|
تلك الرائحة
ملهم جديد
الحوار المتمدن-العدد: 3904 - 2012 / 11 / 7 - 08:24
المحور:
الادب والفن
تلك الرائحة .......... عندما انتصف النهار ، و أصبح الحر أكبر من قدرته على الإحتمال . حمل الجد كرسيه العتيق . اجتاز غرفة الصالون ، و اتجه نحو الحديقة الخلفية . هناك أسند الكرسي على الجدار ، و كعادته في مثل هذا الوقت من أيام الصيف ، أغمض عينيه و كان على وشك أن يغفو ، عندما داهمته تلك الرائحة . صحيح أنه كان قد بدأ يشمها ولم يكن قد مضى عل وجوده في البرازيل سوى سنوات عدة . تأتيه لفترة قصيرة ، و في أوقات متباعدة ، إلا أنها أصبحت أكثر إلحاحا بعد تقاعده ، و من ثم رفيقته الدائمة بعد وفاة زوجته . ترافقه في يقظته و في نومه ، ومن أحلامه المشوشة ، لم يكن يتذكر سوى أنه شمَّ تلك الرائحة . و هكذا أصبح يقضي صباحاته المضجرة على عتبة البيت ، و هو يحاول فك ألغاز الأحلام التي كانت تتسرب من بين ثقوب ذاكرته كما يتسرب الرمل من بين أصابع يد ترتجف ، آملا في أنه إذا ما استطاع فك رموز أحلامه ، ربما ، يستطيع عندها معرفة سر تلك الرائحة ، لكن و من غير أن يعتريه اليأس ، كان أمله يخيب ، فيحاول مرة تلو أخرى ، و كان من الممكن أن يقضي ما تبقى من أيامه على هذه الحال ، لو لم يتذكر العرافة و مفسرة الأحلام " غلوريا " . ذهب إلى الحي القديم في المدينة و سأل بعض المارة عن بيتها . لم يأخذ الأمر الكثير من الوقت ، حتى كان وجها لوجه مع العرافة . قبل أن يسَّلًم عليها ، بادرت بالقول " فقط ، لو استطعت أن تتذكر جزء ، و لو بسيطا من أحلامك ، لكنت استطعت تفسيرها لك ، أما بشأن تلك الرائحة ، فإنه يحزنني أن أقول لك بأنني لا أستطيع مساعدتك " . هز الجد برأسه ، و كان قد وضع يده في جيبه ، و همَّ بسؤالها عن الأجر ، " لم أفعل شيئا لأتقاضى عنه أجر " ، شكرها ، و كان يهم بالمغادرة عندما أكملت " لماذا لا تلحق تلك الرائحة ؟؟!!" . في اليوم التالي و من دون أن يخبر أحدا ، حجز تذكرة طائرة ،و عاد إلى قريته في سوريا التي لم يكن قد زارها منذ أن غادرها قبل ستين عاما . وقف في ساحة القرية التي لم تبهره التغيرات التي أصابتها خلا ل غيبته الطويلة ، و لم يعنه أمر ما إذا كان أحد مما يعرفهم مازال على قيد الحياة ، أم لا ، كما لم يعنه فيما إذا كان أحد ما قد تعرَّف عليه . نظر باتجاه الشرق ، و استطاع أن يتبين شجرة الزيتون العتيقة من بين منازل عدة لم تكن قد بنيت عندما غادر القرية . أسرع باتجاه الشجرة ، ووقف أمام المنزل الحجري الصغير . دفع الباب الخشبي ببطء ، فسمع خفق أجنحة العصافير التي أفزعها الصرير . في الغرفة عبقت الرائحة ، و دمعت عيناه . نظر صوب الزاوية ، كان السرير الخشبي المتهالك مازال في مكانه ، اقترب منه . أسند عكازه على الجدار ، و أخذ يمرر يديه المرتجفتين على اللحاف المغبَّر ، و ما أن استلقى عليه ، و وضع رأسه على المخدة التي بهتت تطريزات أمه عليها ، حتى أصبحت الرائحة أكبر من قدرته على الإحتمال . أغمض عينيه و مات ..
#ملهم_جديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعارضة السورية و دور الضحية
-
المؤامرة و المؤامرة ....ثم المؤامرة
-
رائحة ثقيلة
المزيد.....
-
ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
-
خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو
...
-
في عيون النهر
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|