نَتحرّرُ مِن أرحامِ أُمهاتِنا إلّا نحو أقبية سُجونٍ يُسمونها مَجازاً أوطاناً.
نولَدُ عادةً بلا حَبلٍ سُرّي، بَلْ بِشيءٍ بَشِعٍ يُشبِهُ الأغلالَ والسَلاسِل، سيُرافِقنا في رِحلةِ النَكَدِ مِنَ المَهد الوَثير إلى اللَحدِ الحَقير، مَطلوبونَ لأجهِزَةِ أمنِ بَلَدِنا بِتُهمة إبصارِ النورِ، مُطارَدونَ تَحتَ طائِلةِ قانون مُكافَحةِ الحَياة.
ولأنّني أعشَقُ الحُريّةَ وتماثيلَها، وضوءَ الشَمسِ وإن خَفَتْ، وخريرَ الماءِ وَلو عُدِم، وزَقزَقَة الطيرِ الذي رَحَل، قَرّرتُ الارتماءَ تحتَ أقدامِ أصنامِ النِظام، إنفاذاً لِوصيّة أسلافي كابِراً عَن كابِرٍ صُعوداً إلى هابيل نَفسِه، ووطنّتُ نَفسي على إدارةِ كِلا خَدّيَّ لِيتلقيانَ ما شاءتْ إرادةُ "الذاتِ العَليّةُ" مِنْ صَفعات.
واظَبتُ على السيرِ بِجانِبِ الجُدران حَتّى كُدتُ أنسى سِعَةَ الطُرُقات، أيقنتُ بِجزمٍ لا يَقبلُ التأويل أننا أيتامٌ وَعالة على مائِدة صاحِبِ الجَلالة، يَهُشُّنا عَنها كَما يُهَشُّ الذُباب أو يَجودُ عَلينا بِما يَجودُ بِهِ القَصّابُ على الكِلاب، فإن شاءَ حَرَمنا فَكانَ حِرمانُنا مِحنة، أو شاء رَحِمَنا فكانتْ رَحمَتُهُ مُنحة، فالبِلادُ والعِبادُ والقَرادُ والجَرادُ أمانَةٌ في العُنُقِ المُترهلِ لِسيِدِنا الحَصور، وَهل تَصلَحُ الأمورُ بِغيرِ تَدبيرِ قائِدنا المُلهَمِ المُحَنّك الجَسور؟
صادرتُ بَصَري وَبَصيرَتي فلا يَقعانِ إلّا على ما يُرضي النِظام، وهل أُلامُ إن عَفّتْ نَفسي عَن الحَرام؟ وألغيتُ سَمعي فَليسَ يَلِجهُ غيرُ طيبِ الذِكرِ عَن سيرَةِ ساسَتِنا العِظام، وقَطعتُ لِساني وأطعمتُهُ لِقِطَطِ النِسيانِ والخَرَس، أوليسَ مَقتَلُ المرءِ بين فَكّيه؟ وهل يُنبئ الذِئبُ عن الأغنامِ غيرُ صَليلِ الجَرَس؟
لا أرى ولا أسمعُ ولا أتكلّم، حيثُ العَمى والبُكمُ والصَمَمُ دَليلُ الحَياةِ وَطوقُ النَجاةِ في عالم يُقبَرُ فيه الأحياءُ ويمشي فيه الأموات، فأن تاقَتْ عَينُكَ للألوان وأُذُنُكَ للألحانِ ولِسانُكَ للهَذيانِ فَدونَكَ دُنيا الأحلام، مَتّع فيها ناظِرَيكَ وأطرب سامِعَيكَ وَدلّل فِيكَ بالرُغاءِ والثُغاء على أتمّ التَمام.
أُسَدّدُ الفَواتيرَ وأُصلِحُ المَواسيرَ وألهَجُ بالدُعاءِ في السِرّ والخَفاءِ لِورَثَةِ الخِلافَةِ وأصحابِ السُموّ والسيادةِ والنيافة، مُصَفّقاً للخُرافَةِ ومُصَدّقاً أن تَعومَ البومُ أو تَطيرَ الزَرافة، فيا للتَفاهةِ ويا للسَخافة!
وَمَكثتُ على هذا الحالِ دَهراً بَدا أطوَل الدُهور، حتى سَرتْ في أحشاء الليلِ إشاعة، مَفادُها أنَّ أشقاءً لَنا ممنْ نلتَقي وأيّاهُم في يَعرُب وَقحطانَ راغُوا على هُبَلِهِم ضَرباً باليَمين فَفَرَّ شيطانُهُ اللَعين، وأنَّ غَيرَهُم نَكَسوا رأس الصَنَمِ في النِفايَةِ، واستخرَجوا سادِنَهُ المَجنونَ أشعَثاً أغبَراً زاعِقاً جاحِظَ العُيون واسلَموهُ لِمصَيرِهِ والنِهاية، وَغَيرُهُم آخَرونَ اقتادوا فِرعونَهُم مَخفوراً إلى قَفَص الاتهام بِتُهمَة العَبَثِ بالأرواحِ والأرزاقِ والأعراضِ والنِظام.
اليومَ واليومَ فَقَط، استَعدتُ رُجولَتي التي استَكثَرَها عليَّ النِظامُ العَنين، اليومَ فَقَط سَمَحتُ لِدمعي بالانهمارِ سَخياً وأنا أُعلِنُ الحِدادَ على كُلّ الراحِلينَ في زِمن الصَمتِ المَهول، اليومَ فَقَط سَأُرَتّبُ مَقبَرَةَ أهلي وأحبّائي بِحَسَبِ النوباتِ التي تركها فُقدانُهُم، والفَراغَ المُضَمّخَ بألمٍ لا يُحتَمَل.
اليومَ واليومَ فَقَط، سوفَ لَن أُطِلَّ برأسي عِند ذلكَ المُنعَطَفِ إلّا لأُرسِل أحدَ خُصومي إلى الجَحيم، سأنسِفُ قِطَع الدَلالة المَحنيّة الرِقابِ لأنَّ الشَمسَ وَحدَها تَكادُ تَصيحُ بِنا هَلِمّوا، سأشنَقُ آخِرَ الطُغاةِ بأمعاءِ آخِرِ الكَهَنة.
اليومَ فَقَط موعِدُ الانتقام ممن فقئوا عينَ الشَمسِ وَجفّفوا نبعَ المياهِ ورصفوا البلابُلَ أمام فِرق الإعدام، اليومَ فَقَط سأركُلُ وَجهَ النِظامِ وأقطَعُ وتينَ قابيل، اليومَ أعتَصِبُ بالغَضَبِ وأتمنطَقُ بِموجَةٍ مِن رَصاصٍ لَجِب، عَليَّ سيماءُ الحَربِ والحُبّ فهل تُرى يَصمُدُ الأقزامُ بِوجهِ عاشِقٍ مِنْ لَهَب؟

ليث العبدويس [email protected]



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعترافاتُ مُثقّف مُرتَزق
- الدخُولُ إلى صَبرا وشاتيلا
- إنْ عُرِفَتْ حَلَب... بَطُلَ العَجَب
- العَروسُ والكلاشينكوف
- وقائِعُ انتحار كاتبٍ غاضِب // ليث العبدويس
- نوري.. نوزاد.. وحُلُم الأكراد
- قِمّةُ بغداد.. الدُخولُ إلى الخارِج
- مملَكَةُ الأيمو
- في تأبينِ مُتسوّلة
- يوميّاتُ مَدينَةٍ مَذبوحة
- مُناجاةٌ القَمَرِ المُهَشّم
- إلى بَغدادَ دَمعي.. مَعَ التَحيّة
- السيّابُ لَمْ يَكُن رَكيكاً يا وَطني
- مُذكرات لاجئ سياسي 2
- مُذكّرات لاجئ سياسي
- نَحنُ.. والبَحرُ..وإسرائيل
- سوريا وَفَلسَفةُ الثُعبان المُقَدَّس
- رِسالةٌ إلى بشّار الأسَدْ
- وَقَفاتٌ عِندَ مُسلْسَلٍ مَمْنوع
- خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ


المزيد.....




- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ليث العبدويس - الحَبلُ السُرّيُّ العَرَبي